وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم.
عين الحقيقة/ كتب / صلاح الرمام
يحتفل المسلمون في مشارق الارض ومغاربها في مثل هذه الأيام من شهر ربيع الاول من السنة الهجرية بذكرى المولد النبوي الشريف … ذكرى ميلاد خير الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، خاتم النبيين … ونعمة الله التي وهبها للبشرية جمعاء فأضاء بها الظلمات وغير مفاهيم الحياة على وجه الارض من خلال بث قيم التوحيد والتكافل، والتسامح، والمحبة في مجتمع سادت فيه قيم الجاهلية البغضاء والاقتتال … لتنتشر بعد ذلك وتعم قيم الرسالة الاسلامية السمحاء في شتى بقاع الارض على مر الازمان لتكون رحمة لبني البشر. ليحق قول الخالق :(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (107_الأنبياء) كما ان خير تكريم وتشريف للنبي الأكرم هو ان ربط الله عز وعلا اسمه الأعظم باسم نبيه الاكرم في شهادة تمثل الركن الاول من أركان الدين الحنيف “اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله” … فما أعظمه من تكريم وما أقدسه من تشريف.
ان الاحتفال بالذكرى العطرة لمولده الشريف إنما هي محطة مهمه لتدبر سيرته العظيمة … والتأسي بأخلاقه الكريمة … فهو القائل “إنما بُعثت لإ تمم مكارم الأخلاق”
فالمولد النبوي الشريف ذكرى عظيمة … وفرصة ثمينة للمسلمين عامة لاستذكار الاعمال الجليلة والمبادئ السامية، والقيم الرشيدة، والمُثل العُليا، التي أرسى قواعدها النبي الأكرم محمد (ص) لتكون مصابيح نور وقناديل هدى ودليل عمل ترسم للمسلمين ملامح الرسالة الاسلامية السمحاء.
وذكرى المولد النبوي الشريف في هذا الوقت بالذات لها طابع مُتميز فهي تُمثل وقفة ومحطة مُتميزة في حياة المسلمين للتأسي بمكارم الأخلاق ونبل الخصال سيما ونحن نعيش في عالم تعصف فيه الْفِتَن وتنعدم فيه قيم ومفاهيم العدالة والصفح والتسامح وتعلو فيه الأصوات الهجينة والأفكار الاقصائية التكفيرية المنحرفة من دعاة التكفير من أدعياء الاسلام والإسلام ورسوله منهم براء….
هذه الأيامُ تحل علينا ذكرى مولد الرسول الهادي والنبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم، تلك الذكرى المُباركة التي تُذكِّرنا بميلاد هذا الإنسان العظيم الذي غيَّرَ مجرى التاريخ، وحقق العدلَ والرحمةَ في المجتمع الذي عانى الظلم والاستبداد والجَوْر وشتى الأمراض الخُلقية ردحا من الزمان قبل بعثته، وأزال الجهل ونشر العلمَ ورسَّخ الإيمانَ في نفوس الناس وقضى على العصبيات والقوميات، وأنقذ أجيالا من الجاهلية ومن براثنها، وقاد البشرية نحو العزة والسُؤدد، حتى أصبحت أمتُه خير أمة أُخرجت للناس، ملَكَتْ أزمِّة القيادة، ونالت درجات الريادة، وضربت للعالم أروع الأمثلة في كل المجالات، هَزمَت الكُفار، وفتحت الأمصار وغرست منهج الله في النفوس ومكنَتْ له في الأرض…..
وإننا إذا عرفنا شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وآلة وسلم وحُسْنَه وإحسانَه، ونُعوتَه وصفاتِه وشمائلَه امتلأ القلب بمحبته وتعظيمه وهاج الشوق إليه، وازداد التعلق به، وزال الضُّعف الإيماني والجفاف الروحي وذهبت الجفوةُ والقسوة القلبية، وتهذبت الأخلاق، وتطهرت الأرواح، وامتلأتِ النفوس بالتعظيم، وانشرح الصدر وانجلَتِ الهموم عند تجلي تلك المحاسن….
إنه لمن الواجب على كل البشر معرفة هذا الإنسان وهذا النبي العظيم رسول البشرية وخير البرية النبي محمد صلى الله عليه وآلة وسلم الذي لم تعرفِ البشرية قبله ولا بعده مثله أبدا، أَحَبَّه الله تعالى واصطفاه على كل خلقه، وشرَّفه بخاتمة رسالاته، ووصَفَه بمكارم الأخلاق في قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم) وحلاَّه بمزايا الصفات، أحبّ الناسَ عامة، وأحَبَّ لهم الخير وسعى لهم فيه، وأُوذي في سبيل ذلك، وكان يهتم ويغتم على عدم استجابة بعضهم لدعوته….
إن معرفة الرسول في حد ذاتها خدمةٌ لجنابه الكريم وتذكير للنفس أولا ولغيرها ثانيا- بفضله وتعريفٌ به وثناء عليه وتعظيمٌ لقدره وتقربٌ منه واكتسابٌ لمحبته وإعانة على شهود ذاته بذكره وتذَكُّر أحواله.
إن من أهم الأشياء التي يحصل عليها الناس من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف اننا نتذكره صلى الله عليه وآله وسلم ونذْكُره في ذكرى مولده كي تتجسد فينا تلك الشخصية النبوية النورانية سلوكا إيمانيا، وعملا جهاديا، وحتى نكتشف من خلال دراسة سيرتِه أسرارَ منهاجه في التربية والتعليم، وفي التنظيم والجهاد، ما يرفع العبد إلى مقام الإحسان، والأمة إلى حيث تنال شرف الاستخلاف في الأرض….
إننا حينما نتحدث عن رسول الله (ص) نُذَكِّر الناس بنعمة عظيمة، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم نعمِ الله على العالمين، وما عرفتِ البشرية نعمةً أعظمَ ولا أجَلَّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عظيمُ القدر اجتمعت فيه كل المحاسن والسجايا الحميدة، وله من الخصائص ما ليس لأحد، وحاز من الفضائل والكمالات ما لم يكن لأحد قبله ولا بعده لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس خلقاً، وأجود الناس صدراً وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرةً، وقد قال أحدهم بعد أن التقى به: والله لقد دلني على هذا النبي الأمي، أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويفي بالعهد، ويُنجز الوعد.
لقد رأى أصحابه رأي العين، كل فضائله ومزاياه، رأوا طهره وعفافه، رأوا أمانته واستقامته، رأوا شجاعته وثباته، رأوا سمّوه وحنانه، رأوا عقله وبيانه، رأوا كماله كالشمس تتألق في رابعة النهار، فالذين بهرتهم عظمته لمعذورون، وإن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون، فأي إيمان، وأي عزم، وأي مضاء، وأي صدق، وأي طهر، وأي نقاء، وأي تواضع، وأي حب وأي وفاء..
اننا عندما نتحدث عن الرسول محمد (ص) فإننا نتحدث عن رجلاً عابداً متحنثاً و قائداً فذاً شيد أمة من الفتات المُتناثر، وكان رجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش، وكان أباً عطوفاً، وزوجاً تحققت فيه المودة والرحمة والسكن، وكان صديقاً حميماً، وقريباً كريماً، و جاراً تشغله هموم جيرانه، وحاكماً تملأ نفسه مشاعر محكومية، يمنحهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم، كما كان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل، وتغلغلت في كيانه كله، ورأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها، ورأوها متمثلة فيه، و لم يقرؤها في كتاب جامد بل رأوها في بشر متحرك فتحركت لها نفوسهم، وهفت لها مشاعرهم، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم كل بقدر ما يطيق، وهذا ما نحن بحاجة اليه اليوم وهذه هي بعض من صفات تلك الشخصية الفريدة من نوعها على وجه الأرض إضافة إلى أنه يُمثل لمن كان قبلنا ونحن ومن يأتي بعدنا أكبر قدوة للبشرية جمعاء في تاريخها الطويل من يوم مولده إلى قيام الساعة وصدق الله القائل ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم).