النهضة الحسينية…  لتصحيح انحراف الأمة وإعادة بوصلة الإسلام المحمدي الأصيل

النهضة الحسينية…

 لتصحيح انحراف الأمة وإعادة بوصلة الإسلام المحمدي الأصيل

 

 

بعد سنوات من الجهد والمعاناة بذلها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في سبيل إرساء دعائم الإسلام وتثبيت نواته وتبليغ رسالة الله سبحانه وتعالى وبناء المجتمع الإسلامي على أساس تعاليم الله ووفق منهج الله وكتابه القرآن الكريم والقضاء على الوثنية والجاهلية وتأسيس الدولة الإسلامية المحمدية الأصيلة ومع اكتمال الرسالة وانتهاء مهمة التبليغ وايضاح الطريق لأمته من بعده ومع بوادر رحيله بدأت مؤشرات انحراف  الأمة من خلال عصيان البعض لأوامره (صلوات الله عليه وعلى آله) وبالذات عندما جهز جيش أسامة لمواجهة الخطر المحدق بالدولة الجديدة من قبل امبراطورية الروم آنذاك حيث رفض البعض الامتثال لتوجيهاته وظل وهو على فراش المرض يطالبهم (انفذوا جيش أسامة) وبعد موت رسول الله بدأت مراحل انحراف الأمة تتجلى فكانت حادثة السقيفة التي سنتناولها تاليا والتي شكلت انقلابا على توجيهات رسول الله  .. وهكذا استمر انحراف الأمة حتى نصبت يزيد بن معاوية المعروف بشرب الخمر واقتراف الموبقات أميرا لها وولي لأمرها وهو ما لم يقبله الإمام الحسين (رضوان الله عليه) والذي قاد ثورة تاريخية لإعادة أمة جده إلى مسارها الصحيح وتصحيح الانحراف الحاصل وضحى بنفسه من أجل هذا الغرض وبالرغم من فشل ثورة الإمام الحسين من الناحية العسكرية في ذلك الوقت فإنها تركت آثرا خالدا ما يزال إلى اليوم يمثل جذوة للحرية والإباء والكرامة ورفض الطاغوت وما تزال مشعلاً لكل أحرار الأمة لمواجهة الطواغيت في كل عصر وفي كل مرحلة كما أنها أسست لسقوط الطغيان الأموي عبر سلسلة من الثورات التي خرجت من رحم ثورة الحسين (عليه السلام) وما بين أيدينا اليوم من ثروات تحررية وحركات جهادية مقاومة هي من بركات ثورة الإمام الحسين عليه السلام في هذا التقرير سنحاول استعراض دوافع الإمام الحسين ونهضته الثورية والجهادية من خلال حديثه عن تلك المرحلة وعن سبب خروجه واستشهاده:

حادثة السقيفة وخيانة الإمام الحسين (عليه السلام)

مثلت حادثة السقيفة خطوة أخرى نحو الانحراف عن منهج الإسلام،  ومبادئه، و رموزه الحقيقيين وقيمه وأخلاقه السامية والعظيمة وهذا الانحراف شاب انتماءها للإسلام وأدى إلى اكتفائها بالشكليات البعيدة عن اللب الحقيقي لمضمون الإسلام المحمدي الأصيل مما أدى إلى إضعاف صلتها بالله وبرسوله وبأعلام الهدى وجردها من القيم السامية، فجعلها تتربى في أحضان الباطل الذي هيأ الكثير من أبناء الأمة وجماهيرها لنصرة الظالمين والمجرمين، والقبول بحكمهم وهيمنتهم وتسليم أمر الأمة ومصيرها إليهم، والوقوف معهم ضد الحق، وضد العدل، وضد قيم الإسلام ومبادئه الأساسية.

وهذا الواقع حقق فعلاً حالة رهيبة جداً من الفجوة والانفصام ما بين هويتها كأمة مسلمة، وقيمها ومبادئها وأعلامها ولذلك رأيناها تتخلى عن الإمام علي -عليه السلام- ليسقط شهيدا بسيف محسوب عليها على الرغم مما سمعته ووعته عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- بحقه وما نبهها إليه من مكانة عند الله وعند رسوله ثم لحق به الإمام الحسن بن علي -سلام الله عليه- شهيدا بفعل السم بتدبير من معاوية بن أبي سفيان الذي تربع على عرش بلاد الشام طيلة حكم عمر وعثمان يعد العدة بخراجها لمواجهة الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه

 وبعده تقبع الأمة تحت وطئة سيف الغدر الأموي فيلقى كثير من أنصار الإمام علي حتفهم على أيدي ولاة بني أمية لتعم الهزيمة والخوف بقية أبناء الأمة

 ولما أشتد الأمر بالمسلمين وخاصة أولئك الذين فرطوا في الإمام علي والإمام الحسن من بعده واستشعروا وأرادوا الحماية من ظلم بني أمية  كاتبوا الإمام الحسين يناشدونه بحق الله ورسوله وحرمة والده علي أن يقدم إليهم ليبايعوه ويقاتلوا تحت رأيته وقطعوا على أنفسهم العهود والمواثيق فخرج الإمام الحسين سلام الله عليه بنفسه وأهل بيته ليكون للظالم خصما وللمظلوم عونا كما أوصاه والده ولكن طينة عجنت بالغدر لا ينبت فيها الوفاء فلاقى منهم ما لاقاه أبوه وأخوه بل من النكث والخلف والغلظة والجلافة لتكون سيوفهم هي من تريق دماء سبط رسول الله وأهل بيته فيرتقي شهيدا في حادثة رهيبة جمعت بين مساوئ الظالم المتربص الحاقد ووحشيته وبين نكث المعاهد وغدرة وتخلي الناس وقلة الناصر حادثة تخلى فيها أولئك السفاحين عن كل معاني الإنسانية والشفقة حتى أنهم لم يتركوا سوء إلا واقترفوه فذبحوا الأطفال الأبرياء وقتلوا الصالحين الأولياء وسبوا نساء أهل بيت النبوة الأطهار و احتزوا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم وأهدوه إلى يزيد الفاسق وفعلوا الأفاعيل بحق أقدس مخلوق فوق الأرض يومها وآخر ابن نبي على ظهر البسيطة من قال فيه رسول الله صلوات الله عليه وآله (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسين سبط من الأسباط) ولذلك قال البعض -إن كربلاء حادثة تستطيع ربطها بأي حدث في التاريخ – فكل ما يمكن فعله من سوء وظلم فعلوه وأكثر فكانت هذه الحادثة هي أبرز دليل على المدى البعيد الذي وصلت إليه الأمة من الانحراف والضلال بفعل القصور والتقصير من طلاب السلطة من بني أمية بدء من أولئك الذين اغتصبوا الخلافة ثم أهدوها إلى فساقهم وكفارهم.

            النهضة الحسينية المباركة:

ثورة الأمام الحسين (عليه السلام)  لم تكن ثورة سياسية قامت من أجل الوصول الى السلطة او سدة الحكم كما يحاول ان يصورها بعض المغرضين والنواصب المعادين لنهج بيت النبوة ومعدن الرسالة (عليهم السلام)، وإنما هي ثورة قامت من أجل قضية أعمق هدفها احقاق الحق ومقاومة الظلم والباطل، وقد شكلت تحدياً بارزاً ورئيساً للاستبداد والطغيان الذي كان يمثله حكام بني أمية وتمكنت من نزع القناع الديني الذي حاول هؤلاء الحكام التستر خلفه من أجل شرعنة حكمهم وتسلطهم على رقاب الناس، وكشفت زيف ادعاءات الامويين والموالين لهم ونزعت مبرراتهم المزعومة سواء كانت دينية أم غير دينية، واسقطت فلسفة قطاع عريض من وعاظ السلاطين وفقهاء السلطة الأموية، وقد تمكنت هذه الثورة الحسينية المباركة من زرع بذور الحركات الثورية المناهضة للباطل والظلم والطغيان، والمطالبة بالحق والعدل في مواجهة الحكام المستبدين خلال التاريخ الإسلامي.

وان معظم الثورات والحركات التي حصلت بعد ثورة الأمام الحسين (عليه السلام) كان قد تأثر زعمائها وقادتها البارزون بالنهضة الحسينية ومضامينها ودلالاتها، وقد اتخذوا من الأمام الحسين (عليه السلام) مثلاً أعلى لهم، إذ ان تلك الثورات المتلاحقة قد اقلقت مضاجع الأمويين وهزت عروشهم حتى انتهت بسقوط دولتهم، ومن تلك الثورات ثورة التوابين التي قامت بعد واقعة كربلاء بهدف الثأر للأمام الحسين (عليه السلام) واصحابه الذين استشهدوا هناك، وثورة المختار وثورة الإمام زيد بن علي (عليه السلام) ، وغيرها من الثورات التي انتهت بسقوط الدولة الأموية، بعد ان ازاحت ثورة الامام الحسين (عليه السلام) عنها شرعيتها المزعومة ومهدت الطريق لكل الأحرار من أجل مقاومة الظلم والاستبداد الأموي، وبذلك صار الامام الحسين (عليه السلام) مناراً للحق والصدق والفضيلة ومثلاً أعلى لكل الثوار الأحرار المناهضين لصروح الظلم والطغيان والحكام المستبدين على امتداد التاريخ، وفي كل بقاع العالم.

دوافع الثورة الحسينية:

إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام كما أوضحنا سابقا كان الهدف منها هو تصحيح انحراف الأمة وإعادتها إلى مسار الإسلام الصحيح ولندع الإمام الحسين يوضح لنا سبب خروجه وثورته فعندما مات معاوية تم نصب البيعة لابنه السكير الماجن يزيد وكان والي معاوية على المدينة هو مروان بن الحكم والذي بدوره طلب من الإمام الحسين مبايعة يزيد وعدم تعريض نفسه للقتل، فأجابه الإمام عليه السلام: “إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد. فالقضيّة ليست شخص يزيد، بل مثل يزيد، ويريد الإمام الحسين عليه السلام أن يقول: لقد تحمّلنا كلّ ما مضى، أمّا الآن فإنّ أصل الدِّين والإسلام والنظام الإسلامي في خطر إشارةً إلى أنّ الانحراف خطر جدّي، فالقضيّة هي الخطر على أصل الإسلام.

وفي موضع آخر يوضح الإمام الحسين عليه السلام سبب خروجه فيقول: ((إنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت اُريد الإصلاح في أمّة جدّي اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر )) ولأن الإصلاح بالطرق المعروفة أصبح بابه مسدوداً ولم يعد هناك من خيار سوى خيار التضحية والجهاد في سبيل الله.

وفي ميدان المعركة وجيش يزيد لعنه الله قد أحاط بالإمام الحسين ناداهم الإمام الحسين وذكرهم قائلاً: ((أيّها الناس إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحُرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله. فالنبي صلّى الله عليه وآله بيّن ما يجب عمله إذا انحرف النظام الإسلامي، وقد استند الإمام الحسين عليه السلام إلى قول النبيّ صلّى الله عليه وآله هذا.

و في أوّل خطبة له عليه السلام عند نزوله بكربلاء، يقول عليه السلام: وقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون إلى أن يقول: ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً…” إلى آخر الخطبة. إذن ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت تأدية لواجب وهو عبارة عن وجوب الثورة على كلّ مسلم حال رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلامي بحيث يخاف من تغيير كلّي في أحكام الإسلام، وكانت الظروف مواتية، وعلم بأنّ لهذه الثورة نتيجة، وليس شرطاً البقاء حيّاً وعدم القتل وعدم التعرّض للتعذيب والأذى والمعاناة. إنّ الإمام الحسين عليه السلام قد علّم التاريخ الإسلامي درساً عمليّاً عظيماً، وضمن بقاء الإسلام في عصره وسائر الأعصار. فأينما وجد مثل هذا الفساد، كان الإمام الحسين عليه السلام حيّاً حاضراً هناك يعلّمنا باُسلوبه وفعله ما يجب علينا عمله. لهذا يجب أن يبقى إسم الحسين عليه السلام حيّاً وتبقى ذكرى كربلاء حيّة؛ لأنّ ذكرى كربلاء تجعل هذا الدرس العملي نصب أعيننا.

قضية الإمام الحسين عليه السلام بالأمس هي قضيتنا اليوم

إن قضية الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، هي الإسلام والقرآن، هي الحق ليُعمل به، هي التصدي للباطل والنهي عنه، هي إنقاذ المستضعفين، والوقوف بوجه الطغاة المستكبرين، ومواجهة الظالمين، ولذلك فهي القضية الخالدة والممتدة عبر الأجيال إلى آخر أيام الدنيا، فقياس موقفك تجاه نهضة الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، بقياس موقفك تجاه الإسلام، ومدى إحساسك بالمسؤولية.

والأمة في هذا العصر تواجه الطغيان والشر، والإجرام اليزيدي، متمثلًا باللوبي اليهودي الصهيوني، وأمريكا، وإسرائيل، وحلفائهم وأعوانهم، فقد أصبحت حربهم صريحةً ضد القرآن الكريم، وما يقوم به اللوبي اليهودي عبر عملائه في عدةٍ دولٍ أوروبية وغربية، من إحراقٍ وتمزيقٍ وتدنيسٍ للمصحف الشريف، هو: ذروة الكفر، والاعتداء ضد الإسلام والمسلمين، كما أن مساعيهم الشيطانية التي تقودها أمريكا علنًا للترويج للفاحشة الشنيعة، والشذوذ الجنسي، وكل الخطوات التي توصل إلى الفاحشة، وتضرب القيم الأخلاقية، هي: تتويجٌ لمسارهم في الانحراف بالمجتمعات البشرية عن نهج اللّٰه وهديه، وعن رُسُلهِ وأنبيائه، وذلك بهدف؛ الإخضاع للبشر، والاستعباد لهم، والإغواء لهم، والسيطرة التامة عليهم بعد إفسادهم، وتفريغهم من المحتوى الإنساني، وتجريدهم من الكرامة الإنسانية، إضافةً إلى حروبهم، وحصارهم، واعتداءاتهم المستمرة، واستهدافهم المستمر للشعوب بالحروب، وإثارة الفتن، والحصار، ونهب الثروات، والتجويع، كما يعملونه في [فلسطين]، وما يعملونه ضد شعبنا في [اليمن]، وفي أقطار أخرى في العالم الإسلامي بأساليب متنوعة. 

بالثباتِ والصبرِ، والوعيِ والعمل، والاستجابةِ للّٰه تَعَالَى، نَصِلُ إلى النصر، ويتحقق لنا وعد اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كما قال في كتابه الكريم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية 47].

 

قد يعجبك ايضا