مضت ست سنوات ثقيلة على اليمنيين، وهم يشربون معاً كأسَ مرارة الحياة، بعد أن حوّل العدوانُ الأمريكي السعودي حياتَهم وواقعَهم إلى جحيم، ولولا الصمود الأُسطوري لهذا الشعب وبسالة أبطال الجيش واللجان الشعبيّة لكنا في سجل الموتى.
وعلى امتداد تلك السنوات كان الطيران ولا يزال يحلق في السماء، للبحث عن فريسة يصطادها، من المدنيين الأبرياء، ولهذا فقد قتل وأصاب الآلاف من اليمنيين بدم بارد، ودون أن تهتز لذلك الضمير الأممي شعرةٌ.
وتعد مجزرة ضحيان واحدة من الجرائم التي لا يمكن للذاكرة اليمنية أن تنساها، فأشلاء الطفولة لا تزال عالقة في الذهن، ومرارة الحزن لا تزال تعتصر قلوب وأفئدة اليمنيين، إنه ألم ليس كمثله ألم، ومصيبة ليس كمثلها مصيبة.
في ذلك اليوم الدامي التاسع من شهر أغسطُس 2018، أضاف العدوان الأمريكي السعودي إلى سجله الأسود مجزرة جديدة، سُجلت هذه المرة باسم “مذبحة حافلة ضحيان”، متعمداً قصف الأطفال الذين بداخلها، وكأنه يستهدف مدرعات عسكرية مليئة بالجنود في ساحات المعركة.
الجرح لا يزال غائراً، والأُمهات لم تجف دموعهن حتى الآن، وضحيان صعدة لا تزال ترتدي لونها الأسود، والذكريات مثقوبة بالحزن والآهات، والبصمات الأمريكية واضحة للعيان في هذا المكان، فقد استُخدمت قنبلة ذكية أمريكية للفتك بالأطفال الذين كانوا على متن حافلة بالقرب من سوق ضحيان، والحصيلة استشهاد وإصابة 112، بينهم 34 طفلاً شهيداً، و40 طفلاً جريحاً.
لا أحد يصدق أن يقتل الأطفال بهذه القسوة، لكنه العدوان الأمريكي السعودي لا يفرق بين أعناق الأطفال والرجال والنساء، وهدفه الوحيد من كُـلّ هذا التوحش هو إجبار اليمنيين على رفع راية الاستسلام؛ كي يتم استعبادهم وإذلالهم طيلة سنوات قادمة.
المتهمون الرئيسيون بارتكاب هذه الجريمة هو النظام السعودي والدول المساندة له أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، وهم الذين يتحملون هذه المسؤولية، وإن كانت عدالة الأرض غير قادرة على الوصول إليهم، فعدالة السماء كفيلة بالقصاص منهم في يوم لا يظلم الله عنده أحداً.
لا يمكن لليمنيين أن ينسوا هذه الجريمة، ولا يمكن لهم كذلك أن يغفروا لكل متورط فيها، كيف لا وهي الجريمة التي استهدفت أطفالاً صغاراً كأنهم زهور الربيع، والمشاهد التي وثقتها عدسات الكاميرا لا تزال تكرّرُها شاشاتُ التلفزة، وهي تُظهِرُ أطفالاً يحملون على ظهورهم حقائقَ مدرسيةً مكتوباً عليها “يونيسف” وهي المنظمةُ التابعةُ للأمم المتحدة، ما يدل على أن المكانَ المستهدَف مدني، وأن الضحايا مدنيون أطفالٌ، وأن القاتلَ معروفٌ وهو الأمريكي السعودي.
ذكرى مؤلمة
وفي ضحيان، حين سالت دماء الأطفال، وتمزقت أشلاؤهم إلى قطع صغيرة، وقف أهالي المدينة قبل أَيَّـام لاستحضار ما حَـلّ بهم في ذلك اليوم المشؤوم، مطالبين دول ومنظمات حقوق الإنسان بملاحقة القتلة والمجرمين والقصاص منهم وتحقيق العدالة، مؤكّـدين أنّ رفع الأمم المتحدة للتحالف السعودي الإماراتي من قائمة منتهكي حقوق الأطفال يعد جريمة تعرض بقية أطفال اليمن للاستهداف وتشجع القتلة على مواصلة جرائمهم.
ويصف مدير مكتب حقوق الإنسان بمحافظة صعدة، يحيى الخطيب، هذه المجزرة بـ “الذكرى المؤلمة”، مؤكّـداً أن العدوان الأمريكي السعودي أثبت تجرده من الإنسانية، وأنه لا يتحلى بالقيم والأخلاق السامية.
ويقول الخطيب في تصريح لصحيفة “المسيرة”: “إنه وَبعد 3 سنوات من ارتكاب هذه الجريمة المؤلمة لم يحرك المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية أي ساكن، برغم نزول لجان حقوقية ودولية إلى مسرح الجريمة، بل إن المؤلم أن الأمم المتحدة قابلت اعتراف العدوان بالجريمة ووجود أدلة بإسقاط اسم النظام السعودي من قائمة العار وقتلة الأطفال!”.
ويضيف الخطيب: “الجريمة راسخة في أذهان الكثير من أبناء الشعب اليمني، ولن تمحى من ذاكرة الأهالي والمجتمع حتى يتم الإنصاف وتتحقّق العدالة”، موجهاً رسالة للأمم المتحدة بأن تتوقف عن التستر على جرائم العدوان وتبريرها وعدم الوقوف إلى جانب القتلة.
ويشير الخطيب إلى أنه من المعيب جِـدًّا على الأمم المتحدة أن تحل الذكرى الثالثة على جريمة العدوان بحق طلاب حافلة ضحيان والمجرمون بدون محاكمة.
وفي محاولة لإنعاش الضمير العالمي، نظّم أبناء الجاليات اليمنية والعربية ومنظمات المجتمع الدولي، الثلاثاء الماضي، وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأمريكية، بمناسبة مرور ثلاثة أعوام من استهداف تحالف العدوان الأمريكي السعودي لحافلة طلاب ضحيان بمحافظة صعدة.
واعتبر المشاركون في الوقفة تحت شعار “من أجل مظلومية أطفال اليمن”، استهداف طيران العدوان، لحافلة طلاب ضحيان التي راح ضحيتها 40 طفلاً وهم في طريقهم للمدرسة، ومجازر العدوان في مختلف المحافظات اليمنية، جريمة تتنافى مع الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية الإنسانية التي تجرم استهداف المدنيين.
وفي الوقفة التي حضرها عدد من الناشطين من منظمات أمريكية مناهضة للعدوان الأمريكي السعودي على اليمن بمشاركة أعضاء فريق الحملة الدولية لفك الحصار عن مطار صنعاء الدولي، استنكر المشاركون الصمت الدولي والأممي المطبق، إزاء جرائم العدوان بحق المدنيين من الأطفال والنساء من أبناء الشعب اليمني وحصارهم وتجويعهم على مدى أكثر من ست سنوات.
وندّد المحتجون باستمرار أمريكا في دعم النظام السعودي وتزويده بالأسلحة التي يقتل بها أطفال ونساء اليمن، وخرقها لكل المواثيق والمعاهدات الدولية.
توحش لا حدود له
ويرى أُستاذ القانون الدولي الدكتور حبيب الرميمة أن هذه الجريمة ارتُكبت بدعم أمريكي بريطاني، وهي بالأَسَاس تدخل ضمن جرائم الإبادة الجماعية، معتبرًا أن دول العدوان أرادت من خلالها ومن خلال بقية الجرائم التي تستهدف المدنيين خُصُوصاً في محافظة صعدة بدافع التدمير الكلي أَو الجزئي لجماعة قومية أَو دينية حسب اتّفاقية منع الإبادة الجماعية التي تم التوقيع عليها عام ١٩٤٨، وتم سريان نفادها عام ١٩٥١.
ويؤكّـد الرميمة أن الاتّفاقية عرّفت جريمة الإبادة الجماعية بأنها:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة، (ب) إلحاق أذى جسدي أَو روحي خطير بأعضاء من الجماعة (ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًّا أَو جزئياً، (د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى، لافتاً إلى أن هذه الاتّفاقية هي من أوائل الاتّفاقيات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الاتّفاقية آنذاك لم تحدّد محكمة معينة مختصة لنظرها لعدم وجود محكمة دولية متخصصة، وبعد إقرار النظام الأَسَاسي لنظام روما بشأن إنشاء محكمة الجنايات الدولية، عام ٢٠٠٢م، كانت جريمة الإبادة الجماعية إحدى الجرائم الخمس التي نصت عليها المادة (٥) من نظام روما الأَسَاسي، إضافة إلى تصنيفها جريمة حرب، وكذا جريمة عدوان، هذا من ناحية التوصيف الدولي.
ويؤكّـد الرميمة أن المجتمع الدولي يبقى محل اختبار حقيقي بالانتصار للعدالة الدولية والقوانين الدولية، وكذا الانتصار للطفولة التي أهدرت بتعمد قيادات تلك الدول التي تمتلك أحدث الأسلحة المتطورة في استهداف حافلة مليئة بالأطفال كانوا ذاهبين في نزهة، ليتم بعدها إعلان بيان مباشرة من تحالف العدوان يؤكّـد ويؤيد الاستهداف ويعتبره عملاً مشروعاً، بزعم أنه تم استهداف حافلة تحمل خبراء متفجرات.
ويواصل الرميمة قائلاً: البيان الصادر عن تحالف العدوان إبان الجريمة يحمل أحد معنيين، إما أنهم يدركون حقيقة جريمتهم باستهدافهم أطفالاً، وإبادتهم عمداً على فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الجماعة للأطفال بحسب مكنون الفقرة (د) من الاتّفاقية المشار إليها أعلاه، انطلاقاً من فرضية أن هؤلاء الأطفال عندما يكبرون سيفجرون أذهان المجتمع بثقافة مناوئة لهم ولمشروعهم الاستعماري ويورثون هذه الثقافة لأحفادهم ومن ثم ينبغي قتلهم وحرمان آبائهم من إنجابهم، وكذا حرمان الجماعة من امتداد إنجابهم الأسري مستقبلاً، أَو أن الفرض الآخر هو الاستهتار بالعدالة الدولية والقوانين الدولية، بحيث تصبح جريمة قتل أكثر من ٤٠ طفلاً داخل حافلة عملاً مشروعاً، كما ورد في بيانهم.
ويؤكّـد الرميمة أنه وفي كلتا الحالتين يجب على المجتمع الدولي وهيئات حقوق الإنسان العمل على اقتياد قادة دول العدوان كمجرمي حرب انتصاراً للعدالة الدولية وانتصاراً لحقوق الطفولة المهدورة، سواء بهذه الجريمة أَو غيرها من الجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان بحق أطفال اليمن، معتقداً أنه ومن خلال تسليط الضوء الإعلامي والحقوقي على هذه الجريمة وغيرها لفضح المتواطئين الأمميين الذين يتاجرون بدماء الأطفال في بازارات السياسة الأممية، وذلك بإدانة الضحية وتبرئة الجلاد، كما فعل غوتيريس عشية التجديد له لولاية ثانية كأمين عام للأمم المتحدة.
وتصف فاطمة محمد المهدي -عضو اتّحاد الكاتبات- حادثة ضحيان بالجريمة البشعة المتعمِّدة لاغتيال طفولة اليمن، مشيرة إلى أن مقتل العشرات من الأطفال تم بدم بارد، حَيثُ تناثرت أشلاؤهم عشرات الأمتار، مختلطة بعشرات الحقائب المدرسية، التي تحمل شعار اليونيسيف.
وتقول المهدي: “ارتكب تحالف العدوان السعودي الإماراتي تلك الجريمة بإشراف أممي، حَيثُ لم يراع العدوان كعادته لا اعتبارات أَو قواعد عسكرية، ولا إنسانية، ولا دينية، وأنه لم يضع كذلك اعتباراً للوجود البشري؛ كون الحافلة تنقل أطفالاً، ولا للازدحام من حولها، ولا لكونها وسط سوق مركَزي، وأن التبعات باهظة ومخلفة كارثة إنسانية بحتة”.
وتدين المهدي التواطؤ الأممي والصمت العالمي المريب إزاء الجريمة، موضحة أن ذلك ليس مستغرَباً من عالم لا تحكمه قيمٌ وأخلاق إنسانية أَو دينية، وإنما تحكمه قيم ومعايير سياسية واقتصادية وَمصالح، وبخلاف ذلك لا قيمة للإنسان إلا كشعارات انتخابية ومنظماتية لا أكثر.
وتضيف بقولها: تأتي الذكرى الثالثة لهذه المجزرة التي ليست الوحيدة من نوعها لا للتذكير بحدث مضى، وإنما لتعيد بث المشهد من زاوية أُخرى لتقول لمن بقي لديه ضمير من أبناء الشعب اليمني والعربي، وشعوب العالم، بأن الطفولة في اليمن لا تزال مستهدفة في كُـلّ لحظة من قِبل تحالف العدوان الأممي وأنه من لم يمت بالقصف مات بغيره، بالجوع، والمرض، والحصار، والفجيعة.
أما الناشطة الإعلامية إخلاص عبود فتقول: أمم الشر وتحالف الإجرام، أهلُ البهتان والزور، مقلِّبو الحقائق، عُبَّادُ المال وطائعو أهل البغي، باعوا دمَ أطفال اليمن ليشتروا منصبًا دنيويًّا يقفُ الموتُ على رأسه موقفَ الآخذ بعجل.
وتضيف: ولاية جديدة كان ثمنها دماء آلاف الأطفال وأشلاءهم المتناثرة في كُـلّ محافظة وقرية ومديرية، بل وفي كُـلّ شارع وطريق، بل وفي كُـلّ شبر من أرض اليمن قُتل عليها أطفال باسم الإنسانية والطفولة وحب الجيران ومساعدتهم، مؤكّـدة أن مجزرة حافلة ضحيان ليست إلا نموذج من آلاف الأطفال الذين قُطِّعوا وسفكت وحُللت دماؤهم، بل إنهم قد اخترعوا الفتاوى وأعلنوا ذلك، ودعوا لقتلنا وقتل أطفالنا وتواصوا بالقتل وتواصوا بالحصار وتواصوا بالبغي.
وتصنّف عبود نظامَ آل سعود بالمخلوقات الغريبة تكاد لا تكونُ من جنس البشر، وأن الشر والحقد مُمتزجٌ بدمائهم، وأن تحت جلودهم شياطين فقط.
وتقول: بداخلي ما لا أستطيع وصفه عن ما يحدث من ظلم وتزييف وتغيير الحقائق، وكل العالم يرون ما نُعانيه ويسمعون صياحنا، وآلامُنا لا تُخفى عليهم، بل يعلمون بحصارنا وجوعنا، وأوجاعنا وبكل عذاباتنا ولكن المال السعودي يعتقد أنه سيشتري الكرةَ الأرضية بمن فيها، مؤكّـدة أن الله سينصر المؤمنين مهما ضَعُفُوا، ويهلك المجرمين مهما صاروا أقوياء، وَمهما كَبُرُوا، ومهما ملكوا، ومهما حشدوا، مهما اشتروا من ذمم رخيصة وحقيرة، مبينة أن هؤلاء ليس غريباً عليهم أن يبيعوا ذممَهم، فهم لا يعرفون ناراً ولا جنة.
وتحكي أن الشعبَ اليمني يفضّل الشهادة في سبيل الله وأنه التضحية الأفضل والأحب إليهم من الرضوخ لقوى الاستكبار العالمي وعملائهم من آل سعود ومرتزِقتهم.
وللعام الثالث على التوالي، يحيي اليمنيون بحزن عميقَ الذكرى الثالثة لمجزرة طلاب ضحيان والتي راح ضحيتها عشراتُ الأطفال، معتبرين أن هذه الجريمة منسيةٌ من قبل العالم المتعجرف الظالم، حسب ما تؤكّـده الناشطة الإعلامية كوثر محمد.
وتبيّن كوثر أن الجاني السعودي والإماراتي قتلوا الطفولة وقتلوا الفرحةَ في قلوب ذويهم، مضيفة أنه نجدُ اليوم مشهداً متكرّراً في المناطق المحتلّة، إذ قُتل طفل في الثالثة من عمره بعد عملية اغتصابه بصورة وحشية، موضحة أن تلك ليست المرة الأولى للأسف الشديد وأن الأطفال يموتون خوفاً وجوعاً وَاغتصاباً كُـلّ يوم في المناطق المحتلّة من نفس العدوّ “الإماراتي والسعودي”، الذي يسعى دائماً لاستهداف جميع أطفال اليمن، من خلال تشديد الحصار ونشر الأوبئة، وغيرها من الأساليب التي تستهدفُ الأطفال دائماً.