34 عاماً على مجزرة “صبرا وشاتيلا”..ما كُشف وما لم يُكشف
مجزرة صبرا وشاتيلا
ووقعت مجزرة صبرا وشاتيلا يوم 16 سبتمبر/أيلول 1982 أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان وراح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى، وذلك بعد اقتحام المخيمين من قبل مليشيات لبنانية مدعومة من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
يقول الكاتب الأمريكي رالف شونمان أمام لجنة أوسلو للتحقيق في تشرين أول/أكتوبر 1982، راح ضحية المجزرة بين أربعة آلاف وأربعة آلاف وخمسمائة شهيد من 12 جنسية حسب شهادة العدد الأكبر للشهداء من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين، ولا يزال 484 من الضحايا بحكم المخطوف والمفقود ولم يعد أي منهم حتى الآن حسب المؤرخة الفلسطينية بيان نويهض الحوت في كتابها “صبرا وشاتيلا أيلول 1982”.
وعلى الرغم من فظاعة الجريمة التي وصفها الكاتب البريطاني روبرت فيسك بأنها “من أعظم جرائم القتل الجماعي التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط في التاريخ الحديث”، فقد اكتفى مجلس الأمن اعتبارها “مجزرة إجرامية” تستأهل إرسال المزيد من قوات الطوارئ الدولية بالتنسيق مع الدولة اللبنانية ولم تتخذ أي إجراء بحق من ارتكبها.
شهادات ميدانية مؤلمة
رغم سعي الجيش الإسرائيلي والميليشيا اللبنانية المسيحية المؤازرة له دفن المجزرة وشهدائها في المخيم، إلا أن القدر كانت له كلمة أخرى، أبقت على بعض الشهداء (جمع شاهد) دون أن تكتب لهم أن يكونوا شهداء (جمع شهيد).
وكثيرة هي الشهادات على هذه الحادثة المؤلمة. محمد الديماس، الذي كان يبلغ من العمر 16 عاما وقت حصول المجزرة، لم ينس ما رآه بعينيه من جثث ودمار في المخيم بعد أن انسحب مرتكبوها ، وتجاعيد وجهه تكاد تنطق بآلام يعيشها منذ ذاك اليوم، يعجز اللسان عن التعبير عنها.
الديماسي، الذي تحدث في مخيم “صبرا وشاتيلا”، قال: “لقد كنت شاهد عيان على المجزرة التي ارتكبها الصهاينة بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني”، مضيفا: “أتينا إلى هنا بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي ورأينا الجثث التي عمدوا إلى تفخيخها أيضا لإيقاع المزيد من القتلى“.
أما فادي عبد الهادي (38 عاما)، أحد أبناء مخيم “صبرا وشاتيلا”، الذي يعمل يوما ويعيش مأساة البطالة أياما أخرى، شدّد أن “مآسي مجزرة صبرا وشاتيلا، لم تمح من ذاكرة الفلسطينيين هنا، ولن تمحى أبدا بالرغم من مرور كل تلك السنوات“.
وأضاف عبد الهادي: “في كل جلساتنا وسهراتنا نتحدث عن المجزرة وما حصل فيها من فظائع″، مشددا على “التمسك بمطلب محاكمة الجناة.. فنحن لن نسامحهم مهما طال الزمن“.
جديد الاعترافات الإسرائيلية
وفي خطوةٍ لافتةٍ للغاية، نشر يوم أمس رئيس تحرير صحيفة (هآرتس) العبريّة، ألوف بن، خبرًا حصريًا عن قيام جنود جيش الاحتلال الإسرائيليّ بإعدام عشرات الأسرى في إحدى الحروب السابقة، ولفت في سياق تقريره إلى أنّ الضابط الذي أصدر الأمر بالقتل تمّ تقديمه للمحاكمة، إلا أن عقابه كان مُثيرًا للسخرية، في حين رفعت الرتبة العسكرية للضابط المسؤول عنه بدرجةٍ عاليةٍ، وتمّ إدخال القضيّة في خانة السريّة بأوامر من الجهات العليا ذات الصلة.
ووفقًا للشهادات التي وصلت للصحيفة فإنّ الضابط الميدانيّ، الذي لم يتّم الكشف عن اسمه، قام بإصدار الأوامر لجنوده بتنفيذ حكم الإعدام بالجنود الأسرى. وفعلاً، قام الجنود بتنفيذ الأمر العسكريّ الصادر من الضابط المسؤول وقاموا بإعدام الأسرى العرب عن طريق إطلاق الرصاص عليهم من الخلف. بالإضافة إلى ذلك، كشفت الصحيفة العبريّة النقاب عن أنّه بعد أنْ نفذّ الجنود الإسرائيليين حكم الإعدام بالأسرى العرب، قاموا بجمع الجثث المتناثرة بواسطة جرّافةٍ، وتمّ “دفنهم” في قبرٍ جماعيّ، على حدّ قولها.
كي لا ننسى صبرا وشاتيلا..
“ستيفانو كياريني” الذي لم ينسَ ولم يسكت عمّا حصل في مخيمي صبرا وشاتيلا، بل قام عام 1986 بتأسيس وفد “كي لا ننسى صبرا وشاتيلا” الذي تعهد بإحياء ذكرى المجزرة في كل عام والمشاركة فيه. الوفد ضم نشطاء من فنلندا وبريطانيا وإيطاليا بالإضافة إلى ماليزيا وأمريكا وغيرهم من الدول.
حتى بعد وفاة مؤسس وفد “كي لا ننسى” لم يتخلّف أصدقاؤه عن إحياء هذه المناسبة كما عادتهم. جددوا الوفاء والتضامن مع الضحايا ومع القضية الفلسطينية والحق بالعودة، وقد أقامت بلدية الغبيري احتفالا مركزيا بالمناسبة، رفع خلاله اللاجئون المشاركون صور أبنائهم من ضحايا المجزرة، وذلك بعد أن جابت شوارع مخيم شاتيلا مسيرة تقدمها مسؤولون في أحزاب لبنانية وفلسطينية، وشارك فيها ناشطون أجانب وأفراد من عائلات الضحايا.
..وحق العودة
“داوود ناصر”، يستذكِر ليلة الجريمة بصوتٍ مرتجف وهو يستعرض صور المجزرة بمخيلته فيقول “ماذا اخبرك.. أصبت أنا وإبني بالمجزرة، يريدون ذبحنا، بلا شفقة!”. داوود الذي هُجِّر من أرضه قسراً، إبان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 ليس لديه سوى حلمٌ واحد “إني أرجع على بلدي.. ما بدي أي وطن بديل.. بدي بلدي!” حسب قوله.
ورغم أن الكثير من تفاصيل المجزرة لم تكشف حتى الساعة، بل لا زالت في الأدراج السريّة الإسرائيلية، إلا أن ما كُشف يكفي لمحاكمة جيش هذا الكيان والميليشيا المسيحية التي آزرته.
اليوم، باتت ذكرى المجزرة منصّة للتأكيد على أن الجرح ما زال نازفا، وإن العين ما زالت على فلسطين التي لن نتخلى عنها مهما حصل ومهما طال الزمن”، كما تقول شهيرة أبو ردينة، التي ألقت كلمة أسر ضحايا المجزرة في ذكرها الرابعة والثلاثين. ليس ذلك فحسب، بل غدا هذا اليوم الذي أراده الكيان الإسرئيلي تاريخاً لدفن الفلسطينيين، منصّةً لاستحضار المجازر التي ارتكبها الإحتلال الصهيوني وتجديد المطالبة بحقّ العودة.
الوقت