يمن إيكو :خزان صافر العائم.. الخطر الذي تحوَّل إلى ذريعة أممية لحشد التمويلات
مؤخراً، حذّرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان رسمي على موقعها الإلكتروني، من أن حدوث أي تسرب جديد من سفينة صافر العائمة قبالة سواحل الحديدة، سيؤدي إلى اضطراب الشحن العالمي والأنشطة الاقتصادية الأخرى في منطقة البحر الأحمر.
الأشد من هذا التحذير يتمثل فيما أطلقته الأمم المتحدة، في مؤتمر استضافته مملكة هولندا في لاهاي في الـ11 من مايو الماضي، وهو أن الخزان قد يسكب 4 أضعاف كمية النفط التي تسربت من كارثة إكسون فالديز عام 1989 بالقرب من ألاسكا، مضيفة: “في حال تسرب النفط من خزان صافر العائم، فإن تكلفة معالجة التنظيف وحدها ستتطلب 20 مليار دولار”.
وحسب ديفيد غريسلي، المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، خلال مقابلة صحافية نشرت في يونيو الماضي، فإن خطة الأمم المتحدة التي تتوخى درء كارثة بيئية محدقة في البحر الأحمر، تتكون من مرحلتين، تكلف الأولى 80 مليون دولار، وتستمر 4 أشهر، وتتضمن نقل أكثر من مليون برميل من النفط من خزان صافر العائم إلى سفينة جديدة مؤقتة، فيما تشمل المرحلة الثانية وهي أطول من الناحية الزمنية استبدال الخزان الحالي.
هذه ليست المرة الأولى التي يبرز فيها ملف صافر فجأة، وتُضخَّم فيها ضرورات كبح خطره، كأولوية لدى الأمم المتحدة، فمنذ عام 2015م عمل التحالف جاهداً على تحويل السفينة إلى ورقة سياسية، بدءاً بسحب معظم أفراد طاقمها، باستثناء 7 فقط، مروراً بمنع المازوت المخصص للسفينة من الوصول إليها في عام 2016م وصولاً إلى إيقاف مراجل التشغيل الرئيسة فيها.
تعمُّد الإضرار بالخزان لم يتوقف عند هذا الحد، بل اتجه نحو تحويل الخزان إلى ورقة ضغط سياسية على حكومة صنعاء عبر تحريك الرأي العام الدولي، والدليل أنه أعقب تلك الخطوات بدء الحكومة المعترف بها دولياً بحملة تهويل لخطر صافر على البحر الأحمر والملاحة الدولية، تلتها التحذيرات والبيانات الأمريكية والبريطانية والسعودية والإماراتية وغيرها، في مسار اعتبره محللون حججاً تحاول من خلالها تلك الجهات تنصلها المسبق عن مسؤولية أي تسرب أو تفجير قد يحدث للخزان العائم.
وفيما تقتصر تصريحات البريطانيين والأمريكيين فقط على الجوانب المتصلة بالكارثة واحتمالية وقوعها الوشيك، وصفت السعودية (التي تقود تحالف الحرب في اليمن) الناقلة بالتهديد الكبير لكل الدول المطلة على البحر الأحمر، ما يجعل 5 ملايين شخص في اليمن والسعودية عُرضة للتلوث، في غضون ساعات حال انفجار الناقلة، بينما يواجه نحو 9.9 مليون يمني، و1,5 مليون سعودي مخاطر خسائر محاصيلهم الزراعية.
تلك التحذيرات والمزايدات قرنت برفض التحالف السماح بإجراء الإصلاحات الفنية اللازمة للسفينة، كما رفض تفريغها بذريعة أن الأموال التي ستعود من بيع كميات النفط ستذهب إلى البنك المركزي في صنعاء، ليس ذلك فحسب بل منع التحالف وصول أي مشتقات كفيلة بتشغيل المراجل والمعدات.. لتحوَّل السفينة بذلك إلى ورقة حرب اقتصادية وهدف استراتيجي، وإن أتى ضمنياً على لسان وزير الخارجية الأمريكية، بومبيو، بتحذيره من احتمال انفجار صافر.
وزارة النفط والمعادن في حكومة صنعاء، طالبت في مايو 2019م الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالسماح ببيع النفط الخام الموجود في الباخرة صافر، والاستفادة من العائد في إنشاء خزانات نفطية بديلة، لكن ذلك قوبل بالرفض، وفي الوقت نفسه قلبت الحقائق، وظلت الاتهامات الأمريكية والبريطانية ومزايدات التحالف أيضاً بأن حكومة صنعاء تمنع صيانة السفينة أو الوصول إليها.
وبعد سلسلة من المطالبات الملحة من قبل حكومة صنعاء للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة إصلاح صافر، أو إقناع التحالف بالسماح للمازوت وفرق الصيانة بالوصول إلى السفينة، تم التوصل إلى توقيع اتفاق التقييم والصيانة بين الأمم المتحدة وحكومة صنعاء في نوفمبر 2020م.
الاتفاق أوقف الجدل القائم بشأن الطرف المسؤول عن عرقلة جهود صيانة السفينة، وألقى بالمسؤولية على الأمم المتحدة؛ لكنه لم ينفذ، ودخل ملف صافر فترة جديدة من الصمت، فيما ذهب التمويل البالغ 35 مليون دولار المخصص لتنفيذ الاتفاق، في نفقات تشغيلية خاصة بمكتب خدمات المشاريع الأممي UNOPS.
وليس المهم في هذا المقام سرد تفاصيل المسار الزمني الذي كان يبرز فيه ملف سفينة صافر فجأة، وكيف كان يختفي فجأة، خلال سنوات الحرب، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فالأهم هو: لماذا ظل خطر صافر الذي صنعته سنوات الحرب والحصار يظهرُ مقروناً بالتحذيرات شديدة اللهجة حيناً، ويختفي حيناً آخر رغم حقائق ذلك الخطر المحدق بالبيئة البحرية في البحر الأحمر والمجتمعات المطلة؟
هذا السؤال يحيلنا إلى ما يراه المراقبون من أن تلك الأصوات التي رفعتها السعودية وأمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول الكبرى، لم تكن صادقة في تلك التحذيرات، بل كانت تريد الضغط السياسي على حكومة صنعاء، ما شكك في أن خطر خزان صافر الحقيقي لم يكن واقعياً، أو كما لو أن خطر الخزان أصبح ورقة حرب يمكن للتحالف استخدامها في أي وقت بُغية الوصول إلى تحقيق أجندته في الجغرافيا اليمنية وأهم شرايين الملاحة في العالم.
الأخطر في ملف صافر، ليس انكشافه كورقة حرب اقتصادية يستخدمها التحالف والحكومة الموالية له، ولا معوقات أمام إصلاحه وتفادي الخطر إن صدقت النوايا فحسب، بل بتحول ذلك الخطر المصنوع من قبل التحالف إلى ذريعة أممية لحشد الدعم الدولي لا أكثر، وهو ما أكده ديفيد غريسلي، المنسق الأممي المقيم للشؤون الإنسانية في اليمن، في يونيو الماضي، حيث قال متحدثاً عن الخطة الأممية لتفادي خطر صافر: “بصريح العبارة، لم تعد العقبة الأساسية التي نواجهها سياسية، أو أمنية، أو تشغيلية، أو ذات علاقة باقتناء المعدات، بل ذات علاقة بالموارد”.
وكانت الأمم المتحدة دعت في أبريل 2022م الجهات الدولية المانحة إلى الإسراع في تقديم 144 مليون دولار لتنفيذ خطتها المرحلية لصيانة خزان صافر، منها 80 مليون دولار لتمويل عمليات الطوارئ (المرحلة الأولى)، وهو ما أخفقت الأمم المتحدة في جمعه عبر مؤتمر عقدته ومملكة هولندا في مايو الماضي، فلم تجمع سوى 33 مليون دولار فقط، هو إجمالي تعهدات المانحين.
تلك النتائج تؤكد أن المخاوف على سلامة وأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، من قبل الدول الأكثر تحكماً بملف الحرب في اليمن كالسعودية وأمريكا وبريطانيا والإمارات، لم تكن بذلك المستوى الإعلامي، فالسعودية رغم ذلك الضجيج ورغم كونها السبب الرئيس فيما وصلت إليه سفينة صافر لم تقدم سوى 10 ملايين دولار، وبريطانيا 7.2 مليون دولار، وأمريكا 10 ملايين دولار، في وقت يفترض وتبعاً لتحذيرات تلك الدول الكبرى أن تقدم المبلغ المطلوب كاملاً.
الخوف الأخطر من ضياع الوقت دون الوصول إلى الخزان وتفادي خطره، أنه ومع تعثر التعهدات وعدم اكتمال المبلغ المطلوب أممياً، أن يذهب المبلغ الجاهز البالغ 60 مليون دولار في نفقات تشغيلية لا صلة لها بالمهمة، وهو ما حذرت منه صنعاء في أكثر من مقام.