نص كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين مواكبةً لفعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف وحـــول آخــــر التطـــورات والمستجــــدات الأسبوعيـــة 11 ربيع الأول 1446هـ 14 سبتمبر 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نتحدث اليوم ونحن على أعتاب الفعالية الكُبرى لذكرى المولد النبوي الشريف، التي تأتي غداً إن شاء الله تعالى، وفي حديث اليوم نتحدث عن بعض من المستجدات خلال الأسبوع المنصرم، وأيضاً نهدف أيضاً إلى الحث الكبير، والتأكيد على أهمية المشاركة الواسعة، والحضور الشعبي الكبير جداً في فعالية يوم الغد، الفعالية الكبرى لذكرى المولد النبوي الشريف.
فيما يتعلق بهذه المناسبة المباركة، وعلى مدى هذا الأسبوع المنصرم وما قبله كان هناك اهتمام كبير- بتوفيقٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- للاستفادة من مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، في الفعاليات والأنشطة التحضيرية، التي عادةً ما يتم الاهتمام بها ما قبل الفعَّالية الكبرى، وكانت هذه الأنشطة متنوعة:
-
فمنها: الأنشطة الخيرية، والإنسانية، والإغاثية، وهي تجسِّد قيم الإحسان، الذي هو من أهم ما ركَّز عليه القرآن الكريم في كثيرٍ من الآيات المباركة، وهو أيضاً من أبرز مكارم الأخلاق، التي تجسَّدت في شخصية رسول الله “”صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه””، وقدَّم فيها الأسوة والقدوة على أرقى مستوى، وحث على ذلك، وأمر بذلك، ورغَّب في ذلك.
-
وهناك أنشطة متنوعة خلال هذه الأيام الماضية، ركَّزت على هذا الجانب، ومن ضمن الأنشطة والاهتمامات الواسعة، التي برزت بشكلٍ كبير في مختلف المدن والقرى، هي: إظهار الزينة والفرح والاستبشار، بذكرى مولد رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، تعظيماً لرسول الله، وإظْهاراً للمحبةِ لَهُ، والتوقير له “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، واعترافاً بعظيم مِنَّة الله ونعمته الكبرى التي أنعم بها على البشرية جمعاء، وفي المقدمة العرب والمسلمين، الذين أنعم الله عليهم بخاتم أنبيائه، وسيد رسله، ورحمته للعالمين، محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، الذي أرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وقد اكتست معظم المدن بالزينة الخضراء، وبتوجُّهٍ مباشرٍ من الناس أنفسهم، وبرغبةٍ منهم، وتفاعلٍ منهم، والتفاعل الشعبي في هذا الجانب تفاعلٌ واسعٌ وواضحٌ، وهو يُعَبِّر- كما قلنا- عن هذه المحبة، والتوقير، والتعظيم لنعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والفرح بفضل الله وبرحمته، ذلك مما يدخل ضمن قوله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى” في الآية المباركة، عندما قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58]، من مظاهر الفرح والاستبشار، التي لها جوانب كثيرة، وأعمال كثيرة، وكذلك أنشطة واسعة ومتعددة.
-
ثم أيضاً من أهم الأنشطة التي كانت حاضرة بكثافة في الأيام الماضية: الفعاليات الثقافية، التي يأتي فيها الحديث عن سيرة رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، وعن شخصيته، وعن جهاده، وعن أخلاقه، وعن التأسي به، وعن رسالة الله إليه، الرسالة التي أتى بها من عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والعلاقة الايمانية التي تربطنا به وبالرسالة.
وكما قلنا في كلمة التدشين، فإن هذه المناسبة هي بالفعل مدرسةٌ عظيمةٌ معطاءة، غنيةٌ بالدروس والعِبر، التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها، وهي دروسٌ مفيدة، والمناسبة هي بالفعل محطة مهمة، نتزود منها ما نحتاج إليه، من المتطلبات الروحية، والتربوية، والثقافية، والعملية، التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها، في ظل ما تواجهه أمتنا من تحديات ومخاطر، وما تعيشه من ظروف.
عندما كان الحديث بارزاً في هذه المناسبة عن جهاد رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، كجانبٍ مهم من معالم شخصيته، التي تحتاج الأمة إلى الاستفادة من دراستها، ومن جوانب الأسوة والقدوة فيها؛ فلأن أُمَّتنا تواجه بالفعل مخاطر وتحديات كبيرة، ولذلك عندما يأتي الحديث عن الجهاد في سبيل الله، ليس معنى ذلك: إثارة مشكلةٍ الأمة في غنىً عن فتحها، وعن إثارتها، فنتصور واقع الأمة واقعاً مستقراً، هادئاً، مريحاً، وغير مستهدف؛ بينما هناك من يحاول أن يثير القلاقل وأن يفتح على الأمة إشكالات من هنا وهنا، ومخاطر وتحديات من هنا وهنا، المسألة مختلفة تماماً.
أُمَّتنا الإسلامية– في المنطقة العربية وفي غيرها- مستهدفةٌ من جانب أعدائها بكل أشكال الاستهداف، وتواجه المخاطر الكبيرة والتحديات الكبيرة، شاء المسلمون أم أبوا، فهي مخاطر تُحيق بهم، وتهديدات تهددهم حتى على مستوى وجودهم، كأمةٍ مستقلةٍ لها مشروعها، الذي تقوم حياتها على أساسه، والواقع يشهد، وهذه الحالة ليست جديدة، المسلمون على مرِّ التاريخ كانوا مستهدفين على الدوام، والتاريخ يشهد في وقائعه الكبرى، وأحداثه الرهيبة، والمآسي العظيمة التي لحقت بالمسلمين، وعانى منها المسلمون على مرِّ التاريخ، والنكبات الكبرى التي هي موثقةٌ في كتب التاريخ.
المسلمون كانوا ولا يزالون– على مستوى الماضي والحاضر- يُستهدفون بكل أشكال الاستهداف: الاستهداف العسكري، والسياسي، والثقافي، والفكري، والاقتصادي… وعلى كل المستويات وفي كل الجوانب، والخطر يأتي على الأمة من جبهتين متناغمتين، متعاونتين، حسب ما كشفه الله للأمة، للمسلمين، في القرآن الكريم، وَقَدَّم للأمة البصيرة الكافية، والوعي الكافي عن ذلك، وأيضاً بما شهد به الواقع والأحداث على مرِّ التاريخ، وأيضاً في الحاضر، وتلك الجبهتين هما: جبهة الكفر، والنفاق.
جبهة الكفر هي: جبهة عدوانية إجرامية، وهي مصدر الشر، والإجرام، والطغيان، والفساد، الذي يتنكر لرسالة الله تعالى، في مبادئها، وقيمها، وأخلاقها العظيمة.
رسالة الله “جَلَّ شَأنُهُ” هي نورٌ للبشرية جمعاء، وهي رحمةٌ للناس جميعاً، وأتت في مبادئها، وقيمها، وأخلاقها، وتعليماتها، بما فيه الخير للمجتمع البشري، والسعادة في الدنيا والآخرة؛ لكن جبهة الكفر هي متباينة تماماً مع رسالة الله تعالى، بدءاً بمبادئها الكبرى:
المبدأ الأول في رسالة الله تعالى، الذي هو: تحرير الناس وإنقاذهم من العبودية لغير الله تعالى، من حالة الاستعباد، والإذلال، والقهر، التي يمارسها الطاغوت المستكبر، الظالم، المجرم؛ من أجل أن يحوِّل الناس وما بأيديهم في الحياة، إلى حالةٍ يستغلها لمصالحه وأطماعه وأهوائه السيئة، والظالمة، وغير العادلة، بدءاً بهذا المبدأ الكبير والمهم، الذي أتى به رسل الله وأنبياؤه، وجاهد من أجله خاتم الأنبياء وسيِّد الرسل محمد “صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”.
وكذلك المبدأ العظيم، المهم في رسالة الله تعالى، وهو: إقامة القسط في هذه الحياة، إقامة القسط في واقع الناس، وهو أيضاً من المبادئ التي تحاربها جبهة الكفر، وتتباين معها تماماً، ولا تستسيغها إطلاقاً، فهي جبهة ظلم، وحيف، وجور، واستئثار، وطمع، وطغيان، وأهواء، وشهوات، ونزوات… وغير ذلك؛ ولـــذلك هي لا تطيق أبداً مبدأ الرسالة الإلهية، الذي أتى به كل الرسل والأنبياء، وأتى في الرسالة الخاتمة إلى رسول الله محمد “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”.
وكذلك مكارم الأخلاق، التي هي من أهم ما أتت به الرسالة الإلهية، وبها يسمو الإنسان، وتتحقق له إنسانيته، وشرفه الإنساني، وجبهة الكفر لا تنسجم أبداً مع مكارم الأخلاق؛ لأنها جبهة فساد، وإفساد، ونزوات، وطغيان، وانفلات مع الغرائز والأهواء، وليس عندها التزام بالمسؤولية الأخلاقية، ولا بحدود المسؤولية الأخلاقية؛ ولــــذلك هي تتباين مع مكارم الأخلاق التي تسمو بالإنسان.
وأيضاً هي لا تستسيغ الأسس التي أتت بها الرسالة الإلهية للإنسان؛ ليبني عليها الحضارة في واقع الحياة، وفق ما استخلفه الله له في هذه الأرض، أسس مستمدةٌ من الأخلاق، والعدل، والقيم، والتعليمات الإلهية، وهي ما لا يستسيغه الكافرون.
وفي نفس الوقت كذلك هناك جبهة النفاق: جبهة النفاق هي على تناغم وتلاقٍ مع جبهة الكفر، بالرغم من أن المنافقين ينتمون إلى الإسلام، ويحسبون من بين المسلمين وعلى المسلمين، لكنهم في ولائهم، وفي أهدافهم وتوجهاتهم، يلتقون مع الكافرين، وينسقون معهم، فهم بالنسبة للانتماء أصحاب انتماء إسلامي للإسلام، لكنهم بالنسبة للمواقف والتوجهات والأهداف يلتقون مع الكافرين؛ ولـــذلك كشفهم القرآن الكريم، وبيَّنَ حقيقتهم وخطورتهم، وصنفهم ضمن أعداء الإسلام والمسلمين، إلى درجة أن يقول الله عنهم في القرآن الكريم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المنافقون:4]، يأتي التصنيف لهم في خطورتهم، وخطورة أعمالهم، وما يقدمونه لمصلحة أعداء الإسلام في جبهة الكفر، يأتي التصنيف لهم في القرآن الكريم باعتبارهم أعداء، يشكلون خطورةً بالغةً على الأمة، ومن داخلها؛ لأن نشاطهم هو من داخل الأمة، ولكن بما يخدم أعداء الإسلام والمسلمين.
وهذه المسألة تحدث عنها القرآن الكريم على نحوٍ واسع، فيما يتعلق بجبهة النفاق، في طبيعتها، وفي خطورة أنشطتها وأدوارها التخريبية، تحدث عن ذلك في (سورة البقرة)، وفي (سورة التوبة) على نحو واسع جداً، تحدث عن ذلك في (سورة المنافقون)، تحدث عن ذلك أيضاً في سورٍ أخرى، كـ (سورة الأنفال) وغيرها.
حديث القرآن واسعٌ جداً، بما يقدِّم الوعي الكافي للأمة، ويكشف حقيقة المنافقين، وما يفضحهم، ويبيِّن حقيقتهم، ويفرزهم، ويميِّزهم بين أوساط المجتمع المسلم؛ حتى لا ينخدع بهم؛ ولـــذلك يقول الله عنهم في القرآن الكريم: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:139]، ويقول عنهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة:14].
فالمنافقون على مستوى الموقف، هم مع أعداء الإسلام والمسلمين على مستوى الموقف، وينشطون في داخل الأمة بالتخذيل، بالتثبيط، بمحاولة صرف الأُمَّة عن أي موقفٍ جاد لمواجهة الكافرين والتصدي لهم، فيحاولون أن ينشطوا بين أوساط الأمة، بالتخذيل، والتثبيط، وزرع اليأس، والإرجاف، والتهويل، وتثبيط الهمم والعزائم، والسعي لإثارة الفتن وإغراق الأمة في فتن أخرى ومشاكل أخرى، وصرف اهتمام الناس بشكلٍ تام عن العدو الحقيقي، وعن مخاطره، عن مؤامراته، وعن أنشطته العدائية… إلى غير ذلك.
ولــذلك فالكافرون والمنافقون يُشَكِّلون خطورةً على الأمة الإسلامية، خطورةً متناسقة؛ لأنَّ جهودهم دائماً ما تكون متناسقة، وهم يتبادلون الخدمات فيما بينهم، وينشطون لاستهداف الأمة من الداخل، فحذَّر القرآن الكريم منهم جميعاً، وجبهتهم هي تُمثِّل خطورةً على الأمة؛ لأنَّها جبهة شر، واستهداف شامل للأمة، هي تشكِّل خطورةً بكل الاعتبارات: خطورة أمنية، اقتصادية، عسكرية، خطورة ثقافية، خطورة فكرية، خطورة من كل جانب وفي كل اتجاه، فحذَّر الله منهم، وليس فيهم إنسانية، أو رحمة، أو أن هناك ما يمكن أن يغني عن الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بما يمثل حالة الردع لهم، ولإجرامهم، ولعدوانيتهم، ولإفشال مؤامراتهم التي يستهدفون بها الأمة؛ لأنَّهم بطبيعتهم وتوجهاتهم وانحرافهم عدوانيون، حاقدون، طامعون، دنيؤون، متوحشون، مجرمون بكل ما تعنيه الكلمة.
ولـــذلك عندما تعمد الأمة إلى التخلي تماماً عن مسألة الجهاد في سبيل الله تعالى، وتسعى لأن تعتمد أساليب أخرى؛ بهدف درء تلك المخاطر والتحديات، فكل أسلوب آخر وطريقة أخرى لن تجدي شيئاً؛ إنما تُشَجِّع أولئك؛ لأن الطريقة الوحيدة التي تُمثِّل الردع، والمنع، والحماية للأمة، هي: الجهاد في سبيل الله تعالى، هو ما يمثِّل ردعاً للعدو، وحمايةً ومنعةً للأمة، عندما تكون في موقع القوة، وتمتلك من عناصر القوة ما تستطيع به، وباعتمادها على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من ردع الأعداء بكل فئاتهم: الأعداء من الداخل، والأعداء من الخارج.
وهذه مسألة مهمة جداً؛ لأنهم فعلاً بدون رحمة، بدون إنسانية، بدون إنصاف، لا يريدون أن يتعاملوا مع الناس بمنطق الإنصاف، وهذا واضحٌ في جبهة الكفر، التي استهدفت المسلمين على مرِّ التاريخ وفي الحاضر، وأيضاً على مستوى الدور التخريبي والسيء للمنافقين، المتناغمين مع جبهة الكفر، الموالين للكافرين، المتعاونين معهم، الذين يشاركونهم المؤامرات على أبناء أمتنا الإسلامية؛ فأتى التوجيه بالجهاد في سبيل الله في القرآن الكريم؛ لأنه الطريقة الوحيدة، التي يمكن أن تمثِّل حالة الردع، والحماية للأمة في نفس الوقت.
من التوجيهات في القرآن الكريم ما هو مُوَجَّهٌ إلى رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، يخاطبه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويُوَجِّه إليه الأمر بالجهاد في سبيل الله تعالى، والقتال في سبيل الله “جَلَّ شَأنُهُ”، وهذا يبيِّن أهمية هذا الموضوع، عندما كان جزءاً من المهام الرسالية للرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ومن الالتزامات الإيمانية له “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وفي نفس الوقت باعتباره الأسوة، والقدوة للمؤمنين والمسلمين، كما قال الله في القرآن الكريم، في نفس السياق الجهادي في (سورة الأحزاب): {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21]، ومن الآيات التي فيها الأوامر التي هي موجهةٌ إلى الذين آمنوا، ضمن التزاماتهم الإيمانية، في إطار التوجُّه أيضاً بالاستجابة لله ولرسوله.
إذاً لو كان هناك خيارات أخرى، وبدائل أخرى، تغني الأُمَّة عن الجهاد في سبيل الله تعالى، لكان الأولى بها هو رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”؛ ليكون هو من يسلم من أعباء الجهاد، وَمَشاقِّه، وما فيه من المخاطر، لو كان هناك وسيلة أو طريقة أخرى، لكان هو أيضاً الأجدر بها، في مستوى ما كان عليه من الرشد، والمعرفة، والحكمة، وما كان عليه أيضاً من مكارم الأخلاق، والقدرة العالية جداً على الإقناع وإقامة الحجة، فلو كانت الوسائل الأخرى، الوسائل الدبلوماسية- مثلاً- لوحدها تكفي، أو طريقة معينة، أو أساليب معينة، بعيداً عن مسألة الجهاد في سبيل الله، لكان هو الأولى بها؛ لأنَّه الأولى بالرعاية والسلامة من المخاطر والأعباء والمشاقّ، أن يحظى بهذه التسهيلات، التي تُسقط عنه فيها مسؤوليات جسيمة وكبيرة، من مثل: مسؤولية الجهاد في سبيل الله تعالى.
وكذلك لو كانت المسألة مرتبطة بقدرات وخبرات معينة، لوسائل معينة، كما قلنا: أساليب دبلوماسية، وغيرها من الأساليب، التي قد يرى فيها البعض أنها هي الاتجاه الصحيح، خيارات الاستسلام المُغَلَّف بعناوين معينة، لو كانت هي التي تُجدي وتحمي الأمة، وتحمي المسلمين، وتساعد على أن يكون فيها حماية لمن يتَّجهون على أساس منهج الله واتِّباع رسالاته، لكانت المسألة متاحةً لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وللأنبياء والرسل من قبله، الذين قال الله عنهم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31]، الصراع حالة قائمة في واقع المجتمع البشري في كل مراحل التاريخ، وحتى في عصر الأنبياء السابقين.
من ضمن التوجيهات الإلهية للنبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، قول الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى“: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، وهذه الآية المباركة أتت في (سورة التوبة)، وأتت أيضاً بنفس نصها في (سورة التحريم)؛ وذلـــك يدل على أهمية ما ورد فيها، التوجيه الإلهي المباشر إلى رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، وهو هنا يناديه بنبوته، بما فيها من مسؤوليات والتزامات، وبما فيها من مهام مُقَدَّسة، وعظيمة، ومهمة للغاية، يناديه بهذا النداء: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، ويأمره الله بالجهاد، الجهاد في سبيل الله تعالى، وضد من؟ {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” استجاب لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى“، وكانت حركته الجهادية في سبيل الله تعالى متميزةً تميزاً عظيماً، على مستوى الأداء، الأداء الراقي جداً في تنفيذ هذه المهمة، وأداء هذا الواجب على أرقى مستوى، مجسِّداً في ذلك المبادئ الإلهية، والقيم الإلهية، والتعليمات الإلهية، وكذلك الحكمة بمفهومها الصحيح، ومحققاً نجاحات كبيرة جداً.
وهذا شيءٌ معروفٌ في القرآن الكريم، الذي ورد فيه توثيق لمسيرة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” الجهادية، بما أتى معها من تعليمات من الله، وتوجيهات من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبما فيها أيضاً من دروس وعبر، خلَّدها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للمسلمين في القرآن الكريم؛ لتستفيد منها الأجيال إلى قيام الساعة.
وفعلاً متميزة حركة الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” الجهادية متميزةٌ جداً، وتجلَّت فيها النجاحات الكبرى، والنتائج العظيمة جداً، التي تشهد على أهميتها، وضرورتها، والحاجة إليها، وإيجابيتها، وما تمثله من بناءٍ للأمة على المستوى الحضاري، وعلى مستوى العِزَّة، والمَنَعَة، والقُوَّة، وما يرتبط بها أيضاً من القيم، وما لها من أهمية تربوية وأخلاقية، وأهمية حضارية في واقع الأمة، ومدى صلتها بالمشروع الإلهي، الذي ينبغي للأمة أن تحمله وهي تنتمي إلى رسالة الله، وإلى الإسلام العظيم، وإلى القرآن الكريم، وتؤمن برسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وتتحمل بذلك مسؤولية العمل على تقديم النموذج الراقي في اتِّباع هذه الرسالة، والسعي لنشرها في العالمين، فرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” قد قدَّم للأمة النموذج العظيم، الذي خلَّده القرآن الكريم، وأيضاً ما ورد في كتب السِّير، وكتب التاريخ، مما ينسجم مع القرآن الكريم، وفيه الدروس الكبيرة جداً، لكن هناك تقصير كبير في واقع المسلمين، من الاستفادة من هذا الجانب من سيرة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، بما ورد في القرآن الكريم، وبما ورد في كتب السِّير والتاريخ.
ولـــذلك نستطيع القول: أنَّ ما عاناه ويعانيه المسلمون، في كثيرٍ من مراحل التاريخ، وفي الحاضر، هو نتاجٌ لتعطيلهم لمسؤولياتهم المقدَّسة والمهمة والكبرى، في إقامة القسط في الأرض، وفي الجهاد في سبيل الله تعالى، وحمل مشروع رسالة الله “جَلَّ شَأنُهُ”؛ ولـــذلك نتيجةً لذلك التفريط العظيم، والتقصير الكبير، كان له آثاره ونتائجه على الأمة في قوتها، في منعتها، في عزتها، في دورها بين بقية المجتمعات في الأرض؛ ولـــذلك كانت النتائج سلبية جداً، وهو: الانحدار، النتيجة الرهيبة: الانحدار الكبير في واقع الأمة؛ فضعفت، ووصل بها الحال إلى أن يتنامى دور اليهود الذين كانوا قد ضَربَ الله عليهم الذلة والمسكنة، ولا زالت مضروبةً عليهم الذلة والمسكنة، لكن انحدار المسلمين، الذي كان انحداراً أخلاقياً وحضارياً، وعلى كل المستويات، وصل بهم إلى مستوى الحضيض، ثم اتَّجه اليهود ليتنامى دورهم من جديد، برعايةٍ ودعمٍ من حلفائهم من النصارى، المسيحيين الذين لهم اتجاه آخر، النصارى الذين يتَّفقون مع اليهود، ويتحالفون معهم ضد المسلمين، اتَّجهوا جبهةً واحدة، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، كما عبَّر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم في (سورة المائدة)، وأتى الدور أيضاً الذي يخدمهم من جبهة النفاق في داخل الأمة؛ فتنامى دورهم من جديد للإفساد في الأرض، وللاستهداف للمسلمين، فوصل الحال إلى ما وصل إليه من احتلالهم لجزءٍ مهمٍ من البلاد الإسلامية، لفلسطين، بما فيها من المقدَّسات، ولاستضعاف وظلم شعبها المسلم العزيز، الذي هو جزءٌ من أُمَّتنا الإسلامية، وأيضاً احتلال بقاع أخرى، ومناطق عربية أخرى، وارتكاب أبشع الجرائم ضد المسلمين فيها، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً!
التعطيل للجهاد في سبيل الله يترافق معه انحدار أخلاقي، وقيمي، وحضاري، وأمِّيَّةٌ سياسية، ويترافق معه غباء وَتَبَلُّد في المشاعر، وطبعٌ على القلوب، كما حذَّر الله في القرآن الكريم، وهي حالة خطيرة جداً، ويترافق معه الذلة، والهوان، والتمكين للأعداء من السيطرة، والجرأة على الناس، على المسلمين؛ ولـــذلك لا خلاص للأمة إلَّا بتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالاتِّباع لتعليمات الله، ومنها: الجهاد في سبيل الله، وفق المفهوم القرآني الصحيح، وبالاستفادة من رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وحركته ومسيرته الجهادية الرائدة، التي لا مثيل لها فيما حققته من نجاحات، وفيما كانت عليه من أداءٍ راقٍ جداً، راقٍ بما هو عليه من القيم، والأخلاق، والمبادئ، وما حققه من نجاحات كبرى، وإلَّا فالمسلمون يواجهون الاستهداف والمخاطر، وأعداؤهم يحاربونهم، ويستهدفونهم بالمزيد والمزيد من المؤامرات، كما أنَّ واقع الأمة تجاه ما يحصل على الشعب الفلسطيني على مدى اثنا عشر شهراً، نحن الآن في الشهر الثاني عشر منذ العدوان الإسرائيلي الهمجي الوحشي على قطاع غزة، والمسلمون في واقعٍ وموقفٍ مخزٍ، تجاه ما يرتكبه العدو الإسرائيلي من إبادة جماعية يومية ضد الشعب الفلسطيني، هذا شيءٌ مؤسفٌ ومؤلم!
على مستوى الأسبوع المنصرم واصل العدو الإسرائيلي جرائمه الفظيعة جداً، ويستهدف النازحين في خيمهم القماشية بالقنابل الأمريكية الكبيرة الفتَّاكة، التي هي مخصصة لاستهداف أهداف عسكرية محصَّنة بكل الإمكانات الكبيرة للتحصين، بالخرسانات الإسمنتية… وغيرها، فيستهدف بها من؟ النازحين من أطفال ونساء ومدنيين، يستهدفهم إلى خيمهم، ومخيماتهم التي هي من القماش، مخيمات ليست حتى مما يمتلكه الآخرون، ممن يحظون بأن تصل إليهم المساعدات الإنسانية اللازمة، مخيمات متواضعة بسيطة، يستهدفها بتلك القنابل؛ ليفتك بهم، وليرتكب فعلاً جرائم الإبادة الجماعية، هذا هو الهدف من استهداف تجمعات النازحين، في مناطق يعلنها آمنةً ما قبل ذلك، ثم بعد تجمعهم يستهدفهم بتلك القنابل الأمريكية، وكذلك في مدارس الإيواء، وأصبحت هذه طريقة يعتمد عليها بشكلٍ متكررٍ وكثيف، أصبحت عملياته التي يستهدف بها النازحين من الأطفال والنساء والمدنيين كثيرةٌ جداً، في نفس المناطق التي يعلنها مناطق آمنة، وهو مستمرٌ أيضاً بالحصار، والتجويع، والتعذيب للأسرى، وكل الممارسات الإجرامية، الوحشية، العدوانية، التي تُعبِّر عن حالة الكفر، والشر، والطغيان، والإجرام، والتنكر لرسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
كذلك فيما يتعلَّق بالاستهداف للمقدسات، وعلى رأسها: المسجد الأقصى الشريف، حيث تستمر الاقتحامات والتهديدات، ونسمع كل أسبوع تهديدات جديدة لاستهداف المسجد الأقصى، في السابق الحديث عن مخطط ومؤامرة لبناء كنيسٍ يهودي، ثم نسمع في الأسبوع المنصرم كذلك عن تهديد آخر، وعن- كذلك- ما يُشعر بتحضير لجريمة كبيرة تستهدف المسجد الأقصى المقدَّس بالإحراق، والصهاينة لهم موقفٌ واضح، الصهاينة اليهود من أهدافهم المعلنة والمؤكدة هي: الاستهداف للمسجد الأقصى، والسعي لتدميره، والسعي لإنهائه، وهذا شيءٌ واضحٌ، من أهم أهدافهم التي يؤكدون عليها، ويحضِّرون لها، ويسعون للوصول إلى تنفيذها؛ وإنما هم يدركون أنَّ هذه الجريمة خطيرة للغاية، وتستفز مشاعر المسلمين في كل العالم، وهي خطوة في غاية الخطورة؛ ولـــذلك يحاولون الترويض لها، والتهيئة لها، حتى حجم ونوعية الجرائم التي يرتكبونها، ثم يحاولون أن تصبح- بالنسبة لكثيرٍ من المسلمين- مشهداً اعتياديًا روتينياً، لا يُحرِّك مشاعرهم، لا الإنسانية، ولا الإسلامية، ولا يحرِّك لديهم أي شيء آخر، وهذا شيءٌ مؤسفٌ ومؤلمٌ وملموس في واقع الأمة! ما يحدث يومياً، ونحن في الشهر الثاني عشر منذ بداية العدوان الهمجي، الإجرامي، الوحشي على قطاع غزة، ثم لا نرى في واقع أكثر المسلمين، وفي المقدِّمة الحكومات، والأنظمة، والجهات الرسمية، لا نراهم حرَّكتهم غَيرة الإسلام، والانتماء الإسلامي، والشعور بالواجب الديني، والمسؤولية الدينية، ولا نراهم حرَّكتهم المشاعر الإنسانية، وهناك ما يحرِّك الضمير الإنساني مما يجري في فلسطين، ولا نراهم تحركوا على المستوى العربي تحت عناوين: العروبة، والقومية العربية، والانتماء العربي… وغير ذلك من العناوين التي حرَّكوها، لكن في مناسبات أخرى، وميادين أخرى، ومقامات أخرى:
-
للفتنة في الواقع الداخلي.
-
ولاستهداف أحرار الأمة.
-
ولما يخدم اليهود الصهاينة، لما يخدم أمريكا وإسرائيل.
فسكتوا عن تحريك هذا العنوان.
ولم نر أولئك الذين كانوا يتحركون تحت العنوان الجهادي كذلك، في نفس الاتجاه الذي يمزق الأمة من الداخل، تحت العناوين الطائفية والمذهبية، لكنه لم يتحرَّك أبداً، ولا بأيِّ مستوى لنصرة الشعب الفلسطيني.
ولم نرَ أي تحرك تحت العناوين السياسية، وتحت عناوين الاتفاقيات المشتركة بين العرب وبين المسلمين جميعاً، بالدرجة الأولى على المستوى العربي، لا على أساس اتفاقيات الدفاع المشترك، ولا وفق الالتزامات التي أعلنت رسمياً، سواء في جامعة الدول العربية، أو في مؤسسات أخرى، أو اجتماعات رسمية، ومقررات لمؤتمرات رسمية… وغير ذلك، ولا شيء، ولا شيء حرَّك العرب، ولا شيء حرَّك المسلمين لموقفٍ جماعيٍ حازمٍ، صارمٍ، جادٍ، معه إجراءات فعليَّة، لنصرة الشعب الفلسطيني تجاه ما يجري عليه من ابادة جماعية، ومن ممارسات ظالمة، وجرائم وحشية رهيبةٌ جداً.
إذاً هذه حالةٌ خطيرة، حالة خطيرة، هي تشجِّع العدو الإسرائيلي على جرائم أخرى، وعلى خطوات أخرى تشكِّل خطورةً بالغة؛ ولـــذلك فالخطر يتزايد على الأقصى الشريف يوماً بعد يوم، كلما كانت الأمة على مستوى رهيب من التخاذل والتفرُّج تجاه بقية الجرائم والخطوات العدوانية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي.
وأيضاً ما يعمله العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية، وما يستمر فيه هناك من جرائم القتل، والتدمير، والتجريف، والتهجير… وغير ذلك، وجرائم الاختطاف، وجرائم أيضاً التعذيب للأسرى، كل تلك الجرائم عندما تتراكم، عندما تكون بنوعية فظيعة جداً، ويفترض بها أن تكون في غاية الاستفزاز للأمة؛ فَتُحَرِّك الأمة في ردة فعلٍ مسؤولة بحجم ما يجري، ثم تسكت الأمة، هذا مما يجرِّؤ العدو على خطوات أخرى.
والأمريكي في كل ما يجري في فلسطين شريكٌ للعدو الإسرائيلي، وشراكته واضحة، وموقفه واضح، والجبهة واضحة أنها جبهة أمريكية إسرائيلية مشتركة، تستهدف الشعب الفلسطيني، وتستهدف الأمة بكلها، والأمريكي جاهز ليفعل أي شيء للإسرائيلي، ولمصلحة الإسرائيلي، ويرى دائماً أنَّ مصلحة الإسرائيلي هي مصلحته، وهو يحمل نفس التَّوجُّه العدائي ضد هذه الأمة، هو حاضرٌ لفعل أي شيء ضد أي بلد عربي آخر، سواءً من البلدان المجاورة لفلسطين أو غيرها؛ ولـــذلك الأمريكي هو يظهر كعدو حقيقي، وبأعمال عدائية، وهو شريكٌ في كل ذلك الإجرام بمستواه، ودوره أساسيٌ إلى درجة أن لولا الدور الأمريكي؛ لما كان الإجرام الإسرائيلي بذلك المستوى، ولما استمر فيما يستمر فيه إلى الآن؛ ولـــذلك هو يشترك عدوانياً من جهة، ويتَّجه أيضاً في محاولات لخداع الرأي العام من جهة أخرى.
الأمريكي شريكٌ في العدوان، ويقدِّم نفسه– في نفس الوقت- كوسيط، وكساعٍ لحل المشكلة، وإيقاف ما يجري هناك، وهذا من الخداع للرأي العام، هو يقدِّم للإسرائيلي ما يستمر فيه، في إجرامه، في عدوانه، في همجيته، في إبادته الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، كل أشكال الدعم، التي تساعد الإسرائيلي على الاستمرار فيما هو فيه من عدوان وإجرام، وفي نفس الوقت يتحدث- لخداع الرأي العام- أنه يسعى من أجل وقف الحرب هناك! ثم يأتي في بعض الأحيان- وبكل بهتانٍ ووقاحة- ليحمِّل حركة المقاومة الإسلامية حماس المسؤولية عن عدم التوصل لاتفاق لتبادل الأسرى، وإيقاف الحرب، بكل بهتان، بدون أي دليل، بل والمسألة واضحة، إلى درجة أنَّه معروف حتى لدى الإسرائيليين، في ما يجري عندهم هم من تعليقات، ونقاشات، واختلافات، وجدل، أنَّ المجرم [نتنياهو]، وأنَّ الصهاينة في ما يسمونه بحكومتهم هم، هم من يُصِرُّون على استمرار العدوان والحرب، ولكن الأمريكي يقدِّم محاولةً للخداع، ويحاول أن يحمِّل المظلومين، المستهدفين، المسؤولية عمَّا يفعله العدو الظالم المجرم، وهو العدو الإسرائيلي.
مع كل ذلك، وبحجم ما يجري هناك من عدوان، نقدِّر عالياً ثبات إخوتنا المجاهدين في قطاع غزة في فلسطين، في الضفة أيضاً، بالرغم من طول المدة، نحن في الشهر الثاني عشر، وعلى وشك اكتمال العام، والعدوان الإسرائيلي الهمجي، بالدعم الأمريكي والغربي، الواسع والهائل والكبير، بمختلف أنواع الدعم: بالقذائف، بالقنابل، بالمال، بالموقف السياسي… بغير ذلك، والإخوة المجاهدون في قطاع غزة في عزلة تامَّة عن أيِّ مدد يصل إليهم، وفي مقابل أيضاً حالة خذلان كبيرة في واقع الأمة، وتواطؤ من بعض الأنظمة والحكومات ضدهم، موقف بعض الحكومات والأنظمة العربية، وبعض الزعماء العرب، هو موقف متواطئ مع العدو الإسرائيلي، ومحرِّض للعدو الإسرائيلي، ومتعاون مع العدو الإسرائيلي لاستهداف الشعب الفلسطيني.
الإخوة المجاهدون في قطاع غزة مستمرون في عملياتهم، وثابتون، ومتماسكون، وعملياتهم فاعلة ومؤثِّرة على العدو، وهذا شيءٌ واضحٌ وملموس، ومشاهد الفيديو للعمليات بأنواعها من: كمائن، وعمليات قصف، واشتباك مباشر… وغير ذلك، تشهد على مدى تماسكهم، وإيمانهم، وثباتهم، واستبسالهم، وتفانيهم في سبيل الله تعالى، وفي نفس الوقت- كما قلنا كثيراً- هناك مسؤولية على الأمة في نصرتهم، وإعانتهم، واحتضانهم، وتقديم كل أشكال الدعم: على المستوى الإعلامي، والسياسي، والمالي، والعسكري… وعلى كل المستويات، ولو حظي الشعب الفلسطيني، وحظي مجاهدوه بجزءٍ من الدعم الذي دعم به الغرب، دعم به العدو الإسرائيلي، لو حظوا بدعمٍ من العرب والمسلمين، يساوي بعضاً من دعم الغرب لإسرائيل؛ لكان واقع المعركة مختلفاً تماماً، لكن المؤسف أنَّ الأمريكي والغرب يقدِّم الدعم الكبير للعدو الإسرائيلي، والعرب في المقابل:
-
منهم من هو متخاذل.
-
ومنهم من هو متواطئ مع العدو تجاه الإخوة المجاهدين في فلسطين.