يجب أن تروض نفسك على العمل وتحمل المسؤولية في أي مرحلة كانت.
يجب أن تروض نفسك على العمل وتحمل المسؤولية في أي مرحلة كانت.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ} ولو تحت اسم آخر، أو تحت ترويض آخر، أو فلسفة أخرى. {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} لا تتجاوزوا حدوده، {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} هنا تجد بأن الدين قدم مسئولية كبيرة، ألم يقدم مسئولية كبيرة وعملية بشكل واسع؟ ليست بالشكل الذي تحول دون أن تأكل من الطيبات؛ لأنه لا يقدم الموضوع وكأنك لازم تضحي بطيباتك، وتضحي بكل شيء، يعني: لا تقرب هذا ولا تقرب هذا ولا .. ولا .. ولا من أجل أنك تقوم بهذه المهمة، مهمة بإمكان الناس أن يقوموا بها بالشكل الطبيعي، إنما يكون بالشكل الذي يتجاوزون الصعوبات التي هم فيها في مسيرتهم العملية، فإن حصل طيبات أكلوا، ما حصل طيبات مشوا، مثلما كان يعمل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) والإمام علي، إن جاء لحم أكل، وإن لم يأت إلا ملح أكل في ملح، وإن جاء شعير ولبن أكل شعير ولبن.
بمعنى لا يقدم التقشف بأنه جانب مهم من الدين، هذه حصلت، حصل قدم وكأنه جانب مهم من الدين، أن تتقشف، وأن تبتعد عن الطيبات، ويقدم لك [كان الإمام علي يأكل شعير وملح وكان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يضع على بطنه الحجر وكان .. وكان .. وكان .. ] فأنت عندما تبعد نفسك عن الأشياء هذه تبقى مؤمنا ضعيفا، لا تستطيع أن تعمل شيئا، وتعتقد بأنك قد أصبحت من أولياء الله، وأنت ترى نفسك في ضعف شديد، قد اصفر لونك. لا .. رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يأكل لحما، ويتحرك، هذا هو العمل الصحيح، تتحرك وتقهر كل الصعوبات التي أمامك، سيقاتل وإن كان جائعا، وإن لم يكن ما يمسك بطنه ليشده إلا حجر يضعها، وليس أنه كان يتعبد لله بالجوع، وباستطاعته أن يأكل لحما، أو تمرا، أو أي شيء آخر أمامه، في متناوله، لا تحصل هذه.
جاؤوا يقدمون لنا في تراجمهم هذه، ويصبح الدين أن يكون الإنسان بهذا الشكل، يترك كذا، ويترك كذا، وكان الإمام الفلاني، وكان رسول الله، وكان الإمام .. والإمام .. وفلان المتعبد. لكن لا، يجب أن يفهموا أنه على هذا النحو، لا تعتقد أن الإمام عليا كان يتعبد لله بأكل الشعير والملح، يتعبد لله بالحركة ولو أدى الأمر إلى أنه لا يلقى إلى ملح وشعير سيأكل ملحا وشعيرًا، أو يضع على بطنه حجراً، ولكن متى ما وجد أكلا طيبا سيأكل، فلا يكون الإنسان منشغلاً يدلل نفسه دائماً همه أنه يحصل طيبات، ولا يكون بالشكل الذي ينقلب على عقبيه، إذا حصل شيء من الشدائد، يعمل إلى الإمام، وستنتهي المسألة إلى أن يتجاوزوا الشدائد، يعمل، لقي طيبات أكل، لقي فراش جيد رقد عليه، لقي بطحاء فوق البطحاء، لقي صخرة فوقها، يلقى شعيراً يأكله، يلقى براً يأكل، لا يربط نفسه بطيبات، يشغل نفسه بروتين معين من الغداء والتخازين والأشياء هذه، ولا يحاول أن يتعبد إلى الله بأشياء قد تكون داخله ضمن هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ} عندما تحمل نفسك على الامتناع وكأنه تعبد، وهذا الذي قدم الزهد هذا! ألم يقدم على هذا النحو؟ معنى التحريم هو منع نفسك وإن لم يكن حكما {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (آل عمران من الآية: 93) منع نفسه من أشياء يمنعها ويعتبر أنه قد صار متعبدًا لله بالامتناع عنها، من أجل ماذا؟ من أجل أنه قد صار يعتبرها دينا في حد ذاتها.
الإمام علي أجاب على من قال: كيف يستطيع أن يقاتل وهو على هذا النحو، إذا كنت أنت تروض نفسك ترويضاً في إطار أن تكون متجلدًا، تتحمل العمل، هذا هو الذي يعتبر عبادة، أن تحاول أن تصبر نفسك على أي شيء، لا تعود نفسك على فراش وثير، ولا على مآكل طيبة، تأكل أي شيء، لا تهتم؛ لتروض نفسك على أن تتحمل أن تعمل في أي مرحلة كانت، فلا بأس، أما أن تكون متعبدًا بنفس هذا العمل لوحده، أن تبتعد عن الطيبات لتقدم وأنت زاهد في الدنيا، وممن هجروا الدنيا، وأولياء الله هم على هذا النحو، وبعدها الجنة، فربما تكون في الواقع ممن يعتدي، أي: يتجاوز، يحصل التجاوز على هذا النحو: تمنع نفسك من أشياء، ثم في الأخير وإذا أنت تتعبد لله بها، وتصبح هي في حد ذاتها عبادة أمامك، وتضعف عن العبادات الأخرى، ولست حولها، ليست ذهنيتك حولها، تكون فقط ترى هذه، وقد صارت هذه هي العبادة الهامة، الزهد في الدنيا، لو لم يجاهد واحد، أليس هذا هو الاعتداء {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة من الآية: 87) التجاوز.
{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً} (المائدة من الآية: 88) هنا يبين أيضًا فيما يتعلق بأعداء الأمة، وأنهم قد يكونون بني إسرائيل، وهذا الذي وقع، أعداء يأتون للأمة من كل مجال يمكن أن ينفذوا إليه، أن مواجهتم قد لا تصل إلى الحالة هذه، يقدر الإنسان بأن الجهاد في سبيل الله ومواجهة أعداء الله يعني: ستقفل مجالات الرزق، كثير كان يعتقد هذه، عندما بدأنا نرفع شعارًا يكون عنده أنهم سيقطعون [البر] علينا، ألم يكن البعض يقولون هكذا؟ طلعوا إلى الأسواق براً آخر، ألم يطلع بر آخر إلى الأسواق؟ لا يقدر الإنسان أنه إذا تحرك في سبيل الله، أو أمام أعداء من هذا النوع الذين هم أعداء، يعملون بكل وسيلة بما فيها الحرب الاقتصادية، أو وسائل كثيرة، أنك عندما تواجههم سيتمكنون من أن يقطعوا رزقك، بل ربما لا يقطعون الطيبات، بل قد تأتي الطيبات عندما تواجههم فعلاً من عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الطيبات هي من عنده، أمطار ينزلها، وبركات ينزلها، وتحصل طيبات للناس.
{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً} جاهدوا وكلوا {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} (المائدة من الآية: 88) أليس هذا من الأشياء العجيبة الآية هذه أن يقول: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً} وبعدها يقول: {وَاتَّقُواْ اللّهَ} هل المعنى أن تتقيه أن تأكل من الطيبات؟! … كل وجاهد، والله قد قدم في القرآن عندما قال: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} قدم بأن العاملين معه لا يخسرون على الإطلاق، إذا ظهرت خسارة فتكون شكلية صورية فقط، يأتي بعدها ما هو أفضل منها بأضعاف؛ ولهذا قال: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} اتقوه، لا تعتدوا تحت أي عنوان كان، واتقوه، لا تقعدوا تحت أي خوف من ماذا؟ ألا يحصل رزق، أو لا تحصل طيبات، أو أشياء من هذه.
لاحظ بعض الناس هنا هم في مقام أن يقال لهم: واتقوا الله، عندما يأتي يريد يأكل براً أمريكيا؛ لأن لونه أبيض، يوجد فيه قليل بياض فهو غير مستعد أن يضحي بقليل لون قد يكون هذا اللون الفارق بينه وبين بر آخر متوفر في السوق وأرخص منه أرقام قليلة جدًا، فهو غير مستعد، يريد الطيبات، هذه هي الحالة السيئة، لا يريد أن يضحي بلون بر مع وجود بر آخر، في سبيل أن يؤثر على العدو، ويقاطعه اقتصاديا، ويكون عاملا في سبيل الله، {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً} وسيوفر لك شيئا آخر، لو تنازلت عن لون في هذا البر، قد يجعل في البر الآخر بركة، وقيمة غذائية لك أحسن من مجرد اللون؛ لأن لون القرص ماذا يعمل لك، هل لون القرص يعطي قيمة غذائية؟ قد يكون لونه معه سموم في الواقع، وقد يكون بر آخر، ما يزال يزرع زراعة طبيعية، وهو أرخص، يكون لونه أسود، قد يكون له قيمة غذائية أفضل، وبعيد عن خبرة تجعله مسمماً، يؤدي إلى أمراض شديدة.
إذًا فالإنسان بحاجة إلى أن يتقي الله حول قضية الأكل من الطيبات، ليس معنى الآية كلوا غصبا، كلوا حلالاً طيباً غصبا، القضية هكذا: اتق الله هنا وهنا، اتق الله أن تحول الطيبات دون أن تعمل في سبيله، واتق الله أن تتعبد بالتقشف، وأنت تمتنع من الطيبات فتعتدي، تصبح من المعتدين، تتعبد بعبادة وهمية، وتكون عبادتك هذه على حساب العبادات الحقيقية، مثلما يقدم موضوع الزهد.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الثالث والعشرون]
ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ 23 رمضان 1424هـ
الموافق 17/ 11/2003م
اليمن ـ صعدة.