قبل ساعات من انتهاء الهُدنة وسط غياب “أممي رسمي”.. صنعاء ومسقط تناقشان “التمديد”.. ترحيب وطني مشروط بـ “الجلوس” حول طاولة “رفع المعاناة”

رئيس الوفد الوطني يصل صنعاء برفقة وفد عماني لمناقشة مستجدات الهُدنة والمقترحات الأممية

تمسك وطني بوضع “الملفات الإنسانية” كورقة عبور لأي سلام وإصرار سعوديّ برعاية أممية لاستخدامها كورقة حرب

بعدَ يومٍ من حديث المسؤولين الأمميين عن تمديد الهُدنة مع إضافة معالجات هامشية هدفها إضاعة الوقت وإغراق المِلفات الإنسانية الأَسَاسية، وتزامن ذلك الحديث مع تمسك صنعاء بمطالبها الإنسانية المشروعة وإضافة ملف المرتبات والوفاء بالالتزامات المتأخرة كشرط أَسَاس للتمديد، وصل إلى العاصمة صنعاء، أمس الأحد، وفدٌ عُمانيٌّ برفقة رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام، وذلك لمناقشة الملفات والقضايا الخَاصَّة بالهُدنة الإنسانية والعسكرية، في إشارة إلى المعطيات على الواقع فرضت نفسها لترجح الكفة لصالح المطالب الإنسانية المشروعة التي قد تسهم في تخفيف معاناة الشعب اليمني، في حين أن غياب الحضور الأممي عن المشهدِ في صنعاءَ يؤكّـدُ أن الأممَ المتحدة لا تلعبُ دورَ الوسيط، لا سيَّما بعد أن غادر غرودنبرغ، أمس الأول عدن لفشل حديثه مع مرتزِقة مجلس العار، وهو الأمر الذي يستوجبُ وضعَ أكثرَ من علامة استفهام بشأن الدور الأممي في آخر ساعات الهُدنة.

تجاوُبٌ وطني سريع لكل مسارات السلام

وفيما أعلن رئيس الوفد الوطني، محمد عبدالسلام، أمس الأحد، في تغريدة له على تويتر عن وصوله برفقة وفد عماني، فَـإنَّه اختزل الحديث عن انحسار الزيارة للتشاور مع القيادة الثورية والسياسية بشأن التطورات المخَاصَّة بالهُدنة ومقترحات الممثل الأممي في هذا السياق، وهو الأمر الذي يشير إلى تجاوُبِ صنعاءَ مع كُـلّ جهود السلام، رغم “اللغة المطاطية” التي تنتهجها الأمم المتحدة في هذا الجانب، حَيثُ إنها لم تعط المِلفات الإنسانية الرئيسية أدنى اهتمام.

وقال عبدالسلام، أمس الأحد: “بعون الله وصلنا إلى العاصمة صنعاء ظهر يومنا هذا عبر طائرة عمانية وبرفقتنا وفد من سلطنة عمان الشقيقة، وذلك للتشاور مع القيادة حول التطورات المتعلقة بالهُدنة، والمقترحات التي قدمها الممثل الأممي لمعالجة القضايا الإنسانية والاقتصادية”.

وفي السياق، رحّب المجلس السياسي الأعلى، أمس، في جلسته برئاسة المشير الركن مهدي المشاط –الذي تم التوافق على تمديد رئاسته ثلاث فترات قادمة– بوصول الوفد العماني، في حين استعرض المجلس آخر المستجدات السياسية والملفات المتعلقة بالهُدنة.

وبما أن السياسي الأعلى لم يتطرق إلى المستجدات حتى كتابة الخبر، فَـإنَّ ذلك يؤكّـد تمسكه بمطالبه الإنسانية المشروعة التي أعلنها الأسبوع الماضي كشرط لتمديد الهُدنة، والمتمثلة في الوفاء بالالتزامات المتأخرة المفروض تنفيذها خلال الأربعة الأشهر الماضية من الهُدنة، وإضافة ملف المرتبات كملف يرفع سقف المزايا الإنسانية التي قد تجعل الطرف الوطني يتغاضى عن المماطلة السعوديّة الإماراتية والتواطؤ الأممي تجاه اتّفاقات السلام الموقعة سلفاً، والدخول في عملية سلام جديدة بتمديد ثانٍ للهُدنة.

رفع معاناة الشعب خيار “صُلب” أمام سلوك أممي “مطاطي”

وفي ظل المؤشرات التي تؤكّـد تمسك الطرف الوطني بمطالبه المشروعة، جددت صنعاء التأكيد على حرصها على السلام العادل والمشرف الذي يضمن للشعب الاستقرار والعزة والكرامة ويحُدُّ من معاناته التي ظلت مخيمة طيلة السنوات الماضية بما فيها الأربعة الأشهر من الهُدنة، لتكون مسألة إزاحة معاناة الشعب هي القضية الجوهرية والمركزية التي يتمحور عليها الطرف الوطني ضمن مساعيه للسلام، وذلك في مقابل التعنت المُستمرّ لتحالف العدوان الذي يراهن –باستمرار– على مفاقمة معاناة اليمنيين لإركاعهم وتطويعهم لصالح مشاريعه الاستعمارية.

رئيس حكومة الإنقاذ الوطني الدكتور عبدالعزيز بن حبتور، جدّد التأكيدَ على أن “المجلسَ السياسي والحكومة لن تقبَلَ بأي تجديد للهُدنة إذَا لم يرتبط بإنجاز ملموس آخر غير ما تم خلال الأشهر الماضية”، في إشارة إلى المطالبة بحتمية إضافة مزايا إنسانية لتحقيق تهدئة تكون مدخلاً لأية عملية سلام حقيقة وجادة.

ولفت رئيس مجلس الوزراء إلى أن “توفير المرتبات المتوقفة منذ سبع سنوات وفتح مطار صنعاء إلى أكثر من وجهة سفر، مدخل نجاح أي اتّفاق على هُدنة مقبلة”، في حين أن تكرار مثل هذه المطالب المحقة والمشروعة في ظل تجاهل أممي، يجعل من الهُدنة مُجَـرّد شكليات لا تتجاوَزُ تحقيقَ المكاسب العسكرية لدول العدوان، فيما أن من المفترض أن تكرَّسَ لمناقشة الملفات العسكرية وحلها تدريجيًّا وُصُـولاً إلى سلام دائم وشامل، على اعتبار أن الملفات الإنسانية محسومة ولا تحتاج إلى تفاوض، لكن مع تفريخ اتّفاق الهُدنة وجعله خاصاً بمعالجات إنسانية بسيطة يؤكّـد أن المساعي الأممية والسعوديّة والإماراتية من وراء الهُدنة ليست إلا لغرض الحصول على وقت مستقطع تقوم خلاله بترتيب صفوفها وأولوياتها ضمن مسارات العدوان على اليمن واحتلاله ونهب ثرواته والاستيلاء على استراتيجيته التي تعتبر لاعباً أَسَاسياً مرتبطاً بباقي الملفات والمستجدات الدولية.

وفيما جدّد ابن حبتور التأكيد بالقول: “وافقنا على الهُدنة في إطار الرفع التدريجي للحصار، وَإذَا لم تكن الهُدنة مرتبطة بتحقيق مصالح مباشرة للمواطنين فلا حاجة لنا فيها”، أكّـد المتحدث الرسمي باسم حكومة الإنقاذ الوطني –وزير الإعلام– ضيف الله الشامي أن “دفع رواتب جميع موظفي الدولة التي ينهبها ويسيطر عليها تحالف العدوان منذ نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن من أهم أولويات قيادتنا للقبول بتمديد الهُدنة”، ليتبين للجميع حجمُ الفروق بين طرف وطني يفاوض على حاجات الشعب ورفع معاناته، وآخر معادٍ يساوم عليها ويراهن بها ويفاوض على مكاسب عسكرية.

الحَقُّ المسلوبُ بـ “السلام” سيُنتزع بـ “السلاح”

بدوره، عزز عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، رسائل الطرف الوطني بالتأكيد على تمسك صنعاء بمطالبها الإنسانية المشروعة، مع مشروعية استعانتها بالرد المشروع لنيل الحق المشروع.

وأكّـد الحوثي، أمس في تصريحات له أنه “لا يمكن أن نقبل بالهزيمة والانكسار إما توقف العدوان وإنهاء الحصار وإلا فنحن حاضرون للجهاد في سبيل الله لا نخشى شيئاً”، في إشارة إلى أن الطرف الوطني لن يظل مكتوف الأيدي تجاه المساومة السعوديّة الإماراتية الأممية، وسيتحَرّك لنيل حاجاته الإنسانية وإزاحة معاناته بالسلاح، إذَا أصر العدوان على حرمانه منها في ظل “السلام” الشكلي المشتعل برعاية أممية.

وفي السياق توالت الرسائل العسكرية المسالمة، والتي هي أَيْـضاً أكّـدت التمسك بخيار رفع معاناة الشعب كخيار رئيسي للوصول إلى السلام، حَيثُ أكّـد المتحدث الرسمي باسم الجيش العميد يحيى سريع، أمس أن القوات المسلحة اليمنية ستظل سنداً للسلام والحرب، في رسالة ترمي “سلة بطائق الاختيار” إلى متناول دول العدوان.

وقال العميد سريع، أمس في تصريحات خلال حضوره عرضاً عسكريًّا مهيباً في تخرج دفعات حاشدة من منتسبي المنطقة العسكرية المركزية: “رسالنا للعدو بأننا جاهزون لكل الخيارات، فإذا أراد السلام فالوفد الوطني قد قدّم الجهود لتحقيق ذلك، وإن أراد الحرب فنحن أهلها وسنكون حاضرين في كُـلّ الميادين والجبهات للتصدي للعدوان ومؤامراته”.

الكُرةُ في ملعب المجتمع الدولي و “أممه المتحدة”

إلى ذلك، نوّه وزير الداخلية اللواء عبد الكريم الحوثي، إلى أن الاستعداد العسكري حاضر بقوة في مساندة الطرف الوطني خلال الجولات الدبلوماسية للتصدي للمناورات السياسية المكشوفة التي يسير عليها تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي، في تأكيد على انخراط كامل المنظومة الوطنية بجوانبها العسكرية والأمنية والسياسية في مسار التمسك بخيار رفع معاناة الشعب.

وقال وزير الداخلية في تصريحات له، أمس: “حاضرون على أتم الجهوزية لما تقرّره القيادة سلماً أَو حرباً، ورهاننا على الله وحكمة القائد”، مُضيفاً “تحالف العدوان لم يف بتعهداته وفقاً لبنود الهُدنة الماضية باستثناء تنفيذ نسبي في بندي الرحلات الجوية وسفن الوقود”، في إشارة إلى أن استمرار الهُدنة بمرضها الراهن لن يكون مقبولاً مطلقاً، وهو الأمر الذي يضع من جديد كرة السلام والحرب في معلب تحالف العدوان والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لتقرّر ما إذَا كانت معاناة اليمنيين ستظل ملفاً معلقاً في مزاد المساومة والابتزاز والاستخدام كورقة حرب، أم أن المنظومة الأممية والدولية ستتحاشى كشف ما تبقى من حقيقة انخراطها الصارخ والواضع والفاضح مع تحالف العدوان والاحتلال ومشاريعه، ومع أن الوقت المتبقي لانتهاء الهُدنة صار معدوداً بالساعة، فَـإنَّ الساعات القادمة ستشير بعقاربها إلى أية جهة يريد تحالف العدوان والمجتمع الدولي و”الأمم” التحَرّك والسير، وعندئذٍ لكل حادث حديث، مع التأكيد أن الخيار الوطني بالتمسك برفع المعاناة الإنسانية محسوم جملة وتفصيلاً، لتكون التساؤلات مفتوحة حول من يستخدم المِلف الإنساني وحلوله كمدخل للسلام، ومن يستخدمه كوقود للحرب.

 

تقرير: نوح جلّاس

قد يعجبك ايضا