هنا الصماد ..بقلم/حميد رزق

 

من جملة النجاحات التي حققها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه انه أرسى منهجا تربويا وثقافيا عميقاً جدا لكنه غير معقد يصعب فهمه واستيعابه ، كان لذلك المنهج (الملازم) تأثير كبير في وجدان الفرد السليم بمداركه وأحاسيسه ، الفرد غير المنحاز أو المؤدلج ، وبما انه فكر لمشروع عملي فمن خصائصه القدرة على إنتاج الشخصية العملية الواعية الثرية والعميقة ، وهكذا بتنا نرى الملازم وقد تحولت من نصوص مقروءة أو كلمات مسموعة إلى شخصيات قيادية فذة تترجم الفكر حركة وعمل، مواقف وسلوكيات.

انتقلت كاريزما السيد حسين بدر الدين رضوان الله عليه والجاذبية والعمق لمحاضراته إلى الأفراد الذين آمنوا بالفكر وذابوا في القائد فكان هذا واحداً من أسرار التأثير الواسع لأنصار الله في المراحل اللاحقة .

شخصية الفرد الواعي والمتفاني ، المحنك والشجاع التي ميزت الفرد المنتمي لأنصار الله جعلت «مسمى حوثي وأنصار الله محبباً» إلى قلب وعقل الكثيرين فتحول جيل المجاهدين الرائد إلى أسطورة ولغز جذاب سعى الكثيرون إلى التعرف عليه والاقتراب منه ، فتسارعت الأحداث وتدحرجت بسرعة ،وكانت ثورة الشباب عام 2011 محطة مهمة أتاحت لأنصار الله فرصة النزول الى الشارع والاحتكاك بمختلف الشرائح الاجتماعية ، فتعرف الناس على الحوثيين «اللغز والأسطورة» فأثمر ذلك طفرة في التأثير والانتشار .

وبمقابل إشعاع الشخصية الأنصارية بالقيم والمبادئ المحببة إلى القلوب كانت الدعاية الإعلامية المضادة في الداخل والخارج تعمل بأقصى طاقاتها لتشويه أنصار الله وتنفير المجتمع منهم، إدراكا من أركان السلطة ورعاتها لمخاطر انهيار حواجز الصد والقطيعة التي صنعها النظام بآلته الدعائية بين المجتمع والأنصار وبرغم ضخامة الهجمة الإعلامية والفكرية ، إلا أن إشعاع القيم والمبادئ للشخصية الأنصارية كان أقوى وأكثر تأثيرا في هزيمة الدعاية والتضليل ،فالتحم الشعب بأنصار الله، وكان الناس يعجبون بطلائع هذه الحركة ورموزها وشبابها ونشطائها الذين كانوا عبارة عن شباب وفتية في مقتبل العمر يملأهم الإيمان الواعي والشجاعة والتفاني ومحبة الآخرين ، دفعهم الشعور بالمسؤولية إلى الحركة الدؤوبة في أوساط المجتمع ، ولم يطل الوقت حتى حدث التحول الكبير ممثلا في انتصار ثورة 21 سبتمبر التي قادها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بنجاح كبير.

الشهيد الرئيس صالح الصماد رحمه الله يعد واحداً من أبرز الطلائع القيادية التي أثرت في وجدان الناس وكان مثالا راقيا جدا للشخصية التي يصنعها فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وتصقلها قيادة السيد القائد عبد الملك حفظه الله .

الحديث عن عبقرية ومميزات الشهيد الصماد يعني أيضاً الحديث عن عبقرية المنهج وعمق الثقافة وتأثير القدوة التي أرساها الشهيد القائد فأخرجت الشخصية اليمنية من واقع السلبية والشعور بالعجز لتصبح صالح الصماد أو أبو حسن المداني ، احمد العزي ، أو حسن الجرادي وتصبح لاحقا حسن الملصي وصلاح القوبري وجيلاً كاملاً من الرجال والنساء الأفذاذ العظماء ممن صنعوا ولا زالوا يصنعون ملحمة الصمود الأسطوري أمام أشرس وأوسع عدوان تعرض له اليمن منذ فجر التاريخ.

عقب انتصار 21 سبتمبر اتسعت دائرة المسؤولية أمام الأنصار ووجدت طليعة المجاهدين نفسها أمام واقع مختلف ،فقد وضعهم الأمريكان في وجه فراغ مفاجئ للسلطة بالبلد فوقفوا على أطلال دولة في كتلة جغرافية وبشرية بحجم اليمن فكان التحدي كبيراً والظرف تاريخياً واستثنائياً، غير أن وألئك الرجال كانوا اكبر بهممهم وأكثر صلابة وإيماناً بوعيهم وثقافتهم ، فتمكنوا من إحكام السيطرة على الفوضى، وأوقفوا مشروع الخراب الذي سعت واشنطن والرياض إلى إطلاقه ليعصف باليمن أرضاً وإنساناً، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت مرحلة جديدة أكثر تعقيدا وخطورة ودشنت أمريكا والسعودية حربها المباشرة فكان العدوان تحديا وجوديا لا مجال للجبن أمامه أو التردد في التصدي له مهما كانت الحسابات والتبعات .

كان الشهيد الصماد رحمه الله في طليعة الثلة المجاهدة التي تصدرت المرحلة عندما أسند إليه أهم وأصعب المهام في أخطر وأعقد المراحل وهي رئاسة المجلس السياسي الأعلى أي رئاسة البلد ومن دون سابق تجربة في هذا المجال وبرغم انه لم يتلق تعليمه في أكاديميات الخارج لكنه كان الفارس والنموذج الذي صنعته الثقافة القرآنية، أتاحت الرئاسة للشهيد الصماد فرصة الحديث للناس في مختلف المناسبات وعند كل المنعطفات ، فتعرف الناس على نموذج جديد ومغير لرجل السلطة والرئاسة أرقى وأعلى في جوانب شخصيته وحركته من كافة النماذج التي قدمتها تجربة الحكم في البلدان العربية .

جسد رضوان الله عليه الثقافة القرآنية في شخص المسؤول الأول سلوكا وعملا ، تضحية وبذلا ، محبة وإيثارا بعيدا عما اعتاد عليه الناس في رجال السلطة والرئاسة ..

لقد أعاد الشهيد الصماد الاعتبار للشخصية المؤمنة القرآنية واقنع الناس أنها الأكثر قدرة على العمل في الظروف القاهرة ، تمتلك القدرة على إيجاد الحلول وتحمل الضغوط ومواجهة التحديات المصيرية والانتصار في أخطر المعارك المصيرية والوجودية

يؤثر عن الشهيد الصماد قوله : « أجزم لو شنت هذه الحرب على أقوى الأنظمة لتلاشى وانهار في عام واحد، بل أقل من عام»، وأنا أقول لو كان غير الصماد في موقع الرئاسة في الظرف الذي جاء فيه ابو فضل لما استطاع الاستمرار في موقعه أسبوعاً واحداً .

لقد كان الشهيد الصماد النموذج المشرق والمدهش والمؤثر برغم فترته القليلة في موقع الرئاسة لكنه حفر عميقا في وجدان اليمنيين وغير اليمنيين ، ارتقت اليمن به وبأمثاله من المجاهدين ،فعاد المجد إلى عرينه يروي حكاياته الأسطورية عن يمن الإيمان والحكمة باعتباره مصدر كل عز وفخر للأمة بأجمعها ..

قد يعجبك ايضا