3000 يوم على العدوان: يمن النصر والصمود
بعد 25 يوماً من بدء العدوان على اليمن، أعلن نائب وزير الدفاع السعودي، أحمد عسيري، أن أهداف “عاصفة الحزم” قد تحققت. ومن فرط نشوته بحجم الدمار الذي ألحقته الطائرات السعودية في البلاد، تحدث عن “15 دقيقة” كانت كفيلة -بنظره- لإحداث فارق ملموس. في 12 حزيران/ يونيو الجاري، تتم الحرب على اليمن يومها الـ 3000. والرياض مغلولة إلى الركن الأميركي ترتجي ضماناً أمنياً يبعد عمقها عن الاستهداف، من “المتمردين” الذين أصبحوا بفعل الحرب، قوة إقليمية.
بات الحديث عن انتصار سعودي في اليمن كاللغو الذي لا تسمعه إلا على القنوات الإعلامية التابعة للبلاط. وكأن الإقرار بهزيمة المملكة في الحرب بات من المسلّمات التي تتعامل على أساسها الدول حتى لو تعلن ذلك. كمذكرة التفاهم بين صنعاء والصين بشأن الاستثمار بالقطاعات النفطية، التي لم يلغِ عدول بكين عنها بعد توقيعها -لأسباب سياسية- فكرة ان لا مشكلة عند الأخيرة بالتعامل مع حكومة صنعاء، على أنها مكون سياسي-عسكري فاعل في البلاد، لا مع “إرهابيين”.
حقق اليمن خلال هذه الفترة، إنجازات لم تنحصر بإفشال أهداف الحرب فقط، بل بتغيير وجه تلك المنطقة. فصنعاء التي كانت تعد إحدى الإمارات السعودية، أو كإرث يتناقله الملوك ويطمحون إليه أولياء العهد طيلة عقود، خرجت عن اليد السعودية، وبات هناك حقيقة أخرى، لا نفوذ مطلق لأحد على اليمن.
في 6 حزيران/يونيو 2015 أطلقت القوات المسلحة اليمنية أول صاروخ باليستي يمني يطلق تجاه الأراضي السعودية. كان ذلك كفيلاً، بإحباط ادعاءات الرياض، بتدمير كل مخازن الأسلحة في البلاد. وهي إحدى الأهداف التي فلشت الأولى في تحقيقها، إضافة لسلسة متنوعة من الفشل، وعلى مختلف الصعد، منها:
-القضاء على حركة أنصار الله: لم يقتصر حرج السفير السعودي، محمد آل جابر، الذي وصل إلى صنعاء خلال شهر رمضان الفائت، على قبول التفاوض، بعد ان كانت المملكة قد استنزفت مختلف الطرق العسكرية، وهذا يعد اقراراً بفشل هذا الخيار. بل على مصافحته لقادة الحركة وأعضاء المجلس السياسي فيها، المصنفون إرهابيين على لائحتها، وقد خصصت مبالغ طائلة للوصول إليهم. إضافة، للتعامل مع الحركة في صنعاء، على أنها قوة أمر واقع، تمتلك جيشها ومؤسساتها الدستورية، وتشارك في رسم المعادلات في المنطقة، مستفيدة من الموقع الجيواستراتيجي لليمن، كإعلان الدخول في المعادلة الإقليمية.
-حماية الشرعية: خرج الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي من صنعاء للمرة الأخيرة ودون رجعة للحياة السياسية. وعلى الرغم من محاولات الإنعاش التي قدمتها له الرياض خلال الفترة الأولى، لم تستطع فرضه على المشهد السياسي في البلاد. تماماً كما تفشل في ترويض مجلس القيادة الرئاسي، على ضوء الخلافات المتزايدة بين أعضائه.
لم تقتصر أزمة الرياض على بروز حركة أنصار الله كقوة عسكرية على الساحة الإقليمية، في هذا المكان الجغرافي الهام. بل ان النموذج الذي قدمته صنعاء في إدارة الدولة، كشف حجم الأزمات في حكومة عدن، وبات التباين بين النموذجين حديث اليمنيين المشغولين بالمقارنة، بين سعر صرف الدولار في المحافظات الشمالية والمحتلة على أقل تقدير. ويمكن قراءة ما حققته صنعاء على الصعيدين الداخلي والخارجي، بعد 3000 من العدوان عليها:
-برزت حركة أنصار الله كطرف مسؤول عن إدارة شؤون الدولة والمجتمع. فاستطاعت “احتواء” الأحزاب والحركات على اختلافها في الشمال حتى تلك المناهضة لها، وخلق جو من الحراك السياسي “المفيد”، والذي ردم شقًا من الهوة بين الأحزاب التي عمّقتها سنيُّ الحرب.
– ضبط التحركات المسلحة بمقابل تدهور الوضع الأمني في المحافظات الجنوبية خاصة مع ازدياد المواجهات المسلحة بين ميليشيات الامارات وتلك التابعة للسعودية.
– العمل على ترميم البنى التحتية -إعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء في صنعاء وإنجاز 40% من طريق صنعاء الجوف..
– تحقيق استقرار نسبي في سعر صرف العملة الوطنية في المحافظات الشمالية ووضع حد لانهيار الريال الذي يشهده منذ عام 2016، خاصة بعد قرار صنعاء بحظر التعامل بالعملات غير القانونية أو حتى حيازتها، مقابل استمرار التدهور بالعملة في محافظات الجنوب وصلت حد 400%، نتيجة عمليات المضاربة والاحتكار…
– متابعة الانضباط الوظيفي وسير المؤسسات الإدارية في ظل تفلت إداري تشهده المؤسسات في المحافظات الجنوبية
– وحدة القرار العسكري والسياسي والتواجد الدائم داخل البلاد مقابل بقاء أغلب قيادات حكومة الرياض خارج اليمن.
– التفاهم والتنسيق بين القيادات والوزراء في حكومة صنعاء مقابل خلافات عميقة وعلى أكثر من اتجاه نتيجة تشعب مصدر القرار والارتباط المباشر في الخارج من الامارات إلى السعودية والولايات المتحدة.
المصدر:موقع الخنادق