يتميز أسلوبه الادبي والروائي بأنه بسيط ومباشر، يعكس الواقع بلا تجميل، ويضع القارئ أمام حقيقة ما يمر به شعبه. ويعتمد الكاتب على استخدام السرد المشوق والمليء بالأحداث التي تجعل القارئ يتفاعل مع الشخصيات ويعيش تجاربها وكأنها حدثت للتو. بالاضافة الى كتاباته الادبية قام بتأليف كتب نقدية في عالم السياسية، وكذلك قام بترجمة بعض الكتب، وساهم في تأسيس فرقة مسرحية، كان هو احد اعضائها .
قد يتفاجأ القارىء، لو علم ان الشخص الذي نتحدث عنه الان، ليس سوى الشهيد البطل يحيى السنوار، فهناك قراء لم يكن لهم اطلاع عن الجانب الاخر من شخصية السنوار، والتي قد تتناقض مع شخصيته التي باتت معروفة للعالم، وخاصة بعد مشهد استشهادة الاسطوري وهو يحارب حتى الرمق الاخير، محتلي ارضه ومدنسي مقدسات المسلمين، وهو مثخن بالجراح. فمن الصعب ان يتصور البعض ان يكون الكاتب والاديب والمترجم والفنان الذي نتحدث عنه، هو مهندس “طوفان الاقصى”، الذي كشف حقيقة الغرب المتوحش وعلى راسه امريكا، كما كشف اكذوبة “ان اسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط”. كما اسقط القناع عن الوجه الحقيقي لبعض الانظمة العربية التي ساهمت وشاركت العدو الصهيوني، في قتل وتجويع ومحاصرة وابادة الشعب الفلسطيني.
قد يسأل سائل كيف تمكن السنوار من ان يكتب الرواية ويؤلف كتبا في السياسة ويترجم، وهو الذي قضى 23 عاما في السجن، اي اكثر من ثلث عمره . وفي النضال والجهاد خارج السجن؟. يقول كُتّاب سيرته، ان السنوار درس بكلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في غزة وحصل على درجة البكالوريوس في الأدب. وبعد اندلاع الانتفاضة الأولى التي بدأت في غزة عام 1987، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي كانت تعمل في ذلك الوقت داخل غزة، وحكمت عليه بالسجن 4 مؤبدات (مدتها 430 عاما)، بتهمة تأسيس جهاز أمني لتتبع جواسيس وعملاء “اسرائيل” الى جانب مشاركته في تأسيس جهاز عسكري باسم “المجاهدون الفلسطينيون” المعروف اليوم باسم “كتائب عز الدين القسام”. وفي السجن تعلم اللغة العبرية، وبدأ في متابعة الإعلام العبري من داخل السجن، وقرأ كثيرا من الدراسات الأمنية التي كان يصدرها ضباط الأجهزة الأمنية والسياسيون في الكيان الإسرائيلي. ان السنوات التي أمضاها السنوار في الزنازين الإسرائيلية كانت حاسمة في تشكيل وعيه الفكري وعقيدته السياسية، وصقلت لغته العبرية إلى مستوى الناطقين بها، فهو يعلم كيف يصغى لوسائل الإعلام في الكيان الإسرائيلي، ويحلل النقاش العام داخل الكيان، وأمضى معظم وقته في التعلم والقراءة والتأليف، فقد ألف وترجم عددًا من الكتب في المجالات السياسية والأمنية والأدبية، وله العديد من المنشورات والترجمات التي تشرح رؤيته وفهمه لـ”العقلية الإسرائيلية”.
يعتبر كُتّاب سيرة السنوار، بداية رحلته الأدبية، هي ترجمة كتاب “الشاباك بين الأشلاء”، من تأليف الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي في الكيان الإسرائيلي (الشاباك)، ويعتبر دراسة هامة عن دور هذا الجهاز في الكيان، فهو يتناول تاريخ جهاز الشاباك منذ تأسيسه على يد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي. وهدف اختيار السنوار لهذا الكتاب هو تعريف الفلسطينيين والعرب بأحد أهم أجهزة الاحتلال الإسرائيلي، الذي كان يلعب دورا كبيرا في زرع العملاء وجمع المعلومات. من خلال هذا العمل، ساهم السنوار في توسيع الوعي الفلسطيني بأهمية معرفة كيفية عمل العدو، مما ساعد في تطوير استراتيجيات المقاومة.
في السجن ايضا ترجم السنوار كتابا بعنوان “الأحزاب الإسرائيلية”. الذي قدم فيه تحليلا شاملا للأحزاب السياسية في الكيان الإسرائيلي، ويُعرّف ببرامجها وتوجهاتها الأيديولوجية. والهدف منه كان تعريف الفلسطينيين والعرب بالتركيبة السياسية المعقدة في الكيان، ودور الأحزاب السياسية في الصراع مع الفلسطينيين.
أشهر مؤلفات السنوار هي رواية “الشوك والقرنفل” التي تناول من خلالها تجربة النضال الفلسطيني بعد عام 1967 حتى الانتفاضة الأولى حيث يقول في مقدمتها: “هذه ليست قصتي الشخصية، وليست قصة شخص بعينه، على الرغم من أن جميع أحداثها حقيقية؛ كل حدث منها، أو كل مجموعة من أحداث، تخص هذا الفلسطيني أو ذاك.. الخيال في هذا العمل هو فقط في تحويله إلى رواية تدور حول أشخاص محددين، ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي عشته، وكثير منه سمعته من أفواه من عاشوه- هم وأهلهم وجيرانهم- على مدار عشرات السنوات على أرض فلسطين الحبيبة.
اللافت انه في أبريل 2024، توقف موقع “أمازون” للتجارة الإلكترونية عن بيع رواية “الشوك والقرنفل” التي كتبها السنوار قبل 20 عاما، تحت ضغط اللوبيات الصهيونية.
الكتاب الاخر الذي ألفه السنوار هو كتاب “المجد”، والذي تناول فيه عمل جهاز الشاباك الإسرائيلي في جمع المعلومات وزرع العملاء وطرق التحقيق. من خلال هذا الكتاب، أكد السنوار على ضرورة فهم كيفية عمل العدو لتطوير استراتيجيات مضادة فعالة. ويعتبر الكتاب مرجعا هاما لكل من يريد فهم كيفية عمل جهاز الشاباك ودوره في الصراع مع الكيان الإسرائيلي. يهدف الكتاب إلى تسليط الضوء على أهمية الوعي الأمني في مقاومة الاحتلال، وكيفية التصدي لاستراتيجيات التجسس والمعلومات التي يعتمد عليها الاحتلال. وبالمناسبة، كان اسم جهاز كشف العملاء التابع لحماس يسمى “مجد”، وجاء الكتاب بعد ذلك وحمل الاسم نفسه.
اما كتاب “حماس: التجربة والخطأ” للسنوار، والذي يُعتبر تحليلا نقديا لتطور حركة حماس على مر الزمن. من خلال هذا الكتاب، حاول السنوار تحليل تطور الحركة ورصد الأخطاء التي وقعت فيها، بهدف تحسين مستقبل الحركة والاستفادة من التجارب السابقة. الكتاب يعكس نظرة السنوار المستقبلية للصراع مع المحتل، ويقدم استشرافا لمستقبل حماس كأحد أكبر الفصائل المقاومة. كما أنه يتناول كيفية تعامل الحركة مع التحولات الإقليمية والدولية وتأثيرها على مسار الصراع.
اللافت ان السنوار، وفي مطلع الثمانينيات، شارك في تأسيس فرقة مسرحية للفن الإسلامي في مسقط رأسه خان يونس، الى جانب مجموعة من الشباب بإيعازٍ من الشيخ أحمد ياسين، واختاروا “العائدون” اسما لفرقتهم المسرحية، وكان أحد أعضاء هذه الفرقة المسرحية محمد دياب المصري، المُكنى بأبي خالد والمشهور باسم “محمد الضيف”، القائد العام الحالي لكتائب القسام!.
ونحن نتابع الجانب الادبي والفني والروائي في حياة السننوار، استوقفتنا فقرة جاءت في احدى مؤلفاته، جسدها السنوار بحذافيرها في مشهد استشهاده كما نقلته وسائل اعلام صهيونية، فالسنوار وفي هذا الكتاب، يتحدث عن عملية الأسير المحرر أشرف البعلوجي، التي كانت في مدينة يافا المحتلة، ودور الشيخ أحمد ياسين فيها، حيث يقول : “أستاذ الفرسان ومربيهم ورائدهم ورمزهم، ومفجر الفروسية في صدورهم، والبطولة في أفعالهم، والحماس في أرواحهم، والتطلع إلى المجد في أعماقهم الذي دفعهم فعله الأسطورة؛ لأن يطاردوا الموت ويراودوه عن نفسه”. وهو ما فعله السنوار في مشهد استشهاده الخالد.
قبل ان اختم، أنقل ما قاله احدهم، عندما اطلع على هذا الجانب من حياة الشهيد البطل السنوار:” كان للسنوار مشوار آخر في الحياة، لما يمتلكه من مواهب اخرى بعيدة عن الحرب والسياسية، في حال لم تكن ارضه محتلة من قبل العصابات الصهيونية الدموية، المدعومة من الغرب المتوحش، لكن هذا هو قدره، وتلك البوتقة التي تم وضعه فيها بسبب عالم يطلب من الضحية التنازل لصالح الجلاد”.