20 عامًا على غزو العراق.. فشل أميركي وخسائر بالجملة
بأسباب واضحة وبسقف توقعات عال حول النتائج والمكاسب، شنّت الولايات المتحدة الأميركية ــ تحت ستار أكذوبة “أسلحة الدمار الشامل” العراقية ــ حربًا وعدوانًا على العراق يوم 20 آذار/مارس 2003 بمشاركة قوات بريطانية وأسترالية وبولندية، لتنتهي بخسارة واشنطن عسكريًا وسياسيًا وإثبات كذبها وفشلها في “أمركة” العراق.
ما قبل الغزو
وقد مهدت واشنطن لغزو العراق بإعلان وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول لأول مرة في شباط/فبراير 2002 عن احتمال “تغيير النظام” في العراق، في حين أن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن صنّف في حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 أيلول/سبتمبر 2002 ــ صدام حسين (الرئيس العراقي الأسبق) ــ “خطرًا جسيمًا”، وتوعد بغداد بعمل عسكري لا مفر منه إذا رفضت الامتثال لمتطلبات الأمم المتحدة لنزع السلاح!.
وبعد توقيع بوش على قرار لـ”الكونغرس” يجيز استخدام القوة ضد صدام حسين، سمح مجلس الشيوخ الأميركي في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2002 بأكبر زيادة في الاعتمادات العسكرية خلال السنوات الـ 20 الماضية، بمقدار 37.5 مليار دولار، لتصل إلى 355.1 مليار دولار.
وفي 28 كانون الثاني/يناير 2003، زعم جورج بوش الابن في خطاب للأميركيين بأنه سيقدم دليلًا على أنّ بغداد كانت تخفي “أسلحة دمار شامل”، وعرض علاوة على ذلك، قيادة تحالف مناهض للعراق في حالة نشوب صراع عسكري.
الغزو
وعشية بدء الغزو الأميركي دخلت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة المنطقة منزوعة السلاح عند الحدود بين الكويت والعراق، وفي نفس اليوم، أمر جورج بوش ببدء الاجتياح.
وبدأ الغزو صباح 20 آذار/مارس من دون تفويض من الأمم المتحدة، بضربات بواسطة صواريخ كروز البحرية وذخيرة طيران دقيقة موجهة ضد أهداف عسكرية استراتيجية وعدد من المنشآت الحكومية في مدينة بغداد، فيما بدأت القوات الأميركية عند الحدود بين الكويت والعراق في التمهيد بقصف مدفعي مكثّف، عبرت على إثره مفارز من مشاة البحرية وفرقة المشاة الآلية 3 الحدود العراقية الكويتية وبدأت العملية البرية لاحتلال العراق.
بعد ذلك، احتلت قوات التحالف مركز البصرة في 6 نيسان/أبريل 2003، كما تمت السيطرة بالكامل على مدينة كربلاء، وسقطت بغداد في 9 نيسان/أبريل، تلتها كركوك والموصل يومي 10 و11 نيسان/أبريل، فيما تمت السيطرة على تكريت مسقط رأس صدام حسين في 14 نيسان/أبريل.
وأعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في 1 أيار/مايو 2003 انتهاء العمليات العسكرية وبداية الاحتلال العسكري للعراق.
الأميركيون قبضوا على الرئيس العراقي صدام حسين في 13 كانون الأول/ديسمبر 2003 في بلدة الدور بمحافظة صلاح الدين، وانتهى بهم المطاف إلى تسليمه لخصومه وإعدامه شنقًا في 30 كانون الأول/ديسمبر 2006.
وفي وقت لاحق في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، أقرت الحكومة والبرلمان العراقيان اتفاقًا بشأن انسحاب القوات الأميركية من البلاد وتنظيم إقامتهم المؤقتة على أراضيها.
وفي شتاء عام 2009، جرى سحب 90 ألف جندي أميركي من البلاد، ليبقى في العراق بعد 31 آب/أغسطس 2010 أقل من 50 ألف جندي، فيما ألقى الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما خطابًا للأمة في اليوم نفسه، أعلن فيه انتهاء المرحلة النشطة من “العملية العسكرية في العراق”.
وفي يوم 15 كانون الأول/ديسمبر 2011، أقيم حفل رسمي بالقرب من بغداد كُرس لانسحاب الجيش الأميركي من العراق والنهاية الرسمية للحرب في هذا البلد.
خلال تلك المراسم، أنزل وزير الحرب الأميركي ليون بانيتا راية القوات الأميركية في العراق، ما يمثّل رمزيّا نهاية مهمتها، فيما غادر آخر رتل من القوات الأميركية العراق في 18 كانون الأول/ديسمبر 2011.
أدلة كاذبة
السلطات الأميركية خلال غزوها أطلقت شعار “من ليس معنا، فهو ضدنا”، الذي رفعه بوش الابن عقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، ووعدت بالعثور على “أسلحة الدمار الشامل”، وبقطع العراق “علاقاته” بالإرهابيين، وفي نفس الوقت “إيصال” الديمقراطية إلى شعبه.
وبتزييف الأدلة وتلفيقها كما تأكد ذلك لاحقًا، تبين أن “أسلحة الدمار الشامل” العراقية المزعومة لم تكن سوى ذريعة أميركية لشن غزو وحشي احتلالي للعراق. كما لم يجد الأميركيون أي دليل يسند مزاعمهم عن علاقات لنظام صدام حسين بالإرهابيين، لتبقى حجة “إيصال” الديمقراطية، وهي لم تصل إلى العراق حتى الآن بعد 20 عامًا من غزوه.
لم يرف للولايات المتحدة جفن، واستبدلت تسمية غزوها المدمّر والوحشي “الصدمة والترويع” باسم آخر هو “حرية العراق”.
وتحت شعار فضفاض، “”حرية العراق”، نفذت الولايات المتحدة عام 2004 عمليتين ضخمتين لاحتلال مدينة الفلوجة، أعقبهما صراع طويل استمر 9 سنوات، بعد أن ظنت أنها احتلت العراق في أسابيع معدودة.
الحلفاء المشاركون
شارك في هذا الغزو في أوقات مختلفة ما يصل إلى 49 دولة، وكانت أكبر الوحدات بعد الولايات المتحدة من نصيب بريطانيا، إذ وصلت إلى 45 ألف عسكري، وإيطاليا بعدد 3200 عسكري، وبولندا بـ 2500 عسكري، وجورجيا 2000 عسكري وأستراليا 2000 عسكري، فيما بلغ الحد الأقصى لعدد الوحدات العسكرية الأميركية في العراق 170 ألف شخص.
وبلغ إجمالي عدد القوات الأميركية والبريطانية التي شاركت في عملية غزو العراق في مرحلتها الأولى 280 ألف عسكري، مدعومة بقوة جوية للتحالف تزيد عن 700 طائرة مقاتلة، وبأكثر من 800 دبابة أميركية من طراز “إم -1 أبرامز”، وحوالى 120 دبابة بريطانية من طراز تشالنجر، وأكثر من 600 مركبة مدرعة أميركية من طرازي “إم -2″ و”إم -3 برادلي” وحوالى 150 مدرعة بريطانية.
التكلفة المالية
يصل تقدير تكلفة غزو العراق أميركيًا، حسب تصنيفات “جامعة براون” إلى 2.9 تريليون دولار تقسم على النحو التالي:
– إجمالي ميزانية البنتاغون المخصّصة للحرب في العراق وما سمي بـ”محاربة “داعش” لاحقًا: 862 مليار دولار. – إجمالي زيادات إنفاق البنتاغون من 2002 حتى 2003: 406 مليارات دولار. – إجمالي مخصصات وزارة الخارجية تجاه العراق: 62 مليار دولار. – إجمالي نفقات علاج جرحى الحرب حتى نهاية 2022: 233 مليار دولار. – الإجمالي دون إضافة تكلفة علاج الجرحى والمتقاعدين المستقبلية: 1.8 ترليون دولار. – قيمة الالتزامات المستقبلية لعلاج الجرحى: 1.1 ترليون دولار.
التأثير الاقتصادي
تشير البيانات الحكومية عشية غزو العراق قبل 20 عامًا إلى بلوغ حجم الدين الأميركي العام نحو 6.4 تريليونات دولار، أو ما نسبته 39% من إجمالي الناتج القومي الأميركي، وبعد 20 عامًا من الغزو، بلغ حجم الدين العام الأميركي نحو 23 تريليون دولار، أو ما نسبته 123% من إجمالي الناتج القومي لعام 2022.
ونتج عن الإنفاق المرتفع على الحرب في العراق ضياع فرص بديلة للاقتصاد الأميركي، ولم يستفد هذا الاقتصاد في الهياكل الأساسية العامة، مثل الطرق والمدارس ومشروعات البنية التحتية، في مقابل استفادة الصناعات العسكرية.
التكلفة البشرية
الحساب الكامل لتكاليف السنوات العشرين الماضية من الحرب في العراق يشمل التكلفة البشرية، حيث قتل وجرح الآلاف من الجنود العراقيين والسوريين والأميركيين والأجانب، إضافة للقتل المباشر للمدنيين والمقاتلين في منطقتي الحرب (العراق وسوريا).
وتضمنت تقديرات “جامعة براون” حول أعداد القتلى الأميركيين خلال فترة العملية العسكرية لقوات التحالف الدولي بذريعة محاربة “داعش”، واعتبرتهم الجامعة نتاجًا غير مباشر للغزو الأميركي للعراق.
ووفق الجامعة، في الفترة بين آذار/مارس 2003 وآذار/مارس الجاري، فإن عدد قتلى الجيش الأميركي بلغ 4599 شخصًا، أما قتلى موظفي “البنتاغون ” فبلغ 15 شخصًا، وعدد القتلى من المتعاقدين الأميركيين وصل إلى 3669 شخصا.