قصة شهيد .. الشهيد عقيل عبدالله النعمي

 

قصة شهيد .. الشهيد عقيل عبدالله النعمي ” الحلقة الأولى”

 

ولد الشهيد عقيل عبدالله النعمي في عام 2000 بأحد ارياف مديرية كحلان الشرف م/حجة ..

في السنة الاولى للعدوان عام 2015 التحق بالشباب المجاهدين بجبهة حرض وهو ما يزال في عمر ال15 من عمره ..

حاول الشباب في الجبهة ارجاعه اكثر من مرة غير انهم كل محاولاتهم باءت بالفشل

فتم تكليفه بالبقاء في الجهة الخلفية للجبهة ، ليتولى احضار بعض ما يحتاجه المجاهدون من الطعام والشراب ونقله اليهم

ولأنه كان يتولى عملية نقل الطعام تحت جنح الظلام فوق دراجة نارية، فقد شاء له القدر ان يصتدم بطقم آخر للمجاهدين كان آت من الاتجاه المعاكس تحت جنح الظلام ، بينما شهيدنا كان راكب على الدراجة النارية فكسر ساقه، فكانت اول اصابة له في الجبهة العسكرية ..

تم اسعافه الى مدينة حجة ، وهناك اجبر على الرقود في المنزل ثلاثة اشهر ..

عاشها وكأنه بداخل معتقل ..

كانت نفسه تتوق للرجوع الى رفاقه في الجبهة ..

لقد كان رحمه الله شعلة من الحيوية والمرح والنشاط .

وذات يوم خرج من منزلنا بمدينة حجة ، يتوكأ على العكاز ، وفجأة رأى مجموعة من رفاقه ، على ظهر احد الاطقم وهم يجوبون شوارع المدينة ، فنادهم بأعلى صوته ، فتوقف الطقم ، ورجم بالعكاز واخذ يجري اليهم على رجل واحدة حتى وصل اليهم وصعد على ظهر الطقم ..

حاول رفاقه ارجاعه غير انه اقسم لهم انه قد تعافى وما عاد باقي إلا شوية ورفض النزول من على صهوة الطقم ..

لم يستأذنا ولم يخبرنا ..

انتظرناه في المنزل كثيرا فلم يعد فخرجنا نبحث عنه فجاءنا احد الاصدقاء ليبلغنا ان عقيل قد ارتحل فوق احد الاطقم ونزل مع اصحابه جبهة حرض وميدي ..

مكث سنة مع رفاقه بجبهة حرض .. وفي ذات مرة وتحديدا في العام 2016 تم تكليفه بالبقاء على احدى التباب الواقعة شمال مدينة حرض ليستطلع العدو وتحركاته ، وظل يقوم بعمله مع بعض رفاقه على اكمل قيام ..

وذات ليلة وبعد ان ادى مع رفيقه صلاة الفجر نزل من التبة ليوقض بقية رفاقه النائمين لإداء صلاة الفجر ، وليستلموا الموقع بدلا عنه وعن رفيقه ..

فتفاجا بزحف كبير ومفاجئ لأليات وعربات العدو ..

فاخذ يطلق ببندقيته حتى تعطلت ، غير انها لم تجد نفعا امام الرتل العسكري الزاحف بالعربات والآليات ،

قال لي لم يكن معي في تلك اللحظة سوى طلقة واحدة من طلقات الآر بي جي ، فاطلقتها غير انها لم تصل للهدف ..

يقول عقيل وبينما نحن في خضم صد الزحف تفاجأت بطلقة نارية اصابت ساعد يدي الايسر ..

فهرع الي زميلي وربط لي ..

غير أنه وللأسف الشديد جاءته طلقة نارية في راسه فاستشهد في حضني على الفور ..

فأخذت بندقه وقمت بإطلاق النار به ، لأتفاجأ بطلقة نارية تدخل من ظهري وتخرج من الجهة اليمنى ..

لم اجد من يربط لي ويوقف نزيف الدم ..

يواصل عقيل حكاية قصته او بالأصح بطولته فيقول ..

بعد ذلك تمكن العدو ووصل الى مكاننا ..

كان رفاقي قد سقطوا في ميدان المعركة جميعا ..

لم يبق سواي ..

نزل افراد العدو يبحثون بين جثث القتلى عما إذا كان احد منا ما يزل على قيد الحياة  . ..

يقول عقيل

عندما وصل العدو كنت ارقبه عن كثب ..

كنت اراهم وهم يبحثون عما إذا كان هنالك احد منا ما يزال على قيد الحياة ليأخذوه على ظهر العربة ويعتقلوه كأسير ..

كانوا يركلون جثث الشهداء بأرجلهم ليتأكدوا من ذلك ..

كنت قد اوهمتهم اني قد فارقت الحياة ، غير ان احدهم ركلني ببيادته في مدخل الرصاصة  التي اصابتني، فأطلقت صوت ألم دون ان اشعر آآآح ..

صاح لرفيقه يا محويتي هذا عادو بخير شلوه فوق العربة ..

فخفت من الاعتقال اكثر من اي شي آخر ..

فجاء المحويتي قال والله مازد اشله ، ماغر نكمله ، وعمر بندقيته وذفف علي بطلقة دخلت من بطني وخرجت من ظهري وأخذت معها احدى الكليتين .. فأوهمته مرة اخرى اني قد فارقت الحياة .. هكذا يقول شهيدنا عقيل ..

عندها جاء احد الشباب بالمدد (فطور الصباح) على ظهر دراجة نارية

لم يكن يعلم شيئا ..

واذا به يتفاجأ بالعدو قد دخل الساحة .. فهرع الى اسلاك الالغام ليفجرها فتفجرت عن بكرة ابيها ، فسمعت المرتزقة يقولون

العدو جاء . العدو جاء .. العدو جاء ..

فحركوا عربياتهم وفروا بها هاربين ..

بعدها هرع هذا المجاهد إلي واصعدني خلفه على ظهر الدراجة النارية ، وقال لي امسك فيني بقوة ، واسرع بي الى الخيمة الطبية ..

وبمجرد وصولي فقدت الوعي ولم افق الا وانا بالمستشفى الجمهوري بحجة ..

والكلام الى هنا ما يزال لعقيل .

جاءني اتصال وانا بصنعاء بالصباح الباكر أن عقيل قد وصل جريحا الى المستشفى الجمهوري بمدينة حجة ، فتحركت على الفور الى حجة ..

دخلت عليه بالعناية المركزة فوجدته فاقدا لوعيه ، خرج بعد بضعة ايام من العناية ، فدخلت عليه فلم اجد منه الا الجلد والعظم  .. بسبب نزيف الدم الذي كان قد نزفه في الموقع من جراحه الغائرة

 

 

قصة شهيد .. الشهيد عقيل عبدالله النعمي ” الحلقة الثانية”

كان عقيل فوق سرير المشفى عباره عن شبح ميت، اضلاعه بادية وبارزة بشكل واضح وجلي .
اما جسده فكان اشبه بالمنخل ..
كان اصعب شي يؤرقه عدم استطاعته الاستلقاء للنوم ..
لذلك كان ينام جالسا .

لأن الرصاص كانت قد اخترقت كل اجزاء جسده البطن والظهر والجوانب ..
قرر الأطباء نقله الى المستشفى العسكري بصنعاء ..
قمت بزيارته الى العسكري ، فوجدته بدون مرافق ، وانا في مهمة ميدانية بإب ، واخوه زكريا بالجبهة ، وكميل مايزال صغيرا ..
لم اكن امتلك ريالا واحدا ، كي استأجر له مرافقا يتابع الاطباء ويعمل له الاشعة والفحوصات اللازمة ..
فعدت الى المنزل وفيني من الألم والخزن ما لا يعلم به الا الله ..
وانزلت منشورا في الفيسبوك طلبت من الاصدقاء مدنا بالدعاء له بالشفاء والبقاء ..
ثم غفوت قبل صلاة الظهر قليلا فرأيت في المنام احد الاصدقاء يقول لي لماذا لاتتصل بفلان وتطلب منه سلفة تستطيع من خلالها ان تستأجر له مرافقا يقوم بالبقاء لديه ??
فقمت من غفوتي لاتفاجا برسالة في تلفوني من ذلك الشخص يقول لي فيها اذا احتجت مصاريف تستعين بها في علاج عقيل فاتصل بمكتبي يدي لك مائة الف ..

وهذا اغرب موقف وجدته في حياتي ??
ياالله
مالذي عرفه اني احتاج مصاريف ?
مالذي اوحى له يرسل لي بهذه الرسالة ?
رغم انه كان في الخارج ولم يكن في اليمن !!!

مكث شهيدنا الغالي عقيل بضعة اشهر تحت العلاج ، اجريت له اكثر من ست عمليات .. ذاق في المستشفى انواع الآلام والاتعاب ..
وماإن تماثل للشفاء حتى هرع الى جبهة الساحل ليشارك في خوض معركة الدفاع عن الدين والوطن بجبهة الخوخة ..
وله فيها بطولات عجيبة .

هل اواصل ام يكفي ??

 

 

 

قصة شهيد .. الشهيد عقيل عبدالله النعمي ” الحلقة الثالثة”

اتصلت بمكتب صديقي واخذت منه المبلغ واودعته لدى ام عقيل ..
ونزلت لتلبية المهمة بمحافظة إب
واتصلت بعقيل وقلت له لقد اعطيت لك مائة الف عند امك استاجر لك مرافق من المرافقين حق بقية الجرحى الذي عندك بالغرفة ..
قال مادخلك من المرافق هات المئة وبس ..
قلت له ماتشتي بها ?
قال اشتي اشتري لي مسدس ..
ههههههههه
قلت له الله يحفظك هذه مئة حقك تاكل وتشرب وتستأجر منها من يساعدك ويمشيك الاشعة والفحوصات ..
والمسدس ابشر بمسدس جديد ..
كان رحمه الله يهوى السلاح ويفضله على طعامه وشرابه ..
يعشق السلاح ويهواه ويعرف انواعه واقسامه واسعاره ، والجيد والضعيف والقوي والاسلحة الكبيرة والصغيرة والمتوسطة ..

يعرف عنها اكثر مما يعرف عن نفسه ..
بعد ان تشافى من جراحه الغائرة ، توجه فورا الى مديرية الخوخة بالساحل الغربي ، وهناك صمد مع رفاقه صمود الاسود الضواري ..

وفي أحد الأيام اصيب أحد رفاقه الذين كانوا في المترس القريب منه بطلقة رشاش اصابت بطنه ..
غير انه كان مايزال حيا ..
لم يكن يوجد في تلك التبه دونهما ..
لم يستطع عقيل ان يزحف إليه ، لان العدو كان قد تقدم بزحف كبير عليهما ، واضحى العدو مطلا على مكانهما ..
غير ان أنين الجريح كان يقض مضجعه ..
فزحف اليه على بطنه مسافة عشرة امتار تقريبا ..
إلا أن رشاشة العدو كانت قد ادركته ، فأطلقت رصاصتها على شهيدنا الغالي عقيل ، فأصابت اعلا فخذه الايسر وانتهت بأسفله ، ففتحت لحم فخذه كما لو ان سكينا حادة هي التي فتحتها ..
فواصل الزحف حتى اتى على صديقه ، فربط له، وربط لنفسه ..
وفي تلك اللحظة تمكن احد المجاهدين ان يصل اليهما ومعه قليل من الشاش وبعض الاسعافات الاولية ..
وتولى سحب الجريح المصاب بطلقة في بطنه، حتى تمكن من الاختفاء من اعين العدو، ثم حمل الجريح على ظهره محاولا اسعافه غير ان الشهادة كانت اسرع اليه ، فلفظ انفاسه الاخيره وهو على ظهر زميله ..
اما عقيل فقد زحف على بطنه بجراحه، ثم اخذ يتقفز على رجل واحدة حتى وصل بين رفاقه، فتم اخذه واسعافه الى المستشفى العسكري بالحديدة ..
ومكث فيه مايقارب الشهرين ..
وماإن تماثل للشفاء حتى توجه الى جبهة ميدي وحرض مرة اخرى ليواصل مشوار جهاده وكفاحه في سبيل الله وفي سبيل الدفاع عن شعبه وارضه ..
لقد كنت ادرك جيدا ان مكانه في فردوس الشهداء وانه لن يتاخر طويلا ..
لذلك سارعت الى تزويجه لعل الله ان يرزقه ولدا يخلد ذكره ويواصل مشواره ، قبل ان يرتق الى مصاف الشهداء ..
وفي نفس الوقت كانت قيادة المعركة ترى ان شهيدنا قد انهكت الجراح جسده الضعيف ، ونالت من قواه ومن صحته .. فكلفته بعمل آخر في صنعاء بعيدا عن ارض المعركة ، وذلك بان يتولى شراء بعض محتاجات زملائه المرابطين ويرسلها الى محرابهم المقدس ..

غير ان المسافات التي كان يقطعها داخل امانة العاصمة بحثا عن الاشياء المطلوبة ، كانت تأخذ منه وقتا طويلا ، لعدم وجود وسيلة نقل يستعين بها في تحقيق ماكلف به ..
فطلب مني ان اشتري له دراجة نارية ، فرفضت لأني كنت اعرف ان يده اليسرى ماتزال معطلة بنسبة 20% بسبب الطلقة النارية التي اصابت عظم ساعده ولايستطيع ان يحكم قبضته على مقود الدراجة النارية ..
غير انه كان يلح علي في طلبه ..
حاولت اقناعه بالمزيد من الصبر حتى نتمكن من شراء سيارة صغيرة ..
غير انه رفض ..
فسهل الله ووفرنا نصف المبلغ والمبلغ الاخر رهن فيه ذهب زوجته، واشترى لنفسه الدراجة النارية ..
وظل يؤدي عمله المناط به على اكمل وجه ..
وفي نهار يوم السبت ال16 من جماد الاول 1441 الموافق 11 يناير 2020 .. تناولنا الغداء معا ومعنا ضيفنا الكريم الاستاذ عبدالله مفضل الوزير ، وماهي غير ساعة حتى جاءنا إتصال مفاجئ بأن عقيل قد تعرض لحادث مروري في شارع التلفزيون، وأن علينا سرعة الوصول اليه .. فهرعنا الى المكان المحدد فلم نجده ووجدناه بأحد المشافى القريبة من الشارع المذكور ، وعند وصولي اليه تبين لي أن روحه قد اعتلت الى سماء العليين ليلتحق برفاقه الذين طالما ظلت ضحكاته ترتفع معهم لسنين طويلة ..

وترجح لي أنه ربما تعرض لجلطة مفاجئة وهو يقود الدراجة النارية ، لأن الكثير من اوردته كانت قد تقطعت وتمزقت اكثر من مرة اثناء اصاباته في مواقع العز والشرف، فترجل عن جواده ، واستسلم لباريه ، والتحق برفاق دربه صابرا محتسبا مثخنا بالجراح ..

وهكذا رحل شهيدنا إلى عالم الأحياء بعد رحلة مليئة بالنضال والكفاح والبطولة والاستبسال في سب يل الله تعالى ..

وقد رثاه اديبنا الكبير واستاذنا الشهير عبدالحفيظ الخزان بقصيدة شعرية خلطها بدموع قلبه قبل دموع عينيه ..
سانزلها في منشور لاحق ان شاء الله .
وقد رثاه الكثير من الشعراء والأدباء ومن ابرزهم الشاعران الشهيران عبدالحفيظ الخزان ومعاذ الجنيد ..

 

 

 

 

الحقيقة/ كتب/ القاضي عبدالله محمد النعمي

والد الشهيد

قد يعجبك ايضا