الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي يتسائل ويجيب ..من أين يأتي الشقاء حين ينحرف الناس عن هدي الله؟

 

لو أننا نتذكر دائمًا لما استجبنا لأحد أبدًا ممن يظهر نفسه أنه ناصح لنا فيثبطنا عن أي موقف من مواقف فيها عزتنا، فيها شرفنا، فيها الخير كما قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، ولأن الشيء المعروف هو أن الشخص عندما يأتي إليك هو ماذا؟ يقدم نفسه وهو يحاول أن يجرك، ويسحبك عن هذا الميدان، يقدم نفسه رحيمًا بك، وناصحًا لك، أليس هذا هو ما يحصل؟ إذا لم تكن أنت متذكرًا أن الله هو الرحمن الرحيم.

ألم تتكرر {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} في القرآن كله؟ هذه الآية التي غيبها الوهابيون لا يقرؤونها في صلاتهم، لا يفهمون هداية الله، لا يفهمون تشريع الله، لا يفهمون الله، ولا دينه، ولا نبيه، ولا شيء؛ لأنها مهمة جدًا {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} وتكرر الرحمن، وتكرر الرحيم في القرآن كثيرًا، كثيرًا جدًا؛ من أجل أن أفهم أنا، وتفهم أنت، أن كل تشريع، أن كل أمر، أن كل نهي يوجه إلي وإليك، ويطلب مني أن أقوم به، ويطلب منك أن تقوم به، لا تتصور أنه أمر جاء من جبار، مثل أي رئيس من رؤساء الدنيا، أو أنه أمر جاء من قهار، لا يبالي، هو همه أنك تنفِّذ أوامر، نفِّذ.

الله ليس هكذا، الله يتعامل مع عباده من منطلق الرحمة بهم، وخاصة مع أوليائه، من منطلق الرحمة بهم، فهو عندما يأمرك تذكَّر أنه أمر من رحمن رحيم. هل نحن نتذكر هذا عندما يأتي أمر من رئيس الجمهورية، أو محافظ، أو مدير؟ لا يمكن أن تقول أنه أمر من رحيم أبدًا، هذه عقلية عسكرية، عقلية إنسان بشر قاصر، عنده روح استعلاء، وجبروت، أوامر، نفِّذ، لا رحمن، ولا رحيم، ولا شيء من هذا.

أما الله سبحانه وتعالى، مع أنه ملك السموات والأرض، وهو المهيمن، الجبار، القهار، هو المهيمن على كل شيء، لكن تصرفه معي أنا الذي لا أفهم، ومعك أنت، تصرف رحمن رحيم، فكل أمر يوجهه إلي وإليك يجب أن تفهم أنه مصبوغ بكامل الرحمة، حتى ما يبدو أمامي وأمامك أنه أقسى عمل، هو تنفيذه رحمة، والانطلاقة فيه رحمة، وأمن وسلام؛ لهذا ترى {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} متكررة كثيرًا، كثيرًا.

الآخرون يسترونها؛ لأنها آية ما تصلح أن تتكلم بها!! عندما يبدأ يقول: [الله أكبر]، وبسرعة {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولا يقرأ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}! ما يقرأها! بحجة أنه روي عن فلان عن فلان أن رسول الله كان يصلي ويبدأ بالحمد لله رب العالمين.

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} هي آية مهمة جدًا جدًا، روي عن ابن عباس أنه كان يقول عن من يتركون هذه الآية: أن الشيطان اختلس منهم مائة وثلاث عشرة آية، أن الشيطان هو الذي اختلس منهم هذه الآيات. معنى حديث ابن عباس: أن الشيطان اختلس من هؤلاء الذين تركوا البسملة هذه الآيات.

آية مباركة، آية لها أثرها في وعينا؛ ولنفهم بأن الأشياء كلها التي الله يتعبدنا بها، كلها، كلها تتركز على خلق وعي، وبصيرة في نفسي، ونفسك، ونفس أي واحد. إذا لم نكن لا نعي، ولا نفهم فسنكون مثل من يمرون، ويسيرون في جبل من الذهب، يطأ الذهب، ويجلس على ذهب، ويمشي إلى هناك، وهو يريد أن يمشي يسرح عامل بخمس مائة ريال، وهو يمر على جبل من الذهب.

[أدعوك يا ألله، وأنت من لك الثناء والمجد، أنت] رب العالمين، وأنا بحاجة في حياتي، بحاجة، وأنا مقر، ومؤمن بأن هناك يوم جزاء على الأعمال، وأن للجزاء الحسن طريقة واحدة محددة، هدى الله إليها، أنا بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى أن يهديني.

أن يأتي بعد هذا، أن يدعو الإنسان الله سبحانه وتعالى فيقول: {اهدِنَـــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (الفاتحة6) اهدنا الصراط المستقيم، اهدنا أنت يا الله، من لك الثناء، {الْحَمْدُ للّهِ}، من أنت {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، من أنت {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، من أنت {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، نريد منك أن تهدينا إلى صراطك المستقيم.

يأتي بلفظ دعاء للتعبير عن أنها قضية تهمنا، قضية أن نهتدي، وأننا نبحث عن الهدى، ونريد الهدى، فنحن نطلب، فأنت عندما تدعو يأتي الشيء بتعبير الدعاء، ولفظ الدعاء؛ لأنها قضية هامة لديك، أنت تنشدها. أليس الدعاء طلب، أنا أنشد الهداية، هل نحن ننشد الهداية؟ تجد أننا متى ما جاء أحد يهدينا [فيا الله نسمع له، يا الله نجامله] ليست قضية مهمة لدينا قضية الهداية، مع أن الله سبحانه وتعالى جعلها أفضل نعمة على الإنسان.

نِعَمَه عظيمة جدًا علينا، لكن أعظم نعمة له على الإنسان هو الهداية، نعمة الهداية، الهداية بدينه، الهداية بكتابه، الهداية بنبيه، هذا الدين الذي هو هدى، فنحن نقول: اهدنا أنت يا الله،

اهدنا إلى صراطك المستقيم. الدنيا مليئة بالطرق، وأنت لك يوم جزاء، وجزاء محدود، وجزاء حاسم، ونحن نثق بأننا بحاجة في حياتنا إلى هدايتك، هناك طرق قد نسير عليها فنضل في حياتنا، ونشقى كما ضل أبونا من قبل، كما شقي.

نحن نريد أن تهدينا إلى صراطك المستقيم، ونحن بحاجة إليك أنت مهما كثر المرشدون، مهما كثر الدعاة، مهما كثر الموعظون، نحن بحاجة إليك أنت أن تهدينا. أليس هذا دعاء يقوله المسلمون جميعًا؟ حتى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو يدعو: اهدنا الصراط المستقيم.

ولأن الدنيا هنا يمر الإنسان فيها بأحداث كثيرة، ومتغيرات كثيرة، ومواقف كثيرة، متعددة، وليس هناك موقف، أو قضية، أو حدث هو خارج عن إطار أن يكون حق، أو باطل، أن يكون فيه لله رضا، أو يكون مما يؤدي بالإنسان إلى سخط الله سبحانه وتعالى. فنحن بحاجة منك يا الله أن تهدينا في كل شئون حياتنا، في كل مواقفنا، أن تكون أنت ترعانا، نحن نريد أن تهدينا إلى صراطك المستقيم، لا نضل، لا نشقى.

من الذي يكون لديه هذا الشيء مهم؟ هو من هو مؤمن بيوم الجزاء، ومن هو مؤمن بأنه بحاجة إلى الهدى في الدنيا، أنه إذا ما انحرف عن هدي الله، وانحرف الناس عن هدي الله، سيضلون، ويشقون، ويعانون، وسيكون الشقاء ليس فقط من جانب أعداء الله.

لاحظوا نحن عندما نقصر، لا نستجيب لله سبحانه وتعالى، ما الذي يحصل؟ المفسدون في الأرض يعملون عملهم في الشقاء، والله سبحانه وتعالى من جانبه يمنع خيراته، يمنع بركاته، ويحول دون أشياء كثيرة؛ لأنه رآنا غير مستحقين، عقوبة لنا، فيكون الإنسان بإعراضه عن هدي الله جلب على نفسه الشقاء، سواء ما كان من جانب أعداء الله، وما كان من جانب الله عقوبة له على إعراضه عن هدي الله.

فالإنسان الذي يفهم أهمية الهدى، والآية نفسها عندما نرددها دائمًا هي تذكرنا أيضًا بأن قضية الهداية قضية مهمة، لماذا الله يأمرنا بأن نقرأ هذه السورة، والموضوع الرئيسي فيها موضوع الهداية. ألم يأخذ الكلام عن الهداية نحو ثلثي الفاتحة، موضوع الهداية هو أكبر موضوع داخل الفاتحة؛ لأنه أكبر موضوع داخل القرآن؛ لأنه هو الموضوع الرئيسي، الهداية.

القرآن من أجل هداية الناس، الرسول من أجل هداية الناس، كل ما جاء من خطاب من جانب الله، من توجيهات كلها تصب في قالب الهداية للناس، كل عمل الله بالنسبة لنا هو هداية، توجيهات للهداية. فجاء الحديث عن الهداية في سورة [الفاتحة] نفسها يأخذ أكبر مساحة داخل سورة [الفاتحة] التي هي نفسها تعبر عن محتوى القرآن بصورة عامة، وباختصار.

فمن يتأمل يجد أنه عندما نؤمر بأن نقرأ هذه السورة، وأهم شيء فيها هو: طلب الهداية، أي: أن الهداية قضية مهمة جدًا جدًا، أي: أنها قضية يجب أن نحرص عليها، وأن نبحث عنها وأن نبذل في سبيلها كل غال ونفيس، من أجل أن نهتدي. فكيف بالناس الذين تعرض عليهم الهداية بالمجان، كيف بالناس الذين طريقتهم طريقة صحيحة، وعقائدهم صحيحة، والهدى يقدم إليهم بسهولة، وهم لا يرون له قيمة، ولا يلتفتون إليه، ولا يعتبرونه شيئًا!

أليس هـذا كفر؟ كفر بأعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان. ولأن واقع الناس هكذا قال الله عن الإنسان: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس17).

كان الأنبياء يأتون إلى الناس فيقولون: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء109) يكاد أن يتفجر من الأسف، من الألم، عندما يرى قومه لا يهتدون، يوجههم، يهديهم، يعلمهم، يبصرهم، ويقول: أنا لا أسألكم أجرًا على هذا أبدًا. لا يلتفتون إليه ولا يبالون به!

نوح ظل في قومه كم؟ تسع مائة وخمسون سنة، ولم يستجب له إلا القليل القليل منهم؛ لأنه لا قيمة عند أكثر الناس لهداية الله؛ لأنهم لم يفهموا بعد أهمية هداية الله بالنسبة لحياتهم، وارتباطها بحياتهم. هذه هي المشكلة الرئيسية لدى الإنسان، وهي مشكلة نحن نعاني منها، نحن نعاني منها.

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 1423هـ

قد يعجبك ايضا