هكذا سيكون البرد في أوروبا إذا عادت الحرب في اليمن مجدداً أو رفضت واشنطن رفع حصارها؟
قبل أربعة أعوام تقريبا قال الناطق باسم التحالف العقيد تركي المالكي إن على الحوثيين أن يسلموا المدن والأسلحة ويوافقوا على حكم السلطة التابعة للرياض أو أن يغادروا إلى خارج اليمن ولا خيار ثالث.
كان التحالف حينها يشن هجوما على مدينة الحديدة.
بعد أربعة أعوام من هذا التهديد وثمانية أعوام إلا بضعة أشهر من بدء التحالف للحرب وفرضه للحصار المشدد على اليمن، تقول بريطانيا وأمريكا وهما دولتان راعيتان وداعمتان للتحالف إن على قوات صنعاء أن توافق على العودة إلى الهدنة وتسمح بعمليات نهب النفط من حضرموت وإلا فإن الخيار هو عودة الحرب والحصار.
يقول السيناتور الأمريكي كريس مورفي إن بصمات الولايات المتحدة على كل قنبلة يستخدمها التحالف لقصف اليمن، ويقول السيناتور راند بول إن الحصار السعودي لليمن أصبح ممكنا بسبب الأسلحة الأمريكية ومثل ذلك بريطانيا، التي تشترك في حرب قذرة في اليمن كما تصف صحيفة الاندبندنت، فلماذا يتم الحديث عن خيار الحرب والحصار وكأنه أمر جديد بالنسبة لليمنيين.
لقد زادت الحرب الطويلة والعنيفة قدرات صنعاء، وحنكتها العسكرية وفي حين استنفد التحالف بنك أهدافه، ولم يترك شيئا في اليمن دون قصف حتى مجمعات النفايات، فإن استراتيجية صنعاء العسكرية باتت متفوقة إلى حد بعيد، ومُلهمة أيضا. تقول مجلة ناشيونال انترست الأمريكية إن الاستراتيجية التي استخدمتها روسيا لضرب شبكة الكهرباء الأوكرانية بواسطة طائرات الدرونز طورت إلى حد كبير من قبل الحوثيين.
تبدو المراهنة على هذا الخيار أشبه بالمراهنة على حصان ميت، ولا يمكن التهديد فعلا بما هو كائن، فالحصار مستمر، والحرب وإن توقفت عسكريا فلأنها وصلت إلى طريق مسدود، ولو كانت مجدية لما استمرت طوال هذه السنوات بعد تهديد بترحيل الحوثيين إلى خارج اليمن، ولما كان هناك استماتة أمريكية بريطانية سعودية على الهدنة، فهؤلاء كما هو معروف لا يحبون الشعب اليمني كي يسكنهم الحرص المفاجئ على مصلحته، هؤلاء حريصون على النفط، ولديهم أساليب أخرى في الحرب وهنا يكمن السر.
لقد جاءت الهدنة مع تنامي قدرات صنعاء وفاعليتها في التأثير على سوق الطاقة العالمي، وتم إعلانها عقب هجمات مارس التي أطلق عليها “عمليات كسر الحصار” والتي ضربت منشآت حيوية سعودية، ودقت ناقوس الخطر لدى الولايات المتحدة، التي تلقت أيضا رسالة من السعودية بإخلاء المسؤولية عن أي عجز تحدثه هذه الهجمات على استقرار إمدادات النفط العالمية.
الآن ومع دخول فصل الشتاء في أوروبا وقرار أوبك+ بتخفيض الإنتاج، فإن إبقاء منشآت الطاقة في الخليج بعيدة عن أي هجمات حاجة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، غير أن شبح هذه الهجمات قد يعود في أي لحظة في ظل بقاء ملف الحرب في اليمن عالقا وعدم إحراز تقدم نحو السلام، وفي حين أن التهديدات الأخيرة جاءت عقب قرار منع صنعاء لتصدير النفط الخام اليمني واشتراطها دفع رواتب الموظفين من عائدات هذه الثروة السيادية، فإن المخاوف التي تسكن واشنطن ولندن لا تكمن فقط على نتائج قرار صنعاء المفروض بهجمات طائرات الدرونز والصواريخ الموجهة، وإنما هناك مخاوف أخرى من اتساع نطاق الهجمات مجددا، فمن يملك القدرة على منع تصدير النفط من موانئ حضرموت وشبوة في الشرق الجنوبي لليمن، سبق أن شن هجمات طالت منشآت حيوية في العمقين السعودي والإماراتي، ويهدد بشن هجمات أكثر تركيزا واتساعا إذا لم يتم إنهاء الحرب.
على الرغم من ذلك فإن واشنطن التي تعتمد استراتيجيتها على خفض النزاع وليس إنهاءه، بهدف إبقاءه نزاع داخلي نائيا عن سوق الطاقة،وتستخدم فيه الوسائل والأساليب الدبلوماسية لتثوير الحاضنة الشعبية لصنعاء من باب الخدمات، فيهزم الحوثيون الحوثيين كما يوصي مايكل هرتون من مؤسسة جيمس تاون، تجد أن اشتراط دفع رواتب الموظفين قد يٌنهي هذه الاستراتيجية، ولذلك فقد صرح مبعوثها الخاص باليمن تيم ليندركينغ أن شروط صنعاء مستحيلة.
تدرك صنعاء أن التحالف وداعميه يراهنون على الوقت، لكنها تؤكد أن جاهزة لكل الخيارات، وأن العودة للحرب التي لم تنته أصلا، ستصيب التحالف بالندم.
صحيح قد مر شهران على آخر يوم في الهدنة، واليمن في حالة من اللاسلم واللاحرب، لكن كما يبدو لن يطول صبر صنعاء على هذا، وقد تشتعل النيران قريبا في الخليج، وعندها سيصبح الشتاء أكثر برودة في أوروبا.
تقرير: زكريا الشرعبي*
المصدر “الخبر اليمني“