واشنطن «تقصف» مسار السلام: صنعاء نحو المواجهة الأوسع
بعد دخول اليمن فصلاً جديداً من المواجهة مع الولايات المتحدة، يبدو أن تحوّلات كبرى ستلقي بظلالها على المشهدين العسكري والسياسي في البلاد. والظاهر أنّ ملف عملية السلام، والذي ظلّ يراوح مكانه لما يقارب العامين، بات في طريقه إلى الانهيار على وقع الضربات الأميركية ضد صنعاء. على أنه لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى الأخيرة، العدوان الأميركي – البريطاني، عبر سلسة عمليات استهدفت مواقع ومعسكرات غير مأهولة؛ إذ إن صنعاء كانت تتوقع الحرب الشاملة على اليمن منذ أول هجوم شنّته على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، خصوصاً أن الطريقة الوحيدة التي يمكن الرهان عليها أميركياً، لتغيير المعادلة الميدانية القائمة في اليمن، هي خوض الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الدوليون والإقليميون، فضلاً عن المحليين، حرباً شاملة جوية وبرية، على غرار السنوات الأولى من الحرب، أو على الأقل بطريقة الحرب التي أشعلوها مطلع عام 2018 في الحديدة.غير أن صنعاء، ووفقاً لخبرات متراكمة في التعاطي مع تهديدات من هذا النوع، لم تترك عديدها وعتادها في معسكرات معروفة ومكشوفة. وبالتالي، فإن كل حديث عن استهداف مصانع التصنيع العسكري، يندرج فقط ضمن الدعاية والاستهلاك السياسي والإعلامي. وعلى أي حال، يبدو أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب شاملة بقدر ما تهدف إلى إشعال النار في ملف إنهاء الحرب، والدفع إلى تسعير الأوضاع مجدداً في اليمن، بما يخدم الموقف الأميركي الرافض لعملية السلام، ولخروج السعودية من هذا البلد ضمن التسوية المرتقبة، والتي ترى واشنطن ومعها أبو ظبي أنها أقرب إلى الهزيمة، وتأتي على حساب الأطراف الموالية لهما.
العدوان كان في جانب منه اعتراضاً على التسوية المرتقبة، والتي ترى فيها واشنطن وأبو ظبي هزيمة كاملة
وبدخول صنعاء فصلاً جديداً من المواجهة مع واشنطن، يبدو أن ترتيبات السلام باتت على المحك. ليس هذا فقط، بل إن بنود الهدنة، المعلن منها وغير المعلن، باتت هي الأخرى في مهب الريح، خصوصاً أن الولايات المتحدة، في الأشهر الماضية، قد أماطت اللثام عن دورها المباشر السياسي والعسكري والأمني في اليمن، وباتت تتحكّم في المشهد في المحافظات الواقعة تحت سيطرة السعودية والإمارات. إذ عبر مجلس «القيادة الرئاسي»، طوّعت الأجهزة العسكرية والأمنية تحت قيادة رئيس المجلس، رشاد العليمي، مانحة المكونات السياسية الموالية لأبو ظبي دعماً مفتوحاً، خصوصاً منها «المجلس الانتقالي الجنوبي» و«المقاومة الوطنية».
لكن التطورات الأخيرة ستفسد على واشنطن تلك الترتيبات، خصوصاً أن رد صنعاء سيلقي بظلاله على المكوّنات المحلية المناوئة للأولى، ليس فقط في الوقت الراهن، ولكن حتى مستقبلاً، إذ لن يستقيم أي حديث عن دمج تلك الأطراف في شراكة وطنية في ظل العدوان الأميركي على البلاد. وما يعزز التقدير المتقدّم، أن معركة صنعاء لم تعد فقط لكسر الحصار عن غزة، ولكنها أيضاً، في موازاة ذلك، معركة لرد العدوان الأميركي، في البحر والبر، بحسب تصريحات الناطق العسكري، يحيى سريع، الأمر الذي سيوسّع من رقعة المواجهة لتشمل أهدافاً للوجود الأميركي والبريطاني في شبوة وحضرموت وسقطرى والمهرة.
وفي رأي محللين، لن تقتصر المواجهة مع واشنطن وحلفائها، على جانبها العسكري، بل ستفتح صنعاء أبوابها لتحالفات جديدة في مواجهة الواقع الجديد، ولا سيما أنها بحربها في البحر الأحمر، ردمت الهوة بينها وبين عدد من الفصائل والقوى المحلية، في ظل تعاظم ردود الفعل، شعبياً وسياسياً وإعلامياً، المؤيدة لإغلاقها الملاحة في وجه إسرائيل، والرافضة للعدوان الأميركي على اليمن.