إن أول الغيث قطرة.. وإن أولى السفن (Galaxy Leader)!

يتوزع العرب في أيامنا هذه على محورين. محور المقاومة والممانعة، ويضم إلى جانب إيران كلاً من اليمن وسورية وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق وحزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في فلسطين. ومحور مناهض يعرف بمحور الاعتدال العربي الذي تقوده السعودية، والذي بات يليق به مسمى محور الاعتلال العربي بعد اتفاقيات التطبيع التي وقعتها بلدان هذا المحور، وبعد المواقف المخزية التي اتخذتها مؤخراً حيال الجريمة الكبرى التي تتعرض لها غزة.

وما بين هذا المحور وذاك، يتصدر الشاشات والصحف هذه الأيام كتَّاب ومحللون محسوبون على المحورين. قسم يحاول تثبيط العزائم ودب الوهن في نفوس المشاهدين والقراء العرب، وهؤلاء معروفو الولاء جيداً، ولا داعي لتسميتهم، وفريق آخر يحاول أن يكون واقعياً إلى أبعد حدود، فتجده يسمي الأمور بمسمياتها ولا يستنكف عن ذكر إخفاقات جيش الاحتلال الإسرائيلي سواء في ٧ تشرين الأول، أو في المعارك البرية الدائرة حالياً في شمال ووسط غزة.

بالأمس، وعَقِب نجاح الجيش اليمني في مصادرة سفينة شحن إسرائيلية، خرج بعض المحللين المحسوبين على محور الاعتلال العربي ليقللوا من أهمية هذا الإنجاز، في محاولة مكشوفة من قبلهم لتثبيط وتوهين عزائم العرب عموماً واليمنيين والفلسطينيين على وجه التحديد. فما الخبر وراء ذلك؟ وهل هناك أمر عمليات صدر من أبو ظبي والرياض بهذا الخصوص؟

قبل الإجابة على سؤالنا الأخير، دعونا نشرح قليلاً أهمية الإنجاز الأخير الذي حققته القوات البحرية اليمنية وتبعات ذلك على الداخل الصهيوني وعلى سير العمليات العسكرية في غزة.

أولاً، إن من شأن عملية من هذا النوع فيما لو تكررت أن تؤدي إلى توقف حركة التجارة من وإلى الكيان الصهيوني، ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار السلع والمنتوجات بشكل جنوني داخل الأسواق الإسرائيلية، وهو ما سينعكس في المحصلة مزيداً من الضغوط الاقتصادية على حكومة نتنياهو.

إن واقع إسرائيل المأزوم حالياً، لا يحتمل أي خضة اقتصادية من هذا النوع صغُرت أم كبُرت، لا سيما أننا نتحدث عن كيان يخوض مواجهة كبرى على جبهتين! تُرى هل ستحتمل الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تعاني من الانقسام والتفكك من جهة، ومن تبعات تدهور الشيكل بفعل معركة غزة وما أحدثه زلزال ٧ تشرين الأول من جهة ثانية، مزيداً من الارتفاع في أسعار السلع والمنتجات؟

بطبيعة الحال لا، فالأمر أكبر من أن تحتمله هذه الجبهة المفككة. إن ضربة من هذا النوع يمكن أن تُسدَّد إلى الاقتصاد الإسرائيلي كفيلة بإحداث مزيد من التصدع في بنية الكيان الصهيوني سواء المالية أو الاجتماعية أو حتى العسكرية.

إن قرار الحكومة اليمنية بمصادرة كل السفن المتوجهة من وإلى الكيان الصهيوني سيدفع بالشركات المالكة لهذه السفن إلى الإحجام عن إرسالها من وإلى الكيان، فهي في النهاية لا تريد تعريض مصالحها للخطر! هذا أمر طبيعي ومتوقع!

هذا الإجراء فيما لو تكرر سيؤدي إلى تقليص حجم الصادرات والواردات وبالتالي إلى وقوع أزمة مالية، تبدأ أولى إفرازاتها بارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية ولا تنتهي بإيقاع الاقتصاد الإسرائيلي في سبات شتوي طويل ربما يمتد إلى الصيف المقبل وإلى ما بعد انتهاء معركة غزة.

لا ينبغي التقليل من شأن الإنجاز اليمني، فما يمكن أن يتحقق جراء هذه الخطوة الجريئة قد يضاهي الانتصار العكسري المتوقع للمقاومة الفلسطينية.

ثانياً، حتى ولو لم يتقلص عدد السفن المتجهة من وإلى الكيان فإن من شأن التهديد بمصادرتها أن يدفع شركات التأمين إلى رفع رسوم التأمين عليها، وهو ما سيؤدي بالمحصلة إلى رفع تكلفة السلع المصدرة والمستوردة، فهل بوسع الجبهة الداخلية الصهيونية أن تحتمل ذلك؟! سبق وأن أجبنا على هذا السؤال، وما نرى من داعٍ للإجابة عليه مجدداً!

إن خطوة الجيش اليمني الجريئة وضعت “إسرائيل” بين نارين، نار الاستمرار في المعركة البرية من جهة، ونار تَحمُّل التبعات الاقتصادية لتوقف حركة الملاحة البحرية منها وإليها، فهل يعي منظرو الشاشات ذلك؟ أم أن أمر العمليات الذي صدر من الرياض وأبو ظبي أغشى أبصارهم وعقولهم؟

ليس غريباً على من اعتاد الارتزاق والتسول على أعتاب أمراء المشيخات الخليجية، أن يحاول التقليل من شأن بطولات اليمنيين، فهذا أمر متوقع وطبيعي، لكن الغريب أن نسمع بعض الأصوات التي كنا نحسبها حيادية وهي تروج لفكرة هزالة الإنجاز اليمني.

إن ثماني سنوات من العدوان السعودي المتواصل على اليمن لم تأتِ بأي نتيجة، فاليمنيون ما زالوا بكامل قوتهم، وها هم اليوم يجوبون البحر بحثاً عن فرائسهم. هذا الأمر أزعج على ما يبدو حكام السعودية والإمارات فأوعزوا إلى أُجَرائهم على الشاشات حتى يملؤوا الآفاق ضجيجاً وصخباً عسى أن يفوِّتوا على اليمنيين والعرب المتعاطفين معهم فرصة الانتشاء بالإنجاز المحقق.

ومن قبلُ كانت السعودية قد أوعزت لبطاريات صواريخها الدفاعية كيما تعترض الصواريخ اليمنية المتجهة إلى الأراضي المحتلة، وذلك لسببين:

١ــ لئلا يقال، إن اليمن شارك ولو بصاروخ واحد نصرةً لأهل غزة، فالدعاية السعودية المعادية لطالما صورت الجيش والحكومة اليمنية وحركة أنصار الله على أنهم قوى إيرانية تعمل على زعزعة استقرار المنطقة، ولا علاقة لها بالشعارات التي ترفعها بما في ذلك العداء للصهيونية.

وعليه كان لا بد للإعلام السعودي والمتسعود (أي الممول سعودياً) من أن يشوش على مصادرة السفينة الإسرائيلية غالاكسي ليدر (Galaxy Leader) وأن يقلل من أهمية ذلك، وكان لا بد أيضاً لسلطات الاحتلال أن تنفي أي صلة بالسفينة وأن تزعم أن مالكيها وطاقمها ليسوا إسرائيليين.

٢ــ إرضاءً للولايات المتحدة الأميركية وحليفتها المستجدة (الكيان المؤقت).

في النهاية، قد لا يكون طاقم السفينة إسرائيلياً، ولا حتى مالكوها، ولكن مما لا شك فيه أن السفينة كانت تعمل لصالح “إسرائيل” وكانت تنقل منها وإليها بضائع، ما يعني أن عين الصقر اليمني لم تخطئ الفريسة، وبالتالي فإن ما ينتظر “إسرائيل” في القادمات من الأيام أكبر من أن تحتمله. إن أول الغيث قطرة كما يقال، وإن أولى السفن (Galaxy Leader) والآتي لا يعلمه إلا الله.

 

 

د. علي أكرم زعيتر/موقع العهد

قد يعجبك ايضا