إصرارٌ متزايدٌ على مواصلة الحصار والتجويع وخلط الأوراق السياسية:العدوّ يغامر بتجاهل تحذيرات صنعاء: سوءُ التقدير المُستمرّ يهدِّدُ فرصَ السلام

يتواصلُ تصاعُدُ مؤشراتِ تعنُّت تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ورعاته الدوليين إزاء مطالب الشعب اليمني واستحقاقاته المشروعة، برغم التحذيرات المتكرّرة التي توجّـهها صنعاء بشأن تداعيات هذا التعنت؛ الأمر الذي من شأنه أن يدفع بجهود السلام نحو نهاية مسدودة؛ وهو ما قد يفضي إلى متغيرات جديدة مفاجئة على واقع معركة المواجهة.

إصرار متزايد على مواصلة الحصار:

خلال الفترة القصيرة الماضية وجهت صنعاء العديد من رسائل الإنذار والتحذير بشأن عواقب إصرار تحالف العدوان على المماطلة والتلكؤ في تنفيذ مطالب الشعب اليمني المتمثلة برفع الحصار وتخصيص عائدات البلد لصرف مرتبات الموظفين ومعالجة مختلف جوانب الملف الإنساني للتوجّـه نحو سلام مستدام وشامل، وقد أوضحت صنعاء في تلك الرسائل أنها قد تضطر إلى إجراءات ردع بديلة في حال أصر العدوّ على موقفه.

وبرغم أن تلك التحذيرات أعادت إلى الواجهة أسوأ مخاوف دول العدوان، إلا أن الأخيرة ما زالت –كما يبدو- متمسكة بتقديراتها الخاطئة؛ فسلوكها العملي خلال الفترة الماضية لم يتضمن أي مؤشر على استيعاب رسائل صنعاء بشكل إيجابي، بل إن ما شهدته الساحة مؤخّراً من خطوات وإجراءات عدوانية عكس تزايداً في الإصرار على التعنت.

التراجع عن الرحلات الجوية الإضافية بين صنعاء والعاصمة الأردنية، كان من أبرز تلك الخطوات العدوانية، وعلى الرغم من أن تلك الرحلات المحدودة للغاية لم تكن لتغير الكثير في واقع الحصار الجوي الإجرامي المفروض على البلد، فَـإنَّ إلغاءها مثّل رسالةً واضحة بأن دول العدوان ليست مستعدة حتى للاقتراب ولو قليلًا من تنفيذ مطلب رفع الحصار، بل إنها مصرة على استخدام كُـلّ رحلة جوية وكلّ وجهة سفر كورقة مساومة مستقلة للحصول على مكاسب.

ومن الواضح أن الحد الأدنى الذي تسعى دول العدوان للحصول عليه من تلك “المكاسب” هو المزيد من الوقت؛ فالإعلان عن الموافقة على الرحلات الإضافية جاء بالتزامن مع تصاعد تحذيرات صنعاء العسكرية بشأن عواقب المماطلة؛ ليعكس محاولة مكشوفة وبائسة من جانب تحالف العدوان “لاحتواء” نفاد صبر صنعاء؛ وهو هدف ربما ظنت دول العدوان أنها قد حقّقته، لكنها في الواقع لم تحقّق سوى تجديد التأكيد على عدم جديتها في التعامل مع مطالب الشعب اليمني.

تصعيد إجراءات التجويع:

بالإضافة إلى مؤشرات التعنت في ملف مطار صنعاء، جاء انهيار العملة في المناطق المحتلّة، ليؤكّـد أن دول العدوان ورعاتها مصرون أَيْـضاً على المضي في مسار الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني وتعميق الانقسام المالي بين المحافظات المحتلّة والحرة؛ وهو ما يعني الإصرار على رفض الحلول والمطالب الوطنية المتمثلة بإنهاء هذا الانقسام واستخدام إيرادات البلد الرئيسية لصرف المرتبات ومعالجة الوضع الخدمي والمعيشي للمواطنين في كُـلّ المحافظات.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن يأتي هذا التدهور بالتوازي مع اندفاع دول العدوان نحو البحث عن مصادر تمويل جديدة تتيح لمرتزِقتها نهب المزيد من الأموال تحت دعاية “مواجهة الأزمة الاقتصادية”؛ إذ بدا بوضوح أن الولايات المتحدة تسعى لاستثمار التدهور في المناطق المحتلّة؛ مِن أجل الدفع نحو المزيد من إجراءات الحرب الاقتصادية وعمليات إثراء المرتزِقة على حساب مصلحة المواطنين، كنهب حقوق السحب الخَاصَّة في البنك الدولي.

وفي هذا السياق أَيْـضاً تفيد العديد من التقارير بأن حكومة المرتزِقة تعتزم رفع سعر الدولار الجمركي مرة أُخرى على السلع والبضائع المستوردة عبر الموانئ الواقعة تحت سيطرتها بنسبة 100 %؛ وهو ما ستدعمه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالطبع كما فعلتا سابقًا عندما أعلنتا دعمهما لقرار رفع سعر الدولار الجمركي إلى 700 ريال؛ بذريعة مضاعفة موارد حكومة المرتزِقة، على الرغم من الرفض الواسع الذي قوبل به ذلك القرار حتى في المناطق المحتلّة نفسها لما تضمنه من مخاطر كارثية على الوضع المعيشي هناك.

ومن خلال هذه المعطيات يبدو بوضوح أن الولاياتِ المتحدة (التي كثّـف سفيرها تحَرّكاته في مسار الحرب الاقتصادية بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة) تعمل على قطع الطريق أمام أية حلول لمعالجة الوضع الاقتصادي، وفرض حالة التجويع كأمر واقع لابتزاز صنعاء، وتحويل أية مفاوضات إلى مُجَـرّد “مساومة” على الحقوق.

محاولاتٌ مُستمرّة لخلط الأوراق السياسية:

لا تنفصل مؤشرات التعنت والتصعيد في الملفين الإنساني والاقتصادي عن مؤشرات الإصرار على خلط الأوراق السياسية؛ إذ لا تزالُ المناطق المحتلّة تشهدُ تحَرّكاتٍ وتوجّـهاتٍ متصاعدة ترعاها دولُ العدوان وإدارتها الدولية لتكريس مشروع تفتيت البلد وتقسيمه.

كما بات جليًّا أن العراقيل التي تضعها منظومة العدوّ أمام جهود السلام في كُـلّ الملفات تهدف بشكل واضح إلى إطالة أمد حالة اللا حرب واللا سلم؛ وذلك لإتاحة المجال أمام مشاريع عدوانية أُخرى أبرزها مشروع التقسيم.
وإلى جانب ذلك، فَـإنَّ كُـلّ المواقف الأخيرة للرعاة الدوليين لتحالف العدوان وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة، أكّـدت بشكل صريح على تمسكهم بتقديم المرتزِقة كطرف رئيسي في المفاوضات وإبعاد دول العدوان عن واجهة المشهد، وربط الاستحقاقات المشروعة للشعب اليمني كالمرتبات بهذه الشروط المستحيلة؛ الأمر الذي يعني أن تحالف العدوان لن يقترب حتى قليلًا من متطلبات السلام العادل.

مخاطرُ سوء التقدير:
معطياتُ ومؤشرات التعنت والتصعيد وخلط الأوراق، تعني أن تحالف العدوان لا زال (وسيظل كما يبدو) يقرأُ استمرارَ حالة التهدئة كنجاحٍ لألاعيبه وليس كفرصة لإنجاح جهود السلام والوصول إلى حلول فعلية.

لكن هذه القراءةَ تعتمدُ على فرضية رئيسية واحدة، وهي أن صنعاء “مقيدة” بالتهدئة ولا تستطيع فعل أي شيء، وهي فرضية خاطئة تماماً؛ لأَنَّ الخيارات أمام صنعاء متنوعة ومفتوحة وبلا خطوط حمراء، وعمليات الإعداد العسكري والقتالي التي شهدتها الفترة الماضية تؤكّـد ذلك بوضوح، كما تؤكّـده تحذيرات القيادة الوطنية التي حرصت وبشكل ملفت على أن تتطرق إلى مخاوف تفصيلية لدى دول العدوان، كسلامة المنشآت النفطية والموانئ السعوديّة.

وفوق ذلك كله، لا تزالُ هناك حقيقةٌ يستحيلُ على تحالف العدوان تجاوُزُها وتجاوز ما يترتب عليها، وهي حقيقة أن صنعاء ليست الطرف “المضطر” للجوء إلى التهدئة أَو الهُدنة؛ وهو ما يعني أنه في حال لزم الأمر ووصلت الأمور إلى نهاية مسدودة، قد تجد دول العدوان نفسها بشكل مفاجئ أمام صدمات ليست في الحسبان، ووقتها ربما يكون الأوان قد فات حتى على التجاوب مع ما هو مطروحٌ اليوم على الطاولة؛ وهو ما أكّـدته صنعاء بشكل صريح مؤخّراً.

 

المسيرة | ضرار الطيب

قد يعجبك ايضا