وكالة القدس للأنباء : المشهد في باب المندب : تحول استراتيجي على المستوى العالمي .. وتأثير الجبهة اليمنية المساندة لغزة أشدّ وطأة على كيان العدو ومَن يقف وراءه
المشهد في باب المندب… تحول استراتيجي وتأثير التهديدات اليمنية على الاقتصاد العالمي والسياسة الإقليمية
بعد الارتقاء الذي تجسَّد في استهداف السفن التي هي على علاقة بالكيان “الإسرائيلي”، تدخل المواجهة مرحلة جديدة، ربّما تأخذ إلى مآلات أشدّ وطأة على كيان العدو ومَن يقف وراءه. فقبل عملية “طوفان الأقصى” كانت هناك عدة مسلمات تخص أمن وسلامة التجارة الدولية ومساراتها المهمة، ومن بينها مضيق باب المندب على البحر الأحمر، حيث مرور السفن العابرة من دول الخليج النفطية إلى أوروبا وآسيا.
ولكن في واحدة من صور التوظيف الجيوسياسي، وتحديدًا في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قلبت القوات المسلحة اليمنية تلك المسلمات رأسًا على عقب، واستهدفت أكثر من سفينة لها علاقة مع العدو “الإسرائيلي”، وذلك في محاولة للضغط عليه لوقف الحرب على غزة والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى القطاع المحاصر. فلم يكتف اليمن باحتجاز إحدى السفن المملوكة لرجل أعمال “إسرائيلي”، بل تواصل استهدافها السفن التي تحمل بضائع ومنتجات للإحتلال، وهذا ما أثر بشكل واضح على حركة السفن في تلك المنطقة.
فما هو تأثير العمليات اليمنية على الاقتصاد العالمي؟
بدايةً، لمعرفة الجغرافيا الاقتصادية لباب المندب، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذا المضيق يلعب دورًا حيويًا في التجارة العالمية؛ والممرات البحرية، فمضيق باب المندب، يعتبر ركنًا أساسيًا وصلة وصل للعالم يمرّ منه حوالي 14% من التجارة العالمية. ويتم نقل يوميًا حوالي الـ7 ملايين برميل نفط إلى أوروبا، إضافةً إلى المرور عبره ما يقارب 12% إلى 14% من إمدادات الغاز في البحر الأحمر، ويشهد أيضًا مرور حوالي 26 ألف سفينة سنويًا.
تمتد تأثيرات باب المندب إلى العديد من الجوانب الاقتصادية، فهو يلعب دورًا مهمًا في تحديد أسعار المواد الأولية ونقلها، حيث تعتمد الصناعات الغربية بشكل كبير على المواد الأولية التي تمر عبره. ويُعتبر أيضًا حيويًا في صناعة الكيميائيات، إذ تنتج العديد من المواد الكيميائية في الشرق ويتم إرسالها إلى الغرب عبر هذا الممر الاستراتيجي.
من ناحية أخرى، تؤثر الأوضاع في باب المندب على البعد الاقتصادي بشكل كبير، بما في ذلك ارتفاع رسوم التأمين لشركات الشحن التي تعبر منه، مما يزيد من تكاليف النقل البحري. وقد أدى هذا إلى وصول بعض الشركات إلى حافة الإفلاس نتيجة لهذه التكاليف الإضافية. أمّا البديل الذي اعتمدته بعض الشركات فكان تغيير مسار النقل عبر رأس الرجاء الصالح، وهو خيار يزيد من تكلفة النقل البحري للسلع بشكل ملحوظ. كما أنّ تأثيراته تشمل جوانب تمتد إلى النقل الجوي والبحري وصولًا إلى السياسة. فالزيادة في تكلفة النقل الجوي ترتبط بتعقيدات وتأثيرات اقتصادية مباشرة على التجارة الدولية.
سياسيًا، هذا المشهد أثّر بشكل كبير على العدو الإسرائيلي لأنه كان له الدور الأساسي في شلل مرفأ إيلات. وشلل مرفأ إيلات يعني شلل مرفأ يشكل 30% من الناتج المحلي عند العدو الإسرائيلي، وبالتالي تسكير المعبر وعدم وصول السفن إليه والتأثير عليه، في وقت كان يقوم بتصدير 14 مليار دولار سنويًا إلى جنوب غرب آسيا. أمّا آليات النقل التي كان يحتاجها هذا الكيان فهي أيضًا كانت تمر عبره، ما أثّر بشكل أساسي على عمليات الاستيراد والتصدير. وتجدر الإشارة إلى أنّ مرفأ إيلات أدّى دورًا أساسيًا في استيراد الأمن الغذائي الاجتماعي، حيث كان يُستورد عبره ما يقارب 45% من الاحتياجات الغذائية الاجتماعية.
علاوة على ذلك، أدى شلل المرفأ إلى تأثيرات سلبية كبيرة على الاستثمار السياحي واستثمار المرافئ والنقل وشركات التأمين. فغياب هذه الاستثمارات في هذه القطاعات الحيوية أدى إلى تسريح جميع العاملين في المرفأ، وسبب أذى كبيرًا للاقتصاد “الإسرائيلي”. وفي نفس الوقت، لم تؤثر بمعنى على اقتصاد ما يعرف اليوم بتكوين اقتصاد الشرق. بل وأجبر هذا الحدث شركات التأمين والسفن التي تمر عبر باب المندب على اتخاذ إجراءات جديدة، مما أضاف تعقيدات وتكاليف إضافية على عمليات الشحن والنقل البحري. وهذه الإجراءات الجديدة تضمنت ارتفاع تكاليف التأمين وإجراءات أمنية مشددة، انعكست على حركة التجارة والنقل في المنطقة.
وتتجلى قيمة الحدث الاقتصادي في فهم العلاقة الوثيقة بين الاقتصاد والسياسة، حيث يُعتبر الاقتصاد جزءًا لا يتجزأ من السياسة، وهو يؤدّي دورًا رئيسيًا في تحديد الأبعاد السياسية وتعقيد أو حل الأمور السياسية تبعًا للحاجة الاقتصادية. في هذا السياق، يتضح أن باب المندب يُشكل نقطة حيوية لها تأثيرات بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي، وخاصة على الاقتصاد الأوروبي.
فالصرخة ستتنامى في أوروبا، خاصة في ظل ارتفاع نسبة التضخم، وزيادة البطالة في أوروبا، وهي مرتبطة بشكل أساسي بالواقع المعيشي.
وهذا الضغط الاقتصادي يفرض على الحكومات الأوروبية البحث عن حلول فعّالة لمواجهة هذه التحديات.
على أيّ حال، يمكن القول إنه في ظلّ قواعد الاشتباك التي أرساها “محور المقاومة” والمفتوحة على سقوف وسيناريوات متعدّدة، وبعد الارتقاء الذي تجسَّد في استهداف السفن التي هي على علاقة بالكيان “الإسرائيلي”، تكون المواجهة قد دخلت مرحلة جديدة، ربّما تأخذ إلى مآلات أشدّ وطأة على كيان العدو ومَن يقف وراءه. وعليه أن يهيّئ نفسه لمزيد من المفاجآت على مستوى القدرات والتكتيكات.
أسماء بزيع – وكالة القدس للأنباء