“3 أيام وعقدان”: رواية التحرير الكاملة كما ترويها المقاومة الاسلامية للمرة الأولى
بعد 23 عامًا على انجاز تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، تحكي المقاومة الاسلامية للمرة الأولى روايتها الكاملة والرسمية لهذا الحدث التاريخي الضخم في الصراع العربي ــ الاسرائيلي، الذي هز قواعد الكيان المؤقت. مساء الاثنين 22 أيار/مايو، سوف تُعرض أولى حلقات سلسلة “3 أيام وعقدان” على شاشة “المنار” وبـ”بث مباشر” على موقع “العهد” الاخباري. من خلال هذا العمل، تصوغ المقاومة روايتها لحدث التحرير وانسحاب العدو الصهيوني الذليل من المنطقة وعودة المقاومة والأهالي الى الجنوب منتصرين.
فكيف ولدت الفكرة؟ وماذا ستتضمن؟ وما هي أهميتها؟
يتحدث الضابط المشرف على المشروع في الإعلام الحربي لـ”العهد” عن رواية التحرير الكاملة: “تسمية ثلاثة أيام وعقدان جاءت من خلال اعتماد بداية الاحتلال من العام 1982 ورجوعًا إلى العام 1978 حيث كان اجتياح آذار/ مارس 1978 أو ما عُرف يومها بـ”عملية الليطاني” وتداعياته التي استمرت إلى العام 1982، وثلاثة أيام هي مدة إنجاز التحرير في أيار/ مايو 2000. يؤكد الحاج جواد أن فكرة التوثيق لحدث التحرير لطالما طُرحت على طاولة الإستحقاقات لدى الجهات المعنية في حزب الله، ومنها الإعلام الحربي الذي كان في حزيران عام 2020 في طور التخطيط للمشروع “وصدف في حينه أن تحدث سماحة الأمين العام في مقابلة إعلامية عن ضرورة تقديم رواية المقاومة الاسلامية للتحرير”. بعد ذلك تشكّلت لجنة موسعة في حزب الله ضمت إلى الإعلام الحربي جهات عدة كـ”العهد” و”المنار” و”النور” وأنيطت بها رسميا جمع رواية التحرير . مع الوقت، أخذ الإعلام الحربي على عاتقه مسؤولية استكمال المشروع وتحويله إلى منتج وثائقي بالشراكة الكاملة مع مؤسسة “الحقيقة” التابعة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية “لا سيما أننا نملك تجربة سابقة معهم حول حفظ ذاكرة المقاومة وتواصلنا معهم فتجاوبوا معنا، بل أبدوا حماسة للفكرة”.
الفريق التوثيقي بدأ العمل والتنسيق للمشروع على أن يُنجَز ويُعرض في أيار/ مايو 2022، لكنه بحسب الحاج جواد استغرق الأمر وقتًا أكثر لعدة أسباب، من بينها وباء كورونا والإرباك الذي نتج عنه على كل صعيد. بدأ فريق العمل بتحقيق شامل حول الأخوة الذين يعرفونهم بشكل مباشر ولهم صلة بحدث التحرير داخل التشكيلات التنظيمية، وبدأ هؤلاء بتعريف الفريق على الأشخاص الذين لهم صلة بالحدث أيًا كانت رتبهم أو موقعياتهم آنذاك، وأجريت معهم العديد من المقابلات. وصل العدد النهائي للمستصرَحين الذين خضعوا لعملية تفريغ ذاكرتهم حول حدث التحرير إلى 152 شخصية بحيث سُجل معهم نحو 200 ساعة من المقابلات التفصيلية المتعلقة بفترة التحرير كلٌّ بحسب دوره، ومن بين هؤلاء قادة الصف الأول في حزب الله والتشكيلات الجهادية للمقاومة مثل رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين ومسؤول منطقة الجنوب يومها فضيلة الشيخ نبيل قاووق وغيرهما، وأعضاء في اللجنة التي شكلها الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، وسُميت بـ “لجنة التحرير” إضافةً الى المسؤولين الميدانيين والروابط والمنتسبين.
يتابع الحاج جواد حديثه لـ”العهد”: “بعد ذلك بدأ تصوير المقابلات بأسلوب جديد يتوجه فيه الضيف إلى الكاميرا مباشرةً فيظهر كأنه يروي إلى الجمهور الرواية بتصوير احترافي واستخدام كروما ذات جودة عالية، مع اظهار خلفيات مختلفة لكل ضيف. الاستديو المجهز بتقنيات صوتية عالية توافدت اليه الشخصيات من أجل سرد الرواية، بالاضافة الى مواكبة الاعلاميين الذين عملوا على تغطية عملية التحرير. بعد أن أنهينا المرحلة الأولى حصلت أزمة الكورونا التي أبطأت من وتيرة العمل، وجاءت بعدها ظروف ذات صلة بجهوزية المقاومة ربطاً بتهديدات تتعلق بالعدو الإسرائيلي، الأمر الذي أعاق أيضاً الإستفادة من رواية بعض قادة المقاومة المعنيين، فأبلغنا القيادة والأخوة بأنه من غير الممكن عرض العمل في عام 2022 وأجّلناه لهذا العام”.
عام وشهران لإنجاز التحقيق والتصوير وفنيّات العمل التوثيقي لإنجاز المقاومة المدوّي، بعدها عكف فريق العمل على تحليل المقابلات وترتيب الأرشيف الذي وصل عدد ساعاته إلى 400 ساعة توزع مصدرها على عدة جهات، أهمها أرشيف الإعلام الحربي وأرشيف قناة المنار فضلا عن مادة جرى العمل على جمعها من البلدات الجنوبية سواء من البلديات أو بعض الأشخاص الذين كانوا يحتفظون بمادة عن الحدث. يضيف الحاج جواد لـ”العهد”: “كأن الناس الذين احتضنوا المقاومة الإسلامية في التحرير احتضنونا كذلك في هذه المهمة لحفظ هذا التحرير. كما ضم أرشيف المشروع نحو 5000 صورة أرشيفية كان لموقع “العهد” مشكورًا دور هام وبارز فيها، إضافةً لبعض المصادر الخارجية، كأرشيف جريدة السفير وكذلك الأرشيف العبري الذي تمت ترجمته للاستفادة من رواية العدو فيما يتعلق بالتحرير بالإضافة الى مصادر إنكليزية.
بالأرقام
ــ 400 ساعة أرشيف
ــ 152 شخصية
ــ 200 ساعة تسجيل مقسمة بين شخصية عسكرية وأمنية وتنظيمية
ــ 1200 صفحة باللغة العربية
ــ 700 صفحة باللغة العبرية
ــ 1850 صفحة أجنبية
ــ 10000 قصاصة من الصحف اللبنانية.
ــ 18 محضر لاجتماعات قيادة المقاومة
ــ 75 – 80 ساعة تصوير جوي وميداني
يكشف الحاج جواد لـ”العهد” عن مفاجأة هامة على هذا الصعيد: أُعطي الإذن للمرة الأولى بالإطلاع على نحو 18 محضراً من محاضر اجتماعات قيادة المقاومة ذات الصلة بفترة التحرير والإستفادة منها في فهم كيفية مقاربة المقاومة لأحداث تلك الفترة على مستوى التخطيط والمواكبة. وتمثلت ذروة الجهد التجميعي بمقابلة خاصة مع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي أغنى السلسلة بساعتين من حديثه عن إدارة فترة التحرير والمفاوضات السياسية والحرب النفسية.
“وتمهيداً لهذه الرواية، بدأنا بالعمل على جمع الأحداث. انطلق الجمع منذ عام 1999 وصولاً الى نهاية عام التحرير، وقد انتقل التركيز آنذاك باتجاه التحرير واستراتيجيات المقاومة لتحقيقه كاستهداف قادة العدو والميليشيات العميلة ومن بينها استهداف عقل هاشم وايرزغيرشتاين وجوزيف كرم (علوش) وقادة الفوج العشرين بالإضافة الى عملية موقع عرمتى وتدميره، كما سيرى المشاهد شيئاً جديداً يعرض للمرة الأولى فيما يتعلق بعملية عرمتى في هذا الوثائقي، بالإضافة الى عملية الأسر في كوكبا، مع العلم أن هذه العملية لم يكتب لها النجاح إلا أن العدو قد قرأها برعب، لجهة أن نحو 60 مجاهداً كانوا يكمنون في طريق اعتاد العبور فيها. نفس هذا الأمر كان عنصراً مهماً في الحرب النفسية على العدو”. كما ويتطرق الوثائقي للمرة الأولى الى قسم “العباس” وهو تشكيل أمني عسكري كان معنيا بالعمل النفوذي داخل الشريط المحتمل وبتنفيذ بعض العمليات الهامة، منها عملية الإستشهادي عمّار حمود. “بطبيعة الحال سيكون هناك استعادة لبعض الأحداث المفصليّة كالاجتياح الاسرائيلي للبنان وأسبابه” يشرح الحاج جواد، “مثل كيف تم افتتاح الجدار الطيب وكيف تم تأسيس ميليشيا العملاء وحادثة تصادم المروحيتين التي نجم عنها تبلور حركة الأمهات الأربعة في إسرائيل والعديد من المحطات التاريخية التي أثّرت على مجرى الأحداث وأدّت الى التحرير”.
السياق الروائي الذي يقدمه الوثائقي يتمحور حول جدلية الصراع بين روايتين: الأولى هي رواية انسحاب مشرف سعى الإسرائيلي إلى تحقيقها، في مقابل الرواية الحقيقية التي سطّرتها المقاومة وهي رواية دحر الإحتلال وهزيمة العدو.
في النهاية، كان للمقاومة ما أرادت، وظفرت برواية انتصار “لم تخطر على قلب أحد. رواية امتدّت من أحداث مفصلية في عام 1999 كتحرير أرنون التي شكّلت حدثاً مهماً في مسار التحرير، وتحرير جزين ثم عملية عرمتى التي أدّت الى ازالة الموقع وتحرير البلدة”.
هذا جزء مما سيراه المشاهد في الحلقة الأولى من السلسلة الوثائقية، بالإضافة الى المحطات المهمّة المباشرة التي أدّت الى التحرير ما قبل 1999 وتفكير العدو بإيجاد وسيلة للانسحاب من لبنان وشروطه في عام 1997 في عهد بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة العدو آنذاك. بالإضافة إلى مشاهد خاصة ببعض قادة ميليشيا العملاء، مثل عقل هاشم، نبيه أبو رافع، وغيرهم تظهر حالة الذعر والرعب التي كانت تسيطر عليهم جراء شعورهم الضمني بتخلي العدو الإسرائيلي عنهم وتركهم لمصيرهم. يكشف الوثائقي عن جانب من الحرب النفسية الأمنية التي شنتها المقاومة ضد هؤلاء العملاء إلى درجة يقول فيها أحدهم لضابط في المقاومة: “لاحقيني على غرفة النوم!”
يختم الحاج جواد بالقول “للأسف خسرنا جزءًا من الرواة بحكم شهادة بعض الاخوة القياديين مثل الشهيد أبو محمد سلمان والشهيد أبو محمد الإقليم، وبالأخص الشهيد قائد هذا الإنتصار، الحاج عماد مغنية، وقد أشار إلى ذلك سماحة السيد، لكن بحمد الله استفدنا من الاخوة الأحياء الذين واكبوا تفاصيل التفاصيل في خطة التحرير.. وأنجزنا الرواية”.
موقع العهد