ذكر السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى الصرخة أن المتغيرات الدولية توضح أن أمريكا تتجه نحو الانحدار، وأن قدرتها الاقتصادية التي تنطلق من خلالها في السيطرة على بقية البلدان بدأت تضعف شيئا فشيئا.
إن أمريكا دولة تاريخها حافل بالأحداث والتحولات التي جعلتها تصل إلى موقع القوة والنفوذ الذي تحتله اليوم، لكن هل هذا الموقع مضمون وثابت؟ أم أنه مهدد بالانهيار والانحسار؟ في هذا التقرير سنستعرض بإيجاز قصة صعود أمريكا منذ أيام الاستعمار وحتى الوصول إلى الإمبراطورية الأمريكية، وسنناقش بعض العوامل التي تشير إلى أفولها المحتمل في ظل المتغيرات الدولية والتحديات الداخلية التي تواجهها.
صعود أمريكا
بدأت قصة أمريكا مع وصول المستعمرين الأوروبيين إلى شواطئها في القرن السادس عشر، والذين كانوا يبحثون عن فرص جديدة للتجارة والثروة والحرية. وبعد إبادة السكان الأصليين وشن الحروب مع القوى الأوروبية المنافسة، استطاع المستعمرون إقامة 13 مستعمرة بريطانية على الساحل الشرقي للقارة. وفي عام 1776، أعلن المستعمرون استقلالهم عن بريطانيا بعد سلسلة من الثورات والمقاومات ضد الضرائب والقوانين التي فرضتها عليهم. وبعد حرب استقلال طويلة، نجح المستعمرون في تأسيس دولة جديدة باسم الولايات المتحدة الأمريكية، وصاغوا دستورًا يضمن حقوق المواطنين والولايات والفصل بين السلطات.
في القرن التاسع عشر، شهدت أمريكا توسعًا كبيرًا في حدودها نحو الغرب، مستفيدة من شراء أراضٍ من فرنسا وإسبانيا وروسيا، وإجبار المكسيك على التخلي عن نصف أرضها بعد حرب مكسيكية-أمريكية. كما شهدت أمريكا نهضة صناعية وزراعية وتجارية، مدفوعة بالابتكارات التكنولوجية والهجرة الوافدة من أوروبا. لكن هذه التطورات لم تخلُ من المشكلات، فاندلعت حرب أهلية دامية بين الشمال والجنوب بسبب خلافات حول قضية العبودية والحقوق الولائية، أودت بحياة نحو 600 ألف شخص. انتهت هذه الحرب بانتصار الشمال، وإلغاء العبودية، وإعادة بناء الاتحاد.
في القرن العشرين، دخلت أمريكا التاريخ كقوة عظمى على المستوى الدولي، حيث شاركت في الحرب العالمية الثانية ضد المحور (ألمانيا وإيطاليا، اليابان) بعد هجوم اليابان على قاعدة بيرل هاربر في 7 ديسمبر 1941، والذي أدى إلى تدمير جزء كبير من الأسطول البحري الأمريكي في المحيط الهادئ. وأعلنت ألمانيا وإيطاليا الحرب على أمريكا في 11 ديسمبر 1941، بموجب اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المحور ولكن النهائية كانت لصالح دول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي) ولكن أمريكا كانت الرابح الأكبر من وراء الحرب للأسباب التالية:
هناك عدة عوامل ساهمت في خروج أمريكا الرابح الأكبر في الحرب العالمية الثانية وتحولها لقوة عظمى، منها: ¹²³
– دخول أمريكا في الحرب في وقت متأخر (1941)، بعد أن تعرضت للهجوم من قبل اليابان على قاعدة بيرل هاربر، مما أعطاها فرصة للاستفادة من التجارة مع الحلفاء والدول المحايدة، وتعزيز صناعتها واقتصادها وجيشها.
– عدم تعرض أراضي أمريكا للغزو أو القصف من قبل دول المحور، باستثناء بعض الجزر في المحيط الهادئ، مما حافظ على استقرارها السياسي والاجتماعي والثقافي.
– امتلاك أمريكا للسلاح النووي، والذي استخدمته ضد اليابان في هيروشيما وناغازاكي، مما أنهى الحرب في المحيط الهادئ، وأظهر قوتها وتفوقها التكنولوجي على باقي الدول.
– مشاركة أمريكا في إنشاء الأمم المتحدة، والتي أصبحت عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، ولعبت دورًا رئيسيًا في تشكيل نظام دولي جديد بعد الحرب.
– تأثير أمريكا على إعادة إعمار أوروبا واليابان بعد الحرب، من خلال خطة مارشال وبرنامج نقطة 4، والتي ساعدت على تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي مع هذه الدول.
قرن من الإجرام
بعد أن خرجت أمريكا من الحرب العالمية الثانية بمكاسب كبيرة وتحولت لقوة عالمية سعت للهيمنة على العالم ونهب ثروات دول العالم الثالث وشنت المئات من الحروب واقترفت مجازر لا مثيل لها في التاريخ البشري ويمكن ايجاز الحروب الامريكية خلال القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين بالتالي:
أبرز الحروب التي شنتها أمريكا خلال القرن العشرين هي: ¹²³⁴
– الحرب العالمية الأولى (1917-1918): شاركت أمريكا في هذه الحرب إلى جانب دول الحلفاء ضد دول المحور، وساهمت في تحقيق الانتصار وإنهاء الحرب بعد أربع سنوات من المعارك الدامية.
– الحرب العالمية الثانية (1941-1945): دخلت أمريكا في هذه الحرب بعد تعرضها للهجوم من قبل اليابان على قاعدة بيرل هاربر، وشكلت تحالفًا مع بريطانيا والاتحاد السوفيتي وفرنسا والصين ضد ألمانيا وإيطاليا واليابان، وأسهمت في إسقاط نظامي النازية والفاشية في أوروبا، وإلقاء قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي في اليابان، مما أدى إلى استسلامها وانتهاء الحرب.
– حرب كوريا (1950-1953): شاركت أمريكا في هذه الحرب إلى جانب كوريا الجنوبية وقوات الأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية والصين والاتحاد السوفيتي، في إطار مواجهة باردة بين القطبين الشرقي والغربي، وانتهت الحرب باتفاق هدنة دون حل نهائي للصراع.
– حرب فيتنام (1965-1973): شاركت أمريكا في هذه الحرب إلى جانب جنوب فيتنام ضد شمال فيتنام وفيت كونغ، في محاولة لمنع انتشار الشيوعية في جنوب شرق آسيا، وواجهت صعوبات كبيرة في مواجهة التمرد المسلح والمظاهرات المطالبة بإنهاء التدخل، وانسحبت من الحرب بعد اتفاق باريس، مما سمح لشمال فيتنام بغزو جنوب فيتنام وإعلان توحيده واقترفت في هذه الحرب مجازر بشعة لا مثيل لها.
– غزو كوبا: 1961 حاولت أمريكا غزو كوبا كانت محاولة فاشلة من جانب القوات التي دربتها وكالة المخابرات المركزية من الكوبيين المنفيين لغزو جنوب كوبا وقلب النظام على فيدل كاسترو.
– غزو بنما (1989): هو عملية عسكرية أطلق عليها اسم “عملية عادلة السبب”، التي نفذتها الولايات المتحدة لقلب النظام في بنما.
– حرب الخليج (1990-1991): شاركت أمريكا في هذه الحرب إلى جانب تحالف دولي ضد العراق، بعد اجتياحه للكويت، وأطلقت عملية عاصفة الصحراء لطرد قوات صدام حسين من الكويت، وألحقت به خسائر فادحة، لكنها لم تستكمل مسيرة التقدم نحو بغداد.
– حرب أفغانستان عام 2001 والتي احتلت البلاد لأكثر من 20 عام واقترفت المئات من المجازر.
– حرب العراق 2003م وانتهت باحتلال العراق ومارست ابشع الجرائم بحق الشعب العراقي وكانت فضائح سجن أبو غريب شاهدة على تاريخ طويل من الإجرام الأمريكي.
إضافة إلى مئات الحروب التي شنتها بالوكالة في دول عدة منها الحرب على سوريا والعدوان على اليمن والصراع في ليبيا والسودان كما نفذت عمليات اغتيال واسعة للكثير من الرؤساء والشخصيات البارزة في الدول التي لاتخضع لها.
أفول أمريكا؟
وكنتيجة للجرائم والمجازر التي اقترفتها أمريكا ولسياستها والنهب والابتزاز التي مارستها بحق الدول باعتبارها ترى لنفسها الحق أن تفعل ما تشاء دون أن يكون لأحد حق الاعتراض ففي العقود الأخيرة، ظهرت عدة عوامل تشير إلى أن أمريكا قد تكون في مرحلة من الانحسار والتراجع، سواء على المستوى الدولي أو الداخلي. ومن هذه العوامل:
– صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية وسياسية تنافس أمريكا في مناطق مختلفة من العالم، وتطمح إلى تغيير النظام الدولي القائم بما يخدم مصالحها. وقد شهدت الصين نموًا هائلًا في السنوات الماضية، حيث أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مصدر ومستورد للسلع، وأكبر مالك للديون الأمريكية، وثاني أكبر مصروف على الدفاع. كما تمتلك الصين نفوذًا كبيرًا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتسعى إلى توسيع نطاقه في أفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. وقد اشتبكت الصين مع أمريكا في قضايا حساسة مثل التجارة وحقوق الإنسان والأمن الإقليمي والتغير المناخي.
– ظهور قوى إقليمية أخرى تشكل تحديات للمصالح الأمريكية في مناطق استراتيجية، مثل روسيا التي تحاول استعادة دورها كقوة عظمى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتتدخل في شؤون دول شرق أوروبا والشرق الأوسط. وتركيا التي تتبع سياسة خارجية أكثر نشاطًا وتطلعًا إلى قيادة دور إقليمي، مما يؤدي إلى خلافات مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشأن قضايا مثل سوريا والعراق والبحر المتوسط.
– انخفاض قدرة أمريكا على التأثير على شؤون العالم بشكل فعال، نظرًا لارتفاع التكاليف المادية والبشرية لإدارة حروب طويلة في أفغانستان والعراق وغيرها من البلدان، مما أثر على ميزانية الدفاع والاقتصاد الأمريكي، وخلق حالة من السخط والتعب لدى الشعب الأمريكي تجاه هذه الحروب. وقد أظهر الانسحاب الأمريكي المتسرع من أفغانستان في أغسطس 2021 مدى فشل سياسة الحرب على الإرهاب التي بدأتها أمريكا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
– انخفاض مصداقية وشعبية أمريكا في العالم، نتيجة لاتخاذ قرارات أحادية الجانب ومتناقضة في بعض القضايا الدولية، مثل الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران واتفاق باريس للمناخ ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وفرض عقوبات تجارية على حلفائها في أوروبا وكندا والمكسيك، ودعم نظام إسرائيلي غير عادل تجاه الفلسطينيين. كما تأثرت صورة أمريكا بسبب تفشي فيروس كورونا والتعامل غير المهني معه، والذي أودى بحياة أكثر من 600 ألف شخص في أمريكا.
– ازدياد التوترات والانقسامات داخل المجتمع الأمريكي، بسبب الخلافات السياسية والثقافية والعرقية بين مختلف الطبقات والجماعات. وقد تجلى ذلك في انتخابات 2016 التي فاز فيها دونالد ترامب بشعار “أمريكا أولًا”، والتي كانت محل جدل وشبهات من حيث التدخل الروسي والتزوير. كما تجلى ذلك في احتجاجات حركة “حياة السود مهمة” ضد عنف الشرطة والعنصرية، والتي تحولت إلى أعمال شغب وعنف في بعض المدن. كما تجلى ذلك في اقتحام مؤيدي ترامب للكونغرس في 6 يناير 2021، في محاولة يائسة لإلغاء نتائج انتخابات 2020 التي فاز فيها جو بايدن.
ختاماً:
يمكننا أن نستنتج من مما سبق أن أمريكا صعدت إلى قمة القوة على ركام الملايين من ضحاياها، لكنها تواجه في الوقت الحالي تحديات جسام وانحسار واضح وفي الطريق لانهيارها..
ولنقرأ بتمعن ما قاله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي قبل أكثر من عشرين عاما في الدرس السادس ضمن سلسلة دروس رمضان التي القاها عام 2002م يقول: ((الآن بعد الثورة الصناعية، وبعد ازدهار العلم حاولوا أن يتغلغلوا داخل البلدان التي ازدهرت مثل: بريطانيا، في فرنسا، في أمريكا، أمريكا بالذات قد تكون أمريكا من أبرز البلدان الآن في مجال العلوم بل سمعنا في الفترة القريبة: بأنها ربما قد تكون تجاوزت أوروبا بما يساوي أربعين سنة، بالنسبة لأمريكا.
الحضارة، العلم الذي عليه أمريكا، وبلدان أوروبا، والعالم كله معرض أيضاً للانهيار على أيديهم،
يسوقون العالم الآن يسوقون تلك البلدان التي امتلكت حضارة عالية، واحتضنت علوماً مهمة يسوقونها إلى ماذا؟ إلى حالة قد تؤدي فعلاً إلى خسارة علمية رهيبة، إلى خسارة حضارية رهيبة. هم يرون بأنه ليس بإمكانهم أن يحكموا العالم – لديهم مطمع معين: أن يسيطروا على العالم – إلا بعد أن يدخلوا العالم في صراعات رهيبة جداً بالطبع تكون في نتيجتها ضرب مصالح، المفاعلات، المعامل، الخبراء، علماء، مدارس، جامعات كلها تضرب، إذاً فهم كانوا وراء تحطيم الحضارات السابقة، وضياع العلوم السابقة والآن هم في الطريق لنفس ما عملوه في الماضي كما قلنا بالأمس بأن هذه تدل، مجمل ما قدمه الله سبحانه وتعالى، وما ذكره عن بني إسرائيل، بما فيها النقطة هذه: أن أي أمة تصل في علومها إلى درجة عالية هي معرضة للتلاشي بسبب ماذا؟ أنها ليست مهتدية بهدي الله، أن هدى الله سبحانه وتعالى هو من أهم الضمانات لبقاء العلوم الهامة، من أهم الضمانات التي تبنى عليها الحضارات وتدوم وتستمر.
إذاً فما نراه اليوم بالنسبة لليهود ليس جديداً في الواقع، وكثير من المحللين يذكرون بأنه الآن أمريكا هي معرضة للانهيار هي، بخبراتها العالية، بعلومها، بكل ما عندها معرضة للانهيار على يد من؟ على يد اليهود فضلاً عن باقي الأمم