أيُّها الحضور الكرام من الإخوة والأخوات، في كل ساحات الاحتفال بهذه الذكرى المجيدة: ذكرى مولد رسول الله، وخاتم أنبيائه، وصفوة خلقه، وخير عباده: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ” صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”.
وأتقدم إليكم، وإلى كافَّةِ أبناء شعبنا العزيز وأمتنا الإسلامية، بأسمى التهاني وأجلِّ التبريكات، في أعظم مناسبة يحتفل بها المجتمع البشري: ذكرى المولد المبارك، والقدوم الميمون لرسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، حيث كان مولده مولدًا للنور، وقدومًا للخير والخلاص، في وقتٍ كان العالم بأسره في كل أنحاء المعمورة في واقعٍ مظلمْ، وجاهليةٍ جهلاء، وضلالٍ مبين، والمجتمعات البشرية في مختلف أنحاء الأرض أسيرة الشقاء والضياع، والظلم والقهر والاستعباد.
وقد كانت إرهاصات ومقدمات المولد المبارك لرسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، هي تلك الحادثة العجيبة؛ حادثة أصحاب الفيل، الجيش الموالي للإمبراطورية الرومانية، والذي اتجه صوب مكة المكرمَّةِ، أثناء سيطرة الأحباش على اليمن؛ بهدف تدمير الكعبة المشرَّفةِ، والسيطرة على مكة، ومنع قيام المشروع الإلهي المنقذ للبشر، في الحقبة الأخيرة والرسالة الخاتمة، فجعل الله كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم الطير الأبابيل، وأهلكهم، كما بيَّنَ ذلك في (سورة الفيل)، وكانت تلك آيةٌ عجيبة من مصاديق قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف: من الآية21].
في عام الفيل ولد رسول الله وخاتم أنبيائه: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، ونشأ يتيمًا؛ لوفاة والده، وازداد يتمه بعد سنوات بوفاة والدته، وقد تولَّى الله ” تَبَارَكَ وَتَعَالَى” رعايته، كما قال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضحى: الآية6]، وهيأ له عنايةً خاصةً ومميزة من جده عبدالمطلب، ثم من بعد ذلك عمه أبي طالب، ونشأ نشأةً مباركةً طيبةً وفريدةً، بتكاملٍ عجيبٍ: في رشده، وأخلاقه، وطهارته من دنس الجاهلية، ومن شركها وآفاتها، وحظي بالإعداد الإلهي للمهمة العظيمة: الرسالة الإلهية المقدَّسة العالمية.
وفي تمام الأربعين من عمره الشريف ابتعثه الله تعالى بالرسالة إلى العالمين، وأنزل عليه القرآن الكريم المعجزة الخالدة، الذي يحتوي الرسالة الإلهية، وإرث النبوة والكتب الإلهية السابقة؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}[إبراهيم: 1-3]، صدق الله العظيم.
وقد بدأ “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” حركته بالرسالة الإلهية من مكة المكرَّمة، حيث واجهه أكثر قريشٍ بالتكذيب، والاتهامات، والعداء الشديد، فوجهوا التهم المتنوعة إليه: بالجنون، والسحر، والشعر، والكذب، ومارسوا الاضطهاد للمسلمين المستضعفين، وسعوا لاغتيال رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، واستمروا على ذلك ما بين عشرٍ إلى ثلاثة عشر عامًا، ثم أذن الله له بالهجرة إلى يثرب (المدينة المنوَّرة)، حيث الأوس والخزرج، الذين آمنوا، وآووا، ونصروا، وحملوا راية الإسلام، وخرجوا من الظلمات إلى النور، وبدأت مرحلة جديدة، ابتنى فيها بنيان الأمَّة المسلمة، مواجهًا كل التحديات، وكل المؤامرات، وكل الأعداء، ومقدِّمًا النموذج المميَّزَ للإسلام، الذي وضَّحَ الفوارق الكبرى عن آثار ظلمات الجاهلية.
وواصل الرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” جهوده لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، من خلال حركته بكتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، متجهًا إلى هداية الناس، وتغيير مفاهيمهم وأفكارهم الخاطئة، والضالَّةِ، والظلاميَّةِ، وساعيًا لتزكية أنفسهم، وتربيتهم على مكارم الأخلاق.
وأول العناوين لإخراجهم من الظلمات إلى النور هو: تحريرهم من العبوديَّةِ لغير الله تعالى، فللأسف الشديد طرأت على البشر- من بعد انحرافهم عن منهج الله تعالى، ومخالفتهم لرسالاته، واتباعهم للمضلين الظلاميين- معتقدات الشرك، والاعتقاد بالشرك في الألوهية لآخرين اعتقدوهم شركاء لله، واعتبروا أنفسهم عبيدًا لهم، فالبعض اعتقد عبوديته لأصنام، والبعض للشمس، والبعض للنجوم، والبعض لحيوانات، والبعض لطغاةٍ من البشر، والبعض للملائكة، والبعض لأنبياء، والبعض لجن، ولا تزال تلك العقيدة الباطلة مستمرةً لدى كثيرٍ من المجتمعات، فكثيرٍ من النصارى في أمريكا والغرب يعتبرون أنفسهم عبيدًا لنبي الله عيسى “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وفي واقع الحال هم يؤلِّهون المادَّة والشهوات، وهم على ارتدادٍ عن نهج نبي الله عيسى “عليه السلام البريء من الشرك، وفي المجتمعات الأخرى عبيدًا لغيره، فكيف يمكن أن يكون من يحملون عقيدة العبوديَّة لغير الله تعالى حملةً لراية الحريَّة! كما أنهم- ومن يتبعهم- يمنحون الإنسان حق التشريع والتحكم على أخيه الإنسان من دون الله تعالى، وذلك من الاستعباد للناس.
بينما رسالة الله تعالى وأنبياؤه وكتبه تحرر الإنسان من كل أشكال العبودية لغير الله تعالى، من جهة الاعتقاد، ومن جهة التوجه والممارسة، فكلُّ الناس عبيدٌ لله تعالى وحده، ولا يملك أحدٌ حق الألوهية والاستعباد لهم إلّا الله تعالى؛ لأنه ربهم الحقُّ، وخالقهم، ومالكهم، وله ما في السماوات والأرض، وهذا هو المعنى الحقيقي للحريَّةِ، والواقع الصحيح الذي يترجمها، فالرسالة الإلهية تبني مجتمعًا حرًّا بكل ما تعنيه الكلمة، ليس فيه أحدٌ عبدًا لأحد، والجميع عبيدٌ فقط لله ربِّ العالمين، ومبدأ التوحيد هو العنون الأول لرسالة الله تعالى، قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}[النحل: الآية2]، وكلُّ ما يُعبِّدُ الإنسان لغير الله تعالى، من عقيدةٍ، أو ممارسةٍ، فهو باطلٌ، وضلالٌ، وظلمة، يخسر بها الإنسان حريته بمفهومها الحقيقي.
وبحركة الرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” بالقرآن، فقد سعى لتحقيق هذا الهدف المقَدَّس في تحرير المجتمع البشري، ولا تتحقق الحريَّة الحقيقية إلّا باتباعه، والإيمان برسالته، والاهتداء بنور الله (القرآن الكريم)، وما عدا ذلك ظلماتٌ يتيه بها الإنسان، ويُعَبِّدُ نفسه للطاغوت والشيطان.
وكما كان من أبرز ظواهر الجاهلية وظلماتها هو: الظلم، ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، حيث تحوَّل إلى سلوكٍ عامٍّ للإمبراطوريات والدول، ومختلف الكيانات، والقبيلة، والأسرة، والأرحام، والأقارب، فتلاشت قيم العدالة، وتغلَّب نظام الغابة، فالقوي يأكل الضعيف.
فتحرك رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” بنور القرآن، وتعاليمه المباركة، بالتزكية للأنفس، وبترسيخ قيم الرحمة والخير والعدل، وبالجهاد والتصدي للظالمين؛ لإخراج الناس من ظلمات الظلم، إلى نور العدل والقسط، الذي هو من أبرز أهداف الرسالة الإلهية، وحظي فيها بمكانةٍ عظيمة، ومساحةٍ كبيرة من التعليمات والتوجيهات، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحديد: الآية25]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[النساء: الآية135]، وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة: الآية8].
وكان من ظواهر الجاهلية وظلماتها: امتهان الكرامة الإنسانيَّة بكل أشكال الامتهان، فالإنسان في نظرها وقانونها مهدور الدم، مستباح الحياة، مستباح العرض، مستباح المال، ومستباحٌ فيما يملك، طالما تعلَّقت بذلك مصالحٌ، أو رغباتٌ، أو أطماعٌ، من جهة من يستطيع أن يسلبه شيئًا من ذلك بالقهر والغلبة، أو المكيدة والحيلة، فالإنسان في نظر الجاهلية وطاغوتها ومروجيها الظلاميين رخيصٌ مستباح، والمهم هو مصالحهم.
فتحرك رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” بنور القرآن لتغيير تلك المفاهيم، وتغيير الواقع المظلم المبني عليها، وإعادة الاعتبار للإنسان بآيات الله تعالى، التي بيَّنت كرامة الإنسان، ومكانته، ودوره الحقيقي، والحرمات المتعلقة به، في نفسه وعرضه وماله، فبيَّنَ الله تعالى في كتابه التكريم للإنسان في خلقه وواقع حياته، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين: الآية4]، وقال “جَلَّ شَأنُه”: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: الآية70]، وبيَّن أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم أبي البشر “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وذلك تكريمٌ عظيمٌ.
ومن التكريم للإنسان: أنَّ الله منَّ على البشرية بأعظم القادة الهداة من أنبيائه ورسله، الذين هم على مستوىً عظيم في كمالهم الإنسانيِّ والأخلاقي، وفي رشدهم، ومعارفهم، وحكمتهم، وزكاء أنفسهم، وفي منزلتهم عند الله، وفي رحمتهم بالناس، وحرصهم على هداية الناس وإنقاذهم، وأنزل كتبه إليهم، بما فيها من التعليمات والتوجيهات القيِّمةِ، والهداية الواسعة التي تسموا بهم، وتفيدهم الرشد والحكمة، وترسم لهم طريق الفوز والفلاح، والنجاة والعزة والكرامة، والخير العظيم في الدنيا والآخرة، وبيَّنَ للناس الهدف المقدَّسَ من وجودهم في هذه الحياة، التي سخَّر لهم فيها ما في السماوات وما في الأرض، وعن المسؤولية المرتبطة بالإنسان في أعماله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7 – 8].
والتعليمات والتوجيهات الإلهية التي ترعى للإنسان حقوقه كإنسانٍ، وحقوق كل أبناء المجتمع، وحقوق المرأة واليتيم والطفل، ومسئوليات المجتمع تجاه اليتامى والفقراء والمساكين وغيرهم، وكذلك ما يرتبط بالمعاملات من التزاماتٍ وضوابط، كلها تقوم على العدل والبر، والإحسان والقسط، وحفظ الحقوق، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل: الآية90]، وكما قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}[النساء: الآية36].
وفي القرآن الكريم الأسس، والتوجيهات، والتعليمات، والتفاصيل، التي شرعها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لعباده، والتي تبني المجتمع البشري بناءً راقيًا، على أساسٍ من العدل والخير، والمحبة والرحمة، والتعاون والتضامن، بدءًا من اللبنة الأولى للمجتمع، وهي الأسرة، فأتت التعليمات والتوجيهات المتعلقة بالعلاقة بين الزوج والزوجة، ومسؤولية كلٍّ منهما تجاه الآخر، ومسئوليات الأبوَّةِ والأمومة، وعلاقة الأسرة ببعضهم البعض: الأبناء مع الوالدين، والإخوة والأخوات، وغير ذلك، بتفاصيل دقيقة، وعلى أساس المبادئ الإلهية، والقيم العظيمة، وهكذا إلى بقية الأرحام والقرابة، وإلى المجتمع عمومًا، وأعاد الاعتبار والكرامة الإنسانيَّة للمرأة بعد أن كانت الجاهلية بظلماتها وظلمها قد امتهنتها، وظلمتها، واحتقرتها، وحطَّتها عن قيمتها الإنسانيَّة، ورسَّخت نظرةً سلبيةً تجاهها، إلى درجة الإقدام على الجريمة الشنيعة بوأد البنات ودفنهن أحياء، فانتقل الإسلام بها نقلةً كبيرة، وأنقذها من ذلك الواقع المظلم، وأعاد لها اعتبارها كإنسانٍ ضمن دورها ومسئولياتها الفطرية، ودورها في إطار المهام المشتركة بين المؤمنين والمؤمنات.
والقرآن الكريم يرسِّخ لدى الإنسان الإيمان بقيمة وجوده في هذه الحياة، والهدف المقدَّس لذلك، وما يميزه عن غيره من الحيوانات، ويبيّن له ما يرتبط به من مسئولياتٍ مقدَّسة، وما يؤهله على مستوى الرشد والحكمة، وعلى مستوى الأخلاق والقيم؛ للقيام بتلك المسئوليات بشكلٍ صحيح، وبالتالي ما يترتب على أعماله من نتائج وعواقب في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت : الآية46]، و يربط ذلك بمصير الإنسان ومستقبله في الآخرة، بينما الأطروحات الباطلة الظلامية على العكس من ذلك تفرغ الإنسان من الشعور بكرامته الإنسانيَّة، وتُحَرِّكُهُ بالغرائز دون ضوابط ولا موازين، وتجرده من الأخلاق وتدفعه للاستهتار والعبث والانفلات والفوضى وتبعده عن تعليمات الله تعالى ونوره، وتضرب فيه أي شعور بالمسؤولية، وقدسية المهمة، كما تفعل جاهلية العصر، التي يقودها اللوبي اليهودي الصهيوني وأتباعه، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل، إلى درجة حربهم المعلنة على القيم والأخلاق الفطرية، وترويجهم للشذوذ الأخلاقي والفاحشة الجنسية، وسعيهم المعلن لتقويض الأسرة، وتفكيك المجتمع الإنساني، وقد روَّجوا باطلًا: أنَّ أصل الإنسان قرد، وحاولوا أن يجعلوا علاقته في منزلِهِ بالكلاب والقطط، أكثر من روابطه وعلاقته بأسرته، ويدفعون به الآن في المجتمعات الأوروبية إلى ممارسة حياته بطريقة الكلاب والقردة والحيوانات الأخرى، في أسخف مهزلة وأسفه عبث وأسوأ امتهان للكرامة، وهذا من أكبر الشواهد: أن القرآن الكريم والرسالة الإلهية والاقتداء والاتِّباع لخاتم النبيين ووارث المرسلين محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” هو الكفيل بأن يحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته واعتباره.
والقرآن الكريم كتاب هداية شاملة يستوعب الحياة بكلها، وفي كل مراحلها إلى قيام الساعة، وهو النور الذي تحرك به النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” لإخراج الناس من الظلمات، فسعى لإخراجهم من تعبيد أنفسهم لغير الله تعالى من الأصنام والأهواء والطاغوت، ومن تأليه المادة والشهوات؛ ولإخراجهم من المفاسد والرذائل والفواحش والجرائم، ومن كل ما ينحط بهم ويسيء إلى كرامتهم الإنسانية، وسعى لإخراجهم من حالة الشتات والفرقة ومن حالة الضلال والضياع، وقد حقق نجاحًا عظيمًا في مدة زمنية يسيرة، انتقل فيها بالعرب من نقطة الصفر إلى المرتبة الأولى عالميًا آنذاك، وحَوَّلَ واقعهم إلى أمة مُوَحِّدَةً لله تعالى، مستقلةٍ وقوية ومُوَحَّدَةٍ ومتعاونة وفق المبادئ الإلهية المتميزة بالأخلاق والشرائع الإلهية، ولكن المشكلة الخطيرة- وللأسف الشديد- التي انحدرت بالمسلمين وأثَّرَت عليهم فيما بعد، وصولًا إلى هذا العصر: هو تغييب دور القرآن الكريم في أكثر المراحل التاريخية، وبعدهم عن الاقتداء والاتِّباع للرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، حيث تغيرت النظرة إلى حصر العلاقة بالقرآن الكريم والاهتداء به، والاقتداء برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” في مجالات محدودة: كالجانب الروحي والشعائر العبادية، وبنظرة محدودة وضيقة، وفي بعض الأحكام والمسائل الشرعية لبعض المعاملات، ولم يستفيدوا من تجربة الرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” في حركته بالقرآن الكريم، بالرغم من أنه تحرك به في واقع مظلم وسلبي للغاية والظلمات معتمة في أرجاء العالم فكانت حركته بنور الله القرآن الكريم هي التي تحققت بها النتائج المهمة، وحظي فيها مع أنصاره بتأييد الله تعالى ونصره، إنَّ مَنْ وراء تجزئة العلاقة للأمة بالرسول والقرآن في مقام الاتِّباع والاهتداء والاقتداء وما ترتب على ذلك من فشل كبير وانحدار رهيب للأمَّة هم الحكام والسلاطين الجائرون وعلماء السوء الذين أيدوهم، ومن بعدهم المعتنقون للأفكار الظلامية لقوى الطاغوت والاستكبار المعادية للإسلام.
وفي القرآن الكريم أرقى الأسس للبناء الحضاري، الذي يتجه فيه الإنسان لعمارة الأرض، ويؤدي دوره كمستخلف استخلفه الله تعالى فيها، وسخر له في إطار ذلك الاستخلاف ما في السماوات والأرض، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وقدم له التعليمات التي يتعامل على ضوئها مع نعم الله تعالى برشد وانتفاع سليم وبما يحميه من المضار والمفاسد والخبائث، وبما يحافظ على سلامته الأخلاقية، ويسمو به في سلم الارتقاء والكمال الإنساني، وما يبني الأمة لتكون قوية عزيزة منيعة تدفع الشر عن نفسها، وتحمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى، وفق تعليماته المباركة؛ للنهوض بمسئولياتها المقدَّسة في التصدي للأشرار والطغاة والمستكبرين والمجرمين الظالمين على أساسٍ من المبادئ والقيم والأخلاق والتعليمات الإلهية المبنية على الحق والخير والعدل والحكمة.
وفي القرآن الكريم الأسس والتعليمات القيِّمة والحكيمة، والهداية الواسعة التي تنظم إدارة شؤون المجتمع على أساسٍ من المبادئ الإلهية والقيم والأخلاق والضوابط الشرعية، وضمن المهام المقدَّسة لتنفيذ تعليمات الله تعالى، وإقامة القسط وبناء الحياة، وتحمي المجتمع من التسلط والطغيان الفردي والفئوي، وتحرم الظلم ولا تعطي شرعية للظالمين، وتمنع الاستبداد وترسخ مبدأ الشورى في إطار الالتزام بتوجيهات الله تعالى، كما قال “جَلَّ شَأَنُه”: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: من الآية38]، وقال تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: من الآية124].
وكما قدم القرآن الكريم المفهوم الصحيح للمسؤولية كمسؤولية جماعية تتكامل فيها الأدوار، ولا يمتلك فيها أحدٌ صلاحية مطلقة بل الكل ملزم بتعليمات الله تعالى وحدود المسؤولية، وأيضًا أتى في القرآن الكريم تنظيم العلاقة والمعاملة مع أبناء المجتمع الإنسانيِّ على أسسٍ صحيحة، تفرِّق بين المسالم والمعادي المحارب حتى من الكافرين، كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: الآية8].
يا شعبنا العزيز، ويا أمتنا الإسلامية، إنَّ حجم الظلمات والهجمة الظلامية الشيطانيَّة، التي يقودها اللوبي اليهودي الصهيوني، وأتباعه في الغرب الكافر، ومن يحذو حذوهم قد وصلت إلى مستوى خطير في امتهان الكرامة الإنسانية، والإفساد في الأرض، والظلم والطغيان والإجرام، والاستهتار بالأخلاق، ومن ذلك إعلانها العداء لله تعالى ولرسله وأنبيائه وكتبه وإحراقها للمصاحف، وترويجها للشذوذ الجنسي، والفاحشة الجنسية، في حملة مكثفة تتبناها الأمم المتحدة بمختلف مؤسساتها، والمنظمات الدولية، وأمريكا وإسرائيل، والأنظمة الأوروبية؛ لتفكيك المجتمع البشري وتهديد النسل، وتدمير الأسرة، إضافة إلى سعيهم لتمييع الإنسان، وتفريغه من كل مشاعر الكرامة الإنسانية، كأسلوب دنيء يسهل السيطرة عليه واستعباده، وفي مقابل تلك الهجمة المفضوحة الظلامية المفسدة، وما تعانيه المجتمعات في العالم الإسلامي وغيره: من الظلم، والحرمان، ونهب الثروات، وهندسة الأزمات، ونشر الفساد، فإن قيمة الانتماء الإسلامي، وإرْثَ الرسالة الإلهية يحتم على المسلمين أن يكون لهم دور متميز في الحركة بنور الله القرآن الكريم، والاقتداء برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” ، والتصدي بكل الوسائل المشروعة لقوى الشر والطاغوت والإفساد، دول الاستكبار الظلامية الموالية للشيطان.
وإنَّ ذلك هو الدور المشرِّف والمسؤولية المقدسة للمسلمين، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[آل عمران: من الآية110]، وهذا هو الدور الذي يحمي المسلمين أوّلًا، ويعزز دورهم العالمي لإنقاذ بقية الشعوب والأمم، وبمقدار ما وصل إليه اخطبوط الشر المتمثل في اللوبي اليهودي الصهيوني وأمريكا وإسرائيل ومن يواليهم من انكشاف وفضيحة ووضوح تامّ لسوئهم وشرهم وفسادهم المخزي، فإنها فرصة تحتم المسؤولية اغتنامها لتوعية شعوبنا، وتأهيلها للقيام بدورها في إيصال نور الله إلى بقية الشعوب والمجتمعات البشرية، وإلّا فإن التفريط في أداء هذه المسؤولية والإعراض عن القرآن الكريم، والقطيعة مع أنبياء الله ورسله وخاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبدالله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” عواقبها كارثية ومخاطرها رهيبة ونتائجها وخيمة، فهي تمكينٌ للشر وإفساحُ مجالٍ للطغيان، واستدعاء لسخط الله وللعقوبات الرهيبة في الدنيا والآخرة.
إنَّ الجاهلية الأولى أطبقت بظلماتها حينما انفصل الناس عن هدى الله وتعاليمه، وعن اتِّبَاعِ رسله وأنبيائه “صلوات الله عليهم” وبدلًا عن ذلك حملوا أفكارًا وتصورات أخرى اعتمدوا عليها في إدارة شؤونهم وفي أعمالهم ومواقفهم وخالفوا بها تعاليم الله تعالى، وحتى الذي بقي لهم مما هو محسوب على تعاليم الله وعن أنبيائه دخل فيه التحريف والتزييف والانحراف والتجزئة حتى وصلوا إلى ما صلوا إليه آنذاك، ولولا رحمة الله تعالى بإرساله خاتم رسله وأنبيائه محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” وإنزاله القرآن الكريم المعجزة الخالدة الذي حفظه الله من تحريف نصه، وحركة الرسول بالقرآن الكريم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور لكان الضلال قد استحكم على الناس إلى درجة لا يبقى لهم فيها بصيص من نورٍ ولا أملٌ في خلاص.
فيا أمَّة الإسلام عودي إلى الله تعالى، إلى نوره وهديه، إلى كتابه ورسوله، فلا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
إنَّ شعبنا العزيز، يمن الإيمان والحكمة في إحيائه الكبير وغير المسبوق لذكرى مولد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، رسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” لَيُعْلِنُ للعالم أجمع تمسكه بالرسالة الإلهية، وإيمانه الراسخ بالقرآن الكريم: منهجًا، ودستورًا، وبرسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: قدوة وأسوة وقائدًا، وإنَّ مسار التغيير الجذري لإصلاح مؤسسات الدولة يعتمد على الانتماء الصادق والهوية الإيمانية لشعبنا العزيز، ويستنير بنور الله تعالى وكتابه الكريم، والاتباع لرسوله الأكرم “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” .
لقد عانى شعبنا العزيز معاناة كبيرة، على مدى عقودٍ من الزمن، من الظلم والحرمان، ومن السياسات الخاطئة، وانعدام المشروع الحضاري، نتيجةً لمؤامرات أعدائه من الخارج، وأعوانهم من الداخل، وهو شعبٌ عزيز، جدير بالخير، وله تاريخه الحضاري العريق، ودوره الرائد في مسيرة الإسلام الخالدة منذ فجر الإسلام وعلى مدى التاريخ، وكان العدوان الذي شنه تحالف الإثم والعدوان من ضمن أهدافه: منع أيّ تصحيحٍ يبني البلد على أساسٍ من هويته الإيمانية، ويحقق له الاستقلال والحريَّة، ويتجه للنهضة الحضارية، بعد أن عملوا على أن يكون بلدنا محكومًا بالوصاية الخارجية، وخاضعًا للبند السابع، ومذعنًا للمبادرة الخليجية، التي أحلّوها آنذاك محل الدستور اليمني، وكانت بنودها ومقرراتها فوق الدستور اليمني، وبعنوان الوفاق عُلِّقَ ما لا يتفق معها من الدستور آنذاك.
شعبنا العزيز، إنَّ من المعلوم قطعًا أنَّ البناء الصحيح لابدَّ له من أساسٍ صحيحٍ وجامعٍ، يؤمن به كلّ اليمنيين، ويعزز الشراكة فيما بينهم، ولا ينحصر لصالح حزبٍ أو فئة، ولا يدخل في حيّز المناطقية، ولا العنصرية، ولا الفئوية، وفي ظل هذه الظروف التي يعيشها بلدنا، ويعاني فيها من احتلال أجزاء واسعة منه، ويسعى الأعداء إلى تمزيق النسيج الاجتماعي لشعبنا تحت كل العناوين: العنصرية، والمذهبية، والمناطقية، والسياسية، ويسعون لاقتطاع أجزاء من البلاد.
وبناءً على ما سبق، فإنَّ ما يؤمن به الشعب اليمني في كل أرجاء الوطن، في شمال البلد وجنوبه، وشرقه وغربه، وفي كل محافظاته، وتجتمع كلمتهم على الإقرار به: هو القرآن الكريم، نور الله العظيم، وله الاعتبار فوق كل المقررات والقرارات، وهو الأساس الذي نعتمد عليه في مسار التغيير الجذري.
ثانياً: نؤكد التمسك بالشراكة الوطنية، والمفهوم الإسلامي للشورى، ووحدة الشعب اليمني، والمفهوم العام للمسؤولية، الذي تتكامل فيه الأدوار، ولن نقبل بالاستبداد، ولا بالتسلط الفردي، ولا الحزبي، ولا الفئوي.
ثالثاً: إنَّ المرحلة الأولى في التغيير الجذري: هي بإعادة تشكيل الحكومة بحكومة كفاءات، تجسد الشراكة الوطنية، ويتم فيها تحديث الهيكل المتضخم، وتغيير الآليات والإجراءات العقيمة والمعيقة، ويتم فيها تصحيح السياسات وأساليب العمل، بما يحقق الهدف في خدمة الشعب، ويساعد على التكامل الشعبي والرسمي في العمل على النهوض بالبلد، ومعالجة المشاكل الاقتصادية.
كما أن من ضمن المرحلة الأولى، مع إعادة تشكيل الحكومة بحكومة كفاءات: العمل على تصحيح وضع القضاء، ومعالجة اختلالاته، ورفده بالكوادر المؤهلة من علماء الشرع الإسلامي، ومن الجامعيين المؤهلين، وفتح مسارٍ فعَّالٍ لإنجاز القضايا العالقة والمتعثِّرة إن شاء الله.
رابعاً: أنصح تحالف العدوان، بإنهاء عدوانهم على الشعب اليمني، وإنهاء الحصار، والكف عن حرمان الشعب اليمني من ثروته النفطية والغازية، التي هو في أمسِّ الحاجة إليها؛ للمرتبات، وللصحة والتعليم، والاحتياجات الإنسانية والخدمية والتنموية، وكذلك إنهاء الاحتلال، ومعالجة ملفات الحرب؛ بإنجاز تبادل الأسرى، وإعادة الإعمار، وإلَّا فإن الإصرار على مواصلة الحصار والعدوان والاحتلال ستكون عواقبه وخيمةً على التحالف، فشعبنا العزيز يمتلك من عناصر القوة- والتي أولها: اعتماده على الله تعالى، وقيمه الإيمانية، وتمسكه بقضيته العادلة- ما يؤهله بمعونة الله تعالى للنصر والتنكيل بالأعداء، ولذلك فإن المصلحة الحقيقية لدول التحالف هي: الاستجابة لمساعي السلام، التي تقوم بها سلطنة عمان.
خامساً: نؤكد ثبات شعبنا في تمسُّكه بقضايا أمته الكبرى، وإدانته لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، ووقوفه المبدئي والديني والأخلاقي مع الشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأبطال، ومقاومته الباسلة، مع أحرار الأمة، ومحور المقاومة، لتحرير فلسطين والمقدسات، وعلى رأسها الأقصى المبارك، والقدس الشريف.
شعبنا العزيز، إن أساس النجاح- بعد معونة الله تعالى وتوفيقه- هو تعاونكم، وتفهمكم، ووعيكم، وحذركم من مساعي الأعداء لإعاقة كل مشروعٍ بنَّاء، وحذركم من الحاقدين المفترين.
وسنبقى- إن شاء الله تعالى- في مواكبةٍ مستمرةٍ، بالمتابعة العملية، وبالكلمات، حتى الإنجاز للمرحلة الأولى، وقد حرصنا على تقديم أهمِّ ما تجتمع به الكلمة، ويصلح به الوضع، في حال التفهم والتفاعل والتقبّل، وبنصحٍ صادقٍ، وحرصٍ أكيد، على شعبنا الذي نحبه، ونسعى لخدمته قربةً إلى الله تعالى، ومهما كانت التحديات والصعوبات، والمحن والفتن، فإن الاتجاه الصحيح هو الذي يفيد وينفع، ويحظى شعبنا عن طريقه بمعونة الله تعالى وتوفيقه، كما ورد في الحديث الصحيح، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” قال: قال رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ”: ((أَلَا إِنَّها سَتَكُونُ فِتنَة. قُلتُ: فَمَا المَخرَجُ مِنهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: كِتَاب اللهِ، فِيهِ نَبَأُ مَنْ قَبَلَكُم، وَخَبرُ مَا بَعْدَكُم، وَحُكمُ مَا بَيْنَكُم، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنِ ابْتَغَى الهُدَى مِنْ غَيْرِهِ أَضَلَّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِين، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيم، وَالصِّرَاطُ المُسْتَقِيم، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهوَاءُ، وَلَا تَلتَبِسُ بِهِ الأَلسُن، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّد، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُه، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذ سَمِعَتْهُ إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَق، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَل، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم)). صدق رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”.