الصعود اليمني يُقلق الغرب: «إيران» ليست هي المشكلة

الصعود اليمني يُقلق الغرب: «إيران» ليست هي المشكلة

منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وانخراط حركة «أنصار الله» فيها إسناداً للمقاومة الفلسطينية، صبّت واشنطن اهتمامها على التعاون العسكري والتسليحي بين صنعاء وطهران، وبذلت جهوداً ديبلوماسية كبيرة ومارست ضغوطاً متعدّدة الأوجه لاستهداف التعاون المذكور، كما عملت على بناء برامج ونشر فرق عسكرية في الممرّات البحرية لإيقافه أو الحد منه. ويكاد لا يخلو بيان أميركي، سواءً كان صادراً من المستوى العسكري أو المسؤولين في/ والناطقين باسم المؤسسات الحكومية الخارجية أو الدفاعية أو المتحدثين باسم البيت الأبيض، من الحديث عن «أنصار الله» بوصفها «وكيلاً لإيران»، فيما البيانات العسكرية الصادرة يومياً عن «القيادة المركزية الأميركية»، بشأن التصدّي للاستهدافات اليمنية للسفن العسكرية أو التجارية المرتبطة بإسرائيل، أو الاعتداءات الأميركية على الأراضي اليمنية، تحتوي جميعها اللازمة نفسها. كما أن التغطية الإعلامية للجبهة اليمنية، منذ اشتعال هذه الأخيرة، دأبت على تعريف الحركة بالتوصيف نفسه، في ما يستهدف بوضوح تشويه صورتها، وتصديرها بوصفها تعمل لمصلحة جهات خارجية. على أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها «أنصار الله» دعاية من هذا النوع، بل إن السعودية، بقيادتها تحالف الحرب على اليمن، أقامت سردية الحرب على ربط «أنصار الله» بإيران. إلا أنه بعد مرور عشر سنوات، تبيّن فشل تلك السردية في سلب الحركة حضورها الشعبي، والذي ظلّ يتعزّز وصولاً إلى العدوان على غزة، إذ سجّل طفرات متلاحقة حتى في أوساط الشرائح التي كانت معارِضةً لها. والواقع أن ذلك الفشل مردّه، في جانب منه، إلى أن «أنصار الله» أظهرت قدرتها على الحفاظ على خصوصيتها، وبيّنت، في المجالين العسكري والأمني، أنها تنتقي من بين ما يُعرض عليها من جانب عدد من الدول ومن ضمنها إيران، ما يلائم مصلحتها، متحلّلةً من الشروط والقيود التي اعتادت الدول الكبرى وضعها، مثلاً، في صفقات التسلّح المبرَمة بين الغرب ودول الخليج.
وفي هذا الإطار، عدّ «معهد بروكينغز» الأميركي، في دراسة حول «أنصار الله»، وصْف الحركة بـ«الوكيل» «أمراً خطيراً»، معتبراً أنه «في الحقيقة، الحركة ليست وكيلاً لإيران، رغم أنها تستفيد من الدعم الإيراني». وأشار المعهد إلى أن التعريفات الصارمة لمصطلح «الوكيل» تتطلّب «أن يكون لدى الراعي بعض وسائل التحكّم بالوكيل، لأن هذا هو ما يميّز الأخير عن الشريك، لكن إيران تفتقر إلى السيطرة على سلوك الحوثيين، فيما لا يتصرف هؤلاء في المقام الأول نيابة عن إيران. وهذا أمر مهم، لأن الحوثيين أثبتوا أنهم في كثير من الأحيان جهة فاعلة أكثر عدوانية، ولا يمكن التنبؤ بها من مؤيديهم الإيرانيين». على أن خشية واشنطن ليست من التعاون العسكري الإيراني – اليمني فقط، بل وأيضاً من محورية الدور اليمني المتحلّل من كثير من القيود الموجودة لدى الآخرين، ومن تحوّل اليمن إلى لاعب مركزي في منطقة الشرق الأوسط، ومن إمكانية اقتباس نموذجه في مناهضة المشروع الغربي. والجدير ذكره، هنا، أن الدوائر الاستخبارية الغربية تقسّم الشرق الأوسط إلى جناحَين: الأول الجزيرة العربية ومفتاحها اليمن، والثاني منطقة الشام، أي سوريا الكبرى، ومفتاحها دمشق وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، علماً أن وجود كل من دمشق وصنعاء كجناحين مركزيين في المحور أدى إلى إبطال السيطرة الأميركية على كامل منطقة غرب آسيا.

يقرّ الغرب بأن «أنصار الله» أقل تعرّضاً من إيران للضغوط الأميركية والدولية

ويقرّ الغرب بأن «أنصار الله» أقل تعرّضاً من إيران للضغوط الأميركية والدولية، لأنها تعمل إلى حد كبير خارج النظام المالي الدولي، ما يعني أنها قادرة على تحمّل مخاطر أكبر. كما أنه بعد عدة سنوات من الحملة الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية، اعتادت الحركة حماية إمدادات أسلحتها من الضربات الجوية، وهو ما يفسّر فشل الضربات الأميركية والبريطانية الأخيرة في تقويض قدراتها الهجومية بشكل كبير. وفي هذا الإطار، يشير معهد «بروكينغز» إلى أن «أنصار الله هي جزء مستقل من شبكة متزايدة التعقيد تسمح لها بالعمل مباشرة مع المجموعات الأخرى في المقاومة لتبادل الخبرات وتنسيق الأنشطة، وحتى التعاون في الهجمات المشتركة». ويضرب المعهد مثالاً على ذلك التعاون، الهجمات المشتركة اليمنية – العراقية، والتي تدلّ على التوجّه إلى تنفيذ عمليات منسّقة أكثر انتظاماً، تعقّد الجهود الدفاعية، فيما «قد يمتدّ تعاون الحوثيين مع الآخرين إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط».
وعلى أن رغم أن الاستخبارات الغربية تدّعي أنها على علم بأن اليمن يعتمد في بناء قدراته على تعاون مع إيران وروسيا والصين، إلا أن الغرب يعترف، في الوقت نفسه، بأن «أنصار الله» قامت بتحسين قدرتها على تصنيع الأسلحة داخل اليمن، وصقلت خبراتها المستقلة بأسلحة جديدة، مستفيدة من حقيقة أنه تم اختبارها في المعركة بطريقة لم تشهدها إيران. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية وحدها، قامت الحركة بسرعة، بتحسين استخدامها للسفن السطحية غير المأهولة، ما سمح لها باستهداف السفن الحربية الأميركية والغربية، وبإغراق سفن مدنية متجهة أو متعاونة مع إسرائيل ومحميّة من قِبل الأساطيل الغربية.

الأخبار اللبنانية: لقمان عبدالله

قد يعجبك ايضا