معادلة الردع الإستراتيجي: بركان والعمقين السعودي والإماراتي

 

 قد يكتب الكثير عن فظائع العدوان السعودي على اليمن. أولها الجرائم المرتكبة بحقّ المدنيين حيث أكّدت أخر التقارير الرسميّة  الصادرة عن الامم المتحدة استشهاد عشرة آلاف يمني، وإصابة حوالي 30 ألفا، وتشريد ثلاثة ملايين، ومعاناة سبعة ملايين يمني من سوء التغذية، بسبب المجاعة الناجمة عن الحصار. وثانيها جرائم الحرب المرتكبة بحقّ الأطفال والنساء في ظل صمت أممي غير مسبوق، عدا بعض المنظمات الحقوقية المستقلّة التي لم ترهبها التهديدات السعودية بقطع مساعداتها لبرامج الأمم المتّحدة. وثالثها تدمير البنى التحتيّة والحضارة اليمنية التي تضرب في أطناب التاريخ ورابعاً وخامساً…

لا شكّ في أن العدوان القائم منذ 18 شهراً خلّف جراحاً عميقة في وجدان الشعب اليمني، غير أن ما حصل مؤخراً بإعلان العميد عن إطلاق القوة الصاروخيّة اليمنية صواريخ باليستية من نوع “بركان 1” الذي يصل مداه إلى 800 كيلومتر، ويقدر وزن رأسه الحربي بحوالي نصف طن، وطوله 12 مترا، وقطره 88 سنتيمترا، على قاعدة الملك فهد الجوية في عمق الأراضي السعودية، يحمل تطورين قد يكونان غير مسبوقين.

التطوّر الأول

يدخل التطوّر الأول في السياق الباليستي الذي أعلن عنه العميد لقمان، فقد أكد مساعد المتحدث باسم الجيش اليمني، عزيز راشد، أن دول العدوان على اليمن أصبحت تحت مرمى صواريخه الباليستية، مشيراً إلى امتلاك القوات الصاروخية اليمنية صواريخ من نوع بركان 2 و3 التي تعد نسخة أكثر تطوراً من بركان. امتلاك بركان واحد واثنان وثلاثة يعني أن العديد من المرافق الإستراتيجية في دول العدوان باتت مهدّدة وعرضة للصواريخ اليمنية التي باتت تطال الرياض ومحطات الكهرباء وتحلية المياه في السعودية، وفق العميد راشد، فضلاً عن أبوظبي ودبي بأبراجها الشاهقة، فبرج خليفة الذي بلغت تكلفته مليارات الدولارات قد يسوّى بالأرض عبر صاروخ لا تتجاوز تكلفته بضع ألاف الدولارات.

كلام العميد راشد، يصب في الخانة نفسها التي تحدّث عنها العميد لقمان، عندما قال خلال إعلانه نبأ تطوير الصواريخ الباليسيتة، أن العملية العسكرية للجيش واللجان الشعبية لن تتوقف في جيزان ونجران وعسير حتى تحقق أهدافها الاستراتيجية.

التطوّر الثاني

التطور التاريخي الثاني المسجل أمس، هو الحديث عن نقل 5000 من مرتزقة هادي في الجنوب اليمني إلى الحدود السعودية عبراريتريا الأمر الذي يكشف حجم الورطة السعودية في المحافظات الثلاث (عسير- جيزان – نجران)، فأين الشرعية التي تريد السعودية إعادتها؟ هل انقلبت المعادلة، وباتت الرياض تستعين بمرتزقة هادي أصحاب العوز المادي للحافظ على “شرعيتها” وحماية أراضيها؟

السعودية التي احتلت المرتبة الثالثة عالمياً في العام الماضي لناحية الإنفاق العسكري، لا تفشل في حربها الأولى فحسب، بل تفشل في حماية جبهتها الجنوبية التي أُشعلت في سبيل تحقيق طموحات الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان. الفشل السعودي هذه يؤكد حاكمية العنصر البشري في أي مواجهة عسكرية، فمن يمتلك الروح ستكون يده الميدانية هي العليا حتى لو تفوّق الطرف المقابل لناحية التكنولوجيا العسكرية.

سؤال آخر يطرح نفسه: لماذا تمّ إخلاء مدينة عدن من 5000 ألاف مقاتل رغم أن معبر الوديعة يمسح بنقل المرتزقة من مأرب نحو المحافظات الثلاث عبر معبر الوديعة ؟

الإجابة على هذه السؤال تكشف نيّة الرياض تسليم الجبهة الجنوبية للتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وتنظيم داعش الإرهابي، لاسيّما أن سيطرة هذه التنظيمات على الجنوب اليمني، يعني نيّتها التوسّع نحو الشمال الأمر الذي يشكّل جبهة إلهاء جديدة لقوات الجيش واللجان الشعبية.

لا شكّ في أن العدوان السعودي على اليمن  يسير يقف على مفترقي طرق، لا ثالث لهما. المفترق الأول يبدأ بالإنهاء الكامل للعدوان والعودة إلى المفاوضات بشروط يمنية بحته وعبر بوابة المجلس السياسي، لينتهي بإيجاد صيغة جديدة تحفظ التمثيل لكافّة القوى الوطنية وتعيد الوضع اليمني الوضع إلى ما قبل 26 آذار/ مارس موعد بدء العدوان السعودي، ولكن هذه المرّة بغياب هادي و”أزلامه” عن المشهد.

وأما المفترق الثاني فهو استمرار العدوان الذي لن يبقى على حاله، حيث ستكون مرحلة تكريس المعادلات التي ستذيق الداخل السعودي مرارة صواريخ الطائرات التي تلقّاها الشعب اليمني، ولكن هذه المرّة بنكهة بركان 1 وربّما 2 و 3…

ربّما لا يقتصر الأمر على الرياض، فقد تكون الإمارات سواءً أبو ظبي أو دبي هي الوجهة القادمة للصواريخ الباليستية اليمنية، حيث يكفي صاروخ باليسيتي واحد لشل اقتصاد مدينة دبي اللوجستية حيث يتم تبادل تجاري بألاف المليارات من الدولارات سنويّاً.

نرجّح الفرضيّة الثانية، إلا أن المواقف السعودية لا تنطلق من ميزان المصلحة والمفسدة، لاسيّما في ظل تحكّم قيادات شابّة عديمة الخبرة بمفاصل الحكم السعودي. ولكن لا نستغرب حينها أن نكون أمام معادلات جديدة عنوانها صنعاء مقابل الرياض وربّما صعدة مقابل دبي أو أبو ظبي.

قد يعجبك ايضا