نص كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي حـــول آخـــر التطـــورات والمستجـــدات الأسبوعيـــة الخميس 14 ربيع الثاني 1446هـ 17 أكتوبر 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
بعد عامٍ كامل، وإذ نحن في الشهر الأول من العام الثاني للعدوان الإسرائيلي الهمجي الوحشي على قطاع غزة، وما يفعله العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ويرتكبه ضده من الجرائم الفظيعة في الضفة الغربية، وفي القدس، وفي أنحاء فلسطين بشكلٍ عام، والانتهاكات المستمرة والمتكررة ضد المسجد الأقصى والمقدسات، وصولاً إلى ما قام به العدو الإسرائيلي، من شن عدوانٍ كاملٍ وشامل ضد لبنان، والاعتداءات المستمرة على سوريا، وكذلك ما قام به العدو الإسرائيلي من اعتداءات ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، ومجريات الأحداث اليومية في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، من جرائم الإبادة الجماعية التي يتفنن فيها العدو، وكذلك ما يفعله في لبنان بنفس الطريقة التي يمارسها في قطاع غزة، من الاستهداف الشامل لكل الناس: للمدنيين، للأطفال، للنساء، للرجال، للمصالح العامة… وغير ذلك، كل هذا يفترض بكل إنسانٍ- ولاسيَّما للمسلمين بشكلٍ خاص، والمجتمع البشري بشكلٍ عام- أن يكون قد بلغ إلى درجةٍ عاليةٍ من الوعي بحقيقة ما يجري، وخلفيات ما يجري، وما يسعى له الأعداء مما يفعلونه، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، والمسلمون بشكلٍ خاص، وفي المقدمة العرب، هم المعنيون أكثر بذلك؛ لأنهم هم المستهدفون بالدرجة الاولى من كل ما يقوم به العدو الإسرائيلي.
الجرائم الرهيبة جداً، وكذلك ما ترافق معها، وما يتعلق بها من المواقف الدولية والإقليمية وغير ذلك، هي كفيلةٌ بأن تصنع لكل إنسانٍ متابعٍ لهذه الأحداث أعلى مستوى من الوعي، وأن ترتقي به إلى أعلى درجةٍ من الوعي والبصيرة، وهذه مسألة نحتاج إليها حاجةً مُلِحَّة كأمةٍ مستهدفة، تحتاج في مقدمة ما تحتاجه إلى الوعي، الوعي بالأعداء، من هم الأعداء، وكيف هم، وما الذي يفيد في مواجهة خطرهم، والتصدي لخطرهم، الخطر الكبير جداً على الأمة في كل شيء: في دينها، ودنياها، وحياتها، واستقرارها، وأمنها… وغير ذلك، وكذلك ما الذي يمكن أن يفيد هذه الأمة في التصدي لذلك الخطر، الذي رأينا كيف هو، على أبشع درجة، على أسوأ مستوى، إجرام رهيب جداً، يستهدف الجميع بلا استثناء.
العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هل يستثني أحداً من أبناء المجتمع؟ ألم يستهدف الجميع: أطفالاً ونساء، كباراً وصغاراً؟ ألم يستهدف كل أبناء المجتمع، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، أو توجهاتهم الفكرية، أو حتى طبيعة موقفهم من العدو الإسرائيلي؟ هل أفاد البعض أنه- مثلاً- بصفة إعلامي أو صحفي أو معلم أو طبيب، أو أي فئة من فئات المجتمع؟
العدو الإسرائيلي استهدف الجميع بلا استثناء، وقتل من الجميع، قتل الكبير والصغير، وقتل المرأة والرجل، ضاعت حقوق المرأة، وضاعت حقوق الأطفال، وضاعت كل الحقوق، استهدف المدنيين، ولم يعد يجدي عنوان مدنيين لحمايتهم، استهدف الصحفيين، والأطباء، والصيادلة، وكذلك استهدف المعلمين والطلاب، استهدف كل أبناء المجتمع، المزارع، الفلاح التاجر، استهدف الجميع استهدافاً شاملاً، وبحقدٍ فظيعٍ جداً، وبسلوكٍ إجرامي رهيبٍ جداً، الكل يرى من تلك المشاهد ما فيه الدلالة الكافية على مستوى الإجرام الصهيوني اليهودي.
وهكذا في عدوانه على لبنان، يستهدف كل لبنان، وكل الشعب اللبناني، يستهدف القرى والأحياء السكنية على أبنائها جميعاً بدون تمييز، يستهدف المدنيين، يستهدف كل المنشآت الخدمية، يستهدف حتى المسؤولين عن الجانب المدني والإنساني، كما هي جريمته في النبطية باستهدافه للجنة القائمة على الاهتمام بالنازحين، مسؤولي البلدية وغيرهم ممن يهتمون بالنازحين، يستهدف الجميع، عداء، وحقد، وإجرام شامل، ليس فيه استثناءات تجاه أحد.
برز اليهود كما ذكر الله عنهم في القرآن الكريم، وتجلَّت حقيقتهم في الواقع كما ذكرها الله في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، برزوا هم الأشد عداوةً، والأشد حقداً، وهم يتحركون وفقاً لذلك، وبما هم عليه من إجرام وطغيان، وعدم احترام لحق البشر في الحياة، ولا لأي حقوق متعارف عليها لدى البشر.
هكذا هم الأعداء، بذلك الرصيد الإجرامي، والوحشية والعدوانية، التي تكفي أن تصنع لدى الإنسان- وهي يومية على مدى عام وأكثر- أن تصنع للإنسان وعياً كافياً، وإلَّا فإذا لم نستفد هذا الوعي مع ما قد ذكره الله عنهم في القرآن الكريم، في آيات كثيرة جداً، مئات الآيات القرآنية، في سور عديدة في القرآن الكريم، إذا لم ينفع كل ذلك، لا القرآن الكريم، لا كلام الله ولا آياته، ولا هذه الوقائع والأحداث الرهيبة جداً اليومية، إذا لم يكف ذلك لصناعة الوعي لدى الإنسان، فمعنى ذلك: أنه يعيش حالة التيه، وأنه سيعزز لدى اليهود- نفسهم- القناعة بتصوراتهم تجاه العرب، وتجاه المسلمين، بأنهم أغبياء، وأنهم ليسوا من البشر، وأنهم لا يفهمون، ولا يعون، ولا يعقلون، وأنهم في أسوأ مستوى من الغباء، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً!
تجاه الأحداث هذه أيضاً برزت لنا الحقائق الأخرى: الدور الأمريكي الشريك، وهو شريكٌ بكل ما تعنيه الكلمة للعدو الإسرائيلي، شريكٌ في الإجرام والعدوان والطغيان، وشريكٌ أساسيٌ، لدرجة أنه لولا تلك الشراكة، لولا ذلك الدعم، لولا ذلك المستوى من الدعم الأمريكي والشراكة الأمريكية، لما كان العدو الإسرائيلي استطاع أن يستمر كل هذا الوقت، بهذه الوتيرة، بهذا المستوى من العدوان والإجرام، القنابل التي هي بالآلاف لتدمير المساكن، لقتل المدنيين، لإحراقهم في مخيماتهم، لاستهداف المدارس والمنشآت المدنية، وهي مكتظةٌ بالنازحين، لتدمير الأحياء السكنية والمدن والقرى، هي قنابل قدمتها أمريكا للإسرائيلي ليفعل بها ذلك، ليقتل بها الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، ليستهدف بها المدنيين، قدمت له أفتك القنابل ليقتل بها الأطفال والنساء، وليستهدف أولئك المسلمين العرب، ويسعى من خلال تلك الأسلحة، المصنَّفة بأنها محرمةٌ دولياً، يسعى لإبادتهم، مع التجويع الشديد.
الأمريكي هو شريكٌ للإسرائيلي في الإجرام، شريكٌ له في الأهداف، كلاهما يسعيان لتحقيق أهداف واحدة مشتركة، وبخلفيات أيضاً ومعتقدات هي متقاربة، ورؤية واحدة تجاه العرب، وضرورة إبادتهم، وكذلك التمكين للعدو الإسرائيلي للسيطرة على المنطقة، ما يحتله بشكلٍ مباشرٍ منها، وهي رقعة جغرافية واسعة، يأمل العدو أن يسيطر عليها بكلها تحت عنوان [إسرائيل الكبرى]، وما يسعى له أيضاً من ورائها، فيما عداها من بلدان المنطقة، ليسيطر عليها سيطرةً سياسية، سيطرةً اقتصادية، سيطرةً كاملة، تبقى شعوبها بلا حُرِّيَّة، ولا استقلال، ولا كرامة، وليس لها أيضاً الحق في أن يكون لها وجودها الحضاري المستقل على أساسٍ من دينها وانتمائها للإسلام؛ إنما تكون شعوباً مُسَخَّرة في خدمة الإسرائيلي بما يخدم مصالحه، ومستباحةً له يفعل فيها ما يشاء ويريد، ويطمس هويتها الإسلامية، ويجعل منها العوبة، العوبة يستغلها في كل ما يشاؤه ويريده.
تجلَّى هذا الدور الأمريكي، والدور الغربي معه، الدور لبريطانيا، لألمانيا، لفرنسا، لكبريات الدول الأوروبية، التي وإن قدَّمت أحياناً بعض التصريحات المخادعة؛ نتيجةً لحجم الإحراج، في مقابل الجرائم الرهيبة الفظيعة جداً، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي، لكنها تُقَدِّم للعدو الإسرائيلي السلاح، المال، الدعم السياسي، وفي نفس الوقت أيضاً تقدِّم حتى على مستوى التصريحات، تصريحات تبرر له كل اجرامه، وعدوانه، وطغيانه، تصريحات تُعبِّر عن حالة حقد وعداء لهذه الأمة، وعن رؤية مشتركة كما قلنا، رؤية صهيونية، ومعتقد صهيوني، جمع الأنظمة الغربية مع العدو الإسرائيلي اليهودي وفق رؤية واحدة، وتوجهات واحدة، وأهداف واحدة يسعى الكل إلى تحقيقها.
مما هو مهمٌ جداً أن نعيه، وأن نفهمه: أن هذه الأحداث لم تأت بالصدفة، وليست هكذا مجرد أحداث طرأت وتفاجأ الجميع بها؛ إنما هي سلسلة لما قبلها، معاناة الشعب الفلسطيني لأكثر من مائة عام، مائة وخمسة أعوام، جزءٌ منها تحت الاحتلال البريطاني، وبعد ذلك أيضاً الاحتلال الصهيوني اليهودي، وفي كلا هذه الأعوام الطويلة، خمسة وسبعين عاماً من الاحتلال الصهيوني اليهودي، واليهود منذ يومهم الأول ظهروا متوحشين، مجرمين، حاقدين، وفي نفس الوقت يحظون منذ يومهم الأول بالدعم الغربي الواضح جداً، الذي يطلق لهم اليد لارتكاب كل أنواع الجرائم، وفعل ما يريدون للاحتلال، والمصادرة، والاغتصاب، والجرائم المتنوعة: القتل الجماعي، التهجير القسري للملايين، لفعل كل ما يشاؤون وكل ما يريدون، هم فوق القوانين، فوق الأنظمة، وواقع العرب- وفي المقدمة الفلسطينيين- أُمَّة صُودِرَت حقوقها، وأُمَّة إنما يعمل الأعداء على خداعها، خلال كل تلك المراحل التي كان فيها جولات كثيرة على مدى خمسة وسبعين عاماً، جولات كثيرة فيها تصعيد، فيها جرائم وحشية رهيبة جداً، جرائم إبادة جماعية، جرائم فظيعة، فظيعة بكل ما تعنيه الكلمة، يمارس العدو الاسرائيلي فيها وحشيته وعدوانيته، وتجرده من القيم الإنسانية والأخلاقية إلى أسوأ مستوى، أمام كل ذلك كانت تأتي بعد كل فترة جولات معينة، وما يهم الأمريكي، وما يهم دول الغرب فيها، هو: كيف تحقق تلك الجرائم وتلك الاعتداءات، كيف تحقق نتائج لصالح العدو الإسرائيلي، من جولةٍ إلى أخرى، وصولاً إلى هذه الجولة، التي لها أكثر من عام.
هذه الجولة من أهم ما فيها: أنها تجعل هذا الجيل من أبناء العرب والمسلمين، وأبناء العالم، يعرفون ما قد غُيِّب عنهم في المراحل الماضية، والجولات الماضية، ما غُيِّب عنهم في مناهج التعليم الدراسي الرسمي في المدارس والجامعات، ما غُيِّب عنهم في الإعلام، ووسائل الإعلام المقروءة والمرئية وبكل أنواعها، ما غُيِّب عنهم على مستوى التثقيف والكتب والكتابات، عن جرائم العدو الإسرائيلي، عن عدوانيته، عن اهدافه الخطيرة، عن حقيقة مؤامراته، عن مستوى ما يسعى لتحقيقه، يظهر من جديد، يرى هذا الجيل، يرى ما غيب عنه، ويسمع ما غب عن في الماضي، يراه بالصوت والصورة، يراه في وسائل الإعلام، يرى الجرائم الفظيعة، يرى التجويع الرهيب، والتي قد تكون أيضاً بأكثر من ما قد مضى في أي جولة من الجولات الماضية، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً.
وكذلك من كان قد نسي، من الجيل الماضي، من أبناء الجيل الماضي، الذين قد نسي الكثير منهم ما حصل سابقاً، ليتذكر الجميع بهذه الأحداث، ما هو هدف هذا العدو؟ ما هي توجهاته؟ ماذا يسعى له؟ كيف هي وحشيته؟ كذلك تجلى للجميع أنه لا أمم متحدة، ولا مجلس أمن، ولا منظمات دولية، ولا محاكم دولية، ولا أعراف، ولا قوانين، ولا أي شيء يمكن أن يدفع خطر ذلك العدو، سوى أن تنهض هذه الأمة المستهدفة، هي بنفسها بمسؤوليتها، الإنسانية، والإسلامية، والأخلاقية، أن تتحرك وفق ذلك لدفع الخطر عن نفسها.
رأينا ثمرة الصمود، وتماسك الأخوة المجاهدين في قطاع غزة، وكذلك الأخوة المجاهدين في حزب الله في لبنان، صمودهم، وثباتهم، وتماسكهم، وفاعلية عملهم، وموقفهم، وثباتهم، واستبسالهم في التنكيل بالعدو، بالرغم من الخذلان الهائل جداً من محيطهم العربي والإسلامي، بل من تواطئ البعض في هذا المحيط العربي والإسلامي لصالح العدو، وكيف أن العدو إنما يلجأ إلى الإجرام الجماعي، إمَّا إلى الاغتيالات، وإمَّا إلى القتل الجماعي للمجتمع، للناس، للأهالي، للأطفال، للنساء؛ أمَّا في ميدان المواجهة، فنرى أنه حتى على مستوى القدرات المحدودة جداً، لأعداد محدودة للآلاف من المجاهدين، كيف كانت ذات تأثير على العدو، كيف ظهرت تلك المجاميع، أولئك المجاهدون كيف ظهروا بفاعلية، بقوة، بتماسك، بثبات، وألحقوا الخسائر الكبيرة بالعدو، لنعرف فعلاً جدوائية الجهاد وثمرته، كيف لو حظي أولئك المجاهدون بالدعم اللازم من هذه الأمة المتخاذلة؟ كيف لو انطلق المزيد ايضاً وتعاونوا؟ كيف لو تحركت هذه الأمة وفق ذلك الخيار، الذي لا يجدي إلا هو، وهو خيار الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؟
على كُلٍّ، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يريد لنا كمسلمين أن نكون على درجةٍ عاليةٍ من الوعي؛ ولـذلك تحدث في القرن الكريم حديثاً واسعاً عن عداء هذه الأمه، عن اليهود أنفسهم، عن فريق الشر، والغدر، والظلم، والإجرام، والكفر، من أهل الكتاب، وبيَّن لنا ما فيه الكفاية عنهم، وعمَّا يفيد في مواجهتهم، وقال “جَلَّ شَأنُهُ” في هذا السياق: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]، فهو أخبرنا عنهم؛ حتى لا نكون أغبياء، ننظر إليهم نظرة غير صحيحة، نظرة المنخدعين بهم، وكذلك قَدَّم لنا الحلول التي تفيدنا في دفع خطرهم، والتصدي لشرهم، والواقع بكل ما فيه هو يقدِّم الشواهد الكثيرة جداً بما ذكره الله عنهم في القرآن الكريم.
الإجرام اليهودي الصهيوني في الشهر الأول للعام الثاني، في عدوانه الوحشي على قطاع غزة، مستمرٌ في جرائم الإبادة الجماعية، كما في العام الماضي المنصرم، يستمر العدو الإسرائيلي بكل وحشية، بكل إجرام، في الاستهداف للنازحين، في مراكز الإيواء، في المدارس، في خيمهم، يستهدفهم بما تزودهم به أمريكا من قنابل مُدَمِّرة وحارقة، يستهدفهم في خيمهم القماشية، التي هي من النايلون، يستهدفهم بالقنابل الحارقة؛ لإحراق الأطفال، والنساء، والشيوخ، لإحراق النازحين في تلك الخيام، في إبادة جماعية، كما فعله في (مستشفى دير البلح)، عندما استهدفهم بالقنابل الحارقة، وأحرق ما يقارب ثلاثين خيمة على من فيها من النازحين، واستمر الاحتراق قرابة ساعةٍ كاملة، كذلك الاستهداف لهم في المدارس ومراكز الإيواء كما في دير البلح أيضاً.
أيضاً العدوان البربري، الوحشي، الفظيع، الإجرامي، على شمالي قطاع غزة، وبات من الواضح أن العدو يسعى إلى أن يستأصل أبناء الشعب الفلسطيني في شمال القطاع، يسعى للإبادة الجماعية وللتهجير القسري، يقوم بجرائم متنوعة، منها: التدمير والنسف لكل المباني، أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية- كما في الإحصائيات التي وصلتنا- قام العدو الإسرائيلي بتدميرها في شمال القطاع، يستخدم ليس فقط القنابل التي يلقيها من الطائرات، القنابل الأمريكية والأحزمة النارية، بل استخدم أيضاً البراميل المتفجرة، والروبوتات المُدمِّرة، التي يستخدم فيها الأطنان من المتفجرات؛ للنسف الكامل للمنازل وللبيوت، يحاول ألَّا يبقى في شمال القطاع أي معالم للحياة أبداً، وألَّا تبقى أرضاً صالحةً للاستقرار فيها، والحياة عليها، والسكن فيها.
كذلك القتل الجماعي، القتل في المنازل، والقتل حتى في الشوارع والطرقات، حتى عندما يتَّجه البعض من الأهالي للنزوح، وهو يسعى لتهجيرهم قسرياً، وإلى إجبارهم من الخروج من شمال قطاع غزة، حتى من يخرج منهم يستهدفهم في الشوارع، ويستهدفهم في الطرقات، إلى درجة أنه لم يتمكن لم يتمكن الناس من إنقاذ الجرحى في الطرقات، ولا من انتشال الجثامين من الشوارع، فبقيت الجثامين منتشرةً في الشوارع، يسعى أيضاً لمنع الغذاء والماء عنهم؛ حتى يميتهم بالظمأ والجوع، وبشكلٍ وحشيٍّ وإجراميٍّ، أمام مرأى ومسمع من كل دول العالم.
بهذه الوحشية والإجرام نرى الوضع المأساوي جداً في شمال قطاع غزة، وفي شمال القطاع المأساة الأكبر أيضاً في (مخيم جبالها)، القتل الجماعي، التدمير الرهيب، التعذيب بالجوع والعطش… وغير ذلك، والمعاناة هي في كل قطاع غزة، لكنّها في شمال القطاع أكثر، وفي (مخيم جباليا) تظهر بشكلٍ أكبر. يركِّز على الاستهداف للمستشفيات، ويستهدفها بشكلٍ متكرر، وإذا أُعيد تشغيل مستشفى مُعَيَّن للضرورة، فهو يعود إلى استهدافه من جديد، وإلى منع تقديم الخدمات الطبية، وإلى إخراج حتى الأطفال من الحَضَّانات، يستهدف الجميع بكل وحشية، بكل إجرام، وكل ذلك يتم بدعمٍ ومشاركةٍ أمريكية، وتأييدٍ غربي، ودعمٍ غربي، ومساندة غربية.
ولــذلك يعتبر الوضع الآن في شمال القطاع عار على المجتمع البشري، وعار في المقدمة على الأمة الإسلامية، التي مهما تفاقم الوضع، ومهما كبرت المأساة، ومهما اشتد الظلم والمعاناة، التي يعانيها الشعب الفلسطيني، لا تتحرك أكثر، ولا يتغير الواقع تجاه ما يقوم به الأنظمة في العالم الإسلامي، روتين استمروا عليه، وأصبحوا في حالة شبه حالة اعتيادية، وكأن ما يجري هناك شيءٌ عادي، يسكتون عنه، أو يطلقون البعض من البيانات والتصريحات، أو القمم؛ لكن دون أي خطوات عملية جادَّة، حتى في الحد الأدنى، حتى في الحد الأدنى.
مع كل ذلك، فالإخوة المجاهدون في قطاع غزة ثابتون، ومستمرون في عملياتهم البطولية، المُنَكِّلة بالعدو، كتائب القسام نفَّذت ما يقارب (خمسة وثلاثين عملية)، استهدفت بها آليات العدو وقواته الراجلة، في عددٍ من الأماكن والمحاور، في مختلف محاور القتال في قطاع غزة، سرايا القدس أيضاً قصفت بالصواريخ إلى المغتصبات التي في محيط قطاع غزة، التي يطلق عليها [مستوطنات غلاف غزة]، بقية الفصائل المجاهدة أيضاً لها إسهاماتها وعملياتها التي أعلنت عنها.
وهناك دلالة مهمة على استمرار هذه العمليات، لثبات وتماسك المجاهدين في قطاع غزة، بالرغم من مرور عام كامل من الدمار، والقتل، والحصار الشديد، وبالرغم من أنهم يعانون من الخذلان العربي والإسلامي في معظمه، على مدى كل هذه السنوات الماضية، لأكثر من عشرين عاماً، لكن مع كل ذلك نراهم فيما هم عليه من ثبات، من تماسك، من صمود، من فعل وعمل، ومعنى ذلك: أن هذا الخيار هو خيار فعَّال، ومتاح، ومؤثِّر، وممكن، ولا خيار في الواقع يمكن أن يجدي إلا هو.
العرب جربوا التنازلات كثيراً، جربوا الاستجداء للسلام حتى من الأمريكي، الذي هو شريكٌ للإسرائيلي حتى في الأهداف نفسها، في الأهداف التي يريدها العدو الإسرائيلي، في أن يكون هناك ما يسمى إسرائيل الكبرى، وأن تكون هي المسيطرة على العالم العربي بشكلٍ كامل، هذا هو هدف أمريكي، وليس مجرد هدف إسرائيلي، ومع كل ذلك كم استجدى العرب السلام من أمريكا، ومن أوروبا، واستجدوه من الأمم المتحدة، ومن مجلس الأمن، على مدى عقود من الزمن، وفي جولات بعد جولات؛ ولكن حالهم هو كما عبَّر عنه القرآن الكريم: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ}[الرعد:14]، ضياع وسراب ووهم.
فثبات الإخوة المجاهدين هو ثباتٌ مهم، له دلال مهمة؛ ولــذلك على العرب مسؤولية كبيرة في أن يدعموهم، كل أشكال الدعم: الدعم العسكري، الدعم المادي، الدعم الإعلامي، بدلاً من أن تُسَخِّر بعض الأنظمة العربية إعلامها لخدمة العدو الإسرائيلي، واجبها أن تُوَجِّه إعلامها لدعم المجاهدين في قطاع غزة، الإسناد بكل أشكاله.
لو حصل وتوفر الدعم العربي اللازم للشعب الفلسطيني ولمجاهديه، لكان الوضع مختلفاً عمَّا هو عليه، نحن نرى مستوى الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل، ونرى في المقابل مستوى التخاذل العربي تجاه الشعب الفلسطيني، لو أن العرب قدَّموا للشعب الفلسطيني بأقل حتى مما يستهلكونه في أمورهم العبثية، لكان الشعب الفلسطيني الآن في مستوى متقدم في موقفه، وتماسكه، وفعله، وتأثيره؛ ولكنَّ حالة التخاذل هي حالة واضحة.
فيما يتعلق بجبهة لبنان، التي انتقلت من جبهة إسناد إلى ما هو أكثر، إلى جبهة أساسية، العدو الإسرائيلي أعلن عدوانه الشامل على لبنان، واتَّجه على مستوى القصف، بتكثيف القصف على لبنان؛ ليشمل معظم لبنان، وصل القصف حتى إلى بيروت، وتكرر القصف على بيروت؛ أمَّا الضاحية فهو يستهدفها بشكلٍ مكثفٍ جداً، يستهدف المناطق، الأحياء السكنية، القرى، المساكن في جنوب لبنان، في شمال لبنان، في شرق لبنان، في مختلف انحاء لبنان، وأيضاً يشن حرباً إعلامية، نفسية، سياسية، مع الأمريكي جنباً إلى جنب؛ بهدف خلخلة الجبهة اللبنانية من الداخل، واثارة الفتن في الداخل اللبناني، وتحريك بعض الجهات السياسية في داخل لبنان؛ بهدف الابتزاز من خلال الوضع الراهن، والضغط الذي يمارسه العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان؛ بهدف تغيير الوضع السياسي في لبنان.
أهداف العدو الإسرائيلي تجاه لبنان هي أهداف واضحة، العدو الإسرائيل يُشَكِّل خطراً وتهديداً حقيقياً للبنان منذ زمنٍ طويل، منذ بدء تكوين العدو الإسرائيلي، وبناء كيانه المحتل الغاصب، ومنذ بدء توافد العصابات الصهيونية في فلسطين، وهي تشكل تهديداً للبنان، ضمن المعتقدات الإسرائيلية، ضمن الثقافة الإسرائيلية، ضمن الخطط الإسرائيلية، والأهداف الإسرائيلية، لبنان مستهدفٌ، والعدو الإسرائيلي طامعٌ في السيطرة على لبنان، وهو اتَّجه وفق تلك الأطماع سابقاً لاحتلال لبنان، ووصل إلى بيروت؛ ولكنَّه طرد من لبنان طرداً، طرده الشعب اللبناني من خلال مجاهديه الأعزاء الأبطال في حزب الله، ومن معهم، ممن وقف معهم وساندهم وشارك معهم، لكن حزب الله كان له الدور المحوري والأساسي في طرد العدو الإسرائيلي من لبنان، ومع ذلك لم يتوقف العدو الإسرائيلي عن مؤامراته على لبنان، ولا يزال متجهاً بتوجهه العداء بشكلٍ مستمر تجاه لبنان؛ ولــذلك هو بشكلٍ مستمر في مؤامرات، في تحضيرات دائمة للعدوان على لبنان، ومن الواضح أنه كان يحد لأي جولة جديدة يستهدف بها لبنان، وهذه مسألة واضحة في واقع العدو الإسرائيلي.
العدو الإسرائيلي بعد ما نفَّذه من جرائم الاغتيالات، التي استهدف بها القادة الأعزاء العظماء في حزب الله، وأستهدف بها سماحة الأمين العام لحزب الله، الشهيد العزيز السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، كان يتصور أنه بذلك قد ضرب الروح المعنوية لإخوتنا الأعزاء المجاهدين في حزب الله، وأنه قد أرهب الساحة اللبنانية بكلها، وأنه بذلك سيتمكن من تنفيذ أهدافه لاجتياح لبنان؛ ولــذلك اتَّجه نحو إعلان العدوان الشامل، واتَّجه أيضاً نحو الحرب البرية، ودفع بأربع فرق عسكرية، وأكثر منها، ولا يزال يحشد المزيد؛ من أجل ما أعلنه من هدف للاجتياح البري، والتَّوغُّل البري، ولكنَّه صُدِم، وتفاجأ، ودهش هو والأمريكي أيضاً؛ لأن التقديرات الإسرائيلية والأمريكية كانت تقديرات واحدة، في أن الظروف باتت مهيأةً للعدو الإسرائيلي، لاجتياح لبنان، وتصفية الوضع في لبنان لصالح العدو الإسرائيلي، ولما هو أكثر من لبنان.
العدو الإسرائيلي، ما بعد استهدافه لسماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، كان حديثه عن أطماعه الكبرى، عن أن ذلك يُمَثِّل نقطة تحول على مستوى المنطقة بشكلٍ عام، وأيضاً أنه سيسعى بعد ذلك إلى تغيير واقع الشرق الأوسط بكله، وليس فقط لبنان، وذلك لما تمثله- فعلاً- جبهة لبنان الصامدة، جبهة حزب الله، التي هي جبهة لصالح الأمة الإسلامية بكلها، لصالح العرب جميعاً، لصالح شعوب المنطقة بأجمعها، فالعدو الإسرائيلي يتصور أنه بإزاحته لهذه الجبهة، سَيُمَهِّد الطريق لتحقيق أهدافه في بقية العالم العربي والإسلامي؛ ولــذلك اتَّجه بكل غرور، بكل طمع، بكل حقد، بكل كبرياء، نحو التَّوغُّل البري؛ ولكنَّه صُدِم وفوجئ- كما قلنا- هو والأمريكي:
-
أولاً: بثبات الإخوة المجاهدين في حزب الله وتماسكهم، فقد ظهروا متماسكين، ثابتين، صامدين، مستبصرين، متفانين.
-
وأيضاً بفعلهم، لا يزالون يجاهدون بكل فاعليَّة، بكل تماسك، وفق خطط مدروسة، وفق عمل مدروس، وبثباتٍ تام، وبدون أي انكسار للروح المعنوية، ولا فشل، ولا اضطراب.
هم يقاتلون العدو الإسرائيلي بثبات، وتماسك، وبشكلٍ مدروس، ويظهر بشكلٍ واضحٍ في أدائهم القتالي تماسكهم التام، وأن القيادة والسيطرة موجودة، وأن تماسك الحزب بشكلٍ كامل لا يزال واضحاً بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولــذلك ظهر موقف حزب الله قوياً بكل ما تعنيه الكلمة، قوياً في كل الاتجاهات:
-
على مستوى القصف الصاروخي، الذي اتَّجه نحو التزايد، وكذلك في مدى الفعل الصاروخي، والاستهداف الصاروخي ضد العدو الإسرائيلي، وصولاً إلى حيفا، وصولاً إلى تل أبيب، وبزخمٍ كبير، أصبح القصف الصاروخي يتَّجه من جهة حزب الله ضد العدو الإسرائيلي بالمئات في بعض الأيام، فالزخم الصاروخي هو إلى ازدياد.
-
والثبات في الميدان، والعمليات القتالية هي وفق خطط مدروسة، وبتماسك تام، وإدارة متماسكة وثابتة.
-
وكذلك على مستوى الأداء الإعلامي.
-
على مستوى الأداء الإنساني.
أنشطة حزب الله في الساحة اللبنانية هي أنشطة متكاملة، وتماسكه واضح.
-
على مستوى الجبهة السياسية كذلك، العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي، كلٌ منهما يسعى ضمن خطط موحدة، وعمل مشترك، إلى تغيير الوضع السياسي في لبنان؛ لكنَّه يظهر في الساحة اللبنانية، لدى معظم المكونات اللبنانية، الوعي، والتماسك، والحذر، وانتباه، وإن شاء الله تفشل كل المساعي الرامية إلى التلعُّب بالساحة الداخلية اللبنانية.
المسؤولية كبيرة على مستوى المحور، في الدعم والمساندة للشعب اللبناني، لحزب الله في لبنان، الحكومة اللبنانية أيضاً، الدعم السياسي والإعلامي والإنساني، وعلى مستوى العرب جميعاً، على مستوى المسلمين جميعاً، عليهم أن يقفوا مع الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، وقفةً صادقةً جادَّة، وقفةً شاملة على كل المستويات: بالدعم السياسي، والمالي، والإنساني، والإعلامي، وكذلك بالدعم العسكري وكل أشكال الدعم.
خيبة أمل العدو وفشله وهزائمه المتكررة في البر باتت واضحة، وهو يتكبَّد الخسائر الكبيرة، وهذه من النقاط المهمة جداً: العدو يخسر الكثير من جنوده وضباطه، قتلى وجرحى، مع أنه يحاول أن يتكتم على حجم خسائره، وهذه سياسة يعتمد عليها في كل الجبهات، يحاول أن يتكتم على مستوى خسائره في قطاع غزة، وأيضاً في الجبهة اللبنانية، وتجاه أي قصف يستهدفه من هنا أو هناك من جبهات الإسناد، يسعى دائماً إلى التعتيم الإعلامي، ويحاول أن يتكتم على مستوى وحجم الخسائر؛ بهدف الحرب النفسية، ولكن حجم خسائره، وما يحصل من القتلى والجرحى في صفوف قواته المعتدية في الحدود اللبنانية، أصبح أكثر من مستوى التكتيم والتعتيم الإعلامي، وأصبح يظهر إلى العلن، وهذه مسألة مهمة جداً، في مقابل ما كان عليه من الغرور، والطموح لأن يحقق أهدافه، أصبح يطلق يده في لبنان حتى لاستهداف (قوات اليونيفيل)، وكيف كانت ردة الفعل من مختلف الدول، من الأمم المتحدة، من الدول المشاركة في (قوات اليونيفيل)، والتي هي مهددة، وجنودها مهددون بذلك الاستهداف؟ كانت ردة الفعل أشبه ما تكون بردة فعل عاطفية، لم ترقَ إلى مستوى مواقف عملية، وإجراءات عملية؛ لأنه في هذا السياق الذي يريد الأمريكي أن يبقى الجو مفتوحاً للعدو الإسرائيلي، وأن يطلق يده ليتصرف كما يشاء ويريد.
على كُلِّ، العدو الإسرائيلي وهو يعتمد على الجرائم لاستهداف الشعب اللبناني، كما يفعل في قطاع غزة، لكنه فاشل، وحزب الله له بالمرصاد، والمجاهدون الأعزاء في حزب الله هم اليوم أكثر تصميماً، وعزماً، وثباتاً، ووفاءً، في تصديهم للعدو الإسرائيلي، وفي أدائهم لمهامهم ومسؤوليتهم الجهادية المُقدَّسة، وهم اليوم بعد استشهاد سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، والقادة العظماء في حزب الله، لم يزدادوا إلا وفاءً، واستبسالاً، وعزماً، وتفانياً، لأداء مهامهم الجهادية.
فيما يتعلق بجبهة الإسناد العراقية، فهي اتَّجهت إلى التصعيد وأكثر من أي وقتٍ مضى، ومن الواضح على مستوى النشاط الواسع في الشعب العراقي، كذلك الاتِّجاه للتفاعل أكثر، بعد تصعيد العدو الإسرائيلي على لبنان أكثر، مع ما يفعله في قطاع غزة، بات هناك أيضاً المزيد من التفاعل في الشعب العراقي، وهذا هو المفترض بكل الشعوب العربية، أنه كلما زاد العدو الإسرائيلي في تصعيده، وأمتدَّ عدوانه إلى أي بلدٍ عربي، أو استمرَّت جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وزاد من غيِّه وعدوانه، أن يكون هناك تفاعل أكثر.
العراق، من الواضح أنه مستهدف من العدو الإسرائيلي، وهو ضمن الخطة الإسرائيلية في (إسرائيل الكبرى)، من النيل إلى الفرات، الفرات في العراق، الكل مستهدف من قِبَل الإسرائيلي، وأيضاً ما ظهر من العدو الإسرائيلي من عدائه الشديد للمرجعية الدينية في العراق، بكل ما لها من ثقل، وأهمية كبيرة في العراق، وفي الساحة الإسلامية، هو بذلك يُظهر حقده على الجميع، وأنه يحقد على كل شيءٍ في هذه الأمة، على كل ركائز القوة في هذه الأمة، على كل ما له أهمية وثقل في هذه الأمة؛ ولــذلك هو استفز الشعب العراقي بذلك، وهناك تحركات كبيرة في العراق، والأمل أكثر أن تستمر العمليات- إن شاء الله- بشكلٍ فاعل، لإسناد غزة ولبنان، وكذلك بالدعم العراقي السياسي والإنساني للبنان.
فيما يتعلق أيضاً بالعدو الإسرائيلي، في موقفه وعدوانه ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، العدو الإسرائيلي، على مرأى ومسمع من العالم، ابتدأ هو بالاعتداء إلى داخل الجمهورية الإسلامية في إيران، واستهدف الشهيد الكبير، الشهيد الإسلامي القائد الكبير/ إسماعيل هَنِيَّة “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، في طهران، وهو ضيفٌ لدى الجمهورية الإسلامية في إيران، استهدف أيضاً الإيرانيين في سوريا (في القنصلية)، استهدف بعمليات استهدافات كثيرة، ومن قبل ذلك اغتيالات كثيرة، حتى في داخل إيران، فالعدو الإسرائيلي هو الذي ينتهك ابتداءً السيادة الإيرانية، يعتدي ابتداءً ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وعندما ترد عليه الجمهورية الإسلامية في إيران، وفق حقها بكل الاعتبارات، حقها الشرعي والقانوني، وحتى وفق مواثيق الأمم المتحدة، والقانون الدولي… وغير ذلك، فالإسرائيلي، والأمريكي، والدول الغربية، تعتبر هذه مشكلة وتصعيداً، لماذا؟
المعادلة التي يريدها الأمريكي، ويريدها الإسرائيلي، وتريدها دول الغرب في منطقتنا، هي: الاستباحة لصالح العدو الإسرائيلي، أن يكون كل بلدٍ إسلامي، كل بلدٍ عربي، مستباحاً للعدو الإسرائيلي، وللعدو الإسرائيلي أن يفعل فيه ما يشاء ويريد، أن يقتل من أراد، وأن يعتدي على من أراد، دون حتى ردة فعل.
وهذه المعادلة غريبة جداً! يعني: لا يمكن أن تكون مقبولة حتى في عالم الحيوانات، غريزة الدفاع عن النفس هي غريزة حتى في الحيوانات، وهي فطرة لدى المجتمع البشري، لكن ما تريده أمريكا، ما تريده الدول الأوروبية من المسلمين: ألَّا يدافعوا عن أنفسهم، وألَّا يفعلوا أي شيءٍ ضد العدو الإسرائيلي عندما يعتدي عليهم، بل أن يتقبَّلوا عدوانه بكل استسلام، بكل خنوع، وهذا ما حاولوا أن يقنعوا إيران به: ألَّا ترد على اعتداءات العدو الإسرائيلي، وعندما ترد، يسمون ما يُحَضِّر له العدو الإسرائيلي من عدوانٍ جديد، يسمونه بالرد الإسرائيلي، وهو ليس رداً، الذي قام بالرد هو الجمهورية الإسلامية في إيران؛ أمَّا العدو الإسرائيلي فما يقوم به هو ابتداءٌ بعدوان، يبتدأ بالعدوان وليس رداً، الذي يرد هو العرب والمسلمون، ولكن حتى على هذا المستوى: مستوى الرد على ما يفعله العدو الإسرائيلي، الغرب يريد منهم ألَّا يردوا.
الغرب (أمريكا والدول الأوروبية) يطلقون يد العدو الإسرائيلي ويدعمونه، ويشاركون معهم، ويوفرون له كل أشكال المساندة والدعم، ليفعل ما يشاء ويريد؛ ليحتل الأرض، ليقتل الناس، ليصادر ممتلكاتهم، ويدمِّر مدنهم، وقراهم، ومساكنهم، ومصالحهم، ليختطف، ليعذِّب، ليجوِّع، ليعمل ما يشاء ويريد، ويقدمون لهذا عنوان [الدفاع عن النفس]!
فاليهود الصهاينة يأتون من أصقاع أوروبا، ومن دول متعددة، ليحتلوا فلسطين [دفاعاً عن النفس]! أيُّ دفاعٍ هذا؟! ليقتلوا الأطفال والنساء، عنوان [دفاع عن النفس]! ليصادروا المزارع والممتلكات والمنازل [دفاع عن النفس]! ليبتدئوا لبنان بالعدوان [دفاع عن النفس]! ليرسلوا كلابهم البوليسية لنهش الطاعنين في السن [دفاعاً عن النفس]! ليعملوا على تجويع أكثر من مليون إنسان في قطاع غزة [دفاع عن النفس]! ليدمِّروا المستشفيات، وليقتلوا المرضى من الأطفال والنساء، وحتى الأطفال في الحضَّانات، [دفاعاً عن النفس]! ليدمِّروا المستشفيات ويحوِّلوها إلى مقابر جماعية، والعنوان عند الألماني، عند البريطاني، عند الفرنسي، عند الأمريكي، [دفاع عن النفس]!
أمَّا الفلسطيني، صاحب الأرض، صاحب المنزل، المعتدى عليه، الذي هُوجِم إلى موطنه وإلى منزله، فليس له أن يفعل أي شيء، إذا دافع، وهو الذي فعلاً ما يقوم به هو دفاع بكل ما تعنيه الكلمة، فذلك عمل إرهابي، إجرامي!
أمَّا اللبناني، إذا هاجمه العدو الإسرائيلي، وقتله، واستهدفه، فليس له أن يقوم بأي شيء، لا كحزب، ولا كشعب، هذا إرهاب!
وهكذا هو حال السوري، المصري، الإيراني… أي بلد عربي، ليس له أن يفعل أي شيء، عندما يأتي الصهاينة اليهود ليحتلوا أرضه، وليصادروا حرِّيَّته واستقلاله، ليقتلوا الأطفال والنساء، وليفعلوا ما يشاؤون ويريدون، من يتصدى لهم، فعمله مُجَرَّم، وإرهاب! وليس فقط أمريكا توصِّف ما يفعله بإجرام وإرهاب؛ وإنما أيضاً حتى أنظمة عربية، وصَّفت ما تقوم به حماس، وما تقوم به حركة الجهاد الإسلامي، ما يقوم به مختلف الفصائل المجاهدة في فلسطين بأنه إرهاب، فهكذا يُقدِّمون الأمور معكوسةً تماماً، بكل ظلم، بكل جور، يقلبون الحقائق بهذا الشكل الواضح.
وعلى كُلٍّ، المعادلة التي يريد الأمريكي فرضها في منطقتنا، لا يمكن أن يفرضها على الجمهورية الإسلامية في إيران، أن يعتدي عليها العدو الإسرائيلي ولا ترد، والموقف الإيراني واضح، وشجاع، وصريح، وهو موقف حق لإيران، بل مسؤولية عليها وليس فقط حقاً، أن تتصدى للعدوان والطغيان، والجبروت والكبر الإسرائيلي، مسؤولية المسلمين جميعاً أن يتحركوا ضد العدو الإسرائيلي، وأن يجاهدوا في سبيل الله، إذا لم يجاهدوا في سبيل الله في مواجهة العدو الصهيوني اليهودي، بالرغم مما يرتكبه من الإجرام والعدوان، وهو يشكل تهديداً عليهم، في دينهم ودنياهم ومُقَدَّسَاتِهم، فمتى سيجاهدون؟! ومن يجاهدون؟! ولأي شيءٍ يجاهدون؟!
العدو الصهيوني هو عدوٌ لهذه الأمة في دينها، يسيء إلى نبيها، إلى كتابها، إلى مقدساتها، الأطماع الصهيونية والمشروع الصهيوني هو واضح، وهو صريح، وهو معلن، وهو موجودٌ في كتبهم، في ثقافتهم، في معتقداتهم، في مخططاتهم، في توجهاتهم، [إسرائيل الكبرى]، لا يمكن أن يوقف ذلك المشروع الصهيوني إلَّا الجهاد والمجاهدون، ولم يعرقله ويُعِقه حتى الآن إلَّا جهاد المجاهدين في فلسطين ولبنان، لو كان العدو الإسرائيلي تخلَّص منهم؛ لكان قد اتَّجه- اتَّجه وفق تلك المخططات، وفق ذلك المشروع- ليمتد، ليسيطر على الشام بكلها، ليسيطر على الأردن، ليسيطر على سوريا، ليسيطر على لبنان، ليسيطر على أجزاء من العراق في الحد الأدنى، وليسيطر على أجزاء من مِصر في الحد الأدنى، وليسيطر- كما يقول الصهاينة- على ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية، ومكة والمدينة مستهدفة من العدو الإسرائيلي، هناك كتابات، هناك مقالات، هناك تصريحات، هناك خطط، لتحقيق هذه الأهداف العدوانية والتوسعية، التي تستهدف أُمَّتنا الإسلامية، والذي يعيق العدو هو: صمود المجاهدين في غزة وفلسطين، صمود المجاهدين من حزب الله في لبنان، على مدى كل هذه العقود الماضية من الزمن، والعدو الإسرائيلي يسعى ليتخلص من هذا العائق، وإذا حقق أي نتيجة معينة، يفصح عن نواياه العدوانية التوسعية، ويكشف عن مخططاته.
ما يسمى بوزير المالية في الحكومة الإسرائيلية، ما يسمونه بـ[الحكومة الإسرائيلية] في العصابة الصهيونية، يُعبِّر عن هذه الأهداف التوسعية، التي تشمل الشام جميعاً، وتشمل أيضاً ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية.
البعض من العرب لا يستوعبون مثل هذا الكلام؛ لأنَّهم لم يستفيدوا من القرآن الكريم، ولا فيما ذكره الله عن اليهود في القرآن الكريم، وهم أيضاً لا يستفيدون من الوقائع والأحداث، ولا يعرفون ويَطَّلِعُون ماذا لدى العدو، ما يقوله العدو، ما هو عند العدو ثقافة، وفكرة، ورؤية، وخطة، واستراتيجية، يتحرَّك على أساسها، وهذه مشكلتهم.
على كُلٍّ، العدو الإسرائيلي يتحرَّك ضمن أهداف شيطانية توسعية خطيرة، تشاركه أمريكا فيها، هي تشاركه في الخلفيات، والأهداف، والتوجُّهات، والمواقف، وهي تُشَكِّل خطورةً وتهديداً على أُمَّتِنا بكلها؛ ولــذلك عندما طالت هذه الأحداث، فواحدٌ من أسباب ذلك هو: الدور الأمريكي والغربي، وهذه الأطماع، وهذه المخططات أيضاً.
الحالة بالنسبة للعرب حالة حساسة وخطيرة جداً؛ لأنه لن يجديهم لا اللجوء إلى تلك المنظمات الدولية، لم يُفِد شيئاً، هل أفاد فلسطين بشيء؟ عندما اتَّجه البعض من أبناء الشعب الفلسطيني في خيار المفاوضات، واستجداء السلام، هل وصلوا إلى نتيجة؟ لم يصلوا إلى نتيجة أبداً.
[نتنياهو] في الأمم المتحدة يُظهر خريطةً يلغي فيها فلسطين نهائياً، يلغي فيها حتى ما كان قد تم الحديث عنه، أو وُقِّع عليه سابقاً في اتفاقيات بإشراف أمريكي وأممي، انتهى بكله.
العرب اليوم لن يفيدهم لا استجداء السلام من أمريكا، أمريكا مشتركة مع الإسرائيل في نفس الخطط والأهداف، ولا حتى العمالة، ولا حتى الخيانة، ولا حتى التطبيع، كل ذلك هو تمكينٌ للعدو الإسرائيلي، وتقريبٌ له من تحقيق أهدافه بأقل كلفة؛ ولــذلك حتى القمة الخليجية الأوروبية، على ماذا كانت ترتكز بالأمس؟ كان الأوروبيون يطرحون فيها- كخيار أساسي، وكأساس ومنطلق لتلك الشراكة التي يتحدثون عنها- ما يسمى بطريق الهند، إلى الشرق الأوسط، إلى أوروبا، نفس ما أعلنه [المجرم نتنياهو] في الأمم المتحدة. بمعنى: أن التوجه الأمريكي والتوجه الأوروبي هو ربط الكل في المنطقة بالسيطرة الإسرائيلية: السيطرة الاقتصادية، السيطرة السياسية، السيطرة العسكرية، السيطرة الثقافية والفكرية… السيطرة الكاملة، وأن تكون الدول العربية خاضعةً بالمطلق، لما يخدم المصلحة الإسرائيلية، والمصلحة الصهيونية، ويعزز من سيطرة ونفوذ العدو الإسرائيلي؛ فالخيار ليس هو خيار الاستجداء للسلام.
ولذلك أنا أقول لكل المتربصين، الذين يتصورون أنهم بمأمن من العدو الإسرائيلي: ليس هناك أحد في المنطقة بكلها بمأمن من المؤامرات الإسرائيلية، الطموح الإسرائيلي واضح، الأهداف الإسرائيلية واضحة، عندما يتحدث [المجرم نتنياهو] عن تغيير الشرق الأوسط، فهو أيضاً يستهدفكم أنتم أيضاً في بلدانكم؛ لتكونوا أذلاء، مهانين، خانعين خاضعين تحت سيطرته، ولمصلحته، ولتكونوا أيضاً مستباحين، ما قد يظهره تجاهكم، ويخدعكم به لبعض الوقت، وكأنكم أصبحتم شركاء، لا شراكة مع العدو الإسرائيلي؛ إنما ذُل وإهانة، وعبودية واستغلال، ما يظهره العدو الإسرائيلي هو فقط مؤقَّت، لمرحلة مؤقَّتة؛ حتى يتمكن أكثر، وفيما يساعده لاحقاً على تحقيق أهدافه كاملة، ليس لكم عنده أي احترام، ولا تقدير، ولا عند الأمريكي، ولن يحميكم الأمريكي من الإسرائيلي، من يتصور من العرب أن الأمريكي سيوفر له الحماية من الإسرائيلي؛ فهو أغبى حتى من الحمار، أكثر غباءً من الحمير من يتصور هذا التصور. الأمريكي والإسرائيلي وجهان لعملةٍ واحدة، توجهاتهم واحدة، أهدافهم مشتركة، هم كلهم أعداء لهذه الأمة، والواقع يشهد.
فيما يتعلق بجبهة يمن الإيمان والجهاد، في (معركة الفتح الموعود، والجهاد المُقَدَّس)، فالعمليات- بتوفيق الله تعالى- مستمرة:
-
العمليات في البحار مستمرةٌ، وصل عدد السفن المستهدفة، المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي والبريطاني، إلى: (مائة وستة وتسعين سفينة)، مع سيطرة كاملة في الموقف من العدو الإسرائيلي، ومنعه من الملاحة في البحر الأحمر.
-
الإسناد بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة إلى فلسطين المحتلة مستمرٌ أيضاً، في هذا الأسبوع بـ (خمسة وعشرين) صاروخاً بالِسْتِيّاً ومُجَنَّحاً، وطائرة مُسَيَّرة.