لثلاثمائة وأربعة عشر يوماً، وللشهر الحادي عشر، والعدو الإسرائيلي يواصل جريمة القرن، في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بمختلف وسائل الإبادة الجماعية، وفي مقدمتها: المجازر الجماعية، التي بلغت (ثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسة وثلاثين مجزرة)، منها في هذا الأسبوع فقط (خمسة عشر مجزرة) من أبشع الجرائم وأفظعها همجيةً، أسفرت عن استشهاد وجرح أكثر من ألف شهيدٍ وجريح، وكان أشنعها وأفظعها مذبحة الفجر في يوم السبت الماضي، حيث قام العدو الإسرائيلي باستهداف المصلين، في مصلى التابعين أثناء أدائهم لصلاة الفجر، استهدفهم بثلاث قنابل أمريكية كبيرة، تستخدم لتدمير التحصينات الإسمنتية، مستبيحاً بذلك حياة المدنيين، ومنتهكاً قدسية الصلاة والمصلى، ومتعمداً للإبادة لهم أثناء تجمعهم، في سياق عدوانه الذي يمارس فيه الإبادة الجماعية.
تلك الجريمة، وما أكثر ما سبقها من الجرائم الشنيعة، وأيضاً الحصيلة ليومٍ واحد من ثلاثمائة وأربعة عشر يوماً، كافية لأن يستفيق منها ضمير أي إنسان لم يطبع الله على قلبه، ولكن ردود الفعل في معظم الساحة الإسلامية، وفِي مقدمتها البلدان العربية، هي الحالة التي عبر القرآن الكريم عنها في قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}[النمل:80]، وقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}[النمل:81]،
أين هي مواقف الحكومات والأنظمة والزعماء، المواقف العملية الجادة؟! فلا حرَّكتهم الجرائم الفظيعة، المتجددة يومياً من جهة العدو الإسرائيلي، ولا كذلك تحرَّكوا لحجم مأساة الشعب الفلسطيني، ولتلك المشاهد الدامية المؤلمة لكل إنسان بقي له ذرة إنسانية، بل مع ذلك، تتواطأ بعض الأنظمة، ويتباهى العدو الإسرائيلي بما يصل إليه منها من عشرات آلاف الأطنان من الفواكه والمواد الغذائية، في الوقت الذي يتضوَّر فيه الشعب الفلسطيني جوعاً، وهو محاصر، وهو يستنجد بهذه الأمة، وهو يستغيث، فلا يسمعون لاستغاثته، ولا يلتفتون إلى واقعه، وتذهب شاحناتهم المحملة بآلاف الأطنان من الفواكه والمواد الغذائية إلى العدو الإسرائيلي؛ ليستفيد منها.
وكذلك تتحرك أنظمة عربية بكل ما أوتيت من قوة، بهدف توفير الحماية العسكرية للعدو الإسرائيلي، والاعتراض لما يستهدفه من صواريخ أو طائرات مسيَّرة، وتتحول أيضاً وسائل إعلامية لأنظمة عربية إلى منابر لمجرمي العدو الإسرائيلي، يتحدثون عبرها، يبررون جرائمهم، ويفتخرون بما يفعلونه بالشعب الفلسطيني، ويوجهون لغة التحدي لكل الأمة الإسلامية، وإلى توجيهٍ معنوي لصالح العدو الإسرائيلي، هذا على مستوى الأنظمة والحكومات.
ثم أين هي مواقف النخب؟ وأكثرها في سبات، والبعض في نفس اتِّجَاه الأنظمة الي تحكمهم، علماء الدين، القليل منهم فقط لهم موقفٌ واضحٌ مساندٌ للشعب الفلسطيني، ومناصٌر لمظلومية الشعب الفلسطيني، والأكثر ليس لهم تحركٌ فاعلٌ جادٌ لتعبئة الأمة، وتحريكها للنهوض بمسؤوليتها الجهادية المقدسة، في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم.
أمَّا الذين يسمُّون أنفسهم بعلماء، وأحياناً بكبار العلماء، من رموز التكفير والفتنة الطائفية، فأين هو صوتهم؟ بلى لهم صوت، لكنه نهيقٌ يدعو دائماً إلى الفتنة الطائفية، ويسعى باستمرار لصرف أنظار الأمة عن القضية الحقيقية لها، وعن العداء لعدوها الحقيقي بنص القرآن الكريم، وبإثبات الواقع، يحاول أن يتجاهل ما يحدث على الشعب الفلسطيني، ويحاول أن يخذل الشعب الفلسطيني، ويدفع بالأمة إلى أن تخذله، وأن تتجاهله تماماً، وأن تتجه بكل عدائها في اتجاه الفتنة الطائفية، وكَثُرت أصواتهم في هذه الفترة، بقدر ما يتجه العدو الاسرائيلي لتصعيد جرائمه وعدوانه على الشعب الفلسطيني، يتجهون هم اتجاهاً آخر يخدم العدو الإسرائيلي بكل وضوح، وهذه مسألةٌ واضحة، فلا نسمع منهم إلا أنكر الأصوات، وأقبح الأصوات، أصوات مشحونة بالافتراء، بالفتنة، بالخدمة للعدو الاسرائيلي.
أين هي النخب السياسية والأكاديمية؟ فالبعض منهم له صوتٌ وتحركٌ إيجابي، ينسجم مع انتمائه للإسلام، وقليلٌ ما هم، وقليلٌ ما هم!
أين هي الشعوب المسلمة، التي هي فوق المليار مسلم، وقد تصل إلى الملياري مسلم، أين هي؟ لماذا لا تتحرك بحجم المأساة وهول ما يحدث والمسؤولية تتعاظم؟ هل يمكن أن يكون لهم في يوم القيامة عذر، عذر لملياري مسلم؟! هل يمكن أن يعتذروا في ساحة القيامة بقلة العدد، أو بانعدام العدة؟ لا يمكن أبداً أن تلتمس عذراً لمئات الملايين من المسلمين المتخاذلين، الذين لو تحركوا كما ينبغي، وفق مسؤوليتهم الدينية والإنسانية والقرآنية، لكانت تلك الجرائم قد توقفت، ولكان واقع الشعب الفلسطيني قد تغير تماماً، فتخاذل الأمة هو إسهامٌ يخدم العدو الإسرائيلي، وإسهامٌ في مأساة الشعب الفلسطيني.
العناوين للمسؤوليات الدينية الكبرى، مثل: عنوان الجهاد في سبيل الله تعالى، وعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعنوان نصرة المظلوم، ونصرة المستضعفين، وعنوان الوقوف بوجه الظلم والطغيان والإجرام، وغيرها من العناوين هي بكلها ذات علاقة وصلة بمسؤولية الأمة الإسلامية الكبرى في طولها والعرض، للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومناصرته، كل هذه المسؤوليات هي مسؤوليات مرتبطة بما يحدث، بما هو على الأمة، تجاه ما يحصل على الشعب الفلسطيني، حينما يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}[النساء:75]، ما هو جواب مئات الملايين من المسلمين على هذا الاستفهام الاستنكاري: (مَا لَكُمْ)، مَا لَكُمْ؟! أوليس ما يحدث في فلسطين، أوليست تلك المآسي الكبرى التي لا مثيل لها في كل أنحاء الأرض كافيةً في أن تدركوا مسؤوليتكم، واجبكم؛ لتتحركوا، لتقاتلوا، لتعملوا، لتتخذوا المواقف الجادَّة، العملية، المؤثِّرة على الأعداء، ليرى منكم الأعداء الجدَّ، والاهتمام، والتحرك الفاعل لنصرة الشعب الفلسطيني؟! (مَا لَكُمْ) هذه لا جواب للأمة عليها.
أمة بمئات الملايين من المسلمين، ليس لهم جوابٌ ينجيهم يوم القيامة عن تقصيرهم، وتفريطهم، وتخاذلهم، تجاه هذه المسؤولية المقدَّسة، حينما خاطبهم الله، خاطب الجميع، خاطبنا في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}[التوبة:38]، (مَا لَكُمْ) كذلك هنا في هذا الموقع، هل هناك ما يبرر للأمة أن تتثاقل، أن تتخاذل، أن تتجاهل ما يحصل؟! ما يحصل هو شيءٌ فظيع، وشيءٌ كبير.
حينما قال رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم، لَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ لِمُصِيبَةٍ إِنْ نَزَلَت بِهِ))، أين هي الأخوَّة الإسلامية تجاه ما يجري على الشعب الفلسطيني، تجاه تلك المأساة الكبرى التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، في كل تفاصيلها المؤلمة جداً؟! ووسائل الإعلام هي تقدِّم تفاصيل كثيرة عمَّا يحصل على الشعب الفلسطيني؟
بياض الوجه، والشرف، والمجد، والكرامة، وفضل أداء الواجب المقدس، هو للإخوة المجاهدين الصابرين الثابتين في قطاع غزة، وهم يؤدون واجبهم الجهادي بصبرٍ وثباتٍ وتفانٍ واستبسالٍ منقطع النظير، وفي كل أسبوع نجد حصيلةً مهمة في عدد عملياتهم، وهي تكشف فشل العدو الإسرائيلي الذريع وخيبة أمله.
في هذا الأسبوع، نفَّذت كتائب القسام (ستة عشر عملية)، بينها: عمليات استهداف لآليات العدو الإسرائيلي، وعمليات قنص لجنوده المجرمين، وكمائن مركبة لاستهداف قواته الخاصة، وعمليات قصف بالهاون والصواريخ، من ضمن تلك العمليات: القصف بالصواريخ إلى ما يسميه العدو [تل أبيب]، إلى يافا المحتلة، في عملية لها دلالة مهمة جداً في هذا التوقيت بالذات، في الشهر الحادي عشر منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في الوقت الذي يتوقع فيه العدو الإسرائيلي، أو يفترض أنه قد أنهى كتائب القسام، وأوصلها إلى مستوى العجز في أدائها لمهامها الجهادية، ها هي حاضرة بمستوى كبير، وفاعل، ومؤثِّر على العدو، وإلى هذه الدرجة، الاستمرار بالقصف بالصواريخ إلى يافا المحتلة، التي يسميها العدو بـ[تل أبيب].
هذا إضافةً إلى عمليات سرايا القدس، والفصائل المجاهدة الأخرى، التي هي جنباً إلى جنب مع كتائب القسام، تجاهد وتتصدى للعدو الإسرائيلي في قطاع غزة.
وثبات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، رغم الإبادة الجماعية، والتجويع، والتهجير، والنزوح المستمر الإجباري القسري، الذي يمارسه العدو الإسرائيلي، للضغط على المجتمع في قطاع غزة، وتكرار إعلان المناطق عسكرية، هو درسٌ كبيرٌ لكل الأمة، هو من جانب مأساة كبيرة ومظلومية رهيبة، لكنه في الواقع أيضاً درسٌ كبير لكل الأمة، ذلك المستوى من الثبات، والتمسك بالقضية، ذلك المستوى من الصبر والتحمل في سبيل الله تعالى، هو درس للأمة التي تتخاذل حتى عن أبسط المواجب، عن أبسط الخطوات العملية، البعض من أبناء الأمة لا يريد أن يُكلِّف نفسه أي خطوة عملية، أو موقف عملي مساند للشعب الفلسطيني، ولو كان بسيطاً، ليس له أي إسهام، لا بالتبرعات، لا بالمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، لا بالمظاهرات والمسيرات، لا بالموقف الإعلامي، ولا أي إسهام، البعض ولا حتى ربما بالدعاء، قد لا يلتفت أصلاً إلى ما يحدث هناك، البعض أيضاً لهم مواقف هي مواقف الشامتين، أو مواقف المتواطئين، وهو ذنبٌ عظيم، يجعل الإنسان شريكاً مع العدو الإسرائيلي في جرائمه.
ثبات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ثباتٌ عظيم، بالرغم أيضاً من حجم المعاناة هناك؛ لأن العدو الإسرائيلي يستهدف الفلسطينيين في قطاع غزة، الشعب الفلسطيني يستهدف هناك بكل وسائل الاستهداف: التدمير، القتل، الاختطاف… كل أنواع الجرائم يستخدمها العدو الإسرائيلي، بل وصل الحال إلى استخدامه هناك للطائرات لاستهداف الشعب الفلسطيني.
العدو الإسرائيلي يكرر بشكلٍ مستمر اقتحام المسجد الأقصى، وقام الصهاينة المجرمون في هذا الأسبوع باقتحام القدس، وهذا في سياق عدوانهم الشامل، المستهدف لكل شيءٍ في فلسطين، للشعب والأرض والمقدسات، والاستهداف للمقدسات والاقتحام للمسجد الأقصى الشريف، هو أيضاً تذكيرٌ للمسلمين جميعاً بمسؤوليتهم؛ لأن كل ذلك يعنيهم، تلك المقدسات هي مقدسات كل المسلمين، المسجد الأقصى والقدس هو من مقدسات المسلمين جميعاً في كل أنحاء الأرض، وعليهم جميعاً مسؤولية أمام الله تجاه تلك المقدسات المباركة، وأيضاً تجاه الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ منهم، تجاه فلسطين بشكلٍ عام، التي هي جزءٌ من هذه الأمة في شعبها، وفي أرضها، وفي مقدساتها.
فيما يتعلق بجبهات الإسناد، الإسناد مستمرٌ من كل الجبهات، مسار الإسناد والعمليات المساندة للشعب الفلسطيني هي مستمرةٌ، والقرار أيضاً بالرد من المحور (محور القدس، محور الجهاد والمقاومة) القرار بالرد على الجرائم التي قام بها العدو الإسرائيلي، باستهداف شهيد الأمة، شهيد الأقصى، شهيد فلسطين، الشهيد القائد/ إسماعيل هنية “رَحِمَهُ الله”، والشهيد القائد الجهادي الكبير/ فؤاد شُكر، والاستهداف للحديدة، هذا التصعيد الذي أكدَّ كل المحور أنه لابدَّ من الرد عليه، الرد قادمٌ، والقرار حاسم، لا تراجع عنه أبداً، القرار بالرد هو التزامٌ إيمانيٌ، إنسانيٌ، أخلاقيٌ، هو التزامٌ صادقٌ من صادقين جُرِّبوا في صدقهم بالقول والفعل، وهو ضرورةٌ عمليةٌ لردع العدو، وكل واحد من هذه الاعتبارات كافٍ في اتخاذ قرارٍ بالرد، وفي أيضاً الإصرار على تنفيذ ذلك القرار، مهما كانت المساعي لاحتواء الرد، الأمريكي يبذل كل جهده لاحتواء الرد، خطوات سياسية، ومنها الخطوات التي يتحدث عنها هذه الأيام عن حوار ومفاوضات، والتحذير من الرد؛ لكي لا يؤثِّر عليها، وقد تعاملت حركة المقاومة الإسلامية حماس بحكمة تجاه هذا المسار السياسي، وقابلته بخطوة حكيمة، تفضح الأمريكي، وكذلك الخطوات على المستوى العسكري، الحشود الأمريكية لقطع بحرية، أو أيضاً المجيء بطائرات إلى قواعد عسكرية أمريكية في البلدان العربية، كل هذا لا يمكنه أبداً أن يوقف الرد، أو أن يكون ضاغطاً بإيقاف القرار، أو إلغاء القرار بالرد، الرد- كما قلنا- هو التزام إيماني، التزام أخلاقي وإنساني، وهو أيضاً قرار استراتيجي، وضرورة فعلية لردع العدو الإسرائيلي؛ لأنه عدوٌ مجرمٌ، لا مثيل لإجرامه، ولا لنزعته الإجرامية وعدوانيته وطغيانه في كل العالم، وأيضاً لئيمٌ جداً، متجرأٌ على ارتكاب الجرائم، لابدَّ من ردعه، ذلك النوع لابدٌ من ردعه، فمهما كانت مساعي احتواء الرد هي فاشلة، لا يمكن إلغاء هذا القرار، هذا القرار قرارٌ حتميٌ من كل جبهات الإسناد، من كل الجبهات في المحور، وهناك تصميمٌ عليه بكل تأكيد.
مسألة التأخير، التأخير هو في سياق عملي، وبقصد أن يكون الرد موجعاً للعدو، وأيضاً في مقابل حالة النفير العام الأمريكية، التي تسعى لإعاقة هذا الرد، أو التقليل من تأثيره، وله تأثير عملي، يعني: حتى هذا التأخير له تأثير عملي على العدو غير مسبوق في واقعه، لم يسبق للعدو الإسرائيلي أن كان في مثلي هذه المرحلة من الخوف، من إلغاء الرحلات الجوية لكثيرٍ من الشركات، من الهلع والقلق الذي يعيشه المنتسبون إلى الكيان الإسرائيلي، من المستوطنين المغتصبين، ومن بقية الإسرائيليين المجرمين، الكل في حالة هلع وخوف غير مسبوق، وهذه مسألة واضحة، وحتى إعلامهم يتحدث عن ذلك، وحتى واقعهم يشهد على ذلك، فهناك تأثير فعلي حالياً؛ لأنهم في كل يوم يتوقعون الرد، وهم في حالة خوف مستمرة، وخوف مؤثِّر على وضعهم في كل المجالات، فهناك تأثير عملياتي حاصل على العدو وبشكلٍ واضح، والتداعيات قائمة، وحاصلة، وغير مسبوقة في واقع العدو، كل الجبهات وكل الجهات في المحور عندها هذا القرار الحاسم بالرد، وعملياً هي متجهة هذا الاتجاه، وبالرغم من الضخ الإعلامي المشكك من قبل الأعداء، فالرد آتٍ آتٍ آتٍ حتماً وبكل تأكيد، ولا ينبغي لأحد أن يلتفت إلى الضخِّ الإعلامي الهادف إلى التشكيك، وإثارة الضجيج حول مسألة التأخير، ولا لأن- ممن هو منتمٍ إلى هذه الجبهات- أن يكون لديه شك، أو أن يُصدِّق ما يسمعه من أبواق العدو الإسرائيلي، وأبواق أمريكا.
فيما يتعلق بجبهة الإسناد اللبنانية، هي مستمرة بقوة في عملياتها، عمليات حزب الله قوية، فاعلة، متصاعدة، مؤثِّرة على الأعداء، ويأتي على الجبهة الإعلامية، وفي المجال الإعلامي، تأتي المشاهد الفيديو التي تشهد بفعالية وتأثير تلك العمليات، التي هي كجبهة إسناد، وعمليات إسناد؛ أمَّا فيما يتعلق بالرد، فهناك خوف واضح من الإسرائيليين، وقلق كبير جداً، من رد حزب الله، يحسبون له ألف حساب يتوقعون له أن يكون رداً موجعاً ومؤثِّراً.
فيما يتعلق بجبهة الإسناد، في يمن الإيمان والحكمة والجهاد، في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، في جبهة البحار:
نُفِّذَت عمليات هذا الأسبوع بـ(خمسة عشر صاروخاً بالِسْتِيّاً ومجنحاً وطائرةً مُسَيَّرة)، واستُهدِفت المزيد من السفن، هذا على مستوى الإسناد، كعمليات مستمرة.
فيما يتعلق بما قام به العدو الإسرائيلي من اعتداء في محافظة الحديدة، فالرد آتٍ حتماً، له مساره، له تجهيزاته، له تكتيكه، له إمكاناته المخصصة لذلك.
من جانب الغارات المعادية، التي يُنَفِّذها الأمريكي في عدوانه على بلدنا، بلغت في هذا الأسبوع (عشر غارات)، ثمانٌ منها في الحديدة، وغارة في حجة، وغارة في صنعاء، وقد حظي بشرف الشهادة في سبيل الله، في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، ثلاثةٌ وسبعون شهيداً منذ بداية هذه المعركة، والجرحى مائة وواحد وثمانين مصاباً، وهذا من الشرف العظيم، أن شعبنا العزيز يُقدِّم التضحيات في سبيل الله، ويُقدِّم الشهداء في سبيل الله، مما يشهد له أنه لم يتخاذل، يوم تخاذل أكثر أبناء الأمة، وتفرجوا على مأساة الشعب الفلسطيني ومظلوميته.
فيما يتعلق بالوضع الداخلي للبلد، تم في هذا الأسبوع تشكيل حكومة التغيير والبناء، وكنا نأمل إنجاز هذه الخطوة في شهر محرم، كما تحدثنا في كلمة بداية العام الهجري، ولكن حصل التأخير لأسباب عملية.
تميَّز التشكيل الحكومي في حكومة التغيير والبناء بمعالجة التضخم، يعني: كانت في السابق كانت التشكيلة الوزارية بأربعة وأربعين وزيراً، اليوم تسعة عشر وزارة، وهذا هو أيضاً في بداية التصحيح، ومعالجة التضخم الإداري الكبير، وتميَّزت بفريق عمل نسأل الله أن يمده بالنجاح.
الخطوة هذه هي بداية، ومسار التغيير في الجانب الحكومي سيستمر؛ لتصحيح وضعه، وكذلك في مسار القضاء إن شاء الله. تحتاج هذه الحكومة إلى فرصة، تحتاج إلى أن تعطي الفرصة؛ لتستمر، ولتتحرك في أداء مهامها، لن يتغير كل شيء في لحظة واحدة؛ لأن عليها التزامات كثيرة، التزامات في الاستمرار في مسار الإصلاح الإداري، وتصحيح آلياتها في مجال المعاملات، والإجراءات… وغير ذلك، المسار الإداري مسار مهم جداً، في ما يتعلق به من تصحيح وتصويب، وأيضاً في مهامها التنفيذية والعملية من جهة، وفي ما تواجهه من صعوبة الظروف التي يعيشها شعبنا العزيز، فتحتاج إلى فرصة، وتحتاج أيضاً إلى تعاون، تعاون من الجميع، والنجاح هو في التعاون، تحتاج إلى الوقت، ولكن الثمرة- إن شاء الله- ستتجلى في الواقع.
الحكومة ستعمل– إن شاء الله- بصلاحياتها القانونية، ووفق برنامج عمل وأولويات محددة، وبحسب الظروف والإمكانات المتاحة، وبرقابة، ومن نجح من فريق العمل فله نجاحه، ومن ظهر عدم جدارته بالمسؤولية من خلال الواقع العملي سيتم تغييره، النجاح في التغيير ومسار التغيير هو في التعاون والتكامل ما بين الحكومة والشعب؛ لأنَّ هذا شيء ضروري للنجاح، لاسيَّما في ظل الظروف الصعبة للغاية، والحرب الشاملة التي تستهدف البلد، وبفهمٍ صحيحٍ للمسؤولية وتكامل الأدوار، وبتجاوزٍ للأنانيات، والحسابات الشخصية والحزبية والفئوية الضيقة، لابدَّ أن ننطلق من منطلق المسؤولية العامة، والذين سيتوجهون لإعاقة مسار التغيير، هم من حساباتهم ضمن المصالح الشخصية الضيقة، أو المصالح الحزبية الضيقة، أو الفئوية الضيقة؛ أمَّا من يريد الخير لبلده ولشعبه، فسيحرص على أن يكون مسهماً إسهاماً إيجابياً، متعاوناً بشكلٍ جيد، وبنصحٍ صادق، وبنفسٍ صافية.
فيما يتعلق بهذا الجانب أيضاً، هناك بفضل الله سبحانه وتعالى مَنَّ الله على بلدنا بالغيث، نعمة عظيمة من الله، ولكن لما يحصل عادةً من سوء تدبير، ومن سوء تخطيط، ومن إشكال في التخطيط، تحصل أحياناً أضرار في بعض المناطق، وهذا أيضاً مما يتطلب التعاون رسمياً وشعبياً؛ لتفادي الأضرار، للتقليل من الأضرار، ولإغاثة المنكوبين والمتضررين، هناك استجابة جيدة من البعض، هناك تحرك من الجانب الرسمي، وعلى المستوى الشعبي هناك استجابة لا بأس بها، يحتاج الموضوع إلى مزيد من الاهتمام، ومزيد من التعاون من الجميع.
ونسأل الله أن يَمُنَّ بالمزيد من واسع فضله، وبالغيث، ولابدَّ أن يتجه شعبنا للاستفادة من نعمة الغيث والأمطار فيما يتعلق بالزراعة، والاهتمام بالزراعة، وأيضاً الاهتمام فيما يتعلق بالمشاريع والمبادرات الاجتماعية، التي لها علاقة بالاستفادة من المياه، ولها أهمية حتى في تفادي الأضرار، من خلال إنشاء القنوات وتصريف السيول، وكذلك من خلال الحواجز والسدود، التي هي مفيدة في الاستفادة من الأمطار.
فيما يتعلق بالأنشطة الشعبية في إسناد الشعب الفلسطيني، فإن شعبنا العزيز- كما هو واضح- هو السبَّاق والمتصدر على مستوى كل الشعوب في بلدان العالم، وتميَّزت أنشطته، ومنها: المظاهرات، والمسيرات، والفعاليات، والوقفات، والندوات، والأمسيَّات، تميَّزت بكثافتها، وبزخمها، وأيضاً على مستوى المظاهرات والخروج المليوني بالاستمرارية، تميَّزت أيضاً بالاستمرارية، هذا من نعمة الله تعالى ومن توفيقه، ومن شواهد مصداقية الانتماء الإيماني، والقيم الإنسانية لشعبنا العزيز، فهناك مئات الآلاف من المسيرات، والوقفات، والفعاليات، والندوات، والأمسيات، وعلى مستوى التعبئة: أكثر من (أربعمائة ألف متخرج من الدورات العسكرية)، وهناك المئات من الأنشطة العسكرية، من العروض العسكرية، من المسارات العسكرية (المسير العسكري)، ومن العروض العسكرية.
وطالما استمر العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والحصار، سنواصل العمليات العسكرية، ونواصل الأنشطة الشعبية؛ لأننا في أداء مهمة جهادية مُقَدَّسَة، نُؤَدِّي التزاماً إيمانياً وإنسانياً وأخلاقياً، وواجباً مُقدَّساً؛ ولـــذلك فالثبات والاستمرارية جزءٌ من إيماننا، ومن وفائنا مع الله، ومن صدقنا مع الله سبحانه وتعالى.
كم يتمنى الأعداء، يتمنى الأمريكي، ويتمنى الإسرائيلي، ويتمنى البريطاني، ويتمنى عملاؤهم من المنافقين، بل وأكثر من التمني، كم عملوا وكم يعملون للضغط على شعبنا ليتوقف عن عملياته العسكرية، وعن أنشطته الشعبية، ولصرفه عن هذا الاهتمام المميَّز، والحضور الفاعل والكبير والمميَّز أيضاً، كم عملوا ويعملون، وكم يتمنون أن يحدث ذلك: أن تخلو الساحات، أن يَضعُف الموقف، ولكن هيهات هيهات.
شعبُنا العزيز، بوفائه، بثباته، بقيمه، هو ينطلق من منطلق إيماني، من أجل الله سبحانه وتعالى، ومنطلق إنساني، هو شعبٌ له إحساسه الإنساني، يوم أن أصيب أكثر أبناء الأمة بالصمم، فلا يسمعون استغاثة الشعب الفلسطيني، ولا يسمعون لأوجاعه وآلامه، ويوم أن أصيب أكثر أبناء الأمة بالعمى، فَعَمِيَت قلوبهم، فلا تتفاعل، ولا تتأثر لما يحدث في شعب فلسطين، فإنَّا نرى أبناء شعبنا وهم يحضرون في الساحات، يحضر منهم ثلاثة أجيال: يحضر الجد، ويحضر ابنه، ويحضر حفيده، ونرى كم هو تفاعلهم، كيف مستوى تأثرهم واستعدادهم، كيف يتفاعلون بكل جِدِّيَّة، ومصداقية، وإيمان، وحرقة قلب، وأسف وألم لما يعانيه الشعب الفلسطيني، والمشاهد في الساحات مشاهد مؤثِّرة، مشاهد امتزج فيها أثر الإيمان والإنسانية، والشهامة الفطرية، التي يتحلى بها شعبنا العزيز، ومن يتأمل ذلك يتأثر كثيراً، ويرتاح كثيراً، كم هو هذا الشعب شهمٌ، كم هو شعبٌ ثابتٌ على قيمه، شعبٌ يمتلك الحياة بكل ما تعنيه الكلمة: حياة الإيمان، حياة القيم، حياة الأخلاق؛ ولـــذلك يحضر بكل هذا التفاعل، يحضر الكثير من الناس شيباً وشباناً، كما قلت لأجيال: الجَدُّ تراه في الساحة، وترى معه ابنه، وترى أيضاً حفيده، بكل تفاعل، وبكل اهتمام، هذا هو شعب اليمن، هذا هو الشعب الذي قال عنه رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”: ((الإِيْمَانُ يَمَانٌ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، وهذا هو الإيمان، الذي نراه في شعبنا العزيز، وهو يحضر لله، وفي سبيل الله، ومن أجل الله سبحانه وتعالى، وبقيمه، وأخلاقه الإيمانية والإنسانية الفطرية.
لن تخلو الساحات بإذن الله، ما دام العدوان مستمرٌ على الشعب الفلسطيني، ما دامت تلك الجرائم والتي تتجدد أسبوعياً، والعدو يحرص على أن يقيس من خلالها واقع الأُمَّة الإسلامية في كل شعوبها، تحصل على مدى الأسبوع جرائم فظيعة، وانتهاكات متعددة، واقتحامات للمسجد الأقصى، ثم العدو الأمريكي والإسرائيلي، كل الأعداء يُقَيِّمُون: كيف هي ردة الفعل في شعوب هذه الأمة؟ هل أحدٌ منها سيغضب، أمام تلك المشاهد الاستفزازية جداً، لإخوان القردة والخنازير من الصهاينة المجرمين، وهم يدنسون باحات المسجد الأقصى، ويقتحمون باحات المسجد الأقصى؟ مَنْ مِن الأمة سيكون غيوراً، أَبِيّاً، حَيَّ المشاعر، قوي الإيمان، يُستَفَز تجاه ذلك، ويكون له موقف، يكون له صوت؟ عندما يرتكبون تلك الجرائم، باستهداف أبناء الشعب الفلسطيني من المدنيين، أثناء صلاتهم وتجمعهم للصلاة، من سيتأثر؟ المشاهد المأساوية جداً، للكبار وللصغار، للأطفال، مشاهد الجائعين الذين يَتَضَوَّرُونَ جوعاً من أبناء الشعب الفلسطيني، ما يحدث بحق الأسرى الفلسطينيين، ما يرتكبه العدو الإسرائيلي من جرائم ضدهم، جرائم فظيعة للغاية، هل هناك من لا يزال غيوراً من أبناء هذه الأمة، حيَّ المشاعر والإحساس، إنساناً بكل ما تعنيه الكلمة، أم أن الناس قد مُسِخُوا؟ فالعدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي والبريطاني يقيس عند كل ما يستجد من الجرائم، كيف هي ردة الفعل، وشعبنا العزيز يُبَيِّن ردة فعله كل أسبوع، وَأَنَّه لا يزال حيَّ المشاعر، يشعر بمسؤوليته، ويتحرَّك بكل ما يمكنه، وليس هناك أي تردد عند شعبنا العزيز في أي شيءٍ يستطيعه، لا حسابات سياسية، ولا أي اعتبارات، هو شعبٌ لا يكترث للأعداء، لا يخاف من أمريكا، التي خاف منها أكثر أبناء الأمة، خاف منها زعماء، خاف منها قادة، خافت منها حكومات، خافت منها نُخب، خاف منها علماء دين من أبناء هذه الأمة، فلم يجرؤوا على أن يقولوا كلمة الحق، ولا أن يقفوا الموقف الصادق، والموقف الصحيح، شعبنا لا يخاف من أمريكا، ولا من بريطانيا، ولا من عملاء أمريكا، وسيواصل موقفه، وهو ثابت على هذا الموقف، بهذا الزخم، بهذا الحضور الإيماني العظيم.
أدعو شعبنا العزيز للخروج المليوني يوم غد الجمعة إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، خروجاً مُشَرِّفاً، خروجاً جهاداً في سبيل الله، وابتغاء مرضات الله، وإسناداً للشعب الفلسطيني المظلوم.