هكذا أذلّت المقاومة الفلسطينية “اسـرائيل”
الحفبفة/ شارل ابي نادر
منذ أيام معدودة خلت، وبعد تكشفت بعض تفاصيل المواجهة الأخيرة بين جيش الاحتلال الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، كنا نتكلم عن كيان غير سهل يملك جيشًا قويًا، مستفيدًا من قدرات تمويلية وتجهيزية وتدريبية ضخمة، تسانده أجهزة أمنية ومخابراتية ذات أذرع أخطبوطية طويلة، وفجأة، وفي أول استحقاق جدي واجهه من داخل فلسطين المحتلة، ومع أول فرصة قررت المقاومة من خلالها إظهار بعضٍ (غير بسيط طبعًا) من قدراتها، ضاع هذا الكيان وفقد توازنه وسقطت الصورة التي طالما عُرف بها.
فهل ما حدث طبيعي أو منطقي مقارنة مع الهالة التي طالما رافقت صيته واسمه “الجيش الأقوى في المنطقة” و”الذي لا يُقهر”؟ وكيف استطاعت المقاومة الفلسطينية تحقيق هذا الانجاز؟
أولاً:
في الواقع، أساس مناورة المقاومة الفلسطينية في عملية “سيف القدس” قام على مروحة واسعة من الاستهدافات الصاروخية الدقيقة والحساسة، نفذتها من خلال منهجية عسكرية وتكتية مدروسة، يمكن تحديدها بالشكل وبالمضمون بالنقاط التالية:
اختارت المقاومة مروحة الأهداف بطريقة تصاعدية، تدرجت تبعًا لنمط الاعتداءات، بطريقة بدت فيها مستندة إلى بنك أهداف مدروس ومخطط، وبعد أن ظهرت أنها مدركة بشكل كامل لتفاصيل الميدان داخل الكيان، نجحت في فرض مناورة توزيع الأنواع المختلفة من الصواريخ على الأهداف، استنادًا لطبيعة كل هدف والرسالة المقصودة من كل نوع، وبالتحديد في الرسالة التي أرادت ايفادها من أسماء تلك الصواريخ، والمرادفة لأسماء شهدائها، وخاصة المهندسين الذين ساهموا في تطويرها ورفع مستوى ما تتميز به، لناحية المسافة أو لناحية وزن الحشوة المحمولة.
من جهة أخرى، كان واضحًا أيضًا أنها تسيطر على المواجهة الصاروخية، من خلال التحكم بتوقيت الإطلاق، بالتناغم مع بيانات المتحدثين العسكريين باسم غرفة عمليات المقاومة أو باسم قادتها، الأمر الذي ساهم، من جهة في تفعيل وانجاح التنسيق بين القيادة وبين عناصر الاطلاق، ومن جهة أخرى في تأمين أمن الاتصال بالاعتماد أحيانًا كثيرة على مضمون البيان، دون انتظار أمر في حينه للإطلاق، وذلك بهدف تلافي القدرات الضخمة للعدو في التنصت والمراقبة الإلكترونية، وخطر مراقبة ورصد مركز قواعد الاطلاق من قبل العدو.
ثانيًا: في المضمون
من جهة استطاعت المقاومة أن تُفقد العدو القدرة على الردع، حيث ظهر وعلى عكس السابق عاجزًا عن التحكم بالمعركة، كما وبنفس الوقت، استطاعت المقاومة أن تحقق معادلة ردع بمواجهته، حيث من المفترض بعد اليوم أن يحسب ألف حساب لقدراتها الصاروخية وتاثيراتها الحساسة والخطيرة، قبل أن يفكر بتنفيذ أي اعتداء على غزة أو على غيرها من المناطق الفلسطينية المحتلة.
وبنتيجة هذه المناورة الصاروخية الناجحة، فقد العدو الاسرائيلي عنصر المفاجأة، دفاعيًا وهجوميًا، وذلك على الشكل التالي:
دفاعيًا، عجز عن الاكتشاف المبكر لحقيقة القدرات الصاروخية لدى المقاومة، الأمر الذي أفقده عنصر مفاجأة الأخيرة بمناورة فاعلة وناجحة، ففشل في مواجهة هذه القدرات والحد من تأثيراتها، بسبب تقصير وحداته الأمنية والاستعلامية ومخابراته – عن استخفاف أو عن جهل – في اللحاق بمسار ما طورته أو ما امتلكته المقاومة من صواريخ أو من مسيرات، رغم أن جميع المعطيات كانت تشير الى تطور هذا المسار.
هجومًيا، فقد المبادرة الى المواجهة، وذلك بعد أن تأكد من فقدانه القدرة على تنفيذ عمل هجومي أو مناورة هجومية مضمونة النتائج، وأصبحت خياراته معدومة، خاصة في ظل استبعاد العملية البرية ومحاولة الدخول الى غزة، والتي رأى – وبرأي أغلب قياداته وخبرائه العسكرييبن – أنها ستكون مكلفة جدًا، وأن تداعياتها لن تكون أقل من كارثية، والسبب في ذلك يعود الى النقطة التالية:
في مقارنة مع القدرات الصاروخية التي أظهرتها المقاومة مع ما كانت تمتلكه في العدوان الواسع على غزة عام 2014، من الطبيعي أن يأخذ العدو بعين الاعتبار- وهذا يعتبر الحد الأدنى مما يجب أن يفكر به محللوه – أن هذا الفارق في التطور حتمًا قد لحق بالقدرة الدفاعية أو بالمنظومة الدفاعية عن غزة، خاصة لناحية الأعمال الهندسية، من عبوات مركبة ومن تشريكات وحواحز وأنفاق، ناهيك عن التطور الأكيد لديها في تكتيكات الدفاع وأسلحة المضاد للدروع، مع توسيع وتركيز الجهد الإستعلامي الدفاعي، الأمر الذي سوف يساهم وإلى حد كبير، في استبعاد قيامه بعملية دخول بري الى غزة، رغم أنه الخيار الوحيد الذي يمكن أن يحرك مناورته لجهة امكانية ايقاف إطلاق الصواريخ من القطاع المحاصر.
وأخيرًا، يبقى من أهم أسباب نجاح المقاومة الفلسطينية في هذه المواجهة التاريخية الأخيرة ضد العدو الاسرائيلي، إضافة طبعًا لالتزام أبطالها بمقاومته وبقتاله، واحتضانها الكثير من أصحاب الكفاءة العلمية والعسكرية المميزة، انها استفادت من قدرات وتجارب أطراف محور المقاومة، وعلى رأسهم حزب الله، والتي اكتسبها من معاركه ومواجهاته المتعددة ضد “اسرائيل”، الأمر الذي ساهم في امتلاك المقاومة الفلسطينية ذخيرة قيّمة من التجارب الميدانية والعسكرية، لعبت دورًا رئيسًا في انتصارها التاريخي بمواجهة العدو الصهيوني في عملية “سيف القدس”.