هل يرضخ ابن سلمان في ملفّ اليمن هرباً من ملف خاشقجي؟…بقلم/شارل أبي نادر*

 

أعاد الرئيسُ الأمريكيّ جو بايدن النظر في الكثير من القرارات التي كان سلفه دونالد ترامب قد اتخذها، ويظهر حَـاليًّا وكأنّه سيبني قسماً كَبيراً من استراتيجيّته على نقض ودفن ما ميَّز عهد الأخير، وخُصُوصاً بعد أن برأه مجلس الشيوخ في عمليّة هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول. عمليًّا، ضمن هذه الاستراتيجيّة، وفي ما خصّ ملفات الشرق الأوسط، يريد بايدن أن ينتقم من سياسات ترامب من خلال استهداف حليفيه المدلّلين محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو.

في الواقع، وحيث يصعُبُ على بايدن استهدافُ نتنياهو لأسباب كثيرة، ويتجاهُلُه حَـاليًّا على الصعيد الشّخصي، ويحاول الاقترابُ بحذر من الملفات التي تهمه، مثل الاتّفاق النووي الإيراني وملف سوريا، ولكنه عمليًّا بدأ الهجوم على الطرف الأضعف (ابن سلمان)، من خلال تحريك ملفي الحرب على اليمن ومقتل خاشقجي، وهما يرتبطان بشكل شبه كامل بوليّ العهد السعودي، فهل يمضي الرئيس الأمريكي فيهما حتى النهاية؟ وأي منهما سيكون أسهل لولي العهد السعودي؟

لا شكّ في أنّ ملف اليمن، أَو الحرب عليها، أَو فشل السعودية فيها، أَو فشل الولايات المتحدة الأمريكية فيها -وهذا هو الأهم- هو مسؤولية ابن سلمان الذي كان عرّاب تنفيذ العدوان عند اتِّخاذ القرار، وبقي العراب المنفِّذ وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة خلاله، ولم يتراجع عنه خلال 6 سنوات، من دون جدوى ودون تحقيق أي هدف، على الرغم من فظاعة وكارثية نتائجه وتداعياته على اليمن والسعودية. وَإذَا لم تكن المسؤولية تقع على ولي العهد السعودي بشكل مباشر، بل على واشنطن، فهو، في نظر الأخيرة، يتحمّل مسؤولية الهزيمة، لكونه فشل في إنهاء الحرب لمصلحة الأهداف الأمريكية.

في موضوع الحرب على اليمن، قد يقول محمد بن سلمان، إضافة إلى مجموعة من الأمريكيين في الإدارة أَو الكونغرس أَو البنتاغون، إنّ هناك الكثير من الأسباب التي أوصلت إلى هذا الفشل وساهمت في إدخَال كُـلّ من الرياض وواشنطن في مستنقع صعب ومؤذٍ، ومنها على سبيل المثال، عدم التقدير الصحيح لقدرة اليمنيين، وتحديداً قدرة “أنصار الله”، وهو ما كان خطأً قاتلاً. أَيْـضاً، سيقولون إن الدعم الإيراني الفعال وغير المحدود لـ”أنصار الله”، وفي كُـلّ المجالات، سببٌ أَسَاسي ومؤثر في خسارتهم الحرب.

من هنا، ومن خلال طرح هذه التبريرات، قد يجد بايدن وإدارته الجديدة وأغلب صقور الكونغرس الديمقراطيين الرافضين أَسَاساً للحرب على اليمن، أنه يمكن تخفيف مسؤولية محمد بن سلمان في فشل هذه الحرب، وعدم الضّغط لإزاحته عن الحكم بعد زعزعة موقعه كولي للعهد، وخُصُوصاً أن قدرة الأمريكيين على تغيير ولاة العهد في السعودية معروفة تاريخيًّا، لتبقى العلاقة مع السعودية منتظمة، بما يؤمن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعد كافياً لتجاوز تداعيات الحرب الفاشلة على اليمن، والاستمرار في هذه العلاقة مع محمد بن سلمان كوليٍّ للعهد حَـاليًّا، وكملكٍ مستقبلاً.

هذا في موضوع إمْكَانيّة تقبّل بايدن وفريقه مسؤولية محمد بن سلمان في ملف فشل الحرب على اليمن، ولكن كيف ستكون مقاربة الرئيس الأمريكي لمسؤولية ولي العهد السعودي في ملف مقتل خاشقجي؟

يذكر الجميع موقف الديمقراطيين وبايدن شخصيًّا وبعض مسؤولي إدارته الحاليين في ملف مقتل خاشقجي، وكيف حركوا حينها الداخل الأمريكيّ ضدّ محمد بن سلمان في الإعلام والكونغرس والمؤسّسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

في المقابل، يذكر الجميع أَيْـضاً مستوى شراسة الرئيس السابق دونالد ترامب حينها في الدفاع عن محمد بن سلمان، وكيفية تبرير استمراره في حمايته، حفاظاً على مصالح الولايات المتحدة الأمريكيّة، وحمايةً للأمن القومي الأمريكي، من خلال المحافظة على العلاقة مع السعودية، ومع ولي العهد محمد بن سلمان شخصيًّا، كشريك رئيسيّ في عملية التطبيع مع “إسرائيل” وفي استراتيجيّة مواجهة إيران.

اليوم، وحيث إنّ الإدارة الأمريكية بكامل مسؤوليها بقيادة ورعاية هذا الفريق الذي كان رأس الحربة ضد ابن سلمان في ملف مقتل خاشقجي، فَـإنَّ هناك عدة أسئلة سوف يطرحها هؤلاء المسؤولون الأمريكيون بمواجهة ولي العهد السعودي، باحثين عن تبريرات يمكن أن تساعدهم في إمْكَانية تقبُّلِهم الموضوع: هل توجد مسؤولية على إيران في مقتل خاشقجي؟ هذا هو التوجّـه الذي اعتمدوه في أغلب سياساتهم: “اتّهام إيران في كُـلّ شيء”. وطبعاً، لن يكون محمد بن سلمان قادراً على إظهار مسؤوليّة إيران في ذلك، إلا إذَا اعتبر أنّ المتهمين المقرّبين إليه هم عملاء لها.

هل يأخذ مرتكبو جريمة مقتل خاشقجي أوامر من مسؤول آخر في المملكة سوى محمد بن سلمان؟ إذَا صح ذلك، من هو هذا المسؤول؟ وهل هو قادر على توجيه أكثر العناصر قرباً إلى ولي العهد؟ وهل يمكن تنفيذ عمل مُنظّم ومخطّط خارج المملكة وفي قنصليّتها في تركيا، وبواسطة فريق عمل كامل انتقل بطائرة تابعة للقصر الرئاسي، وهو في أغلبه فريق عمل ولي العهد الخاص، والأقرب إليه في معاونته على إدارة مسؤولياته الضّخمة في قيادة المملكة، من دون معرفته؟

واستطراداً، في ما لو حصل ذلك من دون علمه، هل يمكن حينها اعتباره قادراً أَو كفوءاً ليكون ولياً للعهد، في الوقت الذي يحدث هذا العمل الفظيع من وراء ظهره؟ أَلا يُمكن حينها أن يشكِّل ذلك ثغرة كبيرة في قيادة المملكة، ستكون لها تداعيات ضخمة، ليس فقط على السعودية، بل على مصالح الأمريكيين في المملكة، وفي المنطقة بشكل كامل أَيْـضاً، فيما لو كان ولي العهد -ووزير الدفاع- ونائب رئيس مجلس الوزراء ضعيفاً إلى هذا الحدّ؟

طبعاً، الأجوبة عن كُـلّ هذه التساؤلات واضحة ومعروفة جيِّدًا بالنسبة إلى بايدن وفريقه، وتحريكهم هذا الملف جاء؛ بسَببِ معرفتهم بكل الأجوبة الصحيحة عنه، وخُصُوصاً بعد أن قدّم رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، آدم شيف، مشروع قرار تحت مسمّى “قانون جمال خاشقجي لمحاسبة حرية الصحافة”؛ بهَدفِ تشديد الضغط على كُـلّ من السعودية والإدارة الأمريكية لمحاسبة القتلة.

تتعهّد إدارة الرئيس بايدن بتقديم التقرير الاستخباري السري في قضيّة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي إلى الكونغرس في أقرب وقت، ولكن متى سيكون هذا “الوقت”؟ ولماذا لم يحصل فوراً؟ وهل يمكن أن يحمل هامشاً من الوقت المناسب للتفكير والمراجعة والتفاوض والمقايضة بين إدارة بايدن ومحمد بن سلمان؟

هنا، يبقى السؤال الأهم في الموضوع: هل يرضخ محمد بن سلمان بهذه السّهولة، ويتحمّل مسؤوليّة مقتل خاشقجي، بما يحمله من تداعيات كارثية، ليس أقلّها انتزاع ولاية العهد منه، ما لم يُضَف إليها تحميله مسؤولية جنائية؟ ألا يوجد لدى وليّ العهد السعودي ما يقدّمه لبايدن، تفادياً لاستمرار الأخير في متابعة ملف مقتل خاشقجي حتى النهاية، وخُصُوصاً أنّ ما قدمه في موضوع التطبيع مع “إسرائيل” ومعادَاة إيران انتهى وأثمر عدة اتّفاقيات ظاهرية أَو مخفية بين “إسرائيل” وأكثر من دولة عربية، أَو أن ما قدمه في صفقات الأسلحة الأمريكية للسعودية بمبالغ ضخمة انتهى أَيْـضاً، وسلكت العقود، ومن الصعوبة الآن إلغاؤها.

من هنا، لم يعد مُستبعداً أن يكون الانصياع لتوجّـهات بايدن بالكامل في ملف الحرب على اليمن، وفي أغلب الملفات الخلافية بين الأمريكيين والمملكة، وخُصُوصاً ملف حقوق الإنسان، هو الثمن الَّذي سوف يدفعه محمد بن سلمان لإقفال ملف مقتل خاشقجي، مع ما يحمله من تداعيات، ولتأمين عدم استهداف إدارة بايدن لموقعه كوليّ للعهد.

* كاتب لبناني

قد يعجبك ايضا