فيضانُ شعور

إقبال جمال صوفان

عِشنا طفولتنا ولم نتوقع يومًا أننا سنواجهُ ماهو أكبر مِنّا ، مضينا ننتظرُ متى سنكبُر وكَبِرنا دونَ أن نشعر، وَصلنا لِما كُنّا نستعجل عليه، ونُسرعُ للوصول إليه، حاولنا قدر الإمكان أن نكون فِيْ مكانةِ أشخاصٍ كانوا قَبلنا ، طَمحنا للكثيرِ وسعَينا للأكثر، حلّقنا فِيْ سماءِ خيالاتنا الواسِعة، ورسمنا أجمل الأهداف، رأينا أروع الأحلام، وكتبنا أبسطَ العبارات، خبأنا الأمُنيات، وأطلقنا الدّعوات، سهرنا مع القمر، وتحدّثنا مع النّجوم، رأينا الأمطار ، وتظلّلنا بالأشجار، عِشنا الأفراح، ونسينا الأتعاب، أغمضنا أعيُننا على أملِ الإستمرار.

نهضنا مِنْ تلك اللحظات، لنواجه ماهو آت، خُيّرنا بين صعوباتٍ وملامات، أوحقًا صِرنا بين المسؤوليات؟! نعم لقد أصبحنا هُناك، نعيشُ الأيام بشتى تفاصيلها ، ونتنقل بين الأعوام بمختلف مناسباتها، نُجاري الأحداث، ونستصغر المسافات، نبكي حتّى تبتلّ مخداتنا، ونسجد حتّى تسقط دمعتُنا، نقرأ القُرآن حتّى تهدأ قلوبنا، ونصوم حتّى نشعر بغيرنا، نستمع المحاضرات لنزكي أنفسنا، نبتعد عن كل أجواء التطور لنجد ذواتنا ونستقل بأفكارنا .

نعيش الوجع وحيدين، نُخفيه، نُكابده، نسهر لياليه المؤلمة، يبقى غُصةً عالقة في الحنجرة، لا يُشفى فننساه ولا يستمر فنتعايش معه في المُنتصف مابين الدمعة والحُرقة، ننهض صباحًا بعدم القدرة على فتح العين قبل نزع اليد! نمشي على الأرض أجسادًا دون أرواح بفعل تأثير ذلك الوجع والكتمان، كُل شيء باهت دون لونٍ أو شكل، الطعامُ المُفضل غير مرغوب! شُرب قليل مِنْ الماء صعب جداً .

نضيعُ، نتشتت، تتالىٰ علينا الخيبات مِنْ عدةِ جهات، ننجحُ ، نفشل، نتقدم ونعود مِنْ جديد، نُهزم في أوجِ انتصاراتنا على أنفسنا، وتخرّ قوانا فِيْ الّلحظات الأخيرة لصمودنا، نُعاني فقد أحبابنا، ونتذكر تفاصيل تواجدهم، نمضي دون الإلتفات إلىٰ الوراء ، ونحاول قدر الإمكان نسيان ما مررنا له.

نتمسك بالحبل الذي لا ينقطع، والآيات الّتي لا تتغير، سننٌ ثابتة وَ وعودٌ صادقة، هو حبل الله تعالى الّذي لا يعجزه شيء، من بيدهِ مفاتيح قلوبنا وهمومنا، مَنْ إذا ارتبطنا به فقد فُزنا وسُعدنا في الدُّنيا والآخرة، الأول ليس قبله شيء الآخر ليس بعده شيء، هو من يتولّى مداواتنا من الداخل ويُطيّب جروحنا المخفيّة وخيباتنا المُتكررة، هو مَنْ ينتشلنا من عمقِ الضّعفِ إلى ذروةِ القوّة، ومِنْ قاع الأوهام إلى صواب الواقع ، مَرجِع العِباد و نور الأهداب.

وفي الأخير أعذرني عزيزي القارئ إن أطلتُ الكلام فما كان كل ذلك إلا فيضان شعور.

قد يعجبك ايضا