هذا هو الحاكم الفعلي في اليمن ما قبل ثورة الحادي عشر من سبتمبر
خططت أمريكا لخلق شرق أوسط جديد بما يتواكب مع امالها وتطلعاتها في بسط هيمنتها على العالم والسيطرة على ثروات وخيرات الشعوب.
وعلى ضوء مخططها فقد نجحت في تغيير معالم الانظمة في كثير من دول العالم وعلى رأسها دول الخليج التي تمكنت من ترويضهم وجعلهم اداة ومصدر تمويل لمشاريعها في المنطقة.
وفي اليمن استطاع النظام الامريكي قبل ان يصدم بحائط ثورة 21 سبتمبر من العام 2014م أن يتوغل في الساحة اليمنية منذ العام 2001 وحتى عام 2015 بحيث تمكنت الولايات المتحدة من التغلغل السياسي والعسكري والأمني والإخضاع السياسي لليمن، كما سيطرت على الاعلام وتحكمت به وهيمنت على الخطاب الديني وعملت على تغيير المناهج التعليمة واتخذت قرار تعيين الوزراء واغلب المسؤولين اليمنيين.
وبالفعل كانت الحكومات والسلطات المتعاقبة في اليمن أيام صالح وهادي تحت حكم السفير الأمريكي وقائد القوات الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط، وخاضعين بشكل مطلق للأوامر والتوجيهات القادمة من واشنطن.
ومن خلال متابعة المشهد اليمني خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين نجد أن الادارة الفعلية للدولة اليمنية تحولت من القصر الجمهوري في التحرير الى السفارة الامريكية في سعوان، لتتطور المسألة بعد ذلك في بدايات العقد الثاني ليصبح السفير الأمريكي فايرستاين هو الحاكم الفعلي لليمن، فهو من يجري لقاءاته بالمسؤولين والقيادات العسكرية وبقيادات الأحزاب السياسية وهو من يحل الخلافات المصطنعة ما بين الاحزاب .. كما يصدر التوجيهات والقرارات السياسية والعسكرية .
ويمكن القول أن الأعوام 2001- 2011م كانت بمثابة المرحلة الأولية للسيطرة الأمريكية على اليمن، إذ تمكنت أمريكا من التغلغل السياسي والعسكري والأمني ، وكان مسار التغلغل يترافق مع مسار التدمير وتجريد اليمن من السلاح وتفكيك الجيش وفرض السيطرة على الجوانب الأمنية ، وهو ما سنوضحه اكثر في سياق هذا التقرير.
في البداية اتخذت الادارة الامريكية في البداية مساراً غير مباشرا في السيطرة على اليمن، كامتداد للهيمنة السياسية والنفوذ على النظام. وكان التواجد العسكري في البدء يأخذ اذن النظام الحاكم من خلال نشر بعض القواعد العسكرية واطلاق الطائرات بدون طيار وذلك تحت ذريعة مكافحة الارهاب، فنفذت أمريكا عام 2002 أول غارة جوية على اليمن مستهدفة من قالت إنه المسؤول عن تدمير المدمرة كول أبو علي الحارثي، ومن يومها لم تتوقف الغارات الأمريكية والتحليق والاستطلاع منذ ذلك الحين.
وفي 17 ديسمبر 2009 قامت بوارج أمريكية بقصف قرية المعجلة في محافظة أبين بصواريخ كروز من نوع توماهوك كروز BGM 109D، وقتلت 41 من المواطنين اليمنيين بينهم 14 من النساء و21 طفلاً، قال الأمريكيون لصالح أوعزوا لوسائل الإعلام أن تعلن أن العملية نفذها الجيش اليمني على إرهابيين، في صباح اليوم الثاني كل وسائل الإعلام الرسمية والأهلية التي كانت تدار من السفارة تعلن أن العملية نفذها الجيش اليمني ضد إرهابيين…تكشف وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية أن صالح قال للأمريكيين «أنتم نفذوا الضربات واحنا نقول إننا من نفذناها.
وقد ظلت الادارة الأمريكية تنسج الخطط واحدة تلو الأخرى في مشروعها التوسعي، خاصة في المناطق الغنية بالثروات الطبيعية وتلك التي يمكن أن تمثل لها مركزاً للسيطرة العسكرية على مزيد من الدول، كان اليمن واحداً من أهم البلدان التي أرادت أمريكا احتلاله منذ مطلع القرن الجاري، وحتى قبل حادثة 11 سبتمبر 2001 (تفجير مباني التجارة العالمية)، فاتخذت من تنظيم القاعدة ذريعة للتواجد العسكري على الأرض، واستطاعت من خلال الضغوطات التي مارستها على النظام الحاكم آنذاك فرض سيطرتها على البلد وانتهاك السيادة اليمنية وتنفيذ هجمات عسكرية على عدة قرى في عدد من المحافظات.
تحركات السفير اليمني
أضحت صورة السفير الأمريكي في المرحلة الاولى والثانية توضع على صدر صفحات الإعلام الرسمي اليمني وهو يصرح او يلتقي بالمسؤولين اليمنيين كما يتضح ذلك من أرشيف صحيفة “الثورة” الرسمية من تاريخ 1 يناير 2010، حيث تجد أن أخبار السفير الأمريكي منذ 2010 حتى بداية سبتمبر 2014 كلها نشرت في الصفحة الأولى للصحيفة و بلغت 336 خبرا وفقا ل*مركز دراسات غرب آسيا، ناهيك عن اكثر من 6الاف خبر ومقال وتقارير نشرت حول السفير الامريكي وتحركاته في عدد من وسائل الاعلام الحزبية والمستقلة وفي مقدمتها وسائل اعلام حزب الاصلاح وذلك بحسب الاحصائية التي نشرها المركز اليمني للصحافة والتنمية الاعلامية في العام 2016م.
وبهذا تحول اليمن إلى ولاية أمريكية تخضع لحكم السفراء من أدموند هول وجيسكي وجيرالد، حتى تولر.
وتكشف وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية ، أن السفير الأمريكي أصدر توجيها إلى الرئاسة بسرعة إصدار قرارات رئاسية لعدد من القادة العسكريين في مناصب مختلفة بينها قائد جديد لقوات العمليات الخاصة، ونائبا له ونائبا لرئيس هيئة الأركان العامة، تاريخ الوثيقة يعود للعام 2012م حين تولت أمريكا أمر الجيش وتولى سفيرها آنذاك جيرالد فايرستاين أمر البلاد.
وعلى مدى سنوات التواجد الأمريكي في اليمن استمرت القوّات الخاصة الأمريكية بالمرابطة في قاعدة العند كما أُقيمت في اليمن محطّتان قادرتان على تحليل المعلومات المستقبلة وتوجيه ضربات الطائرات بدون طيار، إحداهما داخل مبنى السفارة الأمريكية ذاتها، والأخرى في مبنى سرّي في صنعاء، أكد تلك المعلومات تصريح هادي في العام 2013 والذي تحدث فيه عن «وجود غرفة عمليات مشتركة في صنعاء لمحاربة القاعدة تديرها أربع دول».
واستطاعت القوات الأمريكية اختراق جهاز الأمن القومي اليمني ووزارتي الدفاع والداخلية خلال الفترة التي عمل فيها مسؤولون في تلك الأجهزة مع القوات الأمريكية في وحدات إقرار تنفيذ الضربات الجوية بواسطة طائرات «بريداتور»، وهذا ما أدى في الأخير إلى وصول تنظيم القاعدة إلى صنعاء برعاية أمريكية وتواطؤ يمني من نظام هادي، واستطاعت القاعدة الاستيلاء على أبين وبعض القرى في لحج وحضرموت وشبوة، كما قامت بذبح العديد من الجنود اليمنيين.
تفكيك الجيش والأمن
وعملت الولايات المتحدة في الوقت ذاته على تجريد الجيش اليمني من السلاح وتفكيك العقيدة القتالية وضرب الهوية الوطنية وتغيير الثقافة والسلوك من خلال الإعلام والخطاب الديني والتوجيهي والتربوي.
وادى ذلك بطبيعة الحال الى الانهيار الأمني خلال الفترة (2011- 2014) وهو ما سنتناوله في المرحلة الثانية, فيما استمرت التدخلات الأمريكية خلال هذه الفترة، وعلى الرغم من تغير الشخوص المعروضة في واجهة السُلطة من علي صالح إلى عبدربه منصور هادي، فإن السفير الامريكي كما كان عليه الوضع سابقاً ظل هو الحاكم الفعلي لليمن.