ورطة العدوان على اليمن.. مخاوفُ من حريق إقليمي أوسع
تراجَعَ الخطابُ الأمريكي الداعمُ للعدوان على اليمن مع وصول “بايدن” إلى البيت الأبيض، متحجِّجاً بالرغبة في إنهاء الحرب لاعتباراتٍ إنسانية يعملُ على تسويقِها لتجميلِ الوجه القبيح لأمريكا في اليمن.
بالتأكيد، فَـإنَّ الأمرَ ليست له علاقةٌ باعتبَار إنساني، بدليل أن العدوانَ على بلادنا أُعلن من واشنطن عام 2015 إبان حكم الديمقراطيين، وفي بداياته ارتُكب بحق شعبنا أبشع الجرائم على الإطلاق دون أن نسمع حديثاً أَو ضجيجاً أمريكياً أَو غربياً أَو دوليًّا تجاه ما يحدث من كوارث إنسانية حلت بنا من ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
إذن.. ما الذي يريده الأمريكيون بالضبط من وراء هذه الدعوات لإيقاف الحرب؟
بالنسبة للدواعي الإنسانية، فليست حقيقية، وإنما تقف وراء هذه الدعوات عدة أسباب، قد تدفع الأمريكيين وأدواتهم في المنطقة لإيقاف العدوان العسكري على بلادنا، مع الإمساك بأدوات كثيرة لاستمرار حربهم الشاملة على الشعب اليمني، وفي مقدمتها استمرار الحصار الخانق.
من أبرز هذه الأسباب، الفشل السياسي، كما تؤكّـد دراسة أعدها مركز الاتّحاد للأبحاث والتطوير (feed)، والتي تؤكّـد أن العدوانَ على اليمن لم يحقّق أهدافاً، وإنما تسبب في أكبر مأساة إنسانية في العالم دفع ثمنها الشعب اليمني مع تدمير للبنى التحتية.
وتؤكّـد الدراسةُ التي جاءت بعنوان: “إمْكَانية وقف الحرب باليمن وتداعياتها” أن الاستنزافَ العسكري لقوى العدوان أحدُ الأسباب الرئيسة التي تُجبِرُ أمريكا على وقفِ حربها على اليمن، حَيثُ لم تحقّق هذه الحملة سوى نسبة عالية من الخسائر المدنية، وأفقدت المرتزِقة مساحة واسعة كانوا يحتلونها في نهم والجوف، والآن على وشك فقدان مأرب، إضافة إلى تراجع التأييد السعودي بعد أن طالت العمليات العسكرية وتشتت أهدافها وأصبحت غير مفهومة للغالبية من السعوديين، كما أن من أهم أسباب إيقاف الحرب هو فشلُ السعودية في حماية منشآتها الحيوية والنفطية من خطر الصواريخ الباليستية والطيران المسيّر اليمني.
وتعد قوةُ الردع الاستراتيجية التي يمتلكُها أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة وقدرتُهم على المواجهة، والدخولُ في عمليات واسعة تجبر العدوان على “الصراخ” وعدم “الصمت” واحدة من ضمن الأسباب التي تجبر العدوان على التفكير ملياً في عدم جدوى الاستمرار في معاركه العبثية باليمن.
كان وزير الدفاع الأمريكي السابق، جيمس ماتيس، قد سبق بايدين من عدم جدوائية الاستمرار في العدوان على اليمن؛ لأَنَّها لن تقودَهم إلى انتصار، وحذر من أنه من المرجح أن تتوسع، مما يعرض دول الخليج نفسها للخطر، ويهدّد بجر الولايات المتحدة إلى حريق إقليمي أوسع؛ ولهذا لم يعد أمام قوى العدوان سوى محاولة البحث عن مخارجَ سياسية بدلاً من الخيار العسكري الذي فشل تماماً، لكن إنهاء العدوان في ظل الوضعية “المريحة” عسكريًّا لصنعاء، لا يتقبله الأمريكيون وأدواتهم، وهو ما يصعّب الأمر عليهم.
وتؤكّـد الدراسةُ أن المِلفَّ اليمني أصبح في وضعه الحالي شبيهاً بملف المقاومة في لبنان ما بعد انتصار تموز 2006، وأن اليمن أصبح بفضل مقاومته وأدوات الردع التي يمتلكها أحدَ أخطر الأوراق التي فيها تهديدُ الكيان الصهيوني المحتلّ لفلسطين، معتبرة أن من أخطرَ ما جناه الأمريكيون من العدوان على اليمن هو أن اليمنيين امتلكوا مشروعيةَ “صناعة الأسلحة” واكتساب أدوات الردع وهذا هو الأخطر ما في الأمر.
ولأن المسألةَ معقدة، بالنسبة للأمريكيين، سواءً توقفت الحرب أم استمرت، فَـإنَّ اليمن قد أصبح قوةً إقليميةً في المنطقة لا يمكن القفزُ عليها أَو تجاوزها، وأنها ستظل تمثل هاجساً قوياً بالنسبة للأمريكيين والصهاينة والسعوديين.
صحيفة المسيرة