شيخ المجاهدين.. حارس بوابة البيضاء

في مرحلة استثنائية من تاريخ اليمن تمثل في عدوان خارجي يريد احتلال البلاد وتقسيمها وبث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد كان الشيخ صالح بن صالح بن حسين الوهبي استثناء، في حياته ومواقف ورصيده المشرف ووقوفه مع الحق ومقاومة الغزاة والمحتلين.

في ذكرى رحيله الأول، أنتجت القوات المسلحة اليمنية فيلما وثائقيا عن الشيخ اللواء صالح الوهبي حمل عنوان (شيخ المجاهدين) كاشفا جانبا عن حياة وأخلاق الفقيد وصفاته على لسان من عاصروه وعاشوا معه الأحداث الاستثنائية التي عاشتها اليمن قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 مرورا بالثورة ثم العدوان السعودي الأمريكي ومحاولة غزو

عملت أمريكا وأدواتها منذ عقود على زرع الجماعات التكفيرية والفكر الوهابي، في محافظة البيضاء الاستراتيجية التي تتوسط ثماني محافظات، وقطعت شوطا كبيرا بهذا الخصوص، لكن هذا المشروع أجهض عقب انتصار ثورة سبتمبر 2014 على يد حكماء المحافظة يقودهم الشيخ صالح الوهبي.

وفي مديرية الوهبية التي تسكنها قبائل بني وهب أحد أفخاذ قبيلة بني مراد من أعرق قبل اليمن، كان الشيخ صالح من أوائل المستقبلين والمرحبين والداعين للالتفاف حول الثورة لمحاربة الظلم، ومقارعة الجماعات التكفيرية في المنطقة التي أنتجتها المخابرات الأمريكية والصهيونية، وقال كلمته الشهيرة للثوار “إذا لم تسعكم الوهبية فتسعكم بطوننا وبطون بني وهب.. لن نتخلى عنكم حتى لو انتهينا برمتنا”.

ومع بداية العدوان الأمريكي السعودي في مارس 2015 ضد اليمن كان الشيخ العميد صالح الوهبي متقدما صفوف المدافعين عن البلاد والداعين “لمواجهة هذا العدوان المتغطرس”.

استخدم العدوان أسلوب الإغراءات وقدم عروضا “من مبالغ مالية” ومناصب “وزارية أو نائب رئيس وزراء في حكومة المرتزقة” بهدف استمالة الشيخ المجاهد لكنه رفضه رفضا قاطعا وقال “إن أغرونا بالمال المدنس سندوسه بأقدامنا”، متمسكا بالعهد الذي أعطاه للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، وخاطب وسيط العدوان “ردوا الحياة للشهداء” قبل أن أنضم معكم.

بعد ذلك لجأ العدوان للترهيب وحاول اغتيال الشيخ صالح الوهبي، وقصف منازله بعدة غارات جوية، ومع ذلك كان رد الشيخ المجاهد مخيبا لآمال العدوان بقوله “وهل في الأرض حر ليس يقصف” مؤكدا أن “قبيلة بني وهب ستظل سدا منيعا أمام العدوان لبوابة البيضاء ولن تنكسر على الإطلاق”.

البيضاء أبعد من عين الشمس

قبل تسع سنوات ومع نشوة تحالف العدوان وغرورة ظن التحالف أن السيطرة على محافظة البيضاء ستكون سهلة، وبالتالي الطريق سالكة إلى محافظة ذمار وصولا إلى العاصمة صنعاء، حينها قال قائد قوات المرتزقة علي محسن “إذا تعديتم الوهبية وصلتم ذمار” وكان يعي ما يقول فقد كان متكئا على الجماعات التكفيرية التي زرعتها المخابرات الأمريكية والصهيونية، وكانت القاعدة وداعش تسيطر على مساحات شاسعة من المحافظة، “فكانت الوهبية بوابة لو فتحت لوصل التحالف إلى ذمار”.

تلك الأحلام تحولت كابوسا، وصدق الشيخ المجاهد عندما توعدهم بقوله “إن هذه القبيلة وهذه الكتائب ستواجهم بقوة.. يريدوا البيضاء.. البيضاء أبعد من عين الشمس”، وبرغم صعوبة تضاريس البيضاء ومحاذات منطقة الوهبية خطوط جبهات متشعبة من قانية إلى نعمان آل عواض إلى ناطع، شكل رجال بني وهب بقيادة الشيخ صالح الوهبي مع الجيش واللجان الشعبية جبهة منيعة لم يتمكن العدو من اختراقها.

ومن المواقف التي لن تنمحي من ذاكرة تاريخ شعبنا اليمني، في مواجهة الحرب الشرسة والزحوف الكثيفة على مدى سنوات، قام الشيخ المجاهد بحفر قبرة وهو متقدما خطوط المواجهة الأمامية وقال “لن أبرح الجبهة ولن أسمح للمعتدين التقدم حتى شبر واحد”، وعندما كان يصاب أحد أبنائه في المعارك كان يسأل أين أصيب “هل من الأمام أم من الخلف” “فإن كان من الأمام مواجها للعدوان قال هذا ولدي”.

قدمت قبيلة آل وهب عشرات الشهداء والجرحى تقدمهم أبناء وأسرة الشيخ المجاهد، وعند استشهاد أحد أبناءه لم ينكسر الشيخ صالح الوهبي وقال بقلب الواثق بالنصر “سنلاحقهم (العدوان والمرتزقة) وسنطهر اليمن منهم، بقي لدي 12 ولدا أهون لدي تقديمهم ولا تدوس بلادنا دبابات ومدرعات السعودية”.

فكان نصرا مؤزرا أشبه بالمعجزة وعلى مدى سنوات من الزحوفات والقصف تحطم الغزاة بثبات المجاهدين على طول جبهات المواجهة في الوهبية وقانية، تحول الدفاع إلى هجوم” فتحررت مناطق “يكلى وقيفة والزاهر ومكيراس وطياب والصومعة وآل حميقان” والعبدية والجوبة وخسر التحالف ومرتزقته ودواعشة.

وبعد سبع سنوات من الصمود والمقاومة “أتاح الله له الفرصة حتى شاهد البيضاء ناصعة البياض بفضل الشيخ صالح الوهبي ورجالة وأبناءه وقبيلته الذين واجهوا العدو”.

قبل عام رحل الشيخ صالح الوهبي، وترجل الفارس عن جواده لكنه سيبقى خالدا بخلود مواقفه التي سجلت في أنصع صفحات تاريخ اليمن، وكان التشييع المهيب الرسمي والشعبي الذي حظي به سواء في العاصمة صنعاء أو في البيضاء والوهبية، مسقط رأسه، مترجما لما حظي به من حب اليمنيين من مختلف مشاربهم وتوجهاتهم مشهد لن ينمحي من تاريخ الوهبية والبيضاء واليمن، ووداعا استثنائي لشيخ المجاهدين يليق بشخصيته ورصيده العظيم ليس على مستوى البيضاء فحسب بل على مستوى اليمن.

شهادات ومواقف

اشتمل الفيلم الوثائقي “شيخ المجاهدين على نبذة من مواقف وأقوال الشيخ صالح الوهبي ضد الغزاة والمرتزقة ومنها “لا نقبل الذل ولا نقبل الهوان خلقنا أحرار وسنموت أحرار”، ووصف المرتزقة بأنهم “مأجورين لا قضية لهم ولا مشروع لهم ولا شرعية لهم، مجرد كلام تفرضه السعودية والإمارات وأمريكا ويعملوا شرعية لا أساس لها”.

و”استطاع الشيخ صالح الوهبي تحصين قبيلته ومجتمعه من الفكر الوهابي التي حاولت السعودية غرسها هناك وبتواطئ الأنظمة الحاكمة السابقة”، وأثمرت جهوده في القبيلة إلى التوقيع على وثيقة أنهم جزء لا يتجزأ من أنصار الله والوقوف مع الجيش واللجان الشعبية وكل من يقف أو تعاون بأي شكل من الأشكال مع العدوان من أبناء القبيلة يعتبر من الأعداء

ومن أقوال الشيخ المجاهد في هذا الصدد “نحن مع المجاهدين كلنا أنصار الله هم إخواننا وهم من يقدمون أنفسهم أمامنا دماؤهم من دمائنا وكرامتهم من كرامتنا”، ”قبائل اليمن بحاجة إلى مظلة وهذه المظلة هو السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي”.

كما اشتمل الفيلم على مجموعة من شهادات قيادات ومسؤولي الدولة وممن عاصروا الفقيد من أبناء قبيلته ومحيطة الاجتماعي وحتى من خصومه، والتي أجمعت على أنه كان “رجلا يعرف بشهامته ووفاءه بحبه للوطن بجهاده في سبيل الله، ذو روحية نشطة” “شيخا وجيها عظيما في قبيلته وفي محيطه يعرفه الصديق والعدو بشجاعته ببسالته بكرمه بوفائه”، “رجل محنك ورجل سياسي وكان رجل مواقف”، “فكسب قلوب محبيه”، “وكان الشيخ الوحيد الذي تكن له قبائله كل الوفاء والاحترام”.

كان له الدور البارز في تخفيف حدة النزاعات ليس فقط في قبيلته بل في محافظة البيضاء، وحريصا على المؤاخاة والإصلاح بين الناس وحل القضايا والمشاكل والاقتتال، وأخا بين أبناء البيضاء، وتجاوز الخلافات، حتى ”أن الأجل وافاه  وهو يسعى بالصلح بين الناس”.

 

محمد الحاضري

 

رابط الفيلم الوثائقي “شيخ المجاهدين”:

 

https://www.masirahtv.net/post/239327

قد يعجبك ايضا