مهرجانُ العرس الجماعي الثالث نموذجُ نجاح.. وسلاحٌ فعَّـالٌ لمواجهة الحرب الناعمة..بقلم/ العلامة/ عدنان أحمد الجنيد
المشاريعُ العظيمةُ التي تقومُ بها هيئةُ الزكاة، شاهدٌ حي وعملي وواقعي على توجّـهات الدولة للإصلاح المالي والإداري، ونموذج يجب أن يُحذى حذوه من قبل كافة أجهزة الدولة، ومن هذه المشاريع هذا المشروع العظيم، وهو تزويج (10044) عريساً وعروساً، في (مهرجان العرس الجماعي الثالث)، الذي يُعد استجابة عملية لقوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأيّامى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [ النور: 32]..
وهذا المشروع ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن حقّقت الهيئة مشاريع عدة في الزواج الجماعي، ناهيك عن المشاريع الأُخرى، التي لا تكاد تُحصر لكثرتها وتعددها، ولكن مشروع اليوم يعد المشروع الأكبر، من حَيثُ كثرة العدد، حَيثُ بلغ (10044) عريساً وعروساً، والذي كان شعاره (معاً لتيسير المهور وتحصين الشباب ومواجهة الحرب الناعمة)..
ويمكننا أن نعتبر هذا الشعار دعوة من الهيئة إلى المجتمع، كي يقوموا بترجمة مضامينه على أرض الواقع، وهذا لن يتم إلّا بالتوعية الكاملة لكافة شرائح المجتمع، وتثقيفهم بأن المغالاة في المهور من أكبر أسباب وقوع الشباب في الرذيلة، بل وتجعلهم فريسة سهلة للحرب الناعمة التي تفتك بالمجتمعات، لا سِـيَّـما الشباب والشابات..
من هذا المنطلق، يتحتم علينا التوعية والإرشاد وتقديم النصيحة، لوسائل إعلام الدولة والمؤسّسات الإعلامية، بأن تكون التوعية بجميع الوسائل المتاحة المرئية والمسموعة والمكتوبة، عبر القنوات والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي، وعبر الخطب المنبرية والندوات والمحاضرات والمجالس… إلخ.
فاللّهُ تعالى يأمر المجتمع، بما فيهم أولياء الأمور والحكام والمسؤولون والتجار، وكلّ من له دور وتأثير في تسهيل أمور الزواج)، يأمرهم جميعاً بقوله: (وَأَنكِحُوا الأيّامى).. والأيّامى جمع أيم، وهو كُـلّ ذكر لا أنثى له، وكل أنثى لا ذكر لها، سواءٌ أكانوا عُزَّاباً أَو ثيِّبين، وسواءٌ أكُنَّ مطلقاتٍ أَو أراملَ أَو توفي أزواجُهن، يأمرهم الله تعالى أن يساعدوا الفقراء والمساكين، ممن تتوق نفوسهم للزواج، كما يحصنوا نفوسهم، لكن فقرهم ومسكنتهم أعاقتهم عن تحقّق الزواج..
يأمرهم بأن يزيلوا جميع العوائق التي توضع للحيلولة دون زواجهم، فعلى أُولئك المخاطبين بالأمر الإلهي أن يعينوّهم وييسروا لهم أمور الزواج..
قال صلى الله عليه وآله وسلم: “ثلاث حق على الله عونهم -وذكر منهم- الناكح يريد العفاف” رواه النسائي..
وعلى أولياء الأمور أن لا يكون فقر طالبي الزواج مانعاً لهم في تزويجهم؛ لأَنَّ الله تعالى يقول -في الآية السابقة: (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ).
وهذا عهد من الله، أخذه على نفسه -تَفضُّلاً منه وتَكرُّماً- بأنه سيغنيهم، وهو تعالى لا يخلف وعده..
هذه الآية فيها -أيضاً- رَدٌّ على المُرجفين، الذين يحاولون أن يقللوا من أهميّة مشروع “العرس الجماعي”، كمثل قولهم: إن هؤلاء الذين تم تزويجهم ليس له فائدة طالما أنه ليس لهم وظائف!!.
نقول لهم: إن أغلبهم مجاهدون، وبعضهم موظفون، وحتى لو كانوا غير موظفين، ألم يقل الله تعالى: (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)، ونقول لهم: مهما ترجفون، فأنتم فاشلون؛ لأَنَّ المنطق والقرآن يردان عليكم، ثم إن فعل شيء خير من لا شيء، المهم أن هذه الآية (32) من سورة النور جاءت حلّاً وعلاجاً للآية التي قبلها.
فالله تعالى أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج، وعدم إبداء زينة المرأة إلا لمن ذكرتهم الآية.. فالحل والعلاج لمن يخشى الوقوع في تلك المنهيات، هو الزواج، ولا بُـدَّ من تسهيله وتيسيره؛ لأَنَّ به يتم الحفاظ على النوع الإنساني، وصيانة الأنساب من الاختلاط، ولكي تعم الفضيلة، وتتلاشى الرذيلة، وتموت الفاحشة.. وحينئذ يكون مجتمعاً محصناً مما يقوم به الأعداء، من تمييع الشباب، وسلخهم عن دينهم وقيمهم..
وهذه هي من وسائل الحرب الناعمة، التي يسعى من خلالها الأعداء في القضاء على المجتمعات المسلمة، فهم يشتغلون -ليل نهار- في تدمير القلوب، وتجميد العقول، وتلطيخ النفوس في قاذورات المجون والخلاعة، التي يقومون بنشرها عبر المواقع الإباحية، وذلك؛ بهَدفِ أن تكون تلك المجتمعات لا هَمَّ لها إلا كيف يقضي أبناؤها شهواتهم، سواءً كانت من حلال أَو من حرام..
لهذا كان وجوباً على المجتمع، لا سِـيَّـما الذين بيدهم تيسير الزواج وإعانة ومساعدة كُـلّ من يسعى إلى تحصين نفسه، الإسهام في التوجّـه الجمعي لتيسير الزواج.
هذا وإن الهيئة العامة للزكاة، في قيامها وتبنيها لمثل هكذا مشاريع، لهي تقوم بتحجيم خطورة الحرب الناعمة، بل وتتصدى لها من خلال إنجاز مثل هذه المشاريع، التي تعيد للإسلام أصالته وقيمه وعظمته..
وجدير بالأغنياء ورجال الأعمال وأصحاب الأموال أن يبادروا جميعهم إلى إعطاء زكواتهم وتبرعاتهم وهباتهم وَ… إلخ إلى الهيئة العامة للزكاة، التي أثبتت صدق توجّـهها العملي، وإخلاصها في أعمالها، منذ إنشائها إلى اليوم، بما نشهده على أرض الواقع من هذه المشاريع الخيرية، التي لا تكاد تتوقف، فلا يمر يومٌ إلا ونرى مشروعاً للهيئة، مع فروعها في جميع المحافظات الحرة.
فجزى الله خير الجزاء القائمين على الهيئة، رؤساء ووكلاء ومدراء وموظفين ومحصلين، وغيرهم، الذين أحيوا ركناً من أركان الدين، وبيضوا وجه سيد المرسلين، صلوات الله عليه وآله أجمعين.