الشهادة في سبيل الله والقضية الوطنية

وكالة سبأ/أنس القاضي

هم الشهداء الصاعدون إلى النجوم الراسخون في تربة الأرض، ملح الحياة، رجال الله أبطال الوطن والمستضعفين، أثار خطاهم بقع ضوء تهدي السائرين إلى الحرية ، صناع النصر في كل زمان، غدا تزهر أرض الجنتين من دمائهم.

الحياة قائمة على الصراع

الصراع ملازم للحياة البشرية منذ قيام الحضارات الزراعية الأول على ضفاف الأنهار، وصولاً إلى عصر الرأسمالية الاستعمارية والسلاح النووي ، تتنوع طرائق ممارسة الصراع ويختلف أشكال تدافع الناس، يختفي حيناً ويعود طوراً أخر.

ورغم كرهنا للحرب إلا أنه لا يُمكننا تجاهل هذه الحقيقة الاجتماعية ، وقد جاءت تعاليم الأنبياء والحكماء ومن ثم المواثيق الدولية لتضبط السلوك الانساني وتحد من وحشية الصراع ما استطاعت.

تحالف العدوان يتزعم الحرب على بلادنا هو الذي بدأ الحرب مساء 26 مارس 2015م من أجل تحقيق مصالح غير مشروعة وهي أهداف استعمارية توسعية باتت ماثلة في واقع الجنوب والشرق والغرب اليمني ، يتكون هذا الحلف الاجرامي من دول الرباعية ( أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات)، التي تتحمل المسؤولية السياسية والاقتصادية والجنائية فهي التي جاءت بالحرب إلى إقليم الجمهورية اليمنية ، ولا يصح منطقياً تحميل المقاومين مسؤولية المعاناة.

هناك دوماً حرب مضادة للحرب الاستعمارية تهدف حرب دفاعية في حالة العدوان وحرب تحررية لطرد الغازي والمعتدي إذا وصل إلى أرض شعب معين ، ولكن تختلف الدوافع والبواعث والأشكال التي تخاض فيها وعبرها الحرب الدفاعية ، فمستوى التطور الاجتماعي المؤسسي الحكومي والحزبي وكذلك الحالة الثقافية السائدة هذه العوامل هي التي تحدد كيف يدافع هذا الشعب عن بلده وكيف يجري تحشيده وتنظيمه وأي قيم يُلقن ولأي هدف يُحارب.

الجهاد الوطني وثقافة المسيرة القرآنية

الجهاد في سبيل الله هو العنوان الأبرز الذي تحرك تحت لوائه المجاهدون الوطنيون من أبناء الشعب اليمني بمختلف مناطقهم ومذاهبهم وأحزابهم وقدمت قوافل الشهداء من أكثر الرجال إيماناً وثورية وشجاعة وإخلاصاً وكرماً وقدرة على التضحية.

 جاء العدوان على بلادنا والمؤسسة العسكرية متهالكة، القوى السياسية منقسمة، الاقتصاد الوطني منهار، المجتمع منشغل بلقمة العيش، والعالم سكران بنفط الخليج ، لم يكن لدى اليمن أي إمكانيات مادية وقوة حكومة منظمة لمواجهة العدوان.

وضع المعتدون خطة محكمة لاستهداف اليمن من قبل الاعلان الرسمي عن العدوان على لسان وزير الخارجية السعودي في أمريكا من واشنطن، راعى المعتدون كل الأمور المادية والاقتصادية والسياسية ، وبدا وكأن خطتهم ناجحة.

 احتاط المعتدون لكل شيء لكنهم اغفلوا الجانب العقائدي والروحي والجوانب النفسية التي يتميز بها الشعب اليمني ، وهي الدوافع الايمانية والأخلاقية والوطنية والإنسانية التي دفعته لمواجهة العدوان ، لقد اغفل المعتدون الإرث الكفاحي لدى شعبنا الذي يتغنى بدفن الغزاة.

قدمت المسيرة القرآنية في بلادنا مفهوماً حضارياً للجهاد والشهادة في سبيل الله، تناول فكر المسيرة القرآنية مفهوم الجهاد بأفق تقدمي القتال أحد عناصره وأبرزها في الظروف العسكرية لكنه لا يختزل مفهوم الجهاد الواسع باتساع مهام إقامة الحضارة والاستخلاف في الأرض على أسس من هدي الله وقيم الحق والعدل ؛ وفي هذا الفكر القرآني تفرض المسؤولية الدينية الجهادية على الانسان المسلم التحرر وامتلاك القوة والعلوم وتحقيق الاكتفاء والاستقلال عن الاحتياج إلى العدو ، جاء هذا الفكر القرآني مستجيبا للحاجة الموضوعية في استنفار الشعب لمواجهة العدوان ، عبر رفع راية الجهاد في سبيل الله.
خطابات قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي تعبر عنها الفهم القرآني لقضية الجهاد المرتبطة بمهام التحرر والاستقلال ومما جاء في خطاباته في هذه المرحلة:  
“الله سبحانه وتعالى أراد لعباده ، أراد للناس ألا يستعبدهم أحد من دون الله ، ألا يكون الإنسان عبداً لأخيه الإنسان ، وأراد أن يحرر الإنسان من كل أشكال الاستعباد وكل أشكال الاستغلال الظالم”(1).
وقال ايضاً “مبدأ الاستقلال أننا كأمة لا يجوز ولا يمكن أبداً بحكم هذا الانتماء الإيماني أن نعيش حالة التبعية لأعدائنا ، لا بدَّ أن نحقق لأنفسنا الاستقلال، ونسعى في هذا الاستقلال أن يكون استقلالاً لا نعيش فيه حالة التبعية بأي شكلٍ من أشكالها”(2).  
تجلت أهمية الجهاد القرآني المنضبط بقيم الحق والعدل لدى شعبنا اليوم في مواجهة العدوان فقد قام الشعب بدور المؤسسة العسكرية القديمة المتهالكة ورفدها بالقيادات والمقاتلين حتى استقامت وكان الشعب هو الممول الأول للحرب الوطنية عبر الانفاق السخي ومفهوم الانفاق مرتبط بشكل حازم بمفهوم الجهاد.
ولطالما عمل الغرب الاستعماري على ضرب مفهوم الجهاد في سبيل الله وتشويهه عبر الجماعات التكفيرية والداعشية ، لا خوفاً على حياة المسلمين الذين يؤمنون به مِن أن يتقاتلوا فيما بينهم ، بل خوفاً على وجوده العدواني الاستعماري الاستغلالي.
واليوم فبريطانيا وأمريكا تقف في نفس الجبهة مع الجماعات التكفيرية ضد قوات الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات وهو أمر باتت تقر به وكالات أنباء غربية عريقة ، ولطالما استخدم الأمريكيون مفهوم الجهاد لتحشد المسلمين للقتال معهم في مواجهة خصومهم كما في التجربة الافغانية في مواجهة الاتحاد السوفياتي ، فهذا النوع من “الجهاد في سبيل الرأسمالية” يحبذه الغرب ، لكنه لا يقبل في أي حال مفهوم الجهاد في سبيل الله الذي يدفع الشعوب إلى المقاومة والتحرر من الاستعمار الامبريالي الجديد والاحتلال الصهيوني.  
ومما جاء في خطابات قائد الثورة في تعريف سبيل الله ما يلي:  
 “سبيل الله هو عنوان للطريقة التي رسمها الله سبحانه وتعالى ، من ارتبط في هذه الحياة ، التزم بها سلوكاً ، التزم بها موقفاً، وهي مجموعة من القيم الأخلاقية والإنسانية والفطرية والتعاليم العادلة والتعاليم التي هي عدل وصدق وحق وخير وفلاح ورشد وزكاء”، (3).
 وقال أيضاً: ” سبيل الله هو سبيل المستضعفين، نصرتهم عزتهم فلاحهم قوتهم منعتهم دفع الظلم عنهم دفع الشر عنهم دفع الفساد عنهم، الجهاد في سبيل الله في هذا الزمن من أهم وأقدس وأعظم مصاديقه التصدي للهجمة الأمريكية والإسرائيلية الشاملة على أمتنا، الهجمة الواضحة الهجمة العدوانية الهجمة الاستكبارية التي هي ذات طابع إجرامي، فيه قتل فيه استباحة فيه نهب فيه مصادرة للكرامة والاستقلال ، من أهم مصاديق الجهاد هو التصدي لهذا الخطر وهذا الشر”. (4)
يناضل شَعبنا اليمني اليوم دفعاً للعدوان وانتزاعا لحق الاستقلال، وعلى أساس من المبادئ الإيمانية يتحرك الأبطال في جبهات القتال والأمن والتصنيع العسكري وفي حقول الثقافة والإعلام والإنتاج الغذائي والتكافل الاجتماعي.

قائد الثورة اليمنية السيد عبد الملك الحوثي يُشدد في مختلف خطاباته على المسؤولية الجهادية ، ويقرنها بمهمة تحقيق الحرية والاستقلال الوطني ، كحق مشروع للشعب اليمني وهو حق إنساني خالص ، ضارباً الأمثال بمساعي دول أخرى غير إسلامية  وتكافح من أجل الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية من منطق فطري إنساني ، فيما التحرر والاستقلال ضمن المسؤولية الدينية على الانسان المسلم.
: “هناك أمم في هذه الأرض وهي لا تنتمي إلى الإسلام، الإسلام في مبادئه الإلهية وشريعته العظيمة، لكن لديها طموحها الإنساني، لا زالت بفطرتها الإنسانية تصرّ على أن تكون أمة حرة واتجهت في هذه الحياة لتفصل نفسها عن الخضوع لأمريكا، مثل روسيا ، الصين، كوريا الشمالية، وبعض البلدان في أمريكا اللاتينية مع قربها من أمريكا تسعى لأن تكون حرة ومنعتقة من الهيمنة الأمريكية”.(5)

القضية الوطنية الراهنة  

يمثل الدفاع عن الاستقلال مهمة مصيرية للبلدان المتحررة ، وهو يشمل الجهود المشتركة للدولة والجماهير الشعبية.
 وتهدف الجهود الشعبية والحكومية اليمنية الراهنة إلى قطع الطريق على محاولات عودة سلطة الاستبداد والوصاية وكذلك إلى منع دول تحالف العدوان من استعادة ما فقدته من هيمنة على بلادنا.
يجاهد شَعبنا اليوم من أجل انتزاع الاستقلال ودفع العدوان ، وهو نهج استراتيجي وطني يتعانق مع مفهوم سبيل الله ، كما أنه حق فطري إنساني تجمع عليه البشرية ومسؤولية تتعاظم أهميتها  في مراحل التحولات الثورية التي تهدف لضرب الاستعمار الاجنبي وركائزه المحلية وتصفية نظام الوصاية ، ومنذ العام 2011 يعيش شعبنا اليمني حالة ثورية تكللت بالانتصار يوم 21 سبتمبر 2014م.  
“التحرك الشعبي هو ضرورة ومسئولية هم ضرورة حتمية لأنه كما قلت لضمان الوجود لضمان الاستقلال لضمان الحرية لضمان الكرامة هذه هي الحد الأدنى يعني مما ينبغي الحفاظ عليه أو الحرص عليه وأيضا تحرك سيستمر حتى ينعم هذا البلد بالاستقلال والاستقرار وينعم هذا الشعب بثرواته وخيراته. هذه هي الأهداف التي حينما تتحقق يمكننا حينها القول أن أهداف الثورة الشعبية قد تحققت.”(6)
تهدف سياسة تحالف العدوان والمرتزقة إلى الدفاع عن مصالح الرأسمالية الغربية والصهيونية الطامعة بثروات اليمن وموقعها الاستراتيجي ، كما تهدف سياسة العدوان إلى تحقيق المصالح التوسعية الخليجية في اليمن، وما يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية اليمنية خير شاهد على هذه السياسة الاستعمارية، وفي مواجهة هذا التهديد الاستعماري الملموس ، تحرك المجاهدون وأرتقى الشهداء في سبيل قضية عادلة.
يخوض الشعب اليمني بقواه الوطنية والثورية حرباً وطنية عادلة مضادة للحرب العدوانية يقدم شعبنا قوافل الشهداء من أجل حماية الوطن اليمني ووحدة أراضية وسيادته ،وتتحدد وطنية المواطن اليمني اليوم في رفضه مشاريع التمزيق، وسعيه لبناء وطن الشراكة والأخوة والعدالة.
الانتماء للقضية الوطنية وقضية محاربة الاستعمار الإمبريالي والصهيونية والرجعية الخليجية أمر مشرف ، ومن السهل الادعاء به إلا أن الممارسة هي المحك الحقيقي ، وفي هذه المرحلة فإن أنصار الله هم طليعة القوى الوطنية اليمنية ومن يجسدونها على الأرض في الملموس التاريخي ، وإلى جانبهم كل مَن مازال ثابتاً على الموقف الوطني من مختف التوجهات السياسية القومية والاشتراكية.
تتلخص القضية الوطنية اليمنية اليوم في مواجهة التدخلات العدوانية العسكرية ومشاريع التمزيق وصون الاستقلال والتمسك بالشراكة الوطنية وبناء دولة قوية عادلة ، هذه المهام الوطنية هي القضايا الأساسية التي حملتها الجماهير الشعبية ورفعتها في لافتاتها ورددتها بحماسة في هتافاتها.
ترتبط المسألة الوطنية في ظروفنا الراهنة بمسألة إسقاط قوى الاستبداد والاستغلال التي سيطرت على اليمن منذ عقود وحكمها بالأزمات والفساد والحروب وأعاقت بناء دولة المواطنة والعدالة والديمقراطية.
 ارتبطت هذه القوى الاستبدادية التي حكمت اليمن بصورة مباشرة بخدمة القوى الاستعمارية الأجنبية ، فحمل الشعب مهمة مزدوجة وهي اسقاط قوى الاستبداد المحلي وحليفهم الأجنبي. وهذه المهمة المزدوجة قضية تعهد قائد الثورة بالمضي فيها حتى النصر:
“نحن ثوار، شعبنا ثائر، اليوم نحن ثورة في وجه العدوان والاحتلال، وبعد الغد نحن ثورة حتى إقامة دولة عادلة ، وثورة مستمرة من كل الأحرار في هذا البلد أيّاً كانت انتماءاتهم الحزبية أو المذهبية ، ثورة مستمرة حتى يتحقق لنا في هذا البلد حرية واستقلال، ويتحقق لنا بناء دولة عادلة تقيم العدل في شعبنا، ويتحقق لنا أمن واستقرار شامل، ثورة، الحس الثوري، الوعي الثوري، الدافع الثوري، الحماس الثوري هو الذي نحتاج إليه، وهو الذي سيفيد، في مستوى مواجهة التحدّيات مهما كانت” (7)

ثمرة الشهادة في واقع الحياة

تضحيات الشهداء حفظت وجود وطننا، انطلق المجاهدون إلى الجبهات يحثهم إيمان عميق بنصر الله وراء ظهورهم مشاهد الأسى والوجع، وخلفهم صمود الشعب وعطائه المستمر في دعم الجبهات، اجترحَ المجاهدون ملاحم بطولية عظيمة، كان الشهداء هم صُناعها ، تضحيات أثمرت عزة وحرية ، كبحت جماح تحالف العدوان، وأعاقت تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
جهود المجاهدين وتضحيات الشهداء افشلت التحالف الاستعماري في تحقيق الأهداف والغايات النهائية التي من أجلها شُنّ العدوان على بلادنا، وقد كان في مقدمة أهداف العدوان ضرب القوى الوطنية والثورية في بلادنا وتجريد الجمهورية اليمنية من سلاحها الاستراتيجي، واحتلال كل الساحل اليمني في البحر الأحمر والبحر العربي إلا أن هذه الأهداف لم تتحقق على النحو المطلوب.
على الرغم من أن تحالف العدوان نجح في احتلال بعض الموانئ والمحافظات في شرق وغرب وجنوب البلاد إلا ان منجزات العدوان هذه غير قابلة للاستمرار.
ثمرة الشهادة تتجلى في واقع الحياة ، وليست مسألة غيبية، فإلى جانب فوز الشهيد بالمكانة العالية عند الله فمجتمع الشهيد ينعم بالخير والحرية.. وطوال فترة العدوان تخلّق في أرض الواقع نموذجان للحكم في اليمن، الأول ايجابي في المناطق التي تسيطر عليها القوى الوطنية، والآخر سلبي في المناطق المحتلة.
تمايز النموذجان في ثلاث قضايا رئيسية: الأمن، التعايش، المؤسسية ، ففي المناطق الوطنية يسود الأمن ويتعايش اليمنيون بتنوعهم المناطقي والمذهبي والحزبي، وتجري الحياة اليومية بشكل مؤسسي وحضور للنظام القضائي وسيادة القانون..
على العكس من الحياة المستقرة في المناطق الوطنية التي هي ثمرة للشهادة، فواقع مناطق الاحتلال والمرتزقة لا يُطاق.. تشهد المناطق التي سيطر عليها تحالف العدوان ومرتزقته انفلاتاً أمنياً واغتيالاتٍ وحضوراً للجماعات التكفيرية، وسلب وسرقة ونهب للأموال العامة والخاصة، وبرزت نزعات عنصرية ونبذ للتعايش، يخاف الانسان في هذه المناطق على حياته وماله وعرضه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] خطاب السيد عبد الملك الحوثي بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية، 2016م.

[2] خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة جمعة رجب 1441هـ.

[3] خطاب السيد عبد الملك الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد (2018م)،.

[4] خطاب خطاب السيد عبد الملك الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد (2018م)،.

[5] خطاب السيد عبدالملك الحوثي بمناسبة جمعة رجب 1441هـ 28-02-2020.

[6] خطاب السيد بمناسبة الذكرى الأولى لانتصار ثورة 21 سبتمبر.

[7] من نص خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة عيد الغدير وذكرى ثورة 21 سبتمبر، 2016م.

قد يعجبك ايضا