لماذا بقيت السعودية “مثيرةً للقلق” الأمريكي.؟ وما هي الانتهاكات “المُستمرّة” التي ترتكبها.؟

– خالد الجيوسي:

بالرّغم أنّ تحالف العربيّة السعوديّة، وإدارة الرئيس الجمهوريّة الأمريكيّة الرّاحلة دونالد ترامب، وثيق، ورحيلها بدأ يدفع بالقيادة السعوديّة، إلى إعادة حساباتها، مع مقدم إدارة جو بايدن الديمقراطيّة، وحتى في ملف اندفاعها خلف شقيقاتها الخليجيّات، الإمارات، البحرين بالتطبيع مع إسرائيل، وهجوم غير مسبوق للأمير تركي الفيصل على الدولة العبريّة، باتهامها بالنفاق، وتهجّم كلابها على المملكة، وهو هجوم أثار حفيظة الإعلام الإسرائيلي واعتبره مريرًا، وطرح تساؤلات فعليّة، حول جديّة ذهاب المملكة لسلام كامل، بشرط منح الفلسطينيين دولتهم، بدا هذا التحالف مع الإدارة الراحلة هشّاً، ولعلّه “مُثيرٌ للقلق”، رغم ما جرى تقديمه لها سعوديّاً من مليارات عبر أعوامٍ أربعة، بدأت بحط أقدام ترامب بالعاصمة السعوديّة.

قد يكون مفهوماً للأوساط السعوديّة، إقدام إدارة بايدن، على تصنيفات، تضر بسمعة المملكة، وصُورتها، فالرجل لم يُخف حقيقة عدم قُبوله، سياسات السعوديّة، المُتعلّقة بحُقوق الإنسان، وحرب اليمن، وجريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وقال صراحةً، إنه سيُحوّل التعامل معها على أساس دولة منبوذة، فكيف هو الحال لو كان الأمر صادرًا عن ترامب، والذي لا يزال يأمل السعوديون إعادة انتخابه العام 2024 حال ترشّحه للانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة، بشكلٍ قد يكون سابق لأوانه، فبايدن الآن يتحضّر لدخول البيت الأبيض.

لم تصل بعد إدارة بايدن، البيت الأبيض رسميّاً، وها هي إدارة ترامب، والتي يُفترض أنها حليف، تتندّم الأقلام السعوديّة على رحيلها، كما منصّاتها الافتراضيّة، ليُعلن وزير خارجيّته مايك بومبيو، إدراج السعوديّة، إلى جانب 9 دول أخرى، ضمن قائمة الدول “المُثيرة للقلق”، وفي ما يتعلّق بملف الحريّات الدينيّة، تحديدًا.

الوزير بومبيو، أعلن ذلك في تغريدةٍ على حسابه في “تويتر”، وجاء إلى جانب السعوديّة في ذلك التصنيف الديني، كُل من بورما، إيريتريا، إيران، ونيجريا، كوريا الشماليّة، باكستان، وطاجكستان، وتركمنستان، وحركة “أنصار الله” اليمنيّة الحوثيّة، وأُدرجت تلك الدول بموجب قانون الحريّة الدينيّة لعام 1998، وذلك وفق بومبيو لارتكاب تلك الدول “انتهاكات منهجيّة ومُستمرّة، وخطيرة للحريّة الدينيّة”.

غالبيّة الدول التي جرى تصنيفها أمريكيّاً، والإسلاميّة منها كإيران، وباكستان، لم تتراجع حكوماتها أساساً، عن نهج ديني صارم، وقوانين ضمن الشريعة الإسلاميّة، تراها أو يراها بومبيو “خطيرة للحريّة الدينيّة”، وبالتالي تصنيفها مُثيرة للقلق، قد لا يجلب القلق لهذه الحُكومات المذكورة والتي تُعادي بعضها أمريكا علناً، ولكن أن يجري تصنيف السعوديّة ضمن تلك التصنيفات الأمريكيّة في هذا التوقيت، يعني أنّ إدارة ترامب، وهي الحليف لوليّ العهد السعودي الشاب في آخر أيّامها، لا تزال “قلقة” على الحريّة الدينيّة في بلاد الحرمين، وبالرغم من التغيير العاصف، الذي غيّر هُويّة المملكة “الوهّابيّة”.

وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كان قد أكّد في بدايات صُعوده إلى سدّة الحُكم، حتى وصوله للحُكم الفِعلي، أنه لن يسمح بأن يأخذ التيّار الإسلامي من حياته ثلاثين عاماً أخرى، وبالفِعل نجح في إحداث عاصفة تغييرات، طالت المؤسّسة الدينيّة، وأضعفت “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ليحل محلّه الترفيه، والانفتاح، وقيادة المرأة، وتمكينها بالمُجتمع.

يبدو هذا الانفتاح، بالنسبة لحليف السعوديين، بومبيو، ومن خلفه ترامب، غير كاف، ولا تزال المملكة، وبعد اعتقال مُعظم مشائخها، وعُلمائها، مُتّهمةً بارتكاب انتهاكات منهجيّة، واللافت وفق تغريدة بومبيو، أنها “مُستمرّة وخطيرة للحريّة الدينيّة”، وهو ما يعني أنّ السلطات السعوديّة مُطالبة بخطوات أكثر انفتاحيّة وغيرها، قد تُقنع الأمريكيين باعتدال أفكار جبهتها الداخليّة، وهي المُتّهمة أساساً بالمسؤوليّة عن إنتاج الإرهاب، ودعمه فِكريّاً وماليّاً، والتورّط في أحداث 11 سبتمبر.

وزير الدولة للشؤون الخارجيّة، عادل الجبير، كان قد قال في تصريحات مُؤخّرًا، بأنه لن يُغيّر قوانين بلاده، لأنّ شخصاً ما لا يحب قوانينه، وجاء كلام الجبير هذا، في سياق اعتراضه، على انتقادات تطال بلاده، فيما يتعلّق بحُقوق الإنسان، والاعتقالات، واللافت في هذه الاعتقالات، أنّ بعضها طال شخصيّات إسلاميّة، محسوبة على التيّار الصحوي، أو تيّار الإخوان المُسلمين، كون سُلطات المملكة، جرّمت هذه الجماعة، على خلفيّة تلقّيها دعم قطري، ومع كل هذا، بقيت السعوديّة على قائمة قلق الأمريكيين، بِما يتعلّق بالحُريّة الدينيّة تحديدًا، فيما غابت أيّ دولة عربيّة أخرى عن هذه القائمة، حتى قطر غابت، والمُتّهمة من قبل دول المُقاطَعة، السعوديّة، الإمارات، البحرين، أنها تدعم حركة الإخوان المسلمين، والتي تعتبرها المملكة، جماعةً إرهابيّة.

يأتي هذا التصنيف الأمريكي من قبل إدارة ترامب للسعوديّة، في تزامنٍ لافت، مع أنباء اقتراب المُصالحة الخليجيّة، وتباين وجهات النظر حول احتمال اندفاع سعودي للتطبيع مع إسرائيل، ولقاء مُفترض بين الأمير بن سلمان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيوم، نفته الرياض، وتل أبيب، وهو ما يطرح تساؤلات، حول هذه الهديّة الوداعيّة التي ختمت بها إدارة ترامب لحليفها السعودي، وما إذا كان التطبيع مع إسرائيل، هو طوق نجاة الرياض، والتي تبدو أنها تراجعت عنه لقلّة ثقتها بالإسرائيليين فكان التصنيف الأمريكي باستمرار قلقه على الحريّة الدينيّة، فالأخيرة أيضاً مُصنّفة أمريكيّاً ضمن الدول المُثيرة للقلق، بما يتعلّق بالإرهاب، وانتهاك حُقوق الإنسان، وما قد يترتّب عليه من ابتزاز مالي جديد مارسه ترامب خلال سنوات حُكمه الأربع، وهذا الابتزاز المالي قد يكون غير مُقنع، بالنسبة لبايدن، والذي أكّد أنّه سُيقدّم المصالح الإنسانيّة، على السياسيّة في تعامله مع المملكة، والتي تُواجه قانون “جاستا”، والذي يجري تطويعه سياسيّاً ضدّها وفق المرحلة.

 

 

 

قد يعجبك ايضا