نهاية عصر النفاق الدولي ودخول عصر الاستحقاقات والمواجهة
إيهاب شوقي
وضع محور المقاومة تقديرا للموقف بشأن “صفقة القرن” المزعومة، ملخصه انها لن تمر طالما رفض الفلسطينيون التوقيع على اية تنازلات تتعلق باجراءات الصفقة، وجاءت الحوادث وتطوراتها لتؤكد صحة هذا التقدير، وخير مصداق لذلك هو تحول الصفقة الى صفقات جزئية، بمعنى تفككها الى صيغ جزئية متناثرة.
وهذه الصفقات الجزئية لم تشكل اختراقا استراتيجيا، لانها تتم مع انظمة كانت تمارس التطبيع الفعلي قبل الاعلان عنه، وكانت تقدم الخدمات الكبرى للعدو الاسرائيلي عبر طرق مختلفة، على رأسها تشويه المقاومة والمشاركة في حصارها واستهدافها.
وبالنظر الى سلوك الامارات والبحرين، فهما الى جانب السعودية، شكلوا رؤوساً لحربة المشروع الصهيوـ امريكي، ولن يكون مفاجئا ان تنضم دول اخرى، وليس مستغربا ان تتأخر السعودية قليلا، حيث تريد الاحتفاظ بمكانة شكلية تدعي بها قيادة عالم اسلامي (معتدل) في مواجهة قيادة ايرانية (ارهابية) ولا تريد حاليا الافصاح عن دورها المعلوم في خدمة المشروع الصهيوني.
ربما شكل انخراط السودان اسفا لكونه بلدا له تاريخ ولانه عاصمة مؤتمر اللاءات الثلاثة ولانه انخرط في مواجهات حقيقية ولشعبه عداء واضح للصهاينة، ولكن الاختراقات الخليجية المتتالية والتي استطاعت شراء جنوده للالتحاق بالعدوان على اليمن، شكلت مقدمة لهوان تم تتويجه بالتطبيع مع العدو.
وسط بلطجة دولية امريكية ومساومات فاضحة وعلنية مع الدول، بما يتعارض مع وجود حد ادنى من القانون الدولي او حتى هيكل شكلي لنظام دولي محترم، ووسط هوان وتبعية الانظمة واعتمادها على الشرعية الامريكية عوضا عن الشرعية الشعبية، فقد باتت الغرائب كلها متوقعة، وباتت الفضائح تتخذ عناوين الاتفاقيات، وبات الذل يتخذ عنوان الواقعية السياسية، واصبحت الخيانة وجهة نظر او توجها سياسيا!
السودان الذي يدفع 335 مليون دولار ليتم رفعه من قائمة الارهاب ويستعيد حصانته السيادية، يصف هذه المذلة بانها اتفاق تاريخي!
والامارات التي تشتري صفقة طائرات اف 35 وسط تصريحات امريكية بانها ستكون صفقة مقيدة بتفوق الصهاينة وتحت السيطرة الامريكية، تحاول الايحاء بأنها شكلت فتحا استراتيجيا بشراء هذه الطائرات!
واستدعاء ولي عهد المملكة السعودية من قبَل محكمة امريكية عبر رسالة “واتس اب”، ونشرها للتشهير والاستهانة، هو مقدمة لحلب وابتزاز جديد، ربما يسفر عن تعجيل اعلان التطبيع ووصفه باتفاق تاريخي مبين!
هذا النظام الدولي او بالاحرى (الفوضى الدولية) التي نعيشها هي نهاية طبيعية لمسار النفاق السياسي والايدلوجي، والذي مارس به الجميع صورا مختلفة من النفاق.
فقد مارست امريكا النفاق بادعاءات الديمقراطية لزرع الانظمة وخلعها وفقا لمصالحها، وبادعاء العولمة للسيطرة على مقدرات الشعوب، وبادعاء الحرب على الارهاب لممارسة العدوان والحصار انتقائيا.
ومارست اوربا النفاق بادعائها التمايز عن امريكا وانها اقرب للشعوب العربية، في حين شاركت في كل عدوان وكل حصار.
ومارست الانظمة العربية النفاق بادعائها الوطنية ومقاومة المؤامرات الخارجية، في حين انها تمارس الانبطاح سرا وعلنا، وادعت الانظمة انها تحافظ على مركزية القضية الفلسطينية، في حين تحارب المقاومة وتشارك في الحصار وتطبع مع العدو، كما ادعت الانظمة العروبة والقومية، لسبب وحيد وهو التكتل في وجه ايران باعتبارها (قومية فارسية)، وكل صور النفاق التي تمارسها الانظمة وهي تخلع اوراق قوتها ورقة تلو الاخرى دون ان تدري الى ان وجدت اذلالا علنيا امريكيا لا يحفظ حتى ماء وجه تابعيه!
حتى القوى السياسية مارست النفاق والارتزاق تارة باسم الاسلام وتارة باسم الليبرالية والقومية وغيرها وفقا للصفقات المبرمة واطرافها!
وهنا فهو ليس انحيازا او ليا لعنق الحقائق، عندما نقول ان المقاومة ومحورها هما اشرف القوى، وهما من لم يتم شراء ذممهما او رصد اي نفاق في ممارساتهما.
فالمقاومة ومحورها متسقون مع ايدلوجيتهم وبرنامجهم، يمارسون السياسة بما تفرضه من اساليب شد وجذب وربما مناورات، ولكن بحدود وضوابط الالتزام بالثوابت والشرف.
ربما يكون مصطلح (الشرف) غريب على القاموس السياسي، ولا يستسيغه الكثير ممن وقعوا في اسر تعريف وحيد للسياسة وهو المصلحة، ولكن نبشرهم ان للسياسة تعريفات اخرى يدخل الشرف ضمن منظومتها.
هذا الشرف يتمثل في ان حزبا سياسيا مثل حزب الله، يلتزم بالمصداقية، وبالوفاء بالعهد، وهو ما يجبر العدو على تضمين هذا الشرف في استراتيجيته وتكتيكاته تجاه المقاومة ووضعه في الميزان الاستراتيجي وتقديرات الموقف، وهذا الشرف يتمثل في ايران وهي لا تتخلى عن المقاومة لامرار اية صفقات.
ويتمثل الشرف في نظام سوري لم يتخل عن المقاومة وعمن وقف بجانبه لحماية نفسه من حرب كونية وحصار خانق، رغم ان تطبيعه مع العدو او مجرد اعترافه به كفيل بذلك.
وهذا الشرف يتمثل في اليمن الحر الذي يعلن التزامه بالثوابت رغم الحرب والحصار والتجويع وحاجته لاي تنازلات مذلة لرفع السيف عن رقبته، ولكنه لا يتنازل، بل يلتزم ايضا بالشرف في هجماته بان لا يمس بالمدنيين ولا يقصف اهدافا غير مشروعة.
لعل الشعوب تراجع المشهد بشكل فوري وسريع لتعلم حجم الخديعة التي اوهمتها بان السياسة تعني النفاق والتلون والمصلحة دون ضوابط، ولتعلم نتيجة النفاق ومصيره الموجع، ولتعلم ان وضع المقاومة والمقاومين افضل كثيرا من وضع الخونة والمفرطين.
ما نراه من مشاهد مخزية وصريحة، هي مقدمات لنهاية عصر النفاق، وبداية عصر الاستحقاقات والحقائق، والتي ستسفر حتما عن مواجهات قاسية، نرى ان المقاومين استعدوا لها، بينما غفل عنها المفرطون.