صحيفة الحقيقة العدد”389″:القول السديد :دروس من خطابات ومحاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله

 

القول السديد

نتعلم التواصي بالحق، التواصي بالصبر، التناصح، ونؤكد في نفس الوقت على التزام الأسلوب الصحيح في النصح الخالي من التجريح والإساءة والتحطيم.

 

العمل الصالح وعناصره الأساسية

[المحاضرة الرمضانية أضواء على سورة العصر (1)]

 

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، العمل الصالح لا بدَّ منه، نتيجة الإيمان الصادق والإيمان بمفهومه الصحيح هي العمل الصالح، لا بدَّ من أن تمتلك من خلال الإيمان الدافع الكبير للعمل، والعمل الصالح بالتحديد، كيف يكون عملك صالحاً؟ عندما أولاً يتوافق مع ما شرعه الله /، يكون وفقاً لتوجيهات الله وتعليمات الله، فالعمل الذي فيه مخالفة لتوجيهات الله لا يعتبر عملاً صالحاً، يعتبر عملاً فاسداً، العمل أيضاً الذي تشوبه مخالفات لتوجيهات الله /، تحوله من عمل صالح إلى عمل فاسد، تفسد عملك الصالح، عندما تشوب العمل الصالح بظلم، أو بفساد، أو بخيانة، أو بخلل لا يتطابق مع ما شرعه الله /، في هذه الحالة لا ينطبق عليه بأنه عمل صالح، العمل الصالح له ثلاثة عناصر أساسية:

  • موافقة ما شرعه الله /. يتطابق مع التوجيهات الإلهية، لا يخالفها، وليس فيه اختلال عنها.
  • ثم الإتقان في العمل، الإتقان في العمل هو من صلاحه، الإنسان إذا كان يعمل العمل كيف ما كان، على حسب التعبير المحلي [مغضى]، ليس عملاً متقناً، لا يتحرك فيه بجد، ولا يحاول أن يتقن عمله، فقد ينقص، ينقص من صفة الصلاح، لا يصلح، يتخرب حتى، كثيرٌ من أعمال الناس تتخرب؛ لأنها غير متقنة، الإتقان في العمل مطلوب، (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، حتى في أعمالنا التي ترتبط بشؤون حياتنا المعيشية، ونحن في واقعنا الإيماني نربط كل شؤون حياتنا بالدين؛ لأن الدين هو نظام للحياة، تعليمات للحياة، توجيهات لإصلاح هذه الحياة، ولو بقيت هذه النظرة إلى الدين قائمة في أوساط المسلمين لكانوا هم أرقى الأمم، ولكانوا هم اليوم من يتصدرون الحضارة البشرية في كل الدنيا، ولكن هبطوا؛ لما أضاعوا فهمهم للدين أنه تعليمات لصلاح هذه الحياة، ولنظم هذه الحياة، وللارتقاء بالإنسان في هذه الحياة، ولحل مشاكل هذه الحياة، وأفلسوا، وانطلقوا من اعتبارات ومفاهيم أخرى ناقصة وقاصرة؛ فكانت النتيجة هي الخسارة، خسارة في كل شيء.

لاحظوا علاقة هذا المفهوم: (العمل الصالح بالنجاح أو الخسارة)، العمل غير المتقن كم يخسر الإنسان من أشياء كثيرة؛ لأنه لم يعملها بإتقان، فيفشل ويخسر، طبعاً هنا العمل الصالح يدخل فيه بشكل رئيسي الأعمال التي نحظى من خلالها برضوان الله /، وإذا صححنا منطلقاتنا في هذه الحياة يتحول كل عمل نعمله، حتى في أعمالنا المعيشية.

لاحظوا على المستوى الاقتصادي، لو نشتغل على المستوى الاقتصادي بدافعين إيمانيين: أن نكسب الحلال ونعيش بالحلال، وأن نمتلك القوة التي تساعدنا في مواجهة أعدائنا، وفي الحفاظ على أنفسنا كأمة مؤمنة مستقلة، من باب: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية 60]، لتحول كل جهد نبذله في هذه الدنيا حتى في مزرعتك، وحتى في متجرك، وحتى في مصنعك، وحتى في كل ميدان من الميادين تتحرك فيه، وتلتزم بالضوابط والتوجيهات الإلهية، تعليمات الله، توجيهات الله: لا تغش، لا تخدع… لا تمارس أي شيءٍ من المحرمات؛ لتحول كل جهد إلى جهد صالح، وعمل صالح، يمثّل قربةً إلى الله /.

ولكن حينما تنطلق في واقعك المعيشي: في تجارتك، أو في مزرعتك، فقط بالدافع الغريزي المعيشي والطمع، وغابت عن بالك وعن منطلقاتك ودوافعك، لاحظوا أهمية الإيمان حتى في الدوافع، أهمية الإيمان حتى في المنطلقات، الإيمان يجعل دوافعك إيمانية، منطلقاتك في هذه الحياة إيمانية، حتى إلى السوق، والمتجر، والمصنع، والمزرعة، والعمل الذي تشتغل فيه كعامل، وبالتالي نتعلم فيه هذه القيمة من القيم، التي هي: الإتقان في أعمالنا، نحرص أن تكون كل الأعمال أعمالاً متقنة، وليس أعمالاً عشوائية وأعمالاً ملفقة، شيء عجيب جدًّا في واقع المسلمين، زادت عندهم هذه: منهجية التلفيق في الأعمال، أي عمل يعملونه، حتى في الجهاد في سبيل الله، كثيرٌ من مجالات العمل يتحرك فيها البعض بتلفيق تلفيق، عمل ملفق، وليس بتركيز على الإتقان.

 

 

ليكن الإتقان ثقافة في أدائنا العملي

وعندما نأتي إلى مجال العمل في سبيل الله، كم فيه من أعمال ذات طابع مادي، يعني مثلاً: تشتغل في أي مجال: في التصنيع، تشتغل في أعمال في الإنشاءات… تشتغل في أي مجال من مجالات العمل، أعمال هندسية، أو أعمال فيها ما يحتاج إلى أن تركز على الإتقان، وليس التلفيق والعشوائية، عندما نأتي الآن إلى كل مجال من مجالات الحياة: أنت تعمل في البناء، عليك أن تتقن عملك، أن تحذر من التلفيق، أن تشتغل وفق الطريقة الصحيحة الهندسية، التي تجعل من هذا البناء بناءً محكماً ومتقناً، ومصمماً تصميماً صحيحاً، وبطريقة صحيحة، أنت تشتغل في مجال الهندسة، أو الكهرباء… أو في أي مجال من المجالات، الإتقان يجب أن يعود كثقافة عامة في أدائنا العملي في كل ما نعمله، مع ملاحظة المطابقة مع المشروع، أن نركز على الإتقان.

إذا عاد الإتقان هذا كثقافة عامة، وفهمنا أنه مقصودٌ في الدين والتعليمات الدينية، وأن الله يحب منا ذلك؛ كما في الحديث النبوي الشريف (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، هذا سيحقق لنا نجاحات كبيرة في حياتنا، وفوائد كبيرة في حياتنا، للأسف الشديد تدنى واقع المسلمين في هذا الجانب: في إتقان الأعمال إلى حد رهيب جدًّا، وتفوَّقت عليهم أمم أخرى لا تمتلك هذا المفهوم كمفهوم ديني في ثقافتها؛ وإنما هم بدافع النجاح، بدافع الحرص على تحقيق المكاسب الكبيرة، يدركون هذه القيمة كقيمة عملية، العمل له قيم، ويدركون أن هذه القيم تضمن النجاح في العمل، ويكفي هذا عندهم في أن يهتموا به على مستوى كبير، وأن يُجِدُّوا فيه إلى مستوى كبير، ونحن المسلمين من لدينا هذه القيم كقيم دينية أيضاً، وهي قيم عملية تضمن النجاح، نفرط فيها؛ ثم تسود حالة التلفيق وحالة العشوائية في الكثير من أعمالنا، وتطغى على كل واقع حياتنا إلى نحوٍ عجيب.

 

أهمية التخطيط الحضري وخطورة البناء العشوائي

عندما تأتي إلى موضوع- وهو موضوع التخطيط الحضري، كيف ينتشر الناس في المناطق في عملية العمران والبناء بطريقة غير مخططة، ولا متقنة، ولا منظمة، ولها مشاكل مستقبلية كثيرة، كيف يشتغلون في كثيرٍ من البناء، ويحصلون على الرخص، وأحياناً من الجانب الرسمي والحكومي، بمجرد دفع الرسوم على الرخصة، المطلوب لدى الموظف والمسؤول هو الحصول على الرسوم التي سيأخذها مقابل الترخيص، وليس التدقيق في العمل نفسه: هل هو وفقاً للمواصفات الصحيحة، ومتقن…الخ. أم لا؟ غابت ثقافة الإتقان عن الأعمال، وأصبحت الحالة حالة عشوائية وحالة تلفيق في كثيرٍ من الأعمال، وهذا أثَّر على واقع حياتنا كمسلمين، وكما قلت تفوقت علينا أمم أخرى، تطلع منتجاتها متقنة، أعمالها متقنة، حتى ترتيباتها العملية وهي تستهدفنا كمسلمين، تحرص على أن تكون دقيقة في أعمالها، ومتقنة في أعمالها، وتشتغل وفق خطط معينة، وتشتغل لتنفيذها بدقة.

فتركيزنا في عملنا الصالح على الإتقان، على الدقة، على الإحكام، مطلوبٌ منَّا، وينطبق مع نفس المفهوم.

3- وأن يكون سليماً هذا العمل من المفسدات، لا تشوبه شوائب على المستوى الأخلاقي والسلوكي تفسده، ولا تشوبه في نفسه (العمل) شوائب تفسده، قد تعمل عملاً معيناً، لكنك لا تتقنه، وتشوبه شوائب تفسد هذا العمل عليك، وقد تتحرك في أعمال مهمة على المستوى الأمني، أو على المستوى العسكري… أو على أي مستوى في هذه الحياة، أو في الجانب الاقتصادي، ولكنك تقرن عملك هذا بأعمال أخرى تفسد عليك هذا العمل، إما تفسده بشكلٍ مباشر فلا تنجح فيه نفسه، لا يتحقق منه الهدف نفسه، تريد أن تحقق الأمن، لا يتحقق الأمن، بل تثير مشاكل إضافية، أو تريد أن تحقق النصر، لا تحقق النصر، عمل فاشل يترتب عليه إخفاق عسكري، أو على المستوى الاقتصادي تريد أن تحقق نتيجة معينة، يتحقق العكس من ذلك، أو تعمل عملاً آخر لو لم يتجه مباشرة إلى نفس العمل، لكنه أفسد عليك من جانبٍ آخر، التزاماتك الأخرى، انضباطك الإيماني والسلوكي والأخلاقي، فجعل ذلك العمل لا قيمة له عند الله، ولا فضل فيه، ولا أجر عليه، وتكون خسارتك كبيرة، ثم تترك تلك الأشياء الأخرى تأثيراتها السلبية فيما يصل- في نهاية المطاف- حتى إلى ذلك المجال. فلا بدَّ من العمل الصالح، لا بدًّ من العمل الصالح وهو ثمرة الإيمان الصادق، والإيمان بمفهومه القرآني ونتيجته المطلوبة.

 

قد يعجبك ايضا