الجبهة اليمنية.. التحدي الأصعب لإدارة ترامب
تواصل القوات المسلحة اليمنية عملياتها العسكرية دعما وإسنادا لطوفان الأقصى، وبالتزامن، تتواصل خلاصات المراقبين ووسائل الاعلام بتأكيدها على أن التهور مع اليمن يكاد يكون مغامرة تؤول مآلاتها إلى كفة النتائج غير المرجوّة للمعتدين، إذ قد تنتهي بهم إلى الخسارة، كما إنها -في الوقت ذاته- تعزز من هذه الكينونة التي صار عليها اليمن.
يدعم ذلك إصرار اليمن على السير في مواجهته للطغاة والمستكبرين من القوى الإمبريالية حتى الانتصار للمستضعفين واستقلال قرار الأمة، انطلاقا من مسلمات دينية وإنسانية.
لا أحد يعلم كيف قرأ المدعو دونالد ترامب -العائد إلى البيت الأبيض- هذه المتغيرات، وكيف قرر التعامل معها؟ مع ذلك لن يكون صعبا التكهن بتوجهاته الفوضوية وسعيه إلى إغراق المنطقة في الفوضى طالما والمتضرر -هذه المرة- ليست السعودية أو الإمارات وإنما الكيان الصهيوني، والكيان بالنسبة للإدارة الأمريكية خط أحمر، أضف عليه أن ترامب يعاني من الغباء السياسي المستفحل فضلا عن كونه خادماً مطيعاً لتوجيهات اللوبي الصهيوني؛ الحاكم الفعلي لأمريكا.
أمام المدعو ترامب واحد من خيارين، إما أن يغادر هذه العقلية البليدة وينظر إلى مصلحة بلاده ببراجماتية إيجابية، أو أن يستعد لتقبل بداية انفراط عُقْد الولايات المتحدة بسبب ما قد يلجأ إليه من تصرفات حمقاء، فأمريكا لن تقبل بالدخول في تعقيدات ما هو متوقع من مواقف ترامب تجاه القضايا الدولية أبرزها الشرق الأوسط، وهي مسألة لم تعد مؤشراتها خافية على أحد.
أربع نقاط
في السياق وفي تعليقه على تهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب الأخيرة بحرقِ مِنطقة “الشّرق الأوسط” إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لفت الكاتب العربي الكبير عبد الباري عطوان انتباه ترامب إلى أربع نقاط: الأولى أن المُقاومة في قطاع غزة ما زالت قوية مستمرة، وتُوقع خسائر ضخمة ومُهينة بالعدو الإسرائيلي وقوّاته، ومن المسافة صِفر.
الثانية أنه لا تُوجد حاملة طائرات أمريكيّة واحدة الآن في مِنطقة “الشّرق الأوسط” وبحارها، سواءً كانَ لونها أحمر أو أبيض أو عربي، بفِعل صواريخ اليمن المُباركة، ويكفي الإشارة إلى الهُجوم بالصّواريخ الباليستيّة البحريّة الذي أصاب قبل أيّام الحاملة ابراهام لينكولن التي هربت مُثخنةً بالإصابات، وأعطب ثلاث مُدمّرات وسُفُن أُخرى، واليوم وأوّل أمس ضربت الطائرات المسيرة والصواريخ اليمنية فرط صوتي أهدافا حساسة في كيان العدو وقاعدة عسكريّة في قلبِ يافا المُحتلّة.
الثالثة أن ترامب “الصّنديد الشّجاع” لم يجرؤ على الرّد على الصّاروخ الإيراني الذي أسقط مُسيّرته الأضخم في الخليج ” آر كيو-4 غلوبال هوك” عام 2019 (كُلفتها 300 مليون دولار) بعد أن انحرفت عن مسارها عدّة أمتار داخل الأراضي الإيرانيّة.
أما النقطة الرابعة والأخيرة فهي أن أمريكا “العُظمى” انسحبت من أفغانستان مهزومةً مُهانةً وبعد أشهر معدودة من استلام بايدن السّلطة منك يا ترامب، وشاهدنا جميعاً، والعالم كُلّه، الهُروب الكبير للقوّات الأمريكيّة بطريقةٍ تعكس ذروة الإذلال.
اليمن بين الأمس واليوم
اليمن واحد من المتغيرات التي لابد للمدعو ترامب أن يغيّر نظرته إليه، عما كان عليه الوضع خلال جولته الرئاسية السابقة (2016 – 2020)، خصوصا مع هذا الاتفاق العالمي على أن اليمن أصبح مختلفا عن كل العقود الماضية، بعقيدته القتالية وبسلاحه وعقيدته الجهادية، فإلى أي حد سيتعاطى ترامب بعقلانية مع هذه الحقيقة؟.
حتى ذلك الحين فإن في الشهادات الأخيرة ما يمكن لإدارة ترامب أن تستأنس بها لتقرأ واقع الحال كما هو في الحقيقة لا كما في ذهنية ترامب، وتتوالى هذه الشهادات تباعا ملخّصة الوضع المزري والمخزي الذي استطاعت القوات المسلحة خلقه للكيان الصهيوني والكيان الأمريكي من ثلاث جهات:
الأولى: العمليات العسكرية البحرية التي فرضت حصارا خانقا على الكيان، وقد بدأت وسائل الاعلام ومراكز الأبحاث الدولية ترصد آثارها السلبية على واقع الحياة في المستوطنات وعلى المستوطنين.
الثانية: عمليات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة التي عرفت وشقّت طريقها إلى عمق العدو ومواقعه الحيوية والعسكرية الحساسة.
والثالثة: أن الجرأة اليمنية قد استطاعت أن تلهب مشاعر كثير من الشعوب العربية والإسلامية التي وإن كانت لا تزال مقموعة إلا انها حتما ستثور يوما لتقول كلمتها في سياق المواجهة مع العدو.
فشل سياسة التعتيم
رغم سياسة التعتم التي يعتمدُ عليها العدوّ الصهيوني لإخفاء تأثيرات الحصار البحري وعمليات الإسناد اليمنية، فان تراكم التداعيات والخسائر والأضرار المُستمرّة، يفرض ظهور الاعترافات بصورة متواترة تكشف وجع العدو من هذه العمليات، إذ حذر رئيسُ وكالة الطاقة “الإسرائيلية” إيريز كالفون من تداعيات إغلاق ميناء الوقود في أم الرشراش المحتلّة (إيلات) على أمن الطاقة في كيان العدو. وقال كالفون في تقرير نشره موقعُ “آيس” الاقتصادي العبري، الاثنين، 2 ديسمبر: إن استمرار إغلاق ميناء (إيلات) بفعل الحصار البحري اليمني، يوجّه “ضربة قاتلة” لأمن الطاقة في كيان الاحتلال. مؤكداً أنه لا يمكن الاعتماد على ميناء واحد في البحر المتوسط.
ونقل الموقع عن كالفون قوله خلال مؤتمر دولي للطاقة والأعمال: إن “طائرات سلاح الجو الإسرائيلي لن يكون لديها أي وقود بدون ميناء الوقود في إيلات”.
قانونية عمليات الاسناد اليمن
وتتحرج أمريكا ثم تتمنع عن الاعتراف بصدقية وقانونية التدخل اليمني لتغيير قواعد الاشتباك التي تستند -في الثقافة العسكرية الأمريكية- على العنف والقتل والتنكيل بالمدنيين، فتحاول باستمرار استثارة الرأي العام العالمي وأنظمة الاستكبار الغربية التي تسير أصلا على نفس منهجية العمل للسيطرة والهيمنة على دول العالم العربي والإسلامي بقصد إخضاعه للإرادة الأمريكية والغربية.
مع ذلك يظل في الرأي العام ما يفند أكاذيب التخدير الأمريكي، لتظهر الأبحاث الأمريكية والأوروبية والروسية والهندية مؤكدة قانونية الفعل اليمني الإسنادي، لكونه يأتي “انتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه وردا على جرائم العدو الإسرائيلي بحق إخواننا في قطاع غزة وردا على العدوان الأمريكي البريطاني على بلدنا، وستواصل القوات المسلحة تنفيذ عملياتنا العسكرية بوتيرة متصاعدة في منطقة العمليات البحرية المعلن عنها ضد العدو الإسرائيلي والأمريكي”. وبما أن محكمة العدل الدولية قضت بأن هناك إبادة جماعية في غزة وفقا للمادة الاولى من “اتفاقية الإبادة الجماعية”، فإن اليمن تتصرف بشكل قانوني وأخلاقي وبنزاهة تامة، حسب التقارير.
وهذه المعطيات تؤكد أن محاولات أمريكا إثارة المواقف ضد العمليات اليمنية إنما تأتي في سياق محاولات الهروب من الفشل والتستر وراء التلفيقات المفضوحة.
الفشل الأمريكي مشهود للعالم
أما حقيقة الفشل الأمريكي سواء بالعنتريات المنفردة أو الجماعية في سياق ما يسميه الأمريكان بالتحالفات، فتتجدد على لسان قائد عملية “أسبيدس” الأوروبية في البحر الأحمر الأميرال فاسيليوس الذي اعترف صراحة بالعجز عن التصدي للأسلحة اليمنية نظراَ لكثافتها وقلة الصواريخ على السفن الحربية وصعوبة تعويضها… فاسيليوس يؤكد إنه -وفق هذا الوضع- لا يمكن وعد الآخرين بالقدرة على حمايتهم، ويقول “لست ساحراً، ولا يمكننا حماية الجميع، لأن لدينا ثلاث سفن حربية فقط” لافتا إلى أن بعض الصواريخ تكلف ملايين الدولارات، وعلينا أن نفكر في هذا الأمر وفي عدد الصواريخ التي نطلقها، وإذا فعلنا ذلك، أين وكيف نستبدلها”.
ويصفع فاسيليوس الإدارة الأمريكية بتأكيده بأن الجيش اليمني لا يستهدف سوى السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، داعيا جميع شركات الشحن إلى إعادة النظر في قراراتها بشأن تغيير مسار سفنها حول رأس الرجاء الصالح، “وليس هناك ما يبرر الخوف بالنسبة للسفن غير المرتبطة بهذه الدول” وقال الأميرال فاسيليوس: “بالنسبة لشركات الشحن التي ليس لديهم اتصالات مع الأمريكيين أو البريطانيين أو الإسرائيليين، يمكن أن تعود بأمان شديد إلى البحر الأحمر، فهناك عدد هائل من السفن التي يمكن أن تمر دون أن يلحق بها أذى”.
الحمار الأمريكي الأعرج
وفي وقت سابق ذكرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية أن تغيير الوضع في البحر الأحمر هو أكبر تحد ملح ستواجهه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند استلامها زمام الحكم، مشيرة إلى أن البنتاغون أنفق بالفعل ما يزيد على مليار دولار لمواجهة هجمات الجيش اليمني، إلا أنه لم يتمكن من تغيير حسابات الجيش اليمني ويبدو أن إدارة بايدن قد رضخت بشكل أساسي للحالة الحالية في البحر الأحمر.
في ذات سياق تجديد التأكيد، وفشل العدو الأمريكي وهزيمته، ذكر موقع “مركز السياسة اليهودية”، أن من أسماهم “الحوثيين” نجحوا في شل أعظم قوة بحرية في التاريخ، وخلقوا صورة مدمّرة للقوة الأمريكية المتآكلة وإرادتها المتراجعة، وبقدرات متواضعة، يشكل إهانة مستمرة ومتفاقمة، حسب الموقع.
ويؤكد الموقع العبري بأنه -على المستوى الإقليمي- تضررت مكانة الولايات المتحدة الإقليمية باعتبارها “قوة عظمى” حد وصفه، وقد يتغير التنسيق مع الغرب، مع تزايد النظرة إلى الولايات المتحدة ليس على أنها حصان قوي، بل باعتبارها حماراً أعرج… مشيرا إلى أن الفشل في صدّ “الحوثيين” كان سبباً في وضع نهاية للنظرة إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى فاعلة وجذابة لدول المنطقة، كما أن الفشل في كبح جماح “الحوثيين” يمثل حجر الزاوية في بناء نظام عالمي جديد.
فيما قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في تعليقها على عملية الأول من ديسمبر الجاري: لمدة 14 شهراً تقريباً، تعثرت المحاولات لإنشاء استراتيجية، تهدف لإيقاف التهديد من اليمن. وأضافت: كان يفترض أن تعيش “إسرائيل” يوماً نادراً من الهدوء، ولكن جاء الصاروخ الباليستي الذي أُطلق من اليمن ليؤكد على حقيقة مقلقة، وهي أن “إسرائيل” تفتقر إلى استراتيجية شاملة لمعالجة هذه التهديدات المستمرة من اليمن.
وعلى ضوء نجاح الجيش اليمني في فرض معادلته لمواجهات البحر، أصبح البحر الأحمر مخيفا، لذلك يقول مدير شركة استشارات الشحن “Shipping Strategy” البريطانية مارك ويليامز: يجب أن نفترض أن البحر الأحمر لا يزال منطقة محظورة إلى أجل غير مسمى بالنسبة للعديد من المشغلين.
ويضيف وليامز: “لم تمنع القوات البحرية الغربية الهجمات من اليمن، ولم تنجح عمليات القصف الجوي الأمريكي البريطاني في وضع حدٍ لها، لذلك يجب افتراض البحر الأحمر منطقة محظورة إلى أجل غير مسمى”.
وعلى عكس ما كانت الولايات المتحدة تسعى لتحقيقه بفرض إرادتها من جديد على البحر الأحمر، أصبحت تثير قلق الكثير من الدول، وسببا لمخاوف شركات الملاحة، تقول صحيفة “ذا هندو بيزنس لاين” الهندية: إن العسكرة الأمريكية في البحر الأحمر قطعت سبل التجارة بين الولايات المتحدة والهند.
وقالت الصحيفة في تقرير لها: إن القلق الأكبر بالنسبة للمصدّرين هو التأخير في تسليم البضائع، وأن السفر إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية لا يشمل البحر الأحمر ويبقى دون تغيير، مشيرة إلى أن هناك تأخيرات في الوصول إلى “الساحل الشرقي” للولايات المتحدة وأوروبا، حيث تسلك السفن الطريق الأطول حول جنوب أفريقيا.
القشة التي قصمت ظهر أمريكا
من الشواهد أيضا على فشل أمريكا حتى في إجراءاتها الرادعة بقيام الطائرات الأمريكية والبريطانية باستهداف أهداف مدنية في عدد من المحافظات الحرة لردع اليمن عن موقفه الإسنادي لغزة، وخروج قادة العدو الأمريكي منتشين بنصر كاذب وإعلانهم غير مرة تَمَكُّنهم من ضرب قدرات القوات المسلحة اليمنية، هو ما ظهر به الجيش اليمني بعد ذلك من تمكن أكثر واقتدار أكبر، وهو ما مثّل صدمة لهم. يؤكد موقع (ترادويندز) البحري أن الهجوم المتجدد من اليمن على السفن الأمريكية يوفر دليلاً إضافياً على عدم تراجع القدرات العسكرية في اليمن، وأوضح الموقع أن القدرة اليمنية على تنفيذ هجمات بحرية في المنطقة تفند مزاعم الولايات المتحدة المتكررة بإضعافها من خلال الضربات الجوية. وعلق الموقع على استهداف القوات المسلحة اليمنية في الأول من ديسمبر الجاري مدمرة أمريكية و3 سفن إمداد تابعة للجيش الأمريكي، واصفاً الهجوم “بالضخم”، واعتبره مؤشرا على أن اليمن لا يرى أي سبب لوقف عملياته في البحر الأحمر، حتى بعد وقف إطلاق النار الأخير بين كيان العدو وحزب الله في لبنان.
ووفقا للموقع فإن الهجوم يدل على أن قدرات اليمنيين على تنفيذ هجمات بحرية لا تزال غير منقوصة، على الرغم من مزاعم الولايات المتحدة المتكررة بتقويض هذه القدرات من خلال الضربات الجوية، كما أكد الموقع أن السفن الثلاث المستهدفة في العملية اليمنية الأخيرة ترتبط بالولايات المتحدة وجميعها ترفع العلم الأمريكي وتعمل لدى كيانات أمريكية.
وزد على ذلك تجديد القوات المسلحة اليمنية يومها على مواصلة العمليات العسكرية بوتيرة متصاعدة في منطقة العمليات البحرية المعلن عنها ضد العدو الإسرائيلي والأمريكي، وأنها لن توقف عملياتها إلا بوقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.
المصدر _ موقع أنصار الله