هل سيؤدي تصنيف حركة “انصار الله” ارهابية الى إشعال فتيل حروب في اليمن؟

في اليوم الثاني لدخوله البيت الأبيض، أعادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حركة أنصار الله اليمنية إلى قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية” من الدرجة “الأولى” ( FTO ) ضمن أكثر من 80 توقيعا وقرارا “وعد” ترامب باتخاذها إذا عاد إلى الرئاسة الأمريكية، وجميعها أو على الأقل الأغلب منها نقاط خلاف تكرر ذكرها طوال السنوات الماضية، وهي كذلك في المقابل مثيرة للجدل بثلاث خلفيات بارزة وأخرى لربما ثانوية:
ـ الأولى: أخلاقية وإنسانية على غرار الحرب على المهاجرين الذين يصفهم ترامب ” بالغزاة “وترامب يفعل ذلك لإرضاء” العنصرية الشعبية الامريكية الطاغية ” وكذلك الشعبوية، وهؤلاء هم جمهوره، على أن البعد الاقتصادي ليس كبيرا، بل ووفقا لدراسات واحصاءات نشرتها العديد من الصحف ومراكز الدراسات من بينها وكالة بلومبيرغ ونيويورك تايمز ونشرت عقب فوز ترامب فإن ملايين المهاجرين المنخرطين في سوق العمل الأمريكي يمثلون محركا مهما في القطاعات الصغيرة والمتوسطة، عدا ان ترحيلهم يحتاج إلى كلفة مالية تتجاوز 100 مليار دولار.
ـ الثانية: وهي الأغلب وحتى الأخطر من منظور ديمقراطي وبعض الجمهوريين المناهضين لتيار الانعزالية التي يتزعمه حاليا ترامب على غرار الموقف من أوروبا ودفعها للإنفاق على حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى 5% من الناتج المحلي بدلا من النسبة الحالية التي تصل إلى 2% في وقت قال الحلف في الأشهر الاخيرة من العام المنصرم 2024 أنه يحتاج إلى رفع الميزانية المالية للحلف بنسبة 12% لتصل إلى 200 مليار يورو بسبب ما أطلق عليه ارتفاع التهديدات خصوصا عقب الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا.

في مقال سابق كتبته السياسية الامريكية المخضرمة كوندوليزا رايس (جمهورية) ونشر في مجلة “فورين افيرز” الأمريكية حول مخاطر “الانعزالية” تحت عنوان، لا يزال العالم بحاجة إلى أمريكا، أفردت رايس مساحة كبيرة للحديث عن مخاطر ما اطلقت عليها (الإمبراطورية الروسية تولد من جديد) في إشارة إلى التحركات الروسية خلال السنوات الماضية من السيطرة على القرم 2014 إلى الحرب المستمرة في اوكرانيا، والمدلول الأهم يتعلق بتوسيع دعم الناتو والحفاظ عليه، وذلك خلاف استراتيجية إدارة ترامب المقلقة للدول الأوربية.
الخلفية الثالثة والتي يأتي ضمنها إعادة تصنيف أنصار الله في اليمن كمنظمة “ارهابية” اجنبية: تتعلق بعودة “سياسة الحافة” والضغوط القصوى على الجمهورية الإسلامية في إيران وبالضرورة محور المقاومة مقابل الحصول على المزيد من الدعم والاستثمارات السعودية والخليجية وقد تحدث ترامب بشكل واضح ورفع توقعه في الحصول على 600 مليار دولار من المملكة العربية السعودية إلى واحد تلريون دولار – 1 بليون دولار – وهذا الرقم يشكل نصف قيمة “العملاق الاقتصادي السعودي أرامكو” ومضاف إلى الحصول على الأموال والاستثمارات الاستمرار في مشروع دفع السعودية إلى تطبيع العلاقة مع “إسرائيل”.
هذا الملف أو كلما يتعلق بالشرق الأوسط الأدنى وبالتحديد غرب آسيا فإن القارق ليس كبيرا بين بايدن وترامب، فالأول لم يخرج عن هذا المشروع بما في ذلك عدم العودة إلى خطة العمل المشتركة بين إيران والدول الـ5 زايد 1، الاتفاق النووي الإيراني – وكذلك الدعم الأمريكي العسكري والدبلوماسي المفتوح لكيان العدو الإسرائيلي، وقد انتهى هذا الأخير إلى تورط واشنطن وعواصم أوربية في المشاركة بأعنف إبادة خلال العقود الماضية ، الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة.
ومن المفارقات التي ستخدم “استراتيجية ترامب” إن أدرك ذلك أن عودته إلى البيت الأبيض تتزامن مع سحب “إسرائيل” الأبن المدلل للولايات المتحدة الامريكية من هزيمة مذلة في غزة ولبنان واليمن استمرت تفاصيلها 15 شهرا، ومن الجيد أيضا أن فريق ترامب شارك في عملية الإخراج هذه، بل ويعتقد ترامب بأن فوزه في الانتخابات كان “عاملا” رئيسيا حاسما في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة.

بخلاف ما ذهب إليه البعض بكون الخطوة الامريكية بشأن اليمن مؤشر على الترتيب لحرب أو إعادة الحرب السعودية اليمنية مرة أخرى إلى الواجهة وهذه المرة بمشاركة أمريكية بريطانية اسرائيلية أكثر فعالية انتقاما لمشاركة اليمن عسكريا في إسناد غزة وتمكن صنعاء من قطع الملاحة “الإسرائيلية” عبر البحر الأحمر وإجهاض فعالية التحالف الذي كونته واشنطن “حماية الإزدهار” فإن الواضح أن ذلك أي الخطوة الأمريكية في اليمن مؤشر على انتهاج سياسة الضغط والحصار ومحاولة العزل بالتزامن مع فتح أبواب للحوار للحصول على تنازلات ، سيحدث ذلك مع المحور من صنعاء إلى طهران ومن غزة إلى بيروت وبغداد .
تشعر الرياض ولو نسبيا أن الأحداث الأخيرة ضمن معركة طوفان الأقصى قد حققت بعض التراجع الإيراني وتحديدا في لبنان وسوريا مكنها من العودة إلى دمشق وبيروت ، وقد بدا ذلك جليا في زيارة ” الخارجية التابعة للشرع في دمشق ” للرياض وزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحات لأول مرة منذ 14 عاما إلى بيروت ، وبالتالي فإن المأمول سعوديا أن تؤدي دفعة من الضغوط الاقتصادية والسياسية وحتى “الاستهدافات العسكرية المحدودة ضد اليمن” إلى تنازلات تسمح بعودة جزئية لحلفائها عبر مفاوضات سياسية تفضي لفترة انتقالية يشارك فيها ما تطلق ” الشرعية اليمنية ” وهو مسار طويل يستغرق سنوات .
ومع ذلك لا يمكن استبعاد أن يحدث ايعاز أمريكي سعودي بتحريك جبهات عسكرية داخلية متوقفة منذ أبريل 2022 بهدف زيادة الضغط على صنعاء، على أنه لا يملك أحد ضمانة أن تبقى الحرب داخلية يمنية يمنية، ذلك سوء تقدير سعودي وامريكي سابق انتهى إلى نتائج وخيمة بالنسبة هي الآن جزء من التعقيدات في التعامل مع اليمن الجديد بقيادة أنصار الله وحلفائهم أبرز ملامحه أنه صعد من دولة تعرضت لحرب وحصار واسعين ولسنوات إلى لاعب إقليمي بصواريخ فرط صوتية.

طالب الحسني :كاتب وصحفي يمني

قد يعجبك ايضا