هل تريد إدارة بايدن فعلاً وقف الحرب على اليمن أو أنها تناور بهدف آخر؟
قراءة : شارل أبي نادر..
من يسمع كلام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن رفض الحرب على اليمن والإيحاء بأنها بدأت بتنفيذ الإجراءات العملية الكفيلة بإنهائها، من خلال تعليق صفقات الأسلحة للسعودية والإمارات أو تبني ورعاية سيل من تصريحات نواب من الحزب الديموقراطي ضد هذه الحرب، وتحميل التحالف السعودي مسؤولية استهداف الأطفال والمنشآت المدنية في اليمن، يختلط عليه الأمر بدايةً، ويعتبر أنّ السعودية والإمارات تملكان قراري الحرب والسلم في منطقة الخليج وباب المندب وخليج عمان والبحر الأحمر، والتي تعتبر المنطقة الأكثر حساسية في العالم حالياً.
أيضاً، من يسمع صقور الديمقراطيين الأميركيين يصوّبون على خطورة الوضع الإنساني في اليمن، وعلى خطأ سياسة الإدارة السابقة في دعم الحرب عليه، يشعر بأنَّ هذه الإدارة “الديمقراطية” لها تاريخ عريق في احترام حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها أو أنَّ هؤلاء الديمقراطيين كانوا غائبين بالكامل عن مسرح الأحداث لست سنوات خلت، وانتبهوا مؤخراً إلى هذا العدوان الإقليمي الدولي على اليمن وشعبه المظلوم.
في الحقيقة، القول “إن قرار الحرب على اليمن نابع من النظامين السعودي والإماراتي” غير وارد بتاتاً، لأن هذه الأنظمة لم تكن يوماً سوى تابعة في قراراتها للأميركيين، ولم تكن يوماً إلا منفذاً أميناً للسياسة الأميركية، وخصوصاً في موضوع حرب حسّاسة تحتاج ما تحتاج إليه من قدرات ضخمة عسكرية وإعلامية ودولية، والأهم القدرة على مواجهة المجتمع الدولي ومؤسّساته.
من جهة أخرى، كيف يمكن أن تملك هذه الأنظمة قرار شن الحرب على اليمن أو أي دولة أخرى بشكل مستقل أو منعزل عن الأميركيين، وهي موجودة ومحمية ومصونة حتى تكون غطاء ومنفذاً لسياستهم في المنطقة، والأهمّ أنّ الحرب شُنَت أساساً على اليمن في العام 2015 بقرار من الإدارة الأميركية الديموقراطية برئاسة الرئيس السابق باراك أوباما، ومن واشنطن بالتحديد، إنما على لسان مسؤولين سعوديين، ومنهم وزير الخارجية السعودية السابق عادل الجبير.
لماذا إذاً يتبنى الديمقراطيون اليوم، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، حملة الضغط لوقف الحرب على اليمن؟ وهل يريد الرئيس بايدن فعلاً وقفها أم أنه يناور للتصويب على ملفات أخرى؟ وما الأهداف الحقيقية من هذه المناورة، إذا كانت مناورة فعلاً، أو من تغيير هذه السياسة، إذا كان صحيحاً هذا التغيير؟
بدايةً، ومن خلال متابعة دقيقة ومتواصلة لمنهجية عمل الإدارات الأميركية واستراتيجياتها بشكل عام، ولمنهجية عمل الإدارة الجديدة اليوم، يمكن ملاحظة وجود منهجية واضحة لديها، تقوم في أساسها على إظهار معارضتها لأغلب سياسات الإدارة السابقة (إدارة ترامب)، من خلال طرح مساوئها وضرورة تغييرها أو إصلاحها، تحت شعار “إعادة الولايات المتحدة الأميركية إلى موقعها الريادي على الصعيد الدولي دبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً”.
من جهة أخرى، وأيضاً من خلال متابعة استراتيجية واشنطن اليوم، يبدو أن محور هذه الاستراتيجية يقوم على حل إشكالية الاتفاق النووي مع إيران، إذ تتزايد بشكل لافت تصريحات مسؤوليها ومواقفهم الخاصَة بالملف، والتي تدور حول السبيل لعودة إيران إلى الاتفاق النووي بأقل ضرر ممكن على الإدارة الأميركية، وذلك من الناحية المعنوية، ومن الناحية العملية عسكرياً واستراتيجياً.
أولاً : من الناحية المعنوية، هاجس الإدارة الأميركة اليوم هو ضرورة عدم التنازل لطهران أو الظهور بموقف متراجع، وذلك بعد فشل الضغوط الهائلة التي فرضت على إيران – ولو كانت من قبل الإدارة السابقة – إذ إنهم يعتبرون أن هذا الموضوع يمسّ معنويات أميركا، لا معنويات الإدارة السابقة فحسب، على الرغم من أنهم اكتشفوا أن القرار “الترامبي” كان قراراً خاطئاً بالكامل، لتجاوزه القوانين والمعاهدات الدولية، ولإظهاره الولايات المتحدة دولة مارقة لا تحترم التزاماتها الدولية.
ثانياً : من الناحية العملية عسكرياً واستراتيجياً، إن قرار طهران بفك التزاماتها تدريجياً من الاتفاق ورفعها نسبة التخصيب عبر زيادة أجهزة الطرد المركزي أو مواقع التخصيب، إلى درجة وضعتها في مسافة غير بعيدة في التوقيت أو الإمكانية من صنع قنبلة نووية، إذا قررت ذلك، قلب وضع المنطقة رأساً على عقب من ناحية التوازن العسكري أولاً، ومن ناحية الردع الاستراتيجي ثانياً، على الأقل لناحية الخطر الأكيد والمحتم على الكيان الصهيوني، الأمر الّذي فرض على الأميركي، ومن خلفه الإسرائيلي طبعاً، العمل بكل الإمكانيات لإنهاء هذه المشكلة الوجودية، عبر عمل دبلوماسي ينتج تفاوضاً تفضله واشنطن أكثر من تل أبيب، أو عبر عمل عسكريّ تجنح تل أبيب إليه أكثر من واشنطن.
من هنا، يمكن أن نضع مناورة الرئيس جو بايدن في إثارة هذه الحملة الواسعة لوقف الحرب على اليمن، عبر تعليق صفقات الأسلحة للسعودية والإمارات، أو عبر إثارة الجو الإعلامي عن المسار الخاطئ للحرب على اليمن، في خانة طرح النقاط الخاصة بإغراء إيران وجرها إلى التفاوض، بهدف دفعها إلى التنازل واتخاذ قرار بوقف التخصيب والالتزام ببنود الاتفاق النووي، قبل أن تلغي واشنطن العقوبات عنها وتعود للالتزام ببنود الاتفاق، لتظهر إدارة بايدن من خلال ذلك أنها قدّمت رسالة حسن نيّة لإيران، فيها بعض التنازل الذي يضع الأخيرة في موقف يتطلب منها تنازلاً مقابلاً.
طبعاً، بالنسبة إلى إيران، لن يكون هذا الموقف أكثر من مناورة أميركية مكشوفة، وهي تعي جيداً المسار الذي تعتمده إدارة بايدن في هذا الاشتباك أو التفاوض الحساس، وذلك من خلال اتجاهين:
أولاً: الخطّ الأحمر بالنسبة إلى إيران، والذي لن تكون مستعدة لتجاوزه، وهو وقف العقوبات الأميركية أولاً، والتي تجاوزت القوانين الدولية والاتفاق الذي كانت واشنطن قد التزمت به أساساً، وهي لاحقاً مستعدة، ومباشرة، للعودة إلى التزاماتها بالاتفاق النووي، وخصوصاً في موضوع نسبة تخصيب اليورانيوم.
ثانياً: تعتبر إيران أنَّ الحرب على اليمن هي عدوان كامل تجاوز، وما زال يتجاوز، القانون الدولي وحقّ الشعوب وأمنها، ويجب أن يتوقف فوراً بمعزل عن أية تنازلات يمنية أو إيرانية، وهي غير مستعدة وغير مقتنعة أساساً بمقايضة حق اليمنيين بوقف العدوان والحصار عنهم وإنهاء الحرب عبر التسوية السياسية الضامنة لحقّ كلّ طرف أو مكوّن يمني، كما أن إيران لا تسمح لنفسها بالمساومة في الموضوع اليمني على حساب معركة أبناء اليمن الذين انتصروا، والذين فرضوا بأنفسهم على الأميركيين وعلى تحالف العدوان تغيير المناورة، والذين سوف يجبرون الأميركيين على إنهاء العدوان عليهم، من دون ربطه بأيّ اشتباك خارجي أميركي – إيراني أو “سعودي إماراتي” – إيراني.