نصرة اليمن لغزة تتجاوز العمل العسكري إلى فرض معادلات استراتيجية رادعة للكيان الصهيوني

الإنجاز الاستخباراتي اليمني صفع أمريكا وربيبتها حين تجاوز كل محاولات التمويه

العمليات اليمنية شلّت حركة المدمرات الأمريكية وما عاد لوجودها أي جدوى

أكدت عملية أمس الأول باستهداف سفينتين إسرائيليتين لتؤكد على أن اتخاذ قرار الدعم والمناصرة الشعب الفلسطيني لم يكن نتاج تأثر بموقف أو استعراض للعضلات، بقدر ما عكس أن التوجه نابع عن إيمان صادق وقناعة راسخة بأن مواجهة العد الصهيوني أمر لا مفر منه.
وجاء تثبيت المعادلة في وقت شهد الكثير من الحراك الترهيبي الذي قادته أمريكا لتعيىة مناخ الإبادة الذي يمارسه الكيان في غزة والضفة، ما دلل – حسب الكثير من المراقبين والتحليلات الدولية – على أنه ليس من الوارد أن تتراجع صنعاء عن القرار، خصوصاً مع ما يعيشه الشعب الفلسطيني من أبشع صور الإجرام، مع حصار خانق لا يدع لهم مجالاً لالتقاط الأنفاس وهم يفرّون من مكان إلى آخر من هول القصف الطائش للآلة العسكرية الصهيونية مع انعدام لكل وسائل الحياة.
في كل الأحوال لا يمكن تجاهل أن العدو على قدر لا بأس به من الذكاء، وقدرة على التحليل والاستنتاج، إلا أن فعله يكشف غالباً عن غلبة البلادة لديه وربما مرد الأمر ركونه المطلق على العسكري الأمريكي المتنقل بالمراقبة والحماية وحتى الدعم بالمال وبالسلاح، وما على الصهيوني إلا انتزاع أرواح العرب المسلمين في أراضي غزة والضفة من أجسادهم.
ومع موضوع استهداف سفن الكيان من قبل القوات المسلحة اليمنية يبدو أن قدرات العدو وإمكانياته في فهم المأزق الذي صار إليه قد خانته إلى أبعد حد، فعجز عن إخضاع المعطيات للقراءة والتأمل والتحليل، رغم تعمّده توجيه هذه المعطيات في الاتجاه الذي تخدمه.
فبعد أن هددت صنعاء بصورة علنية أنها سوف تستهدف أي سفينة إسرائيلية أو أي سفينة متعاونة معها، عمد الكيان إلى عدم رفع علم كيانه وعدم تشغيل المؤشر الكاشف عن الهوية، ومع ذلك لم يكن في هذا الأمر أي عائق لدى القوات اليمنية لمعرفة هوية السفن، فهل قرأ الكيان هذا الأمر بتامل؟ هل سأل نفسه كيف حدث ذلك؟ وكيف تفوقت الاستخبارات اليمنية في تمييز هذه السفن رغم عمليات التمويه؟
وربما يكون ذلك قد حدث، إلا أنه لا يريد مواجهة نفسه بحقيقة أنه قد يكون هناك من كشف عن هوية هذه السفن، ما يعني اكتمال الحلقة الطاردة لوجوده فكل المنطقة باستثناء بعض المطبعين ممن ربطوا مصيرهم بمصير الكيان، لا يرغبون بوجود الكيان من أصله وليس فقط قمعه عن عدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني، فغالبية العرب والمسلمين يُثنون في السر وفي العلن على عمليات الجيش اليمني ضد الكيان.
لا يكشف النجاح اليمني المبهر، عن تميّز استثنائي في العمل الاستخباراتي فقط، ولكنه يفضح مستوى العجز عن رد الهجمات، فالبحر الذي تنتشر فيه القطع البحرية الأمريكية لا يبدو لوجودها جدوى لجهة حماية الكيان الصهيوني من الهجمات وهي التي جاءت لهذا الغرض.
وهذه الحقيقة، أصبحت قناعات راسخة لدى العالم بأسره، وهو ما انعكس بصورة واضحة على قطع الكثير من الشركات للتعامل الاقتصادي مع الكيان لانعدام الثقة في توفر الامان، والذي انعكس بدوره على الوضع الاقتصادي داخل الكيان فرفع من كلفة البضائع نظراً لرفع قيم التأمينات المستحقة، كما زاد من الفترة الزمنية لوصول هذه البضائع نظرا للجوء الكثير من السفن الى الالتفاف حول القارة الأفريقية.
وأمس الاول، كشفت صحيفة غلوبس الاقتصادية الاسرائيلية مثلا، عن توقف ميناء “إيلات” عن العمل بشكل كامل، وبتسريح العمال فيه، نتيجة التهديدات اليمنية.
صحيفة غلوبس نقلت، عن مدير ميناء “إيلات”، قوله: إن تهديدات “صنعاء” أثرت على جميع السفن ولا توجد أي سفن تقريبًا تزور الميناء.
وفوق ذلك، تم إغلاق بوابات الميناء بسبب قلة العمل وتحويل الاستيراد الذي كان يستقبله ميناء “ايلات”، إلى ميناء حيفا.
المعادلة اليمنية
فرضت المعادلة اليمنية نفسها بقوة لاستنادها على مسببات منطقية وهي تلك الدائرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث زاد الكيان الصهيوني من إجرامه وهمجيته بحق الشعب الفلسطيني مستغلاً «إخلاص» الطوق الحديدي الذي تفرضه دول الطوق من دول التطبيع، وجُبن العالم عن تحويل الإدانات الواسعة لجرائمه إلى فعل يلزمه بالانضباط للإرادة الدولية.
ومع ذلك أعلنت القوات المسلحة عن الموعد الذي يمكن أن تتوقف حينه عن استهداف الاقتصاد الإسرائيلي وهو عندما يتوقف العدوان على الفلسطينيين.
لم يكن ما فعله ولا يزال جيش الاحتلال بالأمر الهيّن، كما لا يمكن لأي حر أن يقبل بهذا الاستفراد بقتل المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء، ولذلك يبقى الأمر بحاجة لكثير من الضغط، حتى يدرك هذا المتغطرس أنه ليست هناك أي صيغة شرعية تُجيز له ممارسة كل هذا الإجرام، وفضلاً عن وجوده غير الشرعي.
يتحدث العدو عن ضرورة إطلاق اسراه لدى فصائل المقاومة، فماذا عن الأسرى الفلسطينيين الذين في سجونه وهم بالآلاف من مختلف الفئات النساء والأطفال والمسنين، المقاومة ترفض إطلاق أسرى الكيان حتى يتم إطلاق الأسرى الفلسطينيين وهي قاعدة طبيعية، وما عاد بمقدور المحتل الاستمرار في هواية القفز على القواعد سواء احتمى بأمريكا أو موزمبيق.
وترفع دول محور الشر أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وباقي الأتباع أن من حق الكيان الدفاع عن نفسه، وهذه ايضا مغالطة وقفز على الواقع، فليس هناك أي تشريع في العالم يعطي الحق لجيش احتلال أن يمارس القتل تحت عنوان الدفاع عن النفس، وأفضل شكل للدفاع عن النفس بالنسبة للمحتل هو أن يرحل.
والى ذلك، فإن ممارسات جيش الاحتلال نسفت كذبة الدفاع عن النفس، فحجم القتل والتدمير والقصص المأساوية لأطفال تيتّموا ونساء ترملت أو احترقت قلوبهم على أطفالهن، يكشف عن أن الحقد الصهيوني هو الذي يحرك آلته من أجل القتل فقط.
خلال ساعات يستشهد المئات، وعداد الشهداء يتصاعد، ويبحث الناس عن قطعة خبز أو شربة ماء، أما المرضى والجرحى فمأساتهم تلعن المجتمع الدولي الذي صاغ كل المواثيق الدولية بشأن حقوق الإنسان في كل الظروف وجعلها إلزامية، لكنه لا يراها تنطبق على الشعب الفلسطيني، حيث غزة تواجه كارثة إنسانية تهدد بانعدام الأمن الغذائي والمائي والدوائي، حسب ما أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
ويؤكد قادة القتل في الكيان استمارات عملياتهم بحثاً عن الوهم، أبادوا كل شيء بحثا عن هذا الوهم، فحينا يبحثون عن أماكن المقاومة، وحينا عن الأسرى، وحيناً عن المخابئ والإنفاق، وكلها خيالات استخباراتية، يشكّلها لهم غرورهم واستعلاؤهم، فيصور لهم إمكانية الوصول إلى أهدافهم وأن من يواجهونهم، ليسوا بالقدرة على تحطيم هذا الغرور.
وربما مع تتابع حالات الفشل أصبح الكيان يشعر بمأزق الانتكاسات، لذلك لجأ حسب عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب اللبناني علي المقداد، الى قتل الأطفال والخدج والنساء بنسبة كبيرة ليعيد بعضًا من معنوياته أمام العالم وأمام كيانه، والحفاظ على سمعته، كرابع جيش في العالم، والأقوى في المنطقة»، وهذا ما تؤكده الإدارة العشوائية للمعركة بما يجعلها حرب للقتل والتطهير لغزة من البشر، وليس لأي هدف استراتيجي.
أمريكا في هذا الخضم ليست إلا شريكة فاعلة في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة.
والأحد الفائت، زعم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الامريكي جون كيربي لقناة “أي بي سي ان جيش الاحتلال يحاول بالفعل تقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى، متجاهلاً أن هذا الجيش العدواني ارتكب في ذات اليوم أكثر من (20) مجزرة سقط فيها مئات الشهداء، ومتجاهلا حديث متحدث منظمة الأمم المتحدة للطفولة جيمس إلدر، في نفس اليوم: بإن “أسوأ قصف في الحرب يجري حاليا في جنوب قطاع غزة، ونرى خسائر فادحة في صفوف الأطفال”.
أمريكا تعرقل إدانة الكيان
في هذه الأثناء تبين أن أمريكا كانت هي من عرقلت الجلسة الختامية للجنة الأمن الغذائي العالمي “سي اف اس” لمدة شهر كامل لعدم الاتفاق على صيغة بخصوص تجريم ما يحدث في غزة!
إذ اختتمت لجنة الأمن الغذائي العالمي CFS ـالمنبثقة عن الأمم المتحدةـ دورتها العامة الـ 51، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بدلاً من أن تكون في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك بسبب تعليق الجلسة الختامية المتعلقة بالأمن الغذائي المتعلق بالنزاعات، بعد تقديم ممثل مصر مقترحاً بخصوص تجريم استخدام الغذاء كسلاح في غزة، الأمر الذي استفز ممثل واشنطن الذي رفض المقترح وغادر القاعة.
وفي وقت لاحق، وبعد مشاورات أسابيع مع بعض الدول، وبشكل غير واضح ولا شفاف وقبل ساعات من الجلسة التكميلية تم تقديم نص معدل مخفف لذات الفقرة التي أثارت حفيظة الولايات المتحدة، لتضمينها في التقرير النهائي الصادر عن اللجنة  “تشدد على ضرورة الامتناع عن استخدام الغذاء والماء كأسلحة حرب في مناطق النزاع، وعن الحاجة إلى وصول آمن ومستدام وكافٍ ودون عوائق للسلع والخدمات الأساسية إلى المدنيين في جميع أنحاء قطاع غزة، إضافة للتشديد على دور منظمة FAO، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية IFAD، وبرنامج الأغذية العالمي WFP، بالتنسيق والتعاون مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى والمؤسسات المالية الدولية والهيئات ذات الصلة، في تقييم ومعالجة عواقب الصراع على الأمن الغذائي والزراعة في غزة وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وفي المناقشة الختامية انتقدت ممثلة الشبكة العربية للسيادة على الغذاء في آلية المجتمع المدني العالمي CSIPM، مريم محمد، في مداخلتها الاختلاف على الصيغة الذي لم يغير ما يجري على أرض الواقع خلال شهر، إذ أن ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي مجزرة وقصف عشوائي للمستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين والنساء والأطفال والرضع والشيوخ، ولا يمكن أن يمحي استخدام مصطلح “مناطق الصراع” حتى لو تم الاتفاق عليه حقيقة أن هذه المناطق محتلة بما في ذلك غزة وبقية أرض فلسطين.
وأشارت إلى أنه بينما كانت الجلسة متوقفة من أجل مناقشة “الصيغة”، كان شعبنا في فلسطين ولا يزال يتعرض للإبادة بأكثر أشكال الوحشية والفظاعة، فضلاً عن تجويعه وتعطيشه.
وأملت أن تتمكن لجنة الأمن الغذائي العالمي في ختام أعمالها من تقديم التوجيه والتوصيات القابلة للتنفيذ من أجل تحقيق عالم خال من الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، والتخلص من المعايير المزدوجة والحماية الانتقائية لحقوق الإنسان. وأشارت لحديث خبراء الغذاء في الأمم المتحدة الذين دقوا ناقوس الخطر بشأن خطر الإبادة الجماعية من خلال هذه الحرب عبر تجويع أهل غزة. وأضافت أن اللجنة ملزمة بالعمل بشكل عاجل من أجل منع الفظائع وتردي الوضع الغذائي، باعتبار أن ما يجري في فلسطين استخدام للغذاء كسلاح، ومن غير المفهوم، على حد تعبيرها، أن يصبح الحديث عن ضرورة وقف الإبادة الجماعية ووقف الحرب أمراً مثيراً للجدل.

 

الثورة / إدارة التحقيقات
قد يعجبك ايضا