التطبيع وحق الاحتلال في الدفاع عن نفسه!

الأصل في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وبمكونات الطبيعة أن تكون علاقة طبيعية، من شروطها قيامها على توازن يحفظ الانسجام بين المطبِّع والمطَبَّع معه ، ولهذا يوصف استهداف الإنسان للحياة الطبيعية بالاعتداء على التوازن الطبيعي والبيئي وكذلك تصرفات الدول الصناعية ، الإنسان المستهتر يدمر ما له فيه بعض الحق وما ليس له فيه أي حق ، وما تسببه المخلفات الصناعية والنووية من سموم وأمراض خطيرة على الحياة النباتية والحيوانية من أمراض وآثار مدمرة تجعل حياة شركاء الحياة في خطر، لذلك أصبحت قضية البيئة من أبرز القضايا التي تؤرق من يمتلكون قدراً من الإحساس بالمسؤولية تجاه الحياة ، ومن السياسات غير الطبيعية اعتداء الدول المتقدمة والغنية المتمكنة من القرار والمال على الدول الفقيرة والمتخلفة أو احتلالها لاستغلال خيراتها ، وسحق شعوبها كما حدث ويحدث في فلسطين من دعم للكيان الصهيوني في ممارساته ضد الشعب الفلسطيني وهناك شعوب كثيرة تتعرض لممارسات وضغوط وجرائم حروب داخلية تم إشعالها بوسائل وخدع وسيناريوهات لا تقل عما تعرض ويتعرض له الفلسطينيون منذ البدايات التمهيدية لمأساته الناتجة عن السياسات غير الطبيعية المجردة من كل القيم والتي بدأت فصولها بالمؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا بتأريخ 29/ أغسطس 1897 بزعامة تيودور هيرتزل حيث وضعت خطط الهجرة السرية المنظمة قبل أن تبدأ المرحلة العلنية التي استندت إلى ما أطلق عليه وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا المحتلة لفلسطين تضمن منح أرض فلسطين لليهود بناء على المقولة الزائفة المعروفة : (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) وهي مقولة زائفة من عدة وجوه أولها: أن تصرف وزير خارجية بريطانيا تصرف من لا يملك لمن لا يستحق وثانياً : أن اليهود الذين منحتهم بريطانيا أرض فلسطين تم جلبهم من بلدانهم التي كانوا يعيشون فيها منذ آلاف السنين واحتفظوا بجنسياتهم الأصلية لتلك البلدان بالإضافة إلى جنسية الأرض التي اغتصبوها وسموها إسرائيل في حين عاش الفلسطينيون ويعيشون حياة الشتات والتشريد أما ثالثاً: فإن فلسطين أرض الفلسطينيين منذ آلاف السنين ، ولا وجود لما يسمى دولة إسرائيل ولا لكيان يحمل هذا الاسم عبر التاريخ ، ويهود فلسطين شأنهم شأن كل يهود العالم يرتبطون ببلدانهم ارتباطا وطنيا لا دينيا ، وهذا حق من واجب الجميع الاعتراف به واستهداف أي إنسان واقتلاعه من جذوره بعناوين دينية يفترض أنه عمل إجرامي ، ومن واجب النظام الدولي الحرص على العدالة وعدم التشجيع على جعل الدين وسيلة لاحتلال أراضي الغير لأن ذلك جريمة مستنكرة ومرفوضة إنسانياً ودينياً وأخلاقياً اعتماداً على كون الدين والعلمانية بمفهومهما القويم يدعوان للأخوة الإنسانية كطريق للسلام بمفهوم (الأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين) لا من يدعي الصلاح وامتلاك الحقيقة أي غير الفاسدين والمستبدين ومن يظلمون الناس باسم الدين ويفسدون في الأرض :(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم المفسدون ولكن لا يشعرون ) أو بمفهوم العلمانية : (الدين لله والوطن لجميع)؛
والتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي تقوم به بعض دول يطلق عليها عربية أو إسلامية إنما هو تطويع الناس ليروا الفساد أمرا طبيعيا بقوة السلاح والتضليل الإعلامي والإيهام بأن ذلك من علامات احترام حقوق الإنسان وكأن هذا الكيان قد نشأ طبيعياً ، والأحداث منذ بداية المأساة وحتى اللحظة تؤكد أن التطبيع مع احتلال الأرض والتوطين بالقوة وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم بارتكاب أبشع الجرائم بحقهم لا يولد سوى العنف ولا يمكن أن ينتج السلام لأن السلام إنما ينتج عن قناعة الجميع بأن من حق أي إنسان أن يحافظ على وجوده وكيانه الطبيعي وليس المصطنع ، ومن حقه أن يدافع عن حياته ووجوده ولكن ليس على حساب وجود غيره وحياته ، ومن العجائب أن تصبح هذه الحقيقة وجهة نظر قابلة للمساومة تحت عناوين خادعة مثل : (الأرض مقابل السلام ) أي أن على الفلسطينيين أن يستسلموا مقابل وعود كاذبة بأن يمنحهم غاصب أراضيهم جزءاً منها مقابل الوهم ليستمر التطبيع بمفهوم التطويع ، وتتم هذه المهزلة برعاية دولية ، وتبنى الجنسية على الدين بدعم من يدعون أنهم حماة الديمقراطية وحقوق الانسان والمحاربون للإرهاب الذي صنعوه.
التطبيع مع الاحتلال شكل من أشكال العدوان يعكس صورة من أبشع صور استخدام السياسة وتطويعها لأبشع صور استخدام الدين في الاعتداء على العدالة سواء من خلال الاعتراف بالهٌوية اليهودية لدولة إسرائيل أو من خلال جعل (الشرعية الدولية) في خدمة الظلم بدلا عن الدفاع عن المظلومين سواء في علاقة الحكومات بشعوبها أو في منع اعتداء أي دولة أو شعب على دولة أو شعب آخر، من الطبيعي والواجب على الأمم المتحدة بمنظماتها وهيئاتها أن تكون إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني بقوة وليس على استحياء فهو الذي يدافع عن نفسه وليس الكيان المصنع.
إن طغيان القوة والمال ما زال هو صاحب القرار والشرعية مهما صدرت من قرارات لها صلة بالعدالة ولا يزال القادر على جعل نهج التطبيع مع الظلم رهن التطوع.
يد الله فوق أيدي الطغاة
والسلام على من يحب الحياة
ويعشق درب السلام
ويكره نهج الخنوع

 

قد يعجبك ايضا