هُنَا يَختِلْ!
عين الحقيقة/كتب/ د/ مصباح الهمداني
قيلَ والعُهدة في العدَدِ على الراوي؛ بأن طارق زار الخوخة عشر مرات، ولا يهُم العدد، زيادةً أو نقصًا، ولكن ما يهمنا أنَّ عفاش وطارق كانا حريصين أشد الحِرص، أن تكون حماية الخوخة، تحتَ سمعهما وبصرهما، لما تتمتَّع به تلكَ الجوهرة الصغيرة من سواحلٍ خلابة، ومنتجعات تحكي ألفَ ليلة وليلة، ومن زار الخوخة سيرى تلكَ المزارع الكبيرة، والفلل والشاليهات الخاصة، والتي لا يملكها إلا الخاصَّة من اللصوص الخاصة.
تسابقَ في ليلةٍ ظلماء، وبتواطئ ظالم؛ حثالات البشَرْ، من أجناس وأصقاع الأرض، إلى تلكَ البقعةِ الطاهرة، والتمَّ الجميعْ في مراكبِ الخيانة، بعدَ أن دسَّ الغازي في جيوبهم، بعض النقود، كلٌ حسبَ وزنه ومعياره، فالجنجويدي والأجنبي من 1500 إلى 2000ريال، والجنوبي من 500 إلى 1000 ريال، وقذفَ بهم في ساحِلِ الخوخة، ليلتقفهم إخوةٌ لهُمْ في الرذيلة، تلقوا إشارة البداية، والتي تمَّ ضبطها وبرمجتها في الزيارات المتكررة، ولأنَّ زعيمهم قد قضى نحبَه، فقد خرجوا من الخِيانةِ بلا ألفٍ ولا خمسمائة، ولم يستقبلهم الجنجويدي بكلماتِ الشُّكرِ والعِرفان، بل استقبلهم بالإهانة والإذلال، وجمعوهم في غرفٍ معزولة، تحت رقابةٍ وحراسة، وسيلٍ من التهديدات والشتائم، وتلكَ عادة للجنجويد في كلِّ أرضٍ يطئوها ومع كلِّ بشرٍ يلتقوه.
لم يكُن الأشبالُ، من رجال الرجال ببعيدٍ عن المؤامرة، ولكنهم تلقوا الطعنة، كما تلقَّتها صنعاء، واستراحوا مع الليلِ خلف الكُثبان، يُراقبون عملية البيعِ والشراء، وخاتمةُ السوءِ التي مُني بها البائعون، كانَ الليلُ دافِئًا، وأكثرُ دِفئًا حينَ جمَعهُم لأولِ مرة في تلكَ الكُثبان الرمليةِ الناعمة.
تفقَّدوا في تلكَ الليلة جميعَ رِفاقهم، وتفقَّدوا كذلكَ سلاحَهُم، ووضعوا خِططهم.
درَسَ رجال الرجال كل الاحتمالات المتوقَّعة، وأدركوا بفطرتهم الطاهرة، وقلوبهم المُخلصة، ونيَّتِهم الصَّادقة، أنَّ الغزاةَ لا منفذَ لهُم، ولا مخرجَ لديهم، وهم محاصرون من كلِّ جانِب إلا من اتجاهٍ واحد. وجاء الأعداء مِن حيث لا منفذَ لهم سواه، وكان الرجال بانتظارهم.
كانَ الغزاة والمرتزقة بأطقمهم المسلحة و مدرعاتهم الحصينة ، وبكل أنواعِ السلاح. تقدموا يقودُهم الذُّعر، ويحيطُ بهم الخوف، ويتغشاهم الرُّعبْ، وتظللهم الطائرات الحربية والزنانة والأباتشي.
اقتربَ الغُزاةُ ونِعالهُم الرخيصة، وهم يترقَّبون أي مفاجأة؛ حتى لم يكد بينهم وبين رجال الرجالِ إلا مآت وفي بعضها عشرات الأمتار، وفي تلك اللحظة؛ خرج الأشبال رجال الرجال، هذا بباوزكته، وذاكَ برشَّاشه، وآخرُ بقناصته، ورابعٌ بالصاروخ، في منظرٍ تُفاخِرُ به الملائكة، ولأن المسافات قصيرة، فلم يعُد الطيران يدري ما يفعل، أُعطِبَتْ المُدرعات، واشتعلتِ النيرانُ في الأطقم، وتفجَّرتْ الدبَّاباتْ بمن فيها، وقامتْ القيامةِ على الغزاةِ وعبيدهم، وفرُّوا تاركين سياراتهم ومجنزراتهم وأسلحتهم، يبحثون عن النجاة، تحتَ ظل شُجيرة ، أو في حفرةٍ صغيرة.
كانتِ المُعجزة هي التي تملأُ المكان، وتحيطُ بالمعركة، فأعدادُ المدرعاتِ والأطقمِ والمجنزرات أضعافُ أضعافُ أولئك الفتية المُقاتلون!
كانوا أقلَّ من العشرة، وأحبطوا تقدُّمَ زحفٍ كبير!
كانوا أقلَّ من العشرة، لكنهم أحرقوا كل السيارات والمدرعات، والمجنزرات!
كانوا أقلَّ من العشرة لكنهم كجيوشٍ جرَّارة!
كانوا أقلَّ من العشرة لكنهم كما يقولُ الجنود السعوديون نراهم كثير كثير وكأنهم مآتٌ أو آلاف!
هُناكَ في يختِلْ حدثَتْ مُعجِزة كما تحدُثُ في كل جبهة، على يدِ أشبالٍ غالبيتهم لم يعصِ الله معصية، ولَمْ تتنجَّس جوارحهم بذنبْ، ترى الجنَّةَ في وجوههم، والإيمانَ في جِباههم، والعِرفانِ في كلماتهم!
إنَّ ما حدثَ في يختِلْ يحتاجُ منَّا أن نُشاهدَه مرَّاتٍ ومرَّات لنشكر ونسبِّحْ، ونُخبِرَ العالَمَ؛من نحن!
في يختِلْ كسَرَ أشبال وأبطال اليمنْ، جبروت وكِبرْ وحِقدْ ومؤامرة 17 دولة ومرتزقتهم.
بأولئك الأبطال يتحقق النصر في كل جبهةٍ ومواجهة، وحينما نتعمَّقُ أكثر في تفاصيل أي معركة يخوضونها؛ لا نستطيعَ إلا أن نردد:هو الله!
فشكرًا لله ولأولئك الرجال؛ بل رجال الرجال، وشكرًا لكل أمٍّ وأبٍ وأختٍ لهم في أولئك صلةٌ أو رحِمْ!