جريدة لندنية : ‎إقرأ عن التجربة الأمنية للحركة الثورية في اليمن ..اسقاط شبكة تجسس تابعة لCIA في صنعاء

اسقاط شبكة تجسس تابعة لCIA في صنعاء .. إقرأ عن التجربة الأمنية للحركة الثورية في اليمن

ما بين منتصف العام 2012 وحتى منتصف العام 2014 اغتيل نحو 70 شخصية في اليمن معظم الضحايا كانوا ضباطا أو مساعدين في جهاز الأمن السياسي،

بالإضافة إلى عدد لا بأس به من الشخصيات السياسية والأكاديمية وعلماء دين، فضلا عن التفجيرات التي تبنتها القاعدة وضحاياها بالعشرات الغالبية من الضحايا مدنيين.
هذه النسبة كانت ولا تزال غير مسبوقة بالمقارنة بالأعوام التي سبقت. كصحفيين وباحثين اعتبرنا ذلك كجزء من تبعات انهيار الدولة في العام 2011 (ضمن الربيع العربي) وانقسام المؤسسة العسكرية والأمنية وصراع داخلي بين الفرقاء ،
والأخطر أن تنظيم القاعدة خرج إلى الواجهة وسيطر عسكريا على مناطق واسعة وسط وجنوب شرق اليمن.

لقد بدا لنا أن الخروج من هذه النفق يرتبط بتعافي الدولة ومن ثم تحولها إلى دولة متمكنة أمنيا وهو حلم بالغ التعقيد حين ذاك، نظرا للكثير من الأسباب يطول سردها وأود تجاوز ذلك إلى ما يحدث لاحقا، عندما سيطرت الحركة الثورية التي قادها أنصار الله على مركز وعاصمة الدولة صنعاء في سبتمبر 2014 بعد أشهر محدودة أي مارس 2015 أعلن عن تدخل عسكرية تقوده الرياض بدعم من واشنطن لإسقاط التغيير.

هل يمكن تخيل، كيف يمكن أن يكون الوضع الأمني في هذه الحالة؟
كان على الحركة الثورية لزاما ان تتغلب بالضرورة على هذا التحدي المعقد لأن مزيد من الانهيار الأمني وسط الحرب سيؤدي إلى سقوط الحركة الثورية بالفوضى (كان ذلك أحد ابرز أهداف التحالف وجزء من استراتيجية الأمنية والعسكرية) لكن هل بإمكان الحركة الثورية ومكوناتها التي يغلب عليها الطابع القبلي والديني وبعض القوى السياسية وسط هذه الحلقة الواسعة من الصراع أن تتمكن من ذلك!
صحيح أنه كان هناك انضمامات أمنية وعسكرية من الدولة العميقة ، انما لا يمكن البناء والاعتماد عليها وخصوصا في الجانب الأمني.

في الوقت نفسه ليس من هناك متسع من الوقت، فقط تركب الفوضى كل شيء في ليلة ونهارها.
هل يمكن التأمل إلى هذه المقاربة: هشاشة وانهيار أمني سابق، ثورة تغيير وتفكك للأجهزة الأمنية، تدخل عسكري خارجي، حركة ثورية خبرتها شبه محدودة في تكوين شبكة أمان لدولة تتعرض لحرب.

وضعت هذه المعادلة للنقاش مع زملاء كمحاكاة لما يكن ان يجري في الواقع ، فلم يكن هناك سوى الاتكال على جهاز الأمن الوقائي للحركة ، رغم كون العملية تختلف كليا عن إدارة أمن دولة في ظروف حرب وحصار.

اضيف إلى ذلك خبرات جديدة ومتطوعون ضباط قدماء يمكن الوثوق بهم ، الاتكال على الله، لقد حدث ذلك بالفعل. السقف المطلوب، حماية الدولة من الانهيار، حماية المؤسسات، ردع العصابات في حال تكونت، حراسة المواطنين.
من المنظور الأمني والوطني والقومي، هذا السقف جزء محدود من مهام وزارة الداخلية، وبالتالي سيبقى الباب مفتوح لتشكيل خلايا تجسس وخلايا تخريب وخلايا اغتيالات وتصفيات وخلايا رصد ومعلومات ، فضلا عن الاختراقات اللامحدودة ، وبالفعل هذا أيضا ما حدث.

ان أشياء كثيرة بدا تخطيها أمرا مستحيلا في المعركة الأمنية والاستخباراتية، وأحيانا كثيرة بدا النظر إلى المقاربة بين ما تملكه الحركة الثورية من إمكانية وخبرة وتأريخ أمني واستخباراتي وما يملكه خصومها مسئلة مخيفة.
على سبيل المثال على الحركة مجابهة، الجهاز الاستخباري للدولة العميقة المنحاز للتحالف بما يملكه من معلومات ونفوذ وسواتر، عليها أيضا مواجهة أجهزة الاستخبارات التابعة لدول التحالف، السعودية، الامارات، مصر، وقبل ذلك والاهم CIA و FBI، وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بما له من تاريخ ونفوذ وشبكات في اليمن ومحيطها.
في الأشهر الأولى من الحرب وبينما تحتدم المواجهات العسكرية في عدد لا محدود من الجبهات بين قوات الحركة الثورية ومجموعات التحالف ، وبينما تتعرض العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات للقصف الجوي شبه اليومي ، كان الأمن يتجه إلى الاستقرار، انحسرت الاغتيالات، المسيرات التي تخرج بصورة مستمرة لدعم الثورة والتنديد بالحرب تمضي بسلام دون تفجيرات القاعدة ، هذا إيقاع حياتي أمني معاكس لطبيعة ما يمكن أن يحدث في هذا الظرف ! هل توقف خصوم الثورة عن استخدام الحرب الأمنية !؟

ثمة سقطة وقع فيها أحد ضباط المخابرات السعودية الذين كانوا يحللون عسكريا وسياسيا وأمنيا للفضائيات حول الحرب على اليمن، عندما سأل السؤال نفسه الذي وضعته قبل السطور الأخيرة، أين الحرب الأمنية، لماذا لا نشهد تفجيرات في العاصمة صنعاء .. كان هذه أسئلة استغرابيه على الهواء وضعها ضابط المخابرات السعودي.
الجواب نعم ، كانت أيضا الحرب الأمنية مستعرة ولم تتوقف للحظة لكن جهاز الامن ثم الأمن المخابرات الذي كونته الحركة الثورية من الصفر في ظروف معقدة وزمن قياسي يتغلب في كل مرة.
لاحقا وخلال الزمن الممتد من 2015 وحتى الآن منتصف 2024 نحن نقترب من العقد، توالت الاخبار المتعلقة بإسقاط جهاز الأمن والمخابرات في صنعاء خلايا تجسس تعمل لصالح أطراف خارجية ، ومؤخرا الكشف عن إسقاط شبكة تجسس تعمل مع CIA الأمريكي والموساد الإسرائيلي من ثمانينات القرن الماضي.
لم أكتب عن هذا الحدث الأهم لأنني أعتقد أن الأهم من ذلك أن نجاح الحركة الثورية اليمنية في الجانب الأمني وتجاوز كل تلك التعقيدات في فترة زمنية قياسية ، واحدة من أنجح التجارب .

 

المصدر: رأي اليوم
طالب الحسني 
*كاتب صحفي يمني
قد يعجبك ايضا