نص كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة اختتام المراكز الصيفية 1440هـ – 2019
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأعزاء والحضور الكرام:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
أرحب بكم جميعاً بكل أنواع الحاضرين وكل الفئات من: العلماء، والأخ رئيس الوزراء، والإخوة الوزراء، والطلاب، والمعلمين… وبكل الحضور من كل أطياف المجتمع، وأحييكم وأشكر لكم هذا الحضور الكبير، كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر إلى كل الذين ساهموا في إقامة هذه الدورات الصيفية المفيدة والنافعة من المعلمين، وكذلك من كل المتعاونين بكل أشكال التعاون، كما أتوجه أيضاً بالشكر للطلاب، وأتمنى لهم أن يكونوا-إن شاء الله-قد استفادوا من هذه الدورات المباركة.
الله -سبحانه وتعالى- يقول في كتابه الكريم: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة: 151-152]، من أعظم نعم الله -سبحانه وتعالى- علينا كأمةٍ إسلامية أن يهيئ الله لنا، وأن يمُنَّ علينا بأعظم مصادر الهداية التي نتلقى منها المعارف الإلهية، المعارف التي قدَّمها الله -سبحانه وتعالى- إلينا وأنعم بها علينا، كما يذكر لنا في الآية المباركة، فالله -جلَّ شأنه- بإرساله الرسول الذي هو خاتم الأنبياء محمداً -صلوات الله عليه وعلى آله- وبالقرآن الكريم الذي أنزله إلى هذا النبي العظيم، هو هيأ لنا، وأنعم علينا، وأتاح لنا أن نحصل على المعارف الإلهية، على العلوم الحقيقية النافعة.
والإنسان في مسيرة حياته يفتقد دائماً ويفتقر ويحتاج- حاجةً ملحة- إلى العلم وإلى المعرفة؛ حتى تكون مسيرة حياته مسيرةً صحيحةً، ينطلق في مواقفه، في أفعاله، في أعماله، في اهتماماته، في توجهاته، في سلوكياته على أساسٍ من تلك المعارف الصحيحة، على أساسٍ من الهداية الإلهية والتوجيهات الربَّانية، وإلَّا كان البديل عن ذلك الانطلاقة على أساسٍ من الجهل، الانطلاقة الجاهلة التي يتحرك الإنسان فيها بناءً على تصورات خاطئة، أو أفكار ظلامية، والحالة هذه هي التي ينطلق فيها الإنسان: إمَّا منطلقاً من جهله الجهل البسيط كما يقولون،وإمَّا بالجهل المركَّب، ينطلق انطلاقةً من الجهل المركَّب، والجهل المركَّب: هو عندما يتحرك الإنسان معتمداً على أفكار ظلامية، وعلى مفاهيم خاطئة تحول بينه وبين معرفة الحقيقة، ويحمل في نفس الوقت تصورات يتوهم أو يظن أنها تصورات صحيحة، وأنها أفكار صحيحة، وأنها بالتالي أعمال أو مواقف صحيحة وسليمة.
والله -سبحانه وتعالى- أنعم علينا كأمةٍ مسلمة بالقرآن الكريم وبالرسول العظيم -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- وكان من أهم وفي مقدِّمة ما نستفيده من الرسول ومن القرآن الكريم هو أن نحصل على العلم النافع، على المعرفة الصحيحة، على الهداية؛ حتى نكون أمةً واعية، أمةً راشدة، أمةً تنطلق في مسيرة حياتها، وتتحرك في مسيرة حياتها، في أعمالها، في مواقفها، في سلوكياتها، في برامجها، في مشاريع هذه الحياة الواسعة، في كل مجالات هذه الحياة، على أساسٍ من تلك المعارف؛ فتكون انطلاقتها انطلاقة صحيحة، انطلاقة مستقيمة، انطلاقة حكيمة، انطلاقة راشدة، انطلاقة موفَّقة، وتبني مسيرة حياتها على أساسٍ من المسؤولية، من المسؤولية، كأمةٍ تؤمن بالله -سبحانه وتعالى- رباً، وملكاً، وإلهاً، ومشرِّعاً، وموجِّهاً، وتؤمن بالمعاد، وتؤمن بالحساب، وتؤمن بالجزاء، وتؤمن وتعي بأن وجودها في هذه الحياة هو وجودٌ هادف، وليس وجوداً عبثياً، كما يتوهم البعض من البشر الذين يظنون أنَّ هذه الحياة ليس وراءها أي أهداف، ولا أي غاية مهمة، وإنما وجد الإنسان- بحسب توهمهم وبحسب نظرتهم- إنما الإنسان في هذه الحياة يعيش ليأكل، ويأكل ليعيش، لا أقل ولا أكثر!
الله -سبحانه وتعالى- خلق السموات والأرض بالحق، وخلق الإنسان في هذه الحياة بالحق، والإنسان في هذه الحياة يعيش مستخلفاً في هذه الأرض، ومتحمِّلاً لمسؤولية، منظوراً ومرقوباً برقابة الله -سبحانه وتعالى- له مسؤولية، ولوجوده هدف، وبعد هذا الوجود في هذه الحياة هناك الحياة الأخرى، وهناك الحساب، وهناك الجزاء، والإنسان يعيش في هذه الحياة تحت رقابة الله -سبحانه وتعالى- خاضعاً لرقابة الله -سبحانه وتعالى- أربعاً وعشرين ساعة، لا تغيب عنه هذه الرقابة الإلهية المباشرة، والرقابة أيضاً بواسطة الملائكة، بواسطة الوسائل الإلهية التي تحصي على هذا الإنسان كل أفعاله، وكل تصرفاته، والله -سبحانه وتعالى- رسم لنا في هذه الحياة- كبشر- رسم لنا منهجاً نعتمد عليه، نلتزم به، نحتاج إلى أن نتعرف على هذا المنهج، وأن نرتبط بهذا المنهج، فالإنسان- بشكلٍ أساسيٍ- يحتاج إلى العلم وإلى المعرفة، والمعارف الإلهية هي تقدِّم لهذا الإنسان الرؤية الصحيحة، والمنهجية الصحيحة، وترسم له مسيرة حياته بشكلٍ تام، وتجعل له أو تؤسس له المنطلقات الصحيحة والأسس الصحيحة التي ينطلق من خلالها في شتى معارف شؤون هذه الحياة، حتى في العلوم الطبيعية، العلوم الطبيعية هدى الله يقدِّم لها الأسس، ويرسم لها الغاية، ويجعل منها علوماً هادفة، وعلوماً مثمرة، وهدى الله هو الذي يحضن للمسيرة البشرية حضارتها؛ حتى تكون حضارةً صحيحة، قائمةً على أساسٍ من المبادئ، والقيم، والأخلاق، والأهداف العظيمة.
والإنسان إذا انطلق بجهل في هذه الحياة، هو يتحرك بالتالي في أعماله، وفي مواقفه، وفي سلوكياته التحركات الخاطئة، التي تترك الأثر السلبي على هذه الحياة، إن منشأ كلِّ الانحرافات، وإن منشأ كلِّ التصرفات الخاطئة، وإن منشأ كلِّ المواقف الباطلة: هو الانحراف عن المعارف الإلهية الصحيحة، عن التوجيهات الإلهية الحقيقية، هو الاعتماد: إمَّا على مفاهيم باطلة، وإمَّا على تصورات جاهلة، ينطلق فيها الإنسان لا يستند فيها إلى الهداية الإلهية والمعارف الإلهية الصحيحة.
نحن نرى في واقع أمتنا الإسلامية كم تركت الأفكار الظلامية الهدَّامة من أثرٍ سلبي في الكثير من الناس، في الاتجاهين:
اتجاه الأفكار الظلامية التي تؤسس للغلو، وتؤسس للإفراط وللتجاوز، كما هي الحالة بالنسبة للقوى التكفيرية، إنَّ الأفكار الظلامية هي التي تصنع من الإنسان إما داعشياً، تكفيرياً، مغالياً، متزمِّتاً، متوحشاً، له نظرة خاطئة وفهم خاطئ للمفاهيم الدينية؛ فيتحرك في أوساط الأمة بشكلٍ خاطئ، وبشكلٍ منحرف، ويلحق بهذه الأمة الضرر الكبير جدًّا، ويتحول إلى إنسانٍ خطر يشكِّل خطورةً على أمته، على أمنها، على استقرارها، على خيرها، على ألفتها، على وحدتها، ينشر البغضاء والكراهية، يهدم القيم العظيمة لهذا الإسلام: قيم الرحمة، قيم الحكمة، القيم الخيِّرة التي تبني المجتمع مجتمعاً خيِّراً، صالحاً، متراحماً، متعاوناً، متكاتفاً، محسناً، يبني على أساسٍ من التوحش، والكراهية، والبغضاء، وانعدام الرحمة، وينطلق في هذه الحياة أيضاً مرتبطاً بشكلٍ أو بآخر بأعداء الأمة الذين يستغلونه، ويرون فيه أداةً تستغل في تشويه الإسلام أولاً، وفي تدمير الأمة من الداخل ثانياً.
والاتجاه الآخر الذي نرى أثره السيء في واقع أمتنا الإسلامية نتيجةً للأفكار الظلامية والهدَّامة، ونتيجةً للانحراف عن المعارف الإلهية الصحيحة، وعن المفاهيم الصحيحة، هو الاتجاه الذي أيضاً يبني حالةً من التبعية في واقع الأمة لأعدائها، التبعية الثقافية، التبعية الفكرية، الانجرار وراء المفاهيم المخادعة التي يقدِّمها أعداء الأمة؛ فيضربون بها القيم والأخلاق في أوساط الأمة، وتدجِّن أبناء الأمة للطغاة والجائرين والمستكبرين، وتهيئ هذه الأمة للخنوع والاستسلام لأعدائها.
كلا هاتين الحالتين هي ناشئة عن الأفكار الظلامية، عن الجهل المركَّب الذي انتشر بين أبناء الأمة بشكلٍ كبير؛ فأنشأ دواعش من جانب، وأنشأ منحلِّين عن القيم ويعيشون حالة التبعية العمياء للأعداء (أعداء الأمة) في المفاهيم، وفي التبعية الثقافية، والتبعية الفكرية، وهذه هي حالة خطيرة جدًّا، الجهل المركَّب والأمِّيَّة في المفاهيم هي أخطر من الجهل البسيط، وهي أخطر من أمِّيَّة القراءة والكتابة، الشاعر يقول وهو يتحدث عن الجهل المركَّب:
قال حمار الحكيم يوماً: |
لو أنصف الدهر كنت أركب |
لأنني جاهــلٌ بسيـــطٌ |
وصاحبـي جاهــلٌ مــركــب |
الأمِّيَّة التي تنتشر حتى في أوساط الكثير من النخب الأكاديمية، والنخب العلمية هي أمِّيَّة المفاهيم، التصورات الخاطئة، وكذلك الحالة التي نجدها لدى المتزمتين والمغالين والمفرطين والدواعش والتكفيريين هي المفاهيم الظلامية، المفاهيم الخاطئة، التصورات الخاطئة، وكل هذا يمكن أن نعالجه بالرجوع إلى المنبع الصحيح، المنبع الصافي للعلوم والمعارف الإلهية: الثقافة القرآنية، القرآن الكريم كما هو، الرجوع إلى القرآن الكريم وفق ما يقدِّمه القرآن الكريم، وليس رجوع المتزمتين والمزيفين للحقائق، الذين يهدفون حتى إن رجعوا إلى النصوص القرآنية إلى العمل على تحريف مفاهيمها، إلى لَيِّ مفاهيمها؛ لتكون متوافقةً مع رؤاهم، مع تصوراتهم، مع أفكارهم الخاطئة والسيئة والظلامية التي أوصلت الأمة إلى الحضيض، أوصلت الأمة إلى مرحلة سيئة جدًّا، إلى مرحلة التخلف في زمن تقدَّمت عليها فيه سائر الأمم في كل مجالات الحياة، بينما القرآن الكريم بما فيه من المعارف الصحيحة يؤسس ويبني لحضارةٍ عظيمة، بدءًا من تقديمه مفهوماً صحيحاً للاستخلاف في الأرض، ماذا يعني الوجود البشري على هذه الحياة؟ فيؤسس لحضارة صحيحة، حضارة عظيمة تبني الحياة، وتبني في هذه الحياة أيضاً القيم والأخلاق العظيمة.
الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية المباركة يقدِّم لنا الصورة الصحيحة عن المعارف الإلهية وأثرها في الإنسان، لاحظوا أيها الأعزاء، في كثيرٍ من الحالات قد يبدأ الخطأ بدءًا من الهدف من التعلم والتعليم، عندما يكون الهدف الرئيسي لمسألة التعلم والتعليم هو الهدف المادي، [أنا أريد أن أتعلم لأحصل على وظيفة فأحصل على مرتب]، هنا يبدأ الخطأ، ثم يكون لهذا الخطأ آثار سليبة على طول المسيرة التعليمية والعملية، نحن- في البداية- يجب أن نعرف لماذا نتعلم؟ ما الهدف من هذا التعلم؟ نحن أمةٌ مسلمة، نرتبط بالله -سبحانه وتعالى- حتى في أهدافنا في هذه الحياة، أهداف مسيرة هذه الحياة، ننشد رضا الله -سبحانه وتعالى- من كل عمل، ومن كل سعيٍ نسعى فيه.
الله -سبحانه وتعالى- هو نصب أعيننا، هو وجهتنا، إليه المصير، ورضاه هو الهدف الأول الذي نسعى للوصول إليه. أن يكون الهدف أن تحصل على مقام معنوي، أو أهداف مادية تكون هي الأهداف بنفسها. هذا هو الخطأ بعينه، هذا هو الذي ضَيَّعَنا كأمة، لاحظوا في الأمم الأخرى هم يحرصون على أن يرتبط الإنسان بأهداف كبيرة كأهداف رئيسية لمسيرته التعليمية، أهداف رئيسية جامعة تبني أمتهم كأمة، أمة متحضرة، أمة قوية، أمة لها أهداف كبيرة، حتى أنها تنشد دوراً عالمياً.
لو نأتي مثلاً إلى العملية التعليمية في أمريكا، أو في اليابان، أو في أوروبا، أو في الصين، لا نجد أهدافاً فردية، ولا نجد الإنسان يرتبط بهدف شخصي ضيق ومحدود: [يريد أن يتعلم؛ كي يحصل على وظيفة؛ كي يحصل على مرتب، والسلام ختام، وانتهى الموضوع]. لا، لهم أهداف كبيرة، يحرصون على أن ينشؤوا أمماً كبيرة، قوية، متحضرة، متمكنة، ذات حضور عالمي، وأكثر من هذا، بطموحات استعمارية، يفكر أن يتعلم؛ لكي يكون له دور كبير حتى على المستوى العالمي، أن تكون أمته هي الأمة الأقوى في هذا العالم، أن تكون أمة ذات منعة، ذات إمكانيات هائلة، أن تتمكن من استغلال كل موارد هذه الحياة، وكل ما في هذه الحياة من نعم وإمكانيات لما يحقق لها الرفاهية والسعادة. أهداف عامة، وأهداف كبيرة.
نحن رسم لنا الإسلام أهدافاً أعظم، وأهدافاً أسمى، وأهدافاً أكبر، وجعل مسيرتنا التعليمية مسيرة بناءٍ لك كإنسان؛ كي تكون إنساناً بناؤك لكي يتحقق فيك الكمال والنضج الإنساني، تكون إنساناً زاكياً، تتحلى بمكارم الأخلاق، تحمل نفساً زكية غير مدنسة، نفساً تتربى على مكارم الأخلاق، وتكون إنساناً راشداً، حكيماً، متنوراً، تحمل المعارف الصحيحة، والرؤية الصحيحة، والفهم الصحيح، ولهذا نقيس أهمية هذا التعليم الصحيح بأثره العظيم في الإنسان.
هدى الله له هذا الأثر في الإنسان، يعلمك لكي تعمل، ويعلمك لكي تزكو، ويعلمك لكي تتحرك كمسؤول في هذه الحياة يتصرف ويعمل بشكلٍ صحيح، ويعلمك لكي تكون مرتبطاً بمنهج الله -سبحانه وتعالى- المنهج العظيم؛ لأنه في النهاية العملية التعليمية لها منهج، هذا حاصل في كل الدنيا: العملية التعليمية لها منهج، هذا المنهج يتضمن معارف معينة، مقروءات معينة، أفكار معينة تقدم للإنسان لكي يؤمن بها، ولكي يقتنع بها، ولكي يتحرك في هذه الحياة على أساسها وبالاستفادة منها، نحن كأمةٍ مسلمة لدينا أعظم منهج، والله -سبحانه وتعالى- حينما قال في هذه الآية المباركة: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، يعلِّمنا المعارف التي لا وجود لها عند بقية البشر، معارف لا يمكن الحصول عليها إلَّا من الله، من خلال ما قدَّمه في كتابه المبارك من هذه المعارف العظيمة جدًّا، والأفكار الصحيحة التي نستفيد منها أفكاراً صحيحة وتصورات صحيحة عن هذه الحياة، وعن واقع هذه الحياة، وعن أهداف هذه الحياة، عن مسيرة هذه الحياة.
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}؛ لأن هذا يؤسس لنا أولاً الاستقلال الفكري والثقافي، وهذه من أهم المسائل على الإطلاق، لا يمكن لنا- كأمة- أن يتحقق لنا استقلال سياسي، واستقلال اقتصادي، واستقلال في واقعنا كأمة، إن لم يتحقق لنا الاستقلال الثقافي والفكري، وهذه الآية تبين لنا أنَّ الله -سبحانه وتعالى- ربطنا به في مسألة المعارف والثقافة؛ لكي نحصل على الاستقلال الفكري والاستقلال الثقافي، وربطنا بأعظم مصدر للمعارف المعارف الإلهية التي يعلمنا الله بها: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقرة: من الآية282]، معارف من الله، علوم من الله، الذي يخبرنا بها هو الله -سبحانه وتعالى- ولهذا قال: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا}، وأيُّ شيءٍ أعظم من هذا! هل هناك أحد أعلم من الله؟ هذه هي المعارف الصحيحة: معارف من الله -سبحانه وتعالى- ثم أيضاً يحمينا من المفاهيم الظلامية والتصورات الخاطئة التي تضل الإنسان، والتي يخطئ بها الإنسان، وينحرف من خلالها في مسيرة حياته، ولهذا أثر سيء في واقع الحياة بكلها، ثم نلحظ الأثر المميز والبناء الصحيح للإنسان من خلال هذه المعارف في نفس الإنسان وفي مفاهيمه، ثم بالتالي في اهتماماته وأعماله وسلوكياته.
أول أثر لهدى الله -سبحانه وتعالى- وللمعارف الصحيحة: هو الأثر الإيماني في العلاقة مع الله -سبحانه وتعالى- المعرفة بالله معرفةً صحيحةً تترك أثراً من المحبة لله فوق كلِّ محبة، ومن الخشية لله -سبحانه وتعالى- الله يقول في كتابه المبارك: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: الآية21]، هذا الأثر المهم يسمو بالإنسان، يرقى بالإنسان، يكبر بالإنسان، يساعده على الاستقامة في مسيرة حياته، ينطلق في هذه الحياة إنساناً يحب الله فوق كلِّ شيء، ويخشى الله فوق كلِّ شيء، فيمتلك طاقة هائلة، قوة معنوية عظيمة جدًّا، يستند إلى الله في مواجهة كل التحديات وكل الأخطار، يؤمن بالله -سبحانه وتعالى- وبهذا الإيمان ينطلق في هذه الحياة لا يخشى إلَّا الله، ويحب الله فوق كلِّ شيء، يتحرر من قيود وأغلال المحبة المادية التي هي مفرطة، وأيضاً من أغلال وقيود الخشية من الناس، فيمتلك طاقة إيمانية هائلة، ويتصل بحبل الله -سبحانه وتعالى-؛ ليحظى من خلال هذا الإيمان وهذه العلاقة بالرعاية الإلهية الدائمة: هدايةً، وعوناً، وتثبيتاً، وتأييداً، وسكينةً، وتوفيقاً، ويكون لهذا أثر كبير في حياته.
أثر هذا أيضاً– كما قلنا- في التزكية ومكارم الأخلاق: كل ما في واقع هذه الحياة من جرائم ومفاسد ومظالم تؤثر على حياة البشر، وتشقي هذا الإنسان، منشؤها خلل في التزكية، خلل في الزكاء (في زكاء النفوس)، الإنسان المجرم الشرير، الإنسان الطاغية، الإنسان المفسد، الإنسان المنحرف أخلاقياً يعاني من مشكلة في زكاء النفس، القرآن الكريم، المعارف الإلهية، العلم الحقيقي والنافع من أهم آثاره في الإنسان أنه يزكِّي النفس البشرية، يربيها على مكارم الأخلاق، يسمو بها؛ حتى تكون نفساً تعشق مكارم الأخلاق، وتمقت مساوئ الأخلاق، إنساناً يرى الشرف في العفة، يرى الكرامة شيئاً عظيماً ينشد إليه، ينجذب إليه، يتأثر به؛ فينشأ إنساناً صادقاً، صالحاً، عنصراً خيِّراً في واقع الحياة.
عندما نرى الأثر السيء للخلل الكبير في التزكية في الناس، في الإنسان في أيِّ موقع من مواقع المسؤولية، وفي أيِّ مجالٍ من مجالات الحياة، أما إذا كان الإنسان السيء الذي يعاني من خلل في تزكية النفس في موقع مهم في هذه الحياة من مواقع المسؤولية: أمير، أو ملك، أو رئيس، أو مسؤول؛ يكون ضرره أكبر في واقع الحياة، ودوره أسوأ في واقع الحياة، والإنسان بشكلٍ عام، ثم المجتمع كمجتمع، إذا كان مجتمعاً يتزكى، يتربى على مكارم الأخلاق؛ تستقيم حياته، تصلح حياته، يسمو، ينمو وتنمو فيه مكارم الأخلاق، وتنمو فيه الحياة على نحوٍ عظيم، ولهذا يقول الله -سبحانه وتعالى-: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ}، فالتعليم والتربية مقترنان، والتعليم الصحيح هو الذي يربي تربية صحيحة، والمفاهيم الخاطئة هي التي تربي تربيةً سيئة.
من أهم الآثار للعلم الصحيح والمعارف الإلهية النافعة الاستشعار للمسؤولية: وهذا موضوعٌ رئيسيٌ وأساسيٌ في المعارف الإلهية، وفي الثقافة القرآنية، وفي المفاهيم القرآنية، القرآن الكريم والرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- يعلِّمنا المسؤولية، من أهم ما يعلمنا، وفي مقدِّمة ما يعلِّمنا المسؤولية، أن استشعر مسؤوليتي في هذه الحياة، مسؤوليتي في كل مجال من مجالات حياتي، بدءًا من واقعي الشخصي في سلوكياتي، في تصرفاتي، ثم تجاه محيطي الأسري، ثم تجاه محيطي المجتمعي، ثم تجاه البشرية بشكلٍ عام، وتأتي فرائض معينة، مثل: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفاهيمها الصحيحة القرآنية، التي تتجه نحو كل مجال من مجالات الحياة لتصلح فيه، لتصححه، لتبنيه على أساسٍ من المبادئ، والقيم، والأخلاق، والمصلحة العامة، والخير لهذا الإنسان. فريضة الجهاد في سبيل الله بمفهومها الصحيح البنَّاء لدفع الظلم، لدفع الطغيان، لدفع الشر، لحماية الأمة، لحماية استقلالها وكرامتها والدفاع عنها… ثم هكذا مسؤوليات متعددة: مسؤوليات في الجانب المالي، مسؤوليات في كل المعاملات؛ حتى تكون المعاملة من أهم ما يتجسد فيه الدين، لدرجة أن يقول: (الدين المعاملة)، المسؤولية هذه التي يربينا عليها الإسلام فتجعلنا نتحرك في هذه الحياة ونحن ندرك ما علينا من مسؤوليات، ونتصرف بناءً على هذه المسؤوليات، من أهم ما في الإسلام، من أهم ما في القرآن، من أهم ما تقدِّمه المعارف الإلهية، فمن يأتي ليعلم الناس الأنانية، والجمود، والقعود، واللامسؤولية، والانفلات، واللامبالاة بالقضايا المهمة والقضايا الجامعة، هو لا يُعَلِّم الناس إلَّا المفاهيم الخاطئة، إلَّا الأفكار الظلامية الهدَّامة.
من أهم الأثر العظيم للمعارف الإلهية، للقرآن الكريم، للثقافة القرآنية، للعلم النافع هو الوعي، الوعي: هو يعلِّمك الوعي، أن تكون إنساناً يمتلك الوعي تجاه كل شؤون الحياة: الوعي بالناس، الوعي بالواقع، الوعي بالأحداث، الوعي بالفئات التي تتحرك في واقع البشر مهما كانت عناوينها التي تتحرك من خلالها، الوعي بالمسؤولية، الوعي الذي هو نورٌ تستضيء به تجاه واقع الحياة، وهذه من أهم الثمار المجتناة، والثمار الطيبة، والثمار العظيمة للعلم النافع، للثقافة القرآنية، لهدى الله -سبحانه وتعالى- البصائر، الله يقول في كتابه الكريم: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ}[الأنعام: من الآية104]، هذا الوعي الذي يحصِّن الساحة يحصِّن الأمة من كل الأفكار الظلامية، ومن كل الظلاميين الذين يأتون تحت أي عنوان، فلا يتمكنون من خداع من امتلك الوعي من خلال هدى الله، من خلال العلم النافع، لا ينخدع بأي عناوين وراءها قوى ظلامية، ووراءها مساعٍ هدَّامة وتدميرية، يعرف أساليب أهل الباطل، أساليب أهل الضلال، الأساليب والعناوين التي يستخدمها الظلاميون من كل فئات البشر وأشكالهم؛ وبالتالي هو محصَّن بالوعي لا ينخدع، وفي نفس الوقت لا يتأثر تأثراً سيئاً لمن هبَّ ودبَّ، لا يعيش حالة الفوضى في التلقي والتأثر بكل ما سمع، ليس إنساناً فاضياً، ما سمعه تأثَّر به، البعض من الناس كما نقول: (كالصحن اللاقط)، ما وصل استقبله استقبله وتأثَّر به، قد يسمع أي كلمة من أي إنسان وتأثَّر بها، بنى عليها تصوراً، بنى عليها موقفاً. مثل هذا الإنسان لن يكون راشداً، الوعي هو يحصِّنك من الاستغلال، الإنسان يُستَغل، الإنسان يُستَعبد- إلى درجة الاستعباد- إن لم يمتلك الوعي؛ لأنهم يأتون كل فئات الضلال تأتي تحت عناوين معينة، كل فئة ضلال لها نشاط إعلامي، لها نشاط ثقافي، لها نشاط ذو طابع فكري، تحاول من خلاله أن تدجِّن الآخرين لها، وأن تستغلهم، وأن تستعبدهم، وأن تخضعهم، وأن تهيأ الساحة لمواقفها وأهدافها وتوجهاتها، فالأمة إذا امتلكت الوعي تحصنت، لو وجَّه الآخرون إليك مليون قناة فضائية، وأتوا إليك بمليون تكفيري، وأتوا إليك بأي وسيلة وبأي عنوان؛ لن يستطيعوا أن يؤثِّروا فيك أبداً، ولا أن يغيِّروا فيك قناعةً واحدة ابتنت على يقين، على وعي، على بصيرة، بل تكون أنت محصَّناً فلا تتأثر من هنا أو هناك.
اليوم لو نأتي إلى كل فئات الاستكبار، وفي المقدِّمة الأمريكي، كل فئات الاستكبار والاستعمار والطغيان في هذا العالم لها نشاط هائل، نشاط عنوانه العام هو الحرب الناعمة، نشاط ذو طابع فكري، ذو طابع إعلامي، ذو طابع تثقيفي، وهم يتمكَّنون من التأثير على الناس من خلال هذا، ومن ثَمَّ الاستعباد للناس، والسيطرة على الناس، الإنسان إذا تمت السيطرة عليه فكرياً وثقافياً؛ أمكنت السيطرة عليه سياسياً، أمكنت السيطرة عليه والاستعباد له في واقع حياته.
ونحن في هذه المرحلة أهم ما نحتاج إلى أن نتسلح بسلاح الوعي، وأن نتحصن بالوعي تجاه كل ما يمتلكه الأعداء من وسائل للتأثير الفكري والثقافي، ولصناعة الرأي العام، وللتأثير على البشرية في أفكارها وتوجهاتها، فمن أهم الآثار العظيمة لهدى الله وللعلم النافع الوعي: الوعي بالعدو، الوعي بالناس، الوعي بالحياة، الوعي بالواقع، الوعي بالأحداث، مفاهيم صحيحة هي تمثِّل النور تستضيء بها، وبصائر تبصر بها الواقع كما هو، الحقائق كما هي، الأحداث بخلفياتها الحقيقية، بحيثياتها الواقعية.
أيضاً من هم آثار هدى الله والعلم النافع والمعارف الإلهية الحكمة: ولهذا {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (وَالْحِكْمَةَ)،الحكمة عندما نمتلك الرؤى الصحيحة الصائبة، وبالتالي نزن على ضوئها تصرفاتنا، ومواقفنا، وأعمالنا، وسلوكياتنا؛ نكون حكماء، ونحن كشعبٍ يمني يجب أن نكون طلَّاباً للحكمة، وشغوفين بالحكمة، وحريصين على الحكمة، أن يكون الإنسان حكيماً في رؤيته، وفي تصرفه الحكيم، وفي قوله الحكيم، وفي موقفه الحكيم.
(الإيمان يمان، والحكمة يمانية)، سنكون كشعبٍ يمني حكماء بقدر ما نرتبط بهذا الهدى: بهدى الله، بكتابه الكريم، بثقافته المباركة، عندما نرتبط بالعلم النافع، عندما نرتبط بالمعين الصافي للمعارف فنحصل على المعارف الصحيحة، نكون- بالفعل- حكماء في الرؤية، في الموقف، في التصرف، في السلوكيات، ونكون شعباً راشداً، أمتنا بشكلٍ عام كأمةٍ إسلامية كذلك.
فهذه الخمس العناصر الأساسية هي في مقدِّمة ما يميِّز هدى الله -سبحانه وتعالى- في أثره في الإنسان، الأثر الطيب والعظيم للمعارف الصحيحة والمعارف الإلهية والعلم النافع؛ أما العلم الضار الذي يقدِّم مفاهيم خاطئة تحت عنوان علم، أفكار ظلامية تحت عنوان علم، فهو الجهل المركَّب، الجهل المركَّب، وهي الأمِّيَّة في المفاهيم التي يجب أن نكون على حذرٍ منها.
نحن نأمل- إن شاء الله- أن تستمر الأنشطة التعليمية والمسار التعليمي، ما بعد الدورات الصيفية يمكن أن يكون هناك مسار يتلاءم مع الظروف والمراحل القادمة، ويلائم ما بين الجانب المدرسي والجامعي، والأنشطة الداعمة والمساعدة والمفيدة والمساندة التي ترتقي بالإنسان في معارفه، وفي علومه، وفي أفكاره، وفي تصرفاته، وفي مسيرة حياته، هذه هي النتيجة: في مسيرة حياته.
العملية التعليمية هي عملية دائمة، عملية للحياة بكلها، نحن دائماً ما نذكِّر كيف أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قال لنبيه محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- وهو الذي بلغ مرتبة عالية جدًّا في العلوم والمعارف، إلى درجة أنه عبَّر عن ذلك بقوله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-: (أنا مدينة العلم)، مدينة العلم رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- الذي حاز واحتوى على المعارف العظيمة، هو الذي علَّمه الله أن يقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه: من الآية114]، هي مسيرة حياة، مسيرة التعلم هي مسيرة حياة، يبقى الإنسان حريصاً في كل مراحل حياته إلى أن يلقى الله أن يكتسب دائماً المزيد والمزيد من المعارف الصحيحة، من الهداية الإلهية، من الحكمة الربانية، من العلم النافع، ويتعوذ بالله- كما كان رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- يتعوذ- من علمٍ لا ينفع، من المعارف الضارة التي تقدَّم للإنسان تحت غطاء أنها علوم ومعارف، ونحن نحرص- دائماً- على أن يتجه شعبنا العزيز في المعارف الدينية والمعارف الطبيعية، معارف بقية مجالات الحياة: في الطب، الفيزياء، الكيمياء… وكل المعارف الإنسانية التي تبنى على أساسٍ من المبادئ والقيم الإلهية، حتى تدخل حيز الحياة على أساسٍ من المسؤولية؛ ليكون اتجاهنا هو بناء حضارة إسلامية صحيحة، حضارة إسلامية بما تعنيه الكلمة، وفي الإسلام وفي القرآن ما يهيئ للأمة الإسلامية أن تكون هي الرائد الحقيقي لأسمى وأشرف حضارة في الواقع البشري، هذا ما نأمل أن نسير نحوه إن شاء الله وبتوفيق الله سبحانه وتعالى.
أطلت كثيراً، لا يتسع لي المجال للتطرق إلى الوضع الإقليمي والمحلي والدولي، إِلَّا في بعض النقاط وبشكلٍ مختصر جدًّا:
أولاً: في واقعنا في البلد: جزءٌ من صمودنا، وجزءٌ من ثباتنا، وجزءٌ من قوة موقفنا عبَّر عنه هذا النشاط التعليمي الفاعل والقوي، الذي شمل كثيراً من المحافظات والمناطق بالرغم من ظروف الحرب والحصار، هذا جزءٌ من الصمود، وهذا الصمود يتجه نحو كل مجالات الحياة، نحن نأمل- إن شاء الله- في كل مجالات الحياة أن يكون اتجاهنا اتجاه العمل، اتجاه البناء، الاستمرارية بشكلٍ صحيح مهما كانت الظروف والمعاناة، حتى على المستوى الاقتصادي نحن نأمل- إن شاء الله- أن يكون هناك مسارات عمل تنبثق عن الرؤية الوطنية في كل المجالات الاقتصادية، نواجه بها التحديات، ونواجه بها العدوان حتى في الجانب الاقتصادي.
نحن أيضاً فيما يتعلق بالعدوان، بفضل الله -سبحانه وتعالى- هناك صمود- بتوفيق الله، بمعونة الله، بنصر الله- صمود عظيم، والعدو هو يعيش حالة التخبط والتفكك يوماً بعد يوم، نحن نأمل أن تصدق الإمارات في إعلانها الانسحاب، وإن كانت حاولت أن تغير حتى العنوان إلى عنوان إعادة الانتشار، إلَّا أنَّ نصيحتي للإمارات هي أن تصدق، هذا لمصلحتها هي، لمصلحتها حتى على المستوى الاقتصادي، وضعها يشكِّل خطورةً عليها على المستوى الاقتصادي.. وعلى كل المستويات، استمرارها في العدوان، واستمرارها كذلك في الاحتلال لبلدنا يشكِّل خطورةً عليها، تتحمل هي مسؤولية ذلك، نصيحتنا لها أن تصدق، وأن تكون جادةً في هذا التوجه، إذا صدقت واتجهت بجدية فهذا هو الموقف الصحيح، الذي نأمله أيضاً من كل دول التحالف (تحالف العدوان على شعبنا اليمني العزيز).
النظام السعودي وهو يغرق أكثر فأكثر في هذا العدوان يجب عليه أن يأخذ الدرس، أن يأخذ العبرة، أن يرى ما يعيش هذا الشعب من ثبات وتماسك وقوة معنوية هائلة؛ لأنها تستند إلى مبادئ، إلى قيم؛ لأنه يمن الإيمان والحكمة، صموده من إيمانه، وثباته من إيمانه، وتماسكه من إيمانه، وقوته من إيمانه، شعبٌ يستحيل أن يخنع لغير الله -سبحانه وتعالى- وأن يستعبده أحدٌ إلَّا الله -سبحانه وتعالى- يجب على السعودي أن يأخذ العبرة، نحن الآن في العام الخامس من العدوان، بذل كل جهده، حلبه الأمريكي حتى يكاد ضرعه أن يجف، عليه أن يحذر، وإلَّا فكلما تمادى في عدوانه فلن نألوا جهداً في أن نعمل كلما نتمكن منه، كلما نستطيعه من ضربات موجعة، ونحن نحذره وننبهه على ما تشكِّله هذه الضربات الموجعة عليه من تأثير كبير، وحتى على من يقف ورائه من القوى الدولية وفي مقدمتها الأمريكي، من أمثال عملية التاسع في شهر رمضان المبارك، على السعودي أن يأخذ العبرة، وعليه أن يدرك أن مصلحته ومصلحة المنطقة بكلها هي في السلام، هي في الكف عن العدوان، هي في الاستقرار؛ أما الاستمرار في العدوان، والاستمرار في التصعيد، فلن يكون إلَّا نحو المزيد أيضاً من التصعيد من جانبنا؛ لأننا حينها لا خيار لنا إلَّا أن نتجه نحو التصعيد أكثر فأكثر كلما استمر العدوان في تصعيده.
على المستوى الوضع الداخلي: ما حصل من ممارسات في عدن تجاه بعض أبناء المحافظات الشمالية وبعض المحافظات، هذا هو يكشف حقيقة المشاريع الأجنبية في بلدنا، هي مشاريع تجزئه وتفكيك وبعثرة وتقسيم وتجزئة واحتلال، هي مشاريع تهدف إلى إنشاء حالة من العداوة والبغضاء بين أبناء شعبنا تحت كل العناوين: تحت العناوين المذهبية، تحت العناوين المناطقية، تحت العناوين العنصرية.. تحت كل العناوين، ولماذا؟ هل لمصلحة هذا الشعب؟ لا، ليس لمصلحة أي أحد في هذا البلد؛ لأن مصلحتنا جميعاً في هذا البلد كشعبٍ يمني هي في اخوتنا، هي في تعاوننا، هي في السلام والأمن والاستقرار، هي في العيش بتآخٍ، بسلامٍ، بودٍ، ثم إن تلك العناوين التي قد ينطلق البعض منها لمواقف عدائية هي عناوين خاطئة، لا يجوز لك في الإسلام أن تعادي أحداً لمنطقته (لأنه ينتسب إلى منطقة معينة)، أو لعنصره (لأنه من عنصرٍ معين)، هذا لا أساس له في الإسلام أبداً، ويجرم أيضاً حتى في القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، هذا هو توجه وحشي، توجه خاطئ، لا إنساني، خارج حتى عن الأعراف الإنسانية، ولذلك كل ما يحصل من تحركات سيئة: إما تحت العناوين التكفيرية والداعشية، وإما تحت عناوين معينة كالعناوين المناطقية، هو يكشف ما يريده المحتل الأجنبي، والعدو الأجنبي، والمعتدي الأجنبي من تجزئه لأبناء هذا البلد؛ لتسهيل السيطرة عليهم، لتسهيل السيطرة عليهم، يخلق عندك نوعاً من الحساسية المفرطة تجاه أخيك، ثم يستعمرك هو ويستعبدك هو، فيأتي البعض- في الوقت الذي يصبح فيه كارهاً أشد الكراهية لكل أبناء شعبه اليمني- يمجِّد الإماراتي ويعظِّم الإماراتي، وهذا شوهد حتى في بعض مشاهد الفيديو، البعض بات يمجِّد الإماراتي الذي أتى ليحتل بلده، وليسيطرعليه تحت الإدارة الأمريكية والإشراف الأمريكي والبريطاني؛ فيما هو بات يكره أبناء شعبه، يسيء إليهم، ويعاديهم، ويعتدي عليهم.
نحن كشعبٍ ننتمي للإيمان، للإسلام، لهذه الهوية العظيمة، يأبى الله لنا ذلك، يأبى الله لنا أن نبغض أحداً لأجل منطقته، أو لأجل عنصره ونسبه، الإسلام هو الذي يجمعنا، الإسلام هو الذي يعلِّمنا كيف نكون، نعيش الإنسانية في حقيقتها، في فطرتها، في مبادئها، في أخلاقها العظيمة، ولهذا نحن نؤكِّد أن هذا هو فضيحة للعدو، وفضيحة لعملاء العدو، فضيحةٌ لهم، ويجب أن يواجه مثل هذا التصرف بالإدانة من الجميع، وأن نعزز في واقعنا الداخلي كل الروابط الأخوية؛ لأن العدو كما هو يشتغل على كل العناوين، هو يسعى لاستغلال أي مشكلة مهما كانت، يحرص العدو أن تكون الحالة السائدة في داخل الشعب اليمني هي حالة التفرق والتباين والتباغض، هي حالة المشاكل والأزمات التي لا حصر لها ولا عد لها، أن تقتتل تلك القبيلة مع تلك القبيلة، وتلك الأسرة مع تلك الأسرة، وذلك الشخص مع ذلك الشخص، أن يبقى هذا ضد هذا على أتفه الأسباب، على أبسط الخلافات، ويتجه البعض تجاه أي إشكالية ليجعل منها قضية ومعركة ومشكلة على الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي، في الساحة، في الميدان، هذا ليس من الحكمة، وليس من الإيمان، وليس من العلم النافع، كل المشاكل الداخلية- مهما كانت، ومهما كانت أسبابها- يمكن أن تعالج، ويمكن لكل الجهات المعنية في هذا البلد أن تتعاون على المستوى الرسمي والشعبي لمعالجتها بشكلٍ صحيح وبشكلٍ بنَّاء، في مقابل أن يكون هناك حرص من الجميع على السلام والأمن والاستقرار في وضعنا الداخلي؛ كي نتصدى لهذا العدوان ونحن نستند إلى حالة من الاستقرار الداخلي، هذه مسألة مهمة جدًّا.
فيما يتعلق بفريضة الحج: للأسف الشديد يعاني أبناء شعبنا- كما غيرهم أيضاً- من قوى العدوان، من النظام السعودي فيما يضعه من قيود كبيرة، وإجراءات واستغلال سياسي، واستغلال سلبي للحج ضد أبناء الأمة، وضد من يختلف معهم من أبناء الأمة، وبالتأكيد كان لها تأثير كبير على وضعنا كشعبٍ يمني، على إمكانية الذهاب لفريضة الحج، والكثير من الناس لا يمكنهم ذلك؛ بسبب موقف النظام السعودي المعادي لهذا الشعب العزيز.
نحن نأمل أن يراجع النظام السعودي حساباته في أسلوبه في التعامل مع مسألة الحج ومع البلدان الأخرى؛ لأن هذا يثبت يوماً بعد يوم أنَّه ليس جديراً بإدارة المشاعر المقدَّسة، كلما أدخلها في حساباته ومواقفه، كلما أثبت أنه ليس جديراً بإدارتها، نحن نأمل أن يراجع حساباته وإلَّا فلهذا- مع طول الوقت، مع تراكم الأحداث، مع الاستمرارية في هذه التصرفات السيئة وهذا الاستغلال القذر- لهذا تأثيرات كبيرة عليه أمام الله -سبحانه وتعالى- وأمام الأمة الإسلامية في قادم الأيام.
نحن أيضاً ندين أي استغلال في فريضة الحج لهذه الفريضة ضد شعبنا العزيز وضد أمتنا الإسلامية، سواءً خلال الخطابات، ومنها الخطابات التي تلقى في المسجد الحرام، أو في عرفات، وتتبنى مواقف عدائية لشعبنا اليمني، أو تتبنى تأييد النظام السعودي في مواقفه العدائية للأمة، وسعيه للتطبيع مع إسرائيل الذي بات ينكشف يوماً إثر يوم في كل أشكاله: السياسية، والإعلامية، والعسكرية، والأمنية، والاقتصادية، ندين كل أشكال الاستغلال السلبي لهذه الفريضة ضد أبناء الأمة ولمصلحة أعدائها.
نكتفي بهذا المقدار…نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفِّق كل هؤلاء الطلاب، وأن يوفقنا وإياكم جميعاً لنهتدي بهديه، أن يزيدنا علماً وحكمةً ونوراً وبصائر، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛