21 سبتمبر.. ثورة قيم ومبادئ بشهادة الواقع
الحقيقة/صادق البهكلي
بعد سبع سنوات من نجاح ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر وبعد كل ما حققته ما يزال هناك من ينظر لها من منظار غير عادل وبرؤية غير عقلانية فمن جهة هناك من يعتبرها ثورة حقيقة حملت كل الخصائص الثورية وآخرين يصفونها كمجرد انقلاب أو حراك سياسي.. ومهما تعددت التوصيفات فإننا هنا لسنا معنين بالجدل الحاصل بقدر ما نحاول مجهرة الثورة من خلال الواقع الذي ولدت فيه والتحديات التي واجهتها.
منذ ستينيات القرن الماضي عصفت باليمن وبالشعب اليمني الكثير من التحديات والأزمات السياسية وتعرض للكثير من المؤامرات والدسائس الإقليمية والمحلية لتأتي بعد ذلك حركة التصحيح التي قادها الرئيس إبراهيم الحمدي وقد استطاع أن يخطو خطوات هامة في بناء الدولة ومؤسساتها والاهتمام بالوضع المعيشي للشعب اليمني ولكن هذه الحركة لم تستمر طويلا إذ سرعان ما تم الإجهاز عليها وهي ما تزال في بواكيرها الأولى فتم اغتيال الرئيس الحمدي والاجهاز على مشروعه الإصلاحي لتتكون بعد ذلك بحسب وصف الكاتب اليمني عبد الملك العجري ( جماعات مصالح ومراكز نفوذ شكلت نواة النظام السابق، وبنت شبكات مصالح واسعة تتقاسم الامتيازات النفطية والتوكيلات الاحتكارية، وطورت أدوات للهيمنة تضمن من خلالها إعادة إنتاج نفسها والالتفاف على آليات الديمقراطية الشكلية…إلخ) فظهرت طبقات قبيلة وعسكرية برجوازية وسط شعب يتضور جوعا يتعرض لسياسية استبدادية قمعية من نظام هش خاضع كليا للوصاية الخارجية، مستهترا بمصالح الشعب وكرامته وحريته ومفرطا في سيادته ووحدته وثروته وأمنه واستقراره لمستوى أن أصبحت اليمن تصنف بأنها من أفقر الدول وأكثرها فسادا وفشلا..
أما الوضع المعيشي للشعب اليمني فيصفه السيد عبد الملك الحوثي بقوله: (( في الجانب الاقتصادي كانت الأزمة الاقتصادية تشتد وتشتد بشكل غريب جدًّا، الثروات النفطية التي كانت تحت سيطرة الدولة في كل هذا البلد، لم يعد لها أي أثر إيجابي لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وكأننا بلد بلا نفط، ولا ثروة نفطية، ولا ثروة غازية، كل الإيرادات التي كانت تجمعها الدولة لم يعد لها أي أثر إيجابي يخدم هذا البلد، وينتفع به الشعب، كانت معاناة الشعب على المستوى الاقتصادي تزداد يوماً فيوماً، جرعة بعد جرعة، سياسات اقتصادية تدميرية، وضع بائس جدًّا، الموارد الاقتصادية بكلها على مستوى: الضرائب، والجمارك، وكلما يجمع من إيرادات لا أثر له أبداً في حلِّ المشكلة الاقتصادية لهذا البلد آنذاك)).
أما على مستوى الوصاية الخارجية وانتهاك السيادة اليمنية فقد كان السفير الأمريكي هو الحاكم الفعلي ويمتلك دولة داخل الدولة ويسرح ويمرح ويمتلك عناصر أمنية خاصة به وقراره فوق كل قرار..
وبالتالي فقد كان الوضع المعيشي البائس الذي يعيشه الشعب والفساد الإداري والسياسي الذي تمارسه القوى الحاكمة سببا كافياً لأن يثور الشعب اليمني وهو ما حدث فما إن انطلق الربيع العربي حتى كان الشعب اليمني من أول الثائرين فانطلقت المظاهرات في مختلف المحافظات في الـ 11 من فبراير 2011م ولكن القوى البرجوازية القبيلة والعسكرية استطاعت الالتفاف على ثروة 11 فبراير فكان لا بد من ثورة تقتلع هذه القوى فكانت ثورة 21 سبتمبر 2014م ويمكن القول أنها ثورة ولدت من رحم الضرورة والحاجة الشعبية وقد نجحت في اسقاط هذه القوى وقيام سلطة شعبية مثلتها في البداية اللجنة الثورية ثم تلى ذلك حكومة شراكة ومجلس سياسي أعلى.
ثورة 21 سبتمبر ثورة قيم ومبادئ
بعد أن نجحت ثورة الـ 21 سبتمبر لم تدفع نشوة النصر القوى الثورية باتجاه ما هو معتاد في اغلب الثورات التحررية من الإجهاز على خصومها ونصب المشانق وفتح السجون ولأنها لم تنح هذا المنحى ظل البعض يصفها بالنقص والنكوص لأنها كانت في حقيقتها وجوهرها ثورة قيم ومبادئ وعفو وتسامح ترفعت عن الانتقام رغم ما تعرضت له القوى الثورية من ظلم واقصاء وحروب ومآسي..
لقد آمنت ثورة الـ 21 من سبتمبر بالشراكة وبالعدالة، انطلاقاً من إيمانها بأن ذلك يعد ضرورةً لإصلاح الوضع وتجسيداً لقيم العدالة.
كما سعت ثورة الـ 21 من سبتمبر لتعزيز الروابط الأخوية والوطنية على أسس العيش المشترك وحل المشكلات بالحوار والتفاهمات ومدت يدها للسلام مع الجميع وأعطت فرصة كبيرة للقوى التي ضلت تناوئها لإعادة لحمتهم مع الشعب والانخراط في اتفاق السلم والشراكة..
كما تعهدت ثورة الواحد والعشرين بحل القضية الجنوبية وإنصاف الجنوبيين والاعتراف بمظلوميتهم وإنصافهم..
يقول قائد الثورة السيد عبد الملك عن منطلقات ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر:
((كانت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ضرورة وطنية، وضرورة تفرضها على هذا الشعب كل الاعتبارات، اهتمامنا من منطلق مبادئنا وقيمنا، التي تفرض علينا أن لا نقبل مطلقاً بتلك السيطرة الأجنبية، بتلك الهيمنة المطلقة من الأجانب على رؤوسنا وعلينا، على بلدنا، على حاضرنا وعلى مستقبلنا؛ لا الحكمة، ولا المنطق، ولا الهوية، ولا الانتماء، ولا المبادئ تجعلنا نقبل بتلك السيطرة من أطراف هي معادية لنا، وبرنامجها الذي تشتغل عليه من خلال وصايتها وسيطرتها المباشرة برنامج كارثي، برنامج يسحق هذا الشعب، يدمر هذا البلد يوصلنا إلى الهاوية في كل الاتجاهات: وحدتنا تنتهي وتسقط، وكذلك هويتنا تُضرب، قيمنا وأخلاقنا- كذلك- يستهدفونها وينهونها، وضعنا الاقتصادي يوصلنا إلى الهاوية بنفسها ويوقعنا فيها، الاستقرار الأمني ينتهي ويتلاشى ويصبح بلدنا مملوء بالدواعش واغتيالات وقتل وجرائم، وكل فترة جرائم قتل بطريقة وحشية، حتى في المستشفيات والشوارع، القتل الجماعي والقتل بالاغتيالات على المستوى الفردي، ماهناك أي داعي أن نقبل بأن يستمر ذلك الوضع على ما كان عليه وهو يتجه نحو الأسوأ، كل شيء في هذا البلد: قيم، مبادئ، عزة، كرامة، أصالة… يفرض علينا أن نعمل على إيقاف تلك الكارثة التي كانت قائمة.
فكان التحرك في التصعيد الثوري تحركاً مسؤولاً، ويمثل ضرورة ملحة لإيقاف تلك الكارثة الرهيبة التي كانت قائمة، وكان تحركاً فاعلاً ومؤثراً)).
لقد أذهلت الثورة بسلوكها القويم كل العالم وشهد لها الكثير بقيمها العظيمة وأنها كانت ثورة فعلية وبكل المقاييس كما شهد لها الواقع بنزاهتها وحفظها لمؤسسات الدولة من الضياع والنهب الذي يحدث في الأعم الأغلب مع كل الثورات.
ثورة 21 سبتمبر تحديات ومؤامرات