هل زوّدت روسيا اليمن بصواريخ “ياخونت” فعلاً؟

 

كثر الحديث، في الآونة الأخيرة، عن رغبة موسكو في تزويد اليمن (الحوثيين) بصواريخ بحرية متطورة مضادة للسفن ردًا على دعم واشنطن المتواصل لأوكرانيا والإعلان عن تزويد الأخيرة بصواريخ طويلة المدى يمكن أن تضرب العمق الروسي.

الخبر أعلاه نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، في شهر تموز/يوليو من العام الجاري، على صيغة تحذير من وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه”. وروسيا بالطبع لم تنفِ أو تكذب الخبر، لأنه المطلوب إيصاله إلى البيت الأبيض استنادًا إلى تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في شهر حزيران/يونيو، توعد فيها بتقديم أسلحة إلى دول ثالثة تستخدمها لضرب المصالح الغربية، في حال أجاز الغرب لأوكرانيا أن تضرب روسيا بصواريخ بعيدة المدى.

في الواقع؛ ما من دولة في العالم أو طرف يخوض معركة ضد القوات الأميركية سوى اليمن باستهدافه الناقلات والسفن الحربية وحاملات الطائرات الأميركية التي تحاول فك الحصار عن موانىء فلسطين المحتلة وحماية إمدادات العدو “الإسرائيلي” التجارية دعمًا واسنادًا لغزة. وعطفًا على ذلك؛ تسريب أنباء كهذه، إن كان من الجانب الروسي، يكون المقصود هو إزعاج واشنطن وإقلاقها وحملها على تغيير سياستها الداعمة لأوكرانيا، وإن كان من الولايات المتحدة فالهدف منه التشويش وزيادة الضغوط الدبلوماسية على روسيا وإيران على حد سواء، لحشد المزيد من المواقف الدولية الداعمة لسياستها العدائية في الشرق الأوسط والعالم.

أميركا قد تبدو منزعجة من التوجه الروسي لو افترضنا صحته، لكنّ تغيير سياستها ودعمها لأوكرانيا مرهون بمدى جدية موسكو في الاستدارة نحو اليمن متجاوزة بذلك الحسابات الإقليمية والدولية والمصالح الاقتصادية المرتبطة بدول هي على علاقة وثيقة بالبيت الابيض؛ بل وتمثل رأس حربة في المشروع الأميركي وسيأتي ذكرها في سياق هذا المقال.

مؤخرًا نشرت وكالة “رويترز”، نقلاً عن ثلاثة مصادر غربية وإقليمية، تقريرًا زعمت فيه أن إيران تتوسط في محادثات سرية جارية بين روسيا والجانب اليمني” لنقل صواريخ مضادة للسفن من نوع “ياخونت” المعروفة أيضًا باسم بي-800 أونيكس، مشيرة إلى عقد لقاءات في طهران، مرتين على الأقل هذا العام، من أجل هذه المساعي أولاها في عهد الرئيس الراحل السيد إبراهيم رئيسي. ووفقًا للوكالة الدولية؛ روسيا لمّا تقرر بعد نقل هذه النوعية من الصواريخ إلى اليمن، مع استمرار المحادثات لتوفير العشرات من الصواريخ، والتي يقارب مداها 300 كيلومتر، وهو ما يسمح للقوات اليمنية بضرب السفن بدقة أكبر وزيادة التهديد للسفن الحربية الأمريكية والأوروبية وفقًا لخبراء نقلت عنهم “رويترز”.

لا تعليق من البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة ولا وزارة الدفاع الروسية على طلبات “رويترز”، غير أن الناطق الرسمي باسم أنصار الله ورئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام أبدى استغرابه من هذه الأنباء، ونقلت عنه الوكالة الدولية بالحرف قوله “لا علم لدينا بما ذكرتم”.

نقل صواريخ روسية لليمن رأه مسؤول أميركي كبير تطورًا مقلقًا للغاية، والقلق سيكون مسوّغًا وموضوعيًا لو عزمت روسيا المضي في هذا الاتجاه. وهي التي لم تعترف بسلطة صنعاء أو تسهم في كسر الحصار المفروض على البلد ولو بإجراء عملي واحد طوال عقد من الزمن في ظل تقديرات الولايات المتحدة بأن المحادثات اليمنية- الروسية المزعومة مرتبطة بالموقف الغربي في أوكرانيا، وما هم عليه من استعداد أو غير مستعدين للقيام به في ما يتعلق بطلبات كييف برفع القيود عنها في امتلاك القدرات الاستراتيجية المؤثرة على روسيا.

بعقد التحالفات وورقة التسليح، سواء من خلال منظومة الدفاع الصاروخية “إس 400” فخر الصناعة الحربية الروسية وما دونها أم الصواريخ البحرية، تراهن موسكو على إعادة رسم خريطة التوازنات في العالم، عسكريًا وتتخذ منها أداة “للردع الدبلوماسي” وهذا ما يراد منه ربما عبر اليمن.

أميركا، في الحقيقة، ماضية في دعم وتسليح أوكرانيا لكسر التفوق الروسي؛ لا بل وتدفع وتحشد لمزيد من الأموال الغربية لإعادة إعمارها وتقوية هجومها ودفاعها؛ لأن مسألة إضعاف روسيا وإفشال عمليتها الخاصة يعد مصلحة أميركية وهدفًا أساسيًا لوأد كل محاولات إيجاد نظام عالمي متعدد الاقطاب. ويأتي الدور على روسيا التي تجد نفسها مقيدة بأولويات ومصالح تحول دون تبني استراتيجية ذات مستوى أعلى في اليمن بخلاف دعمها لبعض الأطراف المناوئة لأميركا في ليبيا والسودان وبعض الدول الأفريقية. 

يمكن الاشارة إلى ثلاثة اسباب أساسية في هذا السياق.

أولًا– الأسباب التي تمنع موسكو عن تزويد اليمن بصواريخ بحرية متقدمة، كما يروج له أو تتردد في ذلك هو حتمية استخدامها في مواجهة كيان العدو “الاسرائيلي”، سواء في هذه المرحلة أم في ما بعدها؛ فالصراع مع هذا الكيان تاريخي مفتوح على كل الاحتمالات، والعلاقات الروسية- “الإسرائيلية” وإن سجلت تراجعًا وبرودًا في الآونة الأخيرة بسبب الموقف الصهيوني الداعم لأوكرانيا، لكن وجود أكثر من مليون روسي داخل الاراضي الفلسطينة المحتلة يضع خطوطًا حمراء لروسيا، ويمكنه إعادة ضبط العلاقات مستقبلاً. ما يدلل على ذلك هو امتناع روسيا عن تسليح سوريا بمنظومة دفاع جوية من نوع “اس 400” لكسر التفوق “الاسرائيلي” ووقف الانتهاكات والجرائم المتواصلة بحق الشعب السوري وتقديم عدد محدود من منظومة “اس 300″ لدمشق في العام 2018 ردًا على إسقاط الجيش الصهيوني طائرة روسية في السواحل السورية ومقتل 15 عسكريًا روسيًا. وبالرغم من ذلك تشير المعلومات المتداولة إلى فرض قيود روسية على تلك المنظومات، مع الاشارة إلى تقرير سابق لـ”هآرتس” ذكرت فيه أن: “آليات تشغيل أنظمة S-300 في سوريا تقع تحت السيطرة الكاملة للمستشارين والمشغلين الروس”.

ثانيًا-  هناك مخاوف موسكو من تأليب الرأي العالمي ضدها؛ فأميركا التي تتذرع برفع القيود عن تسليح أكبر لأوكرانيا بمزاعم إرسال ايران صواريخ باليستية للقوات الروسية تجيد التهويل بادعاءات المصلحة الدولية المشتركة في حرية الملاحة العالمية والاستقرار في البحر الأحمر والشرق الأوسط. وهي الأسطوانة التي ترددها دائمًا لشيطنة خصومها وعزلهم، وتعزف على وترها بقية الدول الأوروبية.

أما السبب الثالث؛ روسيا تربطها علاقات سياسية واقتصادية كبيرة بقطبي العدوان على اليمن، السعودية والإمارات، لدرجة أن الأخيرتين رفضتا الانصياع للمطالب الأميركية بعدم خفض إنتاح النفط في العام الماضي وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر البرميل الواحد لأكثر من 90 دولارًا خلافًا لما تقتضيه المصلحة الأميركية حينها. وجاءت تلك التخفيضات لإظهار وحدة الرياض وموسكو بشأن السياسة النفطية كونهما أكبر مصدري النفط في العالم.

بطبيعة الحال؛ لن تقبل السعودية بتعزيز الترسانة الصاروخية لليمن خوفًا على أمنها الاقتصادي وسفنها النفطية، مع أن ما يمتلكه البلد المحاصر من قدرات استطاعت أن تغير موازين القوى في البحر، والصواريخ البحرية لضرب السفن والمدمرات استبدلت، لأول مرة في تاريخ الحروب، بصواريخ باليستية حققت نجاحًا أقلق الأميركيين، وزوارق بحرية أيضًا ترعب الاعداء.
خلاصة القول؛ وإن كان لا يستبعد الرغبة المؤجلة في تشبيك العلاقات بين اليمن وروسيا؛ فالأخيرة تدرك أن القوات المسلحة اليمنية أضرت بالهيبة الأميركية في البحار وأثبتت عجزها وفشلها الذريع، وأن دعمها ولو بجزء من الخبرات والتقنيات قد يعود بالفوائد الكبيرة على موسكو من عدة جوانب منها كشف مزيد من مواطن الضعف في الأسطول البحري الأميركي وهذا الأمر قد تستفيد منه الصين أيضًا في أي مواجهة مستقبلية في بحر الصين الجنوبي.

 اسماعيل المحاقري

قد يعجبك ايضا