نص كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة التهيئةً لشهر رمضان المبارك 1443هـ – 2022م
حياكم الله وأهلاً وسهلاً ومرحباً.
أرحب بكل الحاضرين، وفي المقدِّمة الآباء العلماء الأجلاء، والإخوة المسؤولين، وكافة الحاضرين أجمعين.
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة الحاضرون جميعاً
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نجتمع في هذا اللقاء ونحن في سياق الاستعداد والتهيئة لقدوم الشهر المبارك: شهر رمضان، شهر القرآن، شهر الرحمة والغفران، ومن المهم أن نأخذ بعين الاعتبار في كل عام: التهيئة النفسية والذهنية المسبقة لقدوم شهر رمضان المبارك.
من المأثور عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” أنه كان يلحظ ذلك، في سياق هدايته للمجتمع الإسلامي، فيما يذكِّر به المسلمين، فيما يلفت به نظرهم، ويهيئهم نفسياً من خلال الإرشاد إلى أذكارٍ معينة، من خلال إشارات معينة، مناسبات، كلمات… وهكذا، والمأثور متنوعٌ فيما يخص هذا الأمر.
شهر رمضان المبارك الذي نصوم فيه، هو شهر الصيام الفريضة، الذي فرضه الله “سبحانه وتعالى” كركنٍ عظيمٍ من أركان الإسلام، فالصيام بالشهر نفسه بما فيه من البركات، بما فيه من الخيرات، بما فيه من الفرصة المتاحة، التي هيَّأها الله “سبحانه وتعالى” لعباده، موسمٌ عظيم، موسمٌ للتزود بالتقوى، موسمٌ تربويٌ عظيمٌ، يساعد الإنسان على تزكية النفس، على الارتقاء الروحي والأخلاقي والإيماني، الظروف فيه مهيَّأة لتنمية العلاقة الإيمانية بالله “سبحانه وتعالى”، بما لذلك من أثرٍ إيجابيٍ عظيمٍ في نفس الإنسان ومشاعره، التي تكتسب بشعور القرب من الله “سبحانه وتعالى”: الطمأنينة، والأنس، والسعادة، والهدوء النفسي، والثقة، والرجاء، والأمل الإيجابي، وكل المعاني الخيِّرة، ويحس الإنسان فيها بازدهار الحالة الخيِّرة في وجدانه، كلما زكت نفسه أكثر؛ كلما شعر بذلك أكثر، فيحس بقيمته الإنسانية، بما فيها من معانٍ سامية، من مشاعر إيجابية، من معانٍ عظيمة، من سموٍ نحو الأمور العظيمة والكبيرة… وهكذا هو موسمٌ تربويٌ، إيمانيٌ، أخلاقيٌ، تتجسد فيه القيم الإنسانية الإيمانية على نحوٍ متميز، بأكثر من غيره، فيشكل محطةً تساعد الإنسان على الانطلاقة فيما بعده على مدى العام بشكلٍ تام، من رمضان، أو من شهر رمضان، إلى شهر رمضان، إن كتب للإنسان أن يمد الله في عمره وحياته، فلذلك كان محطةً سنوية، محطةً سنويةً تربويةً إيمانيةً.
ثم هو فيما يتعلق بالحصول على الأجر الكبير، والارتقاء في الدرجات الإيمانية، والارتقاء في منازل الرفعة الإيمانية، منزل الدرجات الرفيعة عند الله “سبحانه وتعالى”، تتاح فيه الفرص بشكلٍ كبير جداً، يضاعف فيه الأجر أضعافاً كثيرة، فهو فرصة يستطيع الإنسان أن يحقق خلالها- كما يقولون في التعبير المعاصر- قفزات إلى الأعلى، قفزات إلى الأعلى، على مستوى الرصيد من الأجر والثواب، الذي نحتاج إليه في قدومنا على الله “سبحانه وتعالى” في عالم الآخرة، تستطيع أن يزداد رصيد حسناتك، وترتفع منزلتك عند الله “سبحانه وتعالى” على نحوٍ كبير خلال هذا الشهر المبارك، بقدر ما يستعين الإنسان بالله ويغتنم الفرصة، هذا يعود إلى مدى اهتمام الإنسان، وما يحظى به أيضاً من توفيق الله “سبحانه وتعالى”.
الشيء الذي ينبغي أن نتنبه له: أنَّ هناك فرقاً ما بين الاستقبال الروتيني الاعتيادي لشهر رمضان، وما بين الاستقبال بتهيئةٍ ذهنيةٍ ونفسيةٍ، واستعدادٍ مسبق، وتركيزٍ على الأشياء المهمة مسبقاً، واستعانةٍ بالله “سبحانه وتعالى”، فالتهيؤ الذهني النفسي، والاستعداد المسبق، وتحضير الأولويات، التي ستكون محط اهتمام لدى الإنسان خلال الشهر الكريم، هذه مسألة مهمة جداً، والإنسان المؤمن عادةً من واقع انتمائه الإيماني، مشاعره الإيمانية، وبحكم وعيه واهتماماته الإيمانية، هو أصلاً يكون توَّاقاً ومشتاقاً لشهر رمضان المبارك؛ لأنه يشعر حتى في وجدانه أنه يعيش في شهر رمضان المبارك أجواء خاصة، على مستوى الراحة النفسية، الاطمئنان النفسي، الشعور بالقرب من الله “سبحانه وتعالى” أكثر، حتى أنَّ الإنسان قد يصل به الحال إلى أنه يحس إحساساً خاصاً في شهر رمضان، وكأن لشهر رمضان المبارك شكله المتميز، حتى في الواقع العام، حتى في شكل الجو العام، يعني: حتى ليكاد أن يرى الإنسان ضوء الشمس في شهر رمضان ونورها، ويرى أجواء الليل والنهار، وحركة الزمن، ومسيرة الحياة، وكأن لها سمةً متميزة، وفريدة، واستثنائية، وكأنها محطة تختلف عن بقية العام في كل شيء.
رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في سياق التهيئة الذهنية المسبقة، والتهيئة النفسية، والاستعداد المسبق، كان مما أُثِرَ عنه في ذلك: خطابٌ مهمٌ جداً، سنقرأ نصاً، أو بعضاً منه، ثم نتحدث على ضوء ذلك باختصارٍ إن شاء الله:
((عن أمير المؤمنين عليٍّ “عليه السلام”، قال: خطب رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” في آخر جمعةٍ من شهر شعبان))، لاحظوا هو في هذا السياق: في سياق التهيئة المسبقة، الاستعداد المسبق، التحضير المسبق بلفت النظر إلى الأولويات التي تحدد للاهتمام بها خلال شهر رمضان، ((فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس: إنه قد أظلكم شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر))، هذا أول ما يلفت به النظر إلى شهر رمضان المبارك، شهر رمضان فيه ليلةٌ القدر، بكل ما لها من أهمية، وهذا سنتحدث عنه- إن شاء الله- في التعقيب على النص.
((وهو شهر رمضان فرض الله “عزَّ وجلَّ” صيامه))؛ لأن صيامه من الفرائض الأساسية في الإسلام، بل ركنٌ من أركان الإسلام، ((وجعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاة، كمن تطوَّع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوَّع فيه بخصلةٍ من خصال الخير والبر، كأجر من أدَّى فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيما سواه))، مضاعفة للأجور بشكل كبير، وقيمة عالية للعمل الصالح، فالأعمال التطوعية ترتقي في فضلها وأجرها إلى مستوى الفرائض، بكل ما للفرائض من قيمة كبيرة في ميزان الحسنات، والأجر، والقربة إلى الله “سبحانه وتعالى”.
((ومن أدَّى فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيه، كمن أدَّى سبعين فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإنَّ الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة))، وهذه سنتحدث عنها- إن شاء الله- عقب النص.
((وهو شهرٌ يزيد الله فيه أرزاق المؤمنين، ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً؛ كان له بذلك عند الله “عزَّ وجلَّ” عتق رقبة، ومغفرةٌ لذنوبه فيما مضى، فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائماً))، يعني: البعض ظروفهم صعبة جداً، لا يستطيع أن يقدِّم حتى إلى هذا المستوى، ما يحسن به إلى مؤمنٍ فقيرٍ ليقدم له الفطر، ((فقال: إنَّ الله تعالى كريم، يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلَّا على مُذقةٍ من لبن يفطِّر بها صائماً))، مذقة اللبن: اللبن الذي أضيف إليه الماء، ومخض به؛ ليتبارك به، ((يفطِّر بها صائماً، أو بشربةٍ من ماء عذبٍ، أو تميراتٍ لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه؛ خفف الله “عزَّ وجلَّ” حسابه))، حساب يوم القيامة، ((فهو شهرٌ أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره إجابةٌ وعتقٌ من النار))، طبعاً نكتفي بهذا المقدار من الخطاب؛ ليتسنى لنا التعقيب والحديث على ضوء بعض ما ورد فيه؛ للاستفادة من ذلك.
يلفت نظرنا ما ورد في هذا الخطاب إلى نقاطٍ متعددة:
- أولها: أهمية هذا الشهر المبارك:
بأنه على مستوى الزمن، على المستوى الزمني، هو محطة زمنية فيه فرصة استثنائية، وفيه ما له أهمية كبيرة تتعلق بنا كمسلمين، وكبشر بشكلٍ عام، هذا الشهر (شهر رمضان)- يعني: نتحدث عن الشهر القادم طبعاً، عن شهر رمضان- فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، فيه ليلة القدر، ليلة القدر التي يكتب الله فيها ما يقدِّره لعباده على مدى العام، على نحوٍ تفصيلي، على نحوٍ تفصيلي، والله “سبحانه وتعالى” فيما يكتب ويقضي ويقدِّر هو العليم الحكيم، بمقتضى علمه، حكمته، رحمته، وللموضوع علاقة بالإنسان نفسه، شخصياً على المستوى الشخصي، ومجتمعياً على مستوى مجتمع معين، أو أمة معينة، في مسيرة حياتها، في توجهاتها، في منطلقاتها، في مواقفها، الموضوع يحكمه أعمال الناس، فيما يُكتَب لهم، أو يُكتَب عليهم، وهذه مسألة مهمة جداً، يعني: لها علاقةٌ بك أنت، بمصيرك، بما يُكتَب لك أو عليك، هذه ليلة القدر، ليلة ذات أهمية كبيرة جداً بالنسبة لكلٍ منا؛ لأنه يُكتَب فيها ما يتعلق بك أنت في حياتك، في مصيرك، فيما لك وفيما عليك.
الإنسان يحب الخير لنفسه، ويرغب أن يكتب الله له الخير على نحوٍ إجمالي، ثم على المستوى التفصيلي كذلك، في شؤون حياته، وكذلك على المستوى العام، مجتمع معين، أمة معينة، نرغب أن يكتب الله المغفرة، أن يكتب لنا التوفيق، أن يكتب لنا الرحمة، أن يكتب لنا الفرج، أن يصلح شأننا، أن يفرِّج همومنا، أن يمنَّ علينا بمتطلبات حياتنا، بآمالنا المهمة في الدنيا والآخرة… إلى غير ذلك، كل إنسان له همومه، له مشاكله، له ظروف حياته، ويشعر بحاجته إلى الله “سبحانه وتعالى”، ويشعر بافتقاره إلى الله “جلَّ شأنه”.
وفي ليلة القدر نزول القرآن الكريم، القرآن الذي شأنه عظيمٌ جداً، نور الله لعباده، هديه لعباده، كما قال الله “سبحانه وتعالى”: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، وكما قال “جلَّ شأنه”: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: الآية1].
والقرآن الكريم يرتبط به مصيرنا كأمةٍ مسلمة، باتِّباعه والاهتداء به يرحمنا الله، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأنعام: الآية155]، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، ننال الرحمة من الله في كل ما تتجلى به الرحمة الإلهية في واقع حياتنا، وفي ظروف حياتنا، من خلال اتِّباعنا لكتاب الله “سبحانه وتعالى”، من خلال اهتدائنا به، هو الأمان من الضلال، الأمان من الزيغ، به النجاة في الدنيا والآخرة؛ ولذلك نزوله في شهر رمضان المبارك له صلة أيضاً بموضوع التقوى، وبموضوع بركات هذا الشهر، بميزات وخصوصيات شهر رمضان المبارك، وما يتصل بذلك.
ولذلك من الأولويات الرئيسية خلال شهر رمضان المبارك، التي يقرر الإنسان- مع الاستعانة بالله- أن تكون من أولوياته: الاهتمام بالقرآن، العناية بتلاوته، التركيز على التدبر له، الاستفادة بهديه، العلاقة بالقرآن الكريم هي علاقة اهتداء، كيف نهتدي بالقرآن الكريم، فنكتسب من خلاله الوعي، فنتزكى من خلاله، نستفيد منه ما هو شفاءٌ لصدورنا، ما نتزكى به، ما نصلح به، ما نعالج به كل الإشكاليات والرواسب السلبية التي نعاني منها في مشاعرنا في نفوسنا، فنتزكى، ونصفو، ونستقيم، فالقرآن الكريم على مستوى التلاوة، والتدبر، والاهتمام بهديه، من أهم الأولويات التي ينبغي التركيز عليها في شهر رمضان المبارك.
والعناية بأن يحظى الإنسان من خلال الاهتمام بالشهر بشكلٍ عام، أن يكون من الفائزين بليلة القدر فيما يكتب الله فيها، فيما يكتب الله فيها، اجعل ليلة القدر على بالك منذ البداية، كيف اهتم بكل شهر رمضان؛ لكي أفوز في ليلة القدر فأحظى بأن أكون ممن يكتبهم الله “سبحانه وتعالى” من عتقائه من النار، ممن يحظون في ليلة القدر بأن يكتب الله لهم أن يكون من الفائزين، ممن يكتب الله لهم ما يكتبه من الخير برحمته، برضوانه، بما يكتبه له من الخير في عالج الدنيا وفي آجل الآخرة، هذا على المستوى الشخصي.
كأمة لديها توجه واحد، موقف واحد على أساس هدى الله “سبحانه وتعالى”، كشعبٍ ننطلق من منطلق هويتنا الإيمانية، وانتمائنا الإيماني، ((الإيمان يمان))، أن يكتب الله لنا الخير، النصر، التوفيق، أن يزيدنا إيماناً وبصيرةً، أن يوفقنا لما يرضيه عنا، أن يفرِّج عنا، أن يؤيدنا…إلخ. فليلة القدر من حيث هي ليلةٌ مهمة في تقدير الأمور، فيما يكتبه الله للعباد وعليهم، وليلة القدر كمحطة تلفت نظرنا إلى القرآن الكريم وأهميته، كل هذا يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، الإنسان مهتم بالمسألة من البداية، ومتحضِّرٌ لها، ومهتمٌ بها.
- ثم نأتي إلى العنوان الآخر، هو: عنوان فضيلة العمل الصالح في شهر رمضان:
من ضمن الاهتمامات في شهر رمضان المبارك: الاهتمامات العبادية، يعني: ذكر الله “سبحانه وتعالى”، التطوع بالصلاة، الصلاة النافلة، والعناية بذكر الله “سبحانه وتعالى” بشكلٍ واسع، الإكثار من ذكر الله “سبحانه وتعالى”، هذا الإكثار من ذكر الله “سبحانه وتعالى”، والتطوع بالنافلة الصلاة، هو يروي ظمأنا الروحي.
الجانب الروحي هو جانبٌ أساسيٌ في حياة الإنسان المؤمن، في حياة الإنسان المؤمن، الذكر لله “سبحانه وتعالى” بالقلب والمشاعر والوجدان واللسان مسألةٌ ذات أهميةٍ كبيرة جداً في الإيمان، وفي حياة الإنسان المؤمن، وبعدٌ أو جانبٌ إيمانيٌ أساسي.
الإنسان إذا نقص لديه هذا الجانب فأصبح يعيش الخواء الروحي؛ يتحول قلبه إلى قلبٍ قاسٍ، نفسيته نفسية مجدبة، الجدب الروحي خطيرٌ جداً، أشد من الجدب على الأرض، الجدب في الوجدان، عندما يكون وجدانك مجدباً، يكون قلبك خاوياً، فارغاً، ليس فيه المشاعر الإيمانية، مشاعر الذكر لله “سبحانه وتعالى”، بما هو مع ذلك، بما يتزامن مع ذلك، بما يترافق مع ذلك من مشاعر الخوف، والرجاء، والمحبة، والأنس بالله “سبحانه وتعالى”.
الإنسان المؤمن من خلال العلاقة الروحية بالله “جلَّ شأنه”، الذكر لله بالقلب واللسان، الشعور بالقرب من الله “سبحانه وتعالى”، هو يكتسب حالةً من الطمأنينة تمثل أعظم طاقة لمواجهة التحديات مهما بلغت، ولذلك يكون لذلك أثر كبير في مسيرة حياته، في مواقفه، في أعماله، في تحمله، في إيجابيته في الحياة، في إيجابيته في الحياة.
لكن إذا نقص هذا الجانب؛ تتحول نفسية الإنسان إلى نفسية ضيِّقة، ضيِّقة، مشاعره مشاعر سلبية، تذمره هو الحالة الطابعة له، المسيطرة عليه، فهو مليءٌ مشحونٌ بالتذمر، يفقد الشعور بالطمأنينة، وهو في حالة دائمة من التوتر، والانقباض، والهلع، والانزعاج الشديد، ثم تكون تلك الحالة حالة مهيأة لأن تنمو فيها الكثير من السلبيات: الأنانية، الهلع، الطمع… الأشياء السيئة.
نلاحظ مثلاً في واقع الحياة حاجة الإنسان وبالذات في هذا الزمن المليء بالتحديات، والمليء بالصعوبات، والزمن الساخن في كل شيء، زمن السرعة، زمن الضغط في كل شيء، الزمن الذي كل شيءٍ فيه يضخ في واقع الحياة، ويضغط في واقع الحياة بشكلٍ كبير، الاغراءات، الاغراءات تضغط على الناس في هذا الزمن بشكلٍ كبير، المخاوف، الأوجاع، الهموم… مشاكل كثيرة تترك تأثيرها ابتداءً على نفس الإنسان، هذه النفس البشرية ما الذي يساهم في أن تبقى زاكية، أن تبقى مطمئنة، أن تبقى قوية، أن تبقى متحمِّلة، أن تبقى متوازنة؟ هذا كله يحتاج إلى مشاعر القرب من الله “سبحانه وتعالى”، الاتصال الروحي بالله “جلَّ شأنه”، ولذلك مقامات الأنس بالنسبة للمؤمنين في خلواتهم بالذكر لله “سبحانه وتعالى”، في صلواتهم، في مناجاتهم، في أدعيتهم، في ذكرهم لله “سبحانه وتعالى”، هي المقامات التي يعيشون فيها أسعد اللحظات، أسعد اللحظات، اللحظة التي يجلس فيها الإنسان المؤمن مناجياً لله “سبحانه وتعالى”، في مقام العبادة لله، في مقام الصلاة، في مقام الدعاء، في مقام الذكر، في مقام التضرع، مقبلاً إلى الله “سبحانه وتعالى”، بوجدانه، وشعوره، ولسانه، يناجي الله، يطلب منه المغفرة، يعتذر إليه من الزلات، والمعاصي، والذنوب، ويتطلب منه أن يسامحه، وأن يغفر له، أن يعفو عنه، وفي نفس الوقت يشكو إلى الله همومه، يقدِّم إلى الله طلباته من واقع افتقاره وحاجته إلى الله “سبحانه وتعالى”، ومن موقع الثقة بالله، والتوكل على الله، والرجاء في الله “سبحانه وتعالى”، يعيش في تلك اللحظات مشاعر الأنس، الاطمئنان، أنني في هذه الحياة مهما واجهت من تحديات، وصعوبات، وهموم، ومشاكل، وإغراءات، ومخاوف، وتأثيرات، سأحتمي منها بالتجائي إلى الله، هو سندي، هو معيني، هو نصيري، هو ربي، هو ملاذي، إليه الجأ، به استغيث، عليه أتوكل، إياه أرجو، به أثق… وهكذا يترك هذا شعوراً عظيماً على نفسية الإنسان، ويحظى الإنسان- في نفس الوقت- يحظى من الله برعاية إلهية.
الله “جلَّ شأنه” هو القائل في القرآن الكريم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة: الآية152]، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، كلمة عظيمة، عظيمة الشأن، عظيمة الشأن، الله يذكرك برحمته، بفضله، بألطافه، بمعونته، يرعاك، يمنحك حتى على مستوى المشاعر النفسية، يمنحك السكينة، يمنحك السكينة، يربط على قلبك، يقدِّم لك الدعم المعنوي الذي تحس به في نفسك، واليسر في شؤون حياتك، يفرِّج عنك الهموم الكبيرة، يصلح لك الأمور العظيمة، يهيئ لك الأشياء الكثيرة وفق حكمته ورحمته وعلمه “سبحانه وتعالى”، هذا جانبٌ مهم.
ولذلك الإقبال إلى الله “سبحانه وتعالى” في شهر رمضان على هذا النحو: الإنسان يصلي صلاة النافلة، يذكر الله، يدعو الله، يناجي الله، يستغفر الله؛ سيتخلَّص من كثيرٍ من الهموم، والمتاعب، والآلام، ويحظى بالسكينة، ويحظى بالمعونة الإلهية، ويلحظ كم لذلك من أثر كبير في حياته، وفي نفسه، وفي واقعه، هذه مسألة تدخل ضمن اهتمامات الإنسان.
ثم بحسابات الربح والثواب، بحسابات الربح والثواب، وبحساب ما نعدُّه ونقدمه لأنفسنا في عالم الآخرة الآتي حتماً، الذي لا بدَّ منه، الذي سننتقل إليه، وهو العالم الأبدي، والحياة الأبدية، نحن بحاجة إلى أن نتزود بالعمل الصالح، هذه الأعمال بقدر ما لها من أثر إيجابي في أنفسنا وحياتنا، وما نحظى به من الله “سبحانه وتعالى”، أيضاً لها أهمية كبيرة في رصيدنا من الحسنات، نحن بحاجة إلى رصيد كبير من الحسنات.
الإنسان من خلال إقباله إلى الله “سبحانه وتعالى”، واغتنام فرصة هذه الحياة، واغتنام فرصة الشباب لدى الشباب، والصحة لدى الأصحاء، والعمر لدى الجميع، فرصة لا يمكن أن تعوض، الإنسان يدرك قيمة هذه الفرصة متى؟ متى؟ عندما يأتيه الموت، أول ما يدركه عندما يأتيه الموت، ويدرك أنه راحل من هذه الحياة، يدرك كم أنَّ هذه الحياة فرصة ثمينة لا يمكن أن تعوض أبداً، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون: 99-100]، لا يمكن للإنسان أن يعود من جديد إلى هذه الحياة، ثم يستأنف مسيرة العمل الصالح من جديد، إذا انتهى أجله؛ انتهت فرصته، فرصته للتدارك، العمل الصالح… غير ذلك.
ولذلك في شهر رمضان موسم تأتي فيه الأرباح الكبيرة في العمل الصالح، الأجر فيه مضاعف إلى مستوى عظيم؛ أمَّا في ليلة القدر فإلى مستوى يفوق التخيل، فيمكن للإنسان مثلاً خلال شهر رمضان المبارك مع التقوى، مع التقوى؛ لأنها أساس لقبول العمل، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: من الآية27]، أن يكسب في رصيده من الأجر، والحسنات، والمنزلة عند الله، أن يكسب الشيء الكثير جداً، يعني: أهم من سوق تجارية رابحة جداً يحصل الإنسان على أرباح هائلة، تحصل على رصيد عظيم جداً، قد يفوق مدة زمنية طويلة مضت من حياتك، وأعمال كثيرة قد مضت في حياتك، فهي فرصةٌ تغتنم؛ ولذلك الله جعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاة، كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور، الخصلة من خصال الخير والبر على المستوى التطوعي، كمن أدَّى فريضة من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيما سواه، الفريضة فيه كمن أدَّى سبعين فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيما سواه من الشهور، فرصة كبيرة جداً، فرصة لرفع مستوى منزلتك عند الله، تحظى بالقرب من الله أكثر، تحظى برضوانه أكثر، وأن تدَّخر رصيداً عظيماً من الأجر والحسنات له أهميته الكبيرة يوم تقدم على الله يوم القيامة، الجنة ستدخلها بماذا؟ بالعمل الصالح، بذلك الرصيد من الحسنات.
ثم يقول عنه: ((وهو شهر الصبر))، هذا عطاؤه التربوي، عطاء شهر رمضان على المستوى التربوي، ((شهر الصبر))، نحن نتعود فيه على الصبر، بكل ما للصبر من أهمية كبيرة جداً، في نجاحنا في هذه الحياة وفي فلاحنا، في نجاتنا وفي فوزنا، كل الأمور المهمة التي يأمل فيها الإنسان لخيره في الدنيا والآخرة متوقفةٌ على الصبر، لا بدَّ فيها من الصبر، ((الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد))، الصبر لا بدَّ منه لكي نفلح، نفوز، نسعد، لكي نحقق النتائج العظيمة فيما فيه الخير لنا في الدنيا والآخرة، لا بدَّ من الصبر، مسألة ضرورية الصبر، لا بدَّ منه، أن يكون لدينا تحمل، تحمل للصعوبات، للمشاق، للتحديات، وهو في البدء حالة نفسية، عزم، قوة إرادة، قوة تحمل بالتالي.
كيف نصل إلى هذا المستوى، فنكون من الصابرين، الذين لديهم الطاقة، والتحمل، والقدرة في مواجهة التحديات، في مواجهة الصعوبات، في مواجهة الإغراءات والشهوات، لديهم التوازن في مسيرة حياتهم، لديهم الثبات والاستقامة، لديهم التحمل للنهوض بمسؤولياتهم في هذه الحياة بجدارة، ونجاح، وقوة، نحتاج إلى ماذا؟ إلى الصبر، البديل عن الصبر هو ماذا؟ الوهن، الضعف، أن يكون الإنسان إنساناً ضعيفاً، لا يتحمل شيئاً؛ وبالتالي إنساناً سريع الانكسار، سريع السقوط، سريع الاستسلام لكل شيء: للشهوات، للإغراءات، للمخاوف، للتحديات، ليس عنده قدرة لا لنهوض بمسؤوليات، ولا للقيام بأعمال مهمة؛ بالتالي يكون إنساناً ضعيفاً في هذه الحياة، أداؤه في هذه الحياة ضعيف، أعماله ضعيفة، دوره لا شيء، صفراً في الواقع؛ وبالتالي يخسر الخير كله في الدنيا والآخرة، لا يمكن الوصول إلى الجنة إلَّا بالصبر، ولا النجاة من عذاب الله، ولا الفوز في الدنيا والآخرة إلَّا بالصبر.
ففي شهر رمضان نكتسب من خلال عملية الصيام: التجلد، الصبر، العزم، قوة الإرادة، التماسك، فنخرج بطاقة، بقوة تحمل، بروحية عالية، هذا يكسب المجتمع المسلم الذي يدرك هذه القيمة التربوية لشهر رمضان المبارك، يكسبه قوة، القوة تبدأ في النفوس، قوة عزم، قوة إرادة، قوة تماسك، قوة توازن، تساعده على النهوض بمسؤولياته مهما كانت، ومواجهة التحديات مهما كانت، ومع ذلك كله الاستعانة بالله “سبحانه وتعالى”، والالتجاء إلى الله دائماً.
((وهو شهر الصبر))، نحتاج إلى الصبر في الاستقامة، في مواجهة الإغراءات والشهوات، نحتاج إلى الصبر في النهوض بمسؤولياتنا، مسؤولياتنا الجهادية، مسؤولياتنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مسؤولياتنا في مواجهة الباطل، والطغاة، والظالمين، والجائرين، والمستكبرين، نحتاج إلى الصبر في مواجهة التحديات والصعوبات، نحتاج إلى الصبر في كل ذلك، فلا بدَّ من الصبر، هذا الزمن المفلحون فيه، الفائزون فيه، الأقوياء فيه، الناجحون فيه هم الصابرون، هم الصابرون، من يتوفقون للنهوض بمسؤولياتهم، للقيام بواجباتهم، لأن يحقق الله على أيديهم ما وعد به؛ لأن وعوده ارتبطت بالصبر: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: من الآية66]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: من الآية46]، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: من الآية146].
نحن كشعبٍ يمني من واقع انتمائنا الإيماني، ونحن نواجه طاغوت العصر، المتمثل بأمريكا وإسرائيل، وعملاء أمريكا وإسرائيل من المنافقين، ونعاني ما نعانيه من حصار، ومن عدوان، وما نعانيه من ظلمهم، وطغيانهم، وإجرامهم، ووحشيتهم، نتحرك في إطار مسؤولياتنا في التصدي لهم، في مواجهة شرهم، في التصدي لإجرامهم وطغيانهم، لكي ننهض بمسؤوليتنا من جهة، ولكي نتحمل ما نعاني منه من جهةٍ أخرى نحتاج إلى الصبر، ولو لم نصبر على ذلك؛ لكان البديل هو الانهيار، هو الاستسلام، هو الضعة، هو السقوط، ثم العناء الذي إن صبرنا عليه لا أجر لنا في ذلك، ولا فضل لنا في ذلك.
اليوم نحن نصبر في ميدان العمل،ـ الآية ذلك إيحاء شديد في أللا ليشعبان نأخذ نصبر في إطار النهوض بالمسؤولية، الصبر المطلوب، الصبر الذي وجَّهنا الله به، نصبر في إطار نهوضنا بمسؤولياتنا، وقيامنا بواجباتنا، واهتمامنا بما علينا أن نعمل، نصبر في مقام الثبات، نصبر في ميدان النهوض بالمسؤولية، نصبر بشموخ، برجولة، بثبات، بقوة، بعمل، وليس صبر الخانعين، المستسلمين، المهانين، الأذلاء، الذين صبرهم هو صبرٌ على الخنوع، على الدوس بالأقدام، على الذلة والهوان، لا، صبر المؤمنين، صبر أولياء الله الصالحين، صبر المجاهدين، صبر رجال الميدان، رجال المواقف، رجال المسؤولية، هذا هو الصبر المطلوب.
((وإنَّ الصبر ثوابه الجنة))، وما أعظم صبر المرابطين! هنيئاً لهم في شهر رمضان في الجبهات ما يحظون به من الأجر على صبرهم وهم يرابطون، وما يضاعفه الله لهم من الأجر والحسنات، لاحظوا ثمرة الصبر، كان أيضاً في شهر رمضان المبارك أبرز وأهم الأحداث التاريخية المصيرية، التي هيَّأ الله من خلالها تحولات كبيرة في مسيرة الإسلام والمسلمين: غزوة بدرٍ الكبرى، يوم الفرقان، يوم الفرقان، الذي سمَّاه الله يوم الفرقان في سورة الأنفال في شهر رمضان، فتح مكة، بما ترتب عليه من تحولات كبيرة، ونتائج عظيمة، وحدث تاريخي عظيم، وتحولي، نتجت عنه تحولات ومتغيرات كبرى في مسيرة الرسول والرسالة والإسلام والمسلمين، كان في شهر رمضان، هذه قيمة تربوية ترتقي وتنهض بالأمة بالمجتمع المؤمن إلى مرتقيات أو إلى مستويات عظيمة ترفع مستوى أدائهم لمسؤولياتهم؛ وبالتالي يترتب على ذلك نجاحات عملية كبيرة.
((وهو شهر المواساة))، المواساة عنوان مهم من عناوين هذا الشهر القادم، شهر المواساة، شهر العطاء، شهرٌ بروحيتك الخيِّرة تفكر فيه بالآخرين، بالفقراء، بالمساكين، بالمكروبين، بالمحتاجين، شهرٌ تتجاوز فيه أنانيتك، تفكيرك الشخصي، انشغالك الذهني الدائم بواقعك الشخصي، فتفكر في مساحةٍ أوسع، بدافعٍ إيماني، بروحٍ خيِّرة، بنفسيةٍ زاكية، بدافعٍ إيمانيٍ عظيم، فتتلمس في واقعك المحتاجين، الفقراء، فتتجه إلى مساعدتهم.
أول عنوان للمساعدة هو: الإطعام، هو الإطعام، أول عنوان للمساعدة؛ لأن من أشد أنواع المعاناة: الجوع، ترى الإنسان الفقير أكثر وأكبر ما يمكن أن يكون مهموماً، عندما لا يجد الطعام لأسرته، يقول لك: [يا أخي ما معي غداء لأسرتي، ما معي لهم عشاء، ما معي لهم فطور أو سحور] حسب الزمان والأوقات ما بين شهر رمضان وغيره، ترى المهموم بهمِّ لقمة العيش، بهمِّ إطعام أسرته، يحمل من الهم والألم والغم ما لا يحمله غيره، همه كبير.
والقرآن ركَّز على مسألة المساعدة للناس في الإطعام، إلى درجة عجيبة، إلى درجة اللوم للكافرين، عندما كانوا ينتقدون: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}[يس: من الآية47]، يبررون بذلك ما هم عليه من الجفاء، وقلة الخير، وعدم الرحمة بالمساكين والضعفاء، عند الظروف الصعبة، مثل ظروفنا التي نحن فيها في شعبنا، ظروف حصار، ظروف فقر، فئة كبيرة من أبناء المجتمع يعانون أشد المعاناة، ليس عندهم قدرة شرائية، ارتفاع للأسعار مع الحصار من جهة، ومع التغيرات والتطورات والأحداث الدولية في قصة الحرب في أوكرانيا وفي أوروبا، والحرب الباردة بين أمريكا وروسيا، وما نتج عن ذلك من تطورات وتأثيرات سلبية في ارتفاع الأسعار من جهة أخرى، فنرى هناك مساحة كبيرة تنتشر فيها حالة البؤس، المعاناة، الفقر المدقع، إلى درجة الجوع، فترى الكثير من الأسر التي تحتاج إلى المساعدة في الطعام، في توفير أكلهم، وهذه مسألة مهمة جداً، القرآن الكريم يحث عليها حثاً كبيراً في آيات كثيرة، إطعام المسكين، إطعام الفقراء، توفير الطعام لهم، وفي نفس الوقت الذم الكبير لمن يتجاهل كل ذلك، ممن قد تكون حالته ميسورة، ((ما آمن، قيل مَنْ يا رسول الله؟ من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم))، إذا أنت تمسي (تنام) ممتلئ البطن، شبعان، وجارك جائع، وأنت تعلم أنه جائع فلا تبالي ولا تكترث لحاله.
ولذلك من أهم ما يجب الحرص عليه في شهر رمضان، ومن الأولويات المهمة التي ينبغي أن تكون لدى كل إنسانٍ مؤمن: المساعدة للآخرين، وفي المقدِّمة في الطعام، المساعدة في الطعام، مساعدتهم في توفير طعامهم، العناية بالمحتاجين في ذلك، وأجر ذلك كبيرٌ جداً عند الله، الله “سبحانه وتعالى” عندما قال في القرآن الكريم: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}[البلد: 11-16]، لنقتحم في شهر رمضان هذه العقبات، لننال هذا الشرف الكبير، لنرتقي المرتقى الإيماني والإنساني والأخلاقي بعطائنا، وإحساننا، واهتمامنا بفقرائنا ومساكيننا، عندما تنتشر هذه الروح الإيجابية في أوساط المجتمع، عندما يكون كلٌّ منا حريصٌ على أن يساهم، على أن يقدِّم، على أن يعين، على أن يغيث، على أن يساعد ذلك المحتاج، ذلك المسكين، ذلك الفقير، كم سيكون لهذا من أثر كبير على المستوى الإنساني، والتكافلي، والاجتماعي، والأخلاقي، وكم سيكون لذلك من آثار كبيرة في تكاتف المجتمع، في تعاونه، في أخوته، في انتشار المحبة بين أبنائه، في بلسمة الجروح، في دفع الكثير من الهموم، والمشاكل، والأخطار، والمشاكل الأمنية… وغيرها، آثار ذلك إيجابية في عاجل الدنيا؛ أمَّا في الآخرة فشيءٌ عظيم.
((ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً، كان له بذلك عند الله “عزَّ وجلَّ” عتق رقبة، ومغفرةٌ لذنوبه فيما مضى))، يستفيد الإنسان فائدة كبيرة جداً كأجر عظيم، ومن أسباب المغفرة، أسباب المغفرة للإنسان المؤمن التواب إلى الله؛ لأن التوبة من الذنوب لا يكفي فيها مجرد الاستغفار، لا بدَّ من الأخذ بأسباب المغفرة الأخرى، من ضمن ذلك: هذا العطاء الذي يمحو الله به ويكفر به عنك سيئاتك، حتى في آثارها السلبية على نفسك، وفي أن تنتهي نهائياً من سجل أعمالك، أنت بحاجة إلى الله “سبحانه وتعالى”، هذا التضامن، هذا التكافل أمرٌ مهمٌ جداً، سواءً على المستوى الشخصي، أو إضافةً إلى ذلك النشاط المنظَّم، مثلاً: في الحارات، وجبات إفطار وما شابه، لكن هذا لا يكون بديلاً، يعني: لا يفرض خيار واحد بديل عن الأشياء الأخرى، كل شيءٍ في باب الخير مناسبٌ ومطلوب، تحتاج الأسر إلى ما يصل إلى البيوت، إلى المنازل، من القمح، من المواد الغذائية، وهناك أيضاً وجبات رمضانية… ما شابه، أشكال وأنواع من المساعدات والمساهمات التي تسد جوع الجائعين، وحاجة المحتاجين، هذه مسألة مهمة.
أيضاً مع النشاط المنظَّم، والاهتمام من الجميع، واهتمام الجهات المعنية، هناك مسألة لها علاقة بالموضوع، هي مشكلة ارتفاع الأسعار، مما يسبب العناء لكثير من الأسر، وأحياناً إلى درجة العجز عن الشراء، عن شراء الغذاء الضروري، عن شراء حتى علبة الزبادي، عن شراء حتى القليل من الطحين من القمح، هو ارتفاع الأسعار، مع قلة المال، وقلة فرص العمل التي يجبي بها الإنسان المال، فغلاء الأسعار مشكلة، نحن نعاني منه بثلاثة أسباب:
- أولها: الحصار الشديد من تحالف العدوان:
وهذا جرم كبير جداً من جانبهم، من أبشع جرائمهم الوحشية، اللا إنسانية واللا أخلاقية، هو: هذا الحصار على شعبنا، وسعيهم لأن يعاني كل أبناء هذا البلد في كل شيء، في الحصول على قوتهم، في الحصول على متطلبات حياتهم، في ألَّا تصل البضائع إلَّا بأسعار مرتفعة، وبعناء شديد، في ألَّا يصل الغاز إلَّا بشح، وندرة، وارتفاع سعر، في ألَّا تصل المشتقات النفطية إلَّا بارتفاع ثمن، وبندرة، وبعناء، [وبصف سره]… إلى غير ذلك، هذا شيءٌ أو جزءٌ وجانبٌ من إجرامهم بحق هذا الشعب، من عدوانهم الوحشي على هذا الشعب، من الشواهد والواضحة على طبيعة عدوانهم، أنه عدوان إجرامي، وحشي، لا إنساني، لا مشروع، لا أخلاقي، وشاهدٌ كافٍ ودامغ على أنهم يعادون هذا الشعب بشكلٍ عام، ليست مشكلتهم في هذا البلد مع مكون بعينه، أو جهة بعينها، هم يعادون هذا الشعب بكله، هم يحاربونه بكله، هذه حرب شاملة على كل أسرة، وتصل إلى كل منزل، وإلى كل شخص، إلى كل كبير، وإلى كل صغير، هذا شاهد واضح، مسألة واضحة وجلية.
- العامل الثاني في ارتفاع الأسعار: التطورات الدولية، مع ما عليه البلد من تأثيرات للسياسات الاقتصادية في الماضي:
السياسات الاقتصادية في الماضي قامت على اعتماد الاستيراد لكل ما يحتاج إليه الشعب اليمني، من الملخاخ [يتملخخ]، إلى الصلصة… إلى مختلف الغذاء، وفي مقدِّمة ذلك القمح، الاستيراد من الخارج، وتعطيل الإنتاج الداخلي، وتوجيه رؤوس الأموال من التجار على هذا الأساس: أن يستوردوا من الخارج، ألَّا يوجهوا رؤوس أموالهم في الانتاج الداخلي، وهذه سياسة خاطئة، كارثية، لها ضررها الكبير على شعبنا، وجزءٌ من معاناة شعبنا في هذه المراحل يعود إلى تلك السياسات الخاطئة، المنحرفة، غير الصحيحة أبداً.
فعندما تحصل مشاكل دولية، مثلاً: أتى الحرب في أوكرانيا، في أوكرانيا هناك بعيداً عنا، فإذا بهم يقولون: [ثلاثين بالمائة من القمح الذي نستورده، نستورده من أوكرانيا]، فتدخل مصيبة أوكرانيا علينا في اليمن، هذه بلوى يعني، هذه كارثة، نتائج لسياسات خاطئة، إنه إذا جاء مشكلة في أوكرانيا احنا نجوع في اليمن، هذا خطأ يعني، ليش؟ هل لأنه ليس لدينا أراضٍ زراعية يمكن أن تغطي احتياجنا من القمح؟ بلى عندنا أراضٍ زراعية تغطي احتياجنا من القمح، هذه اليابان، اليابان مصنفة في الموقع الثامن عالمياً في الإنتاج الزراعي، معظم اليابان- طبعاً اليابان جغرافياً أصغر من اليمن، أصغر من اليمن جغرافياً- وأكثر اليابان جزر بركانية، ما معهم تراب، قليل التراب عندهم، هم في الموقع الثامن عالمياً في الإنتاج الزراعي، احنا- الحمد لله- عندنا تراب كثير، كثير، تراب نعمة، بلادنا أكثرها تراب، معنا التراب، معنا الأرض الزراعية، بلدنا بأكثره زراعي، حيث العمران هناك فرصة للزراعة، عندنا مساحات شاسعة جداً يمكن أن تزرع بالقمح، وبجودة عالية، بجودة عالية جداً، لكن لمَّا اتجهت رؤوس الأموال إلى الاستيراد من الخارج لكل شيء، بما في ذلك القمح والاحتياجات الأساسية، من المأكولات، والملبوسات، وكافة الأغراض تستورد من الخارج، عندما تأتي أي مشاكل في الخارج، أي صراعات في الخارج؛ نتضرر فوراً وبشكلٍ مباشر في اليمن.
عندما أتت هذه التطورات في أوروبا نتيجةً للسياسات الأمريكية، التي تنشر الحروب، وتصنع الأزمات، وتجلب الشر للبشرية، ازدادت معاناتنا، حصار من جهة، والمشاكل الأخرى التي أثرت على ارتفاع الأسعار عالمياً، وعلى أزمات، اليوم دخلوا معنا في الأزمة، ما عاد الأزمة علينا وحدنا، قد هم في أمريكا [بيصفوا سره]، وقد معهم ارتفاع في البنزين، وقد هم في أوروبا كذلك، وقد هم في بقية العالم بيحسوا وجعنا، يعني: يعيشوا حالة الوجع مثلما بن نعيشه، يستاهلوا، يستاهلوا، فعلى كلٍّ هذا أيضاً عامل من العوامل.
- ثم مع الحصار من جهة، والتطورات والأحداث الدولية، مع ما يعتمد عليه التجار من استيراد لكل شيء من الخارج، المشكلة الثالثة وهي مشكلة يمكن محاربتها، وهناك مسؤولية في محاربتها: العبث الذي يجري في الداخل:
إما تجار، أو يساهم معهم البعض من المسؤولين، إن كان شيءٌ من ذلك يحدث، أو حالات فيها احتكار، أو زيادة في الأسعار، بمعنى: البعض بيزيد، هوامير الفساد، هوامير الإجرام، هوامير الطمع، يستغلون أي تغيرات، أي ظروف، ويزيدوا من عندهم زيادات كبيرة، يعني: ما بايخلي السعر بحسب هاه بحسب المتغيرات الدولية والحصار، عاد بايزيد ويزيد أكثر وأكثر؛ على شأن يربح أكثر وأكثر، طمعه بايخلي الموضوع محط استغلال، بيتذرع لك، يقول لك: [يا أخي عندنا حصار، وعندنا المشكلة في أوكرانيا]، لكن كم زاد؟ كم زاد السعر؟ زاده كثير كثير، هذه الحالة من ارتفاع الأسعار أكثر مما ينبغي، أكثر من الحالة الضرورية التي تفرضها ظروف الحصار، أو ظروف الأحداث والمتغيرات الدولية نتيجةً للحرب في أوكرانيا، يجب التصدي لها، والتعاون في ذلك، يعني: وزارة التجارة والصناعة تؤدي واجبها بأقصى حد، وتنظف شغلها، إذا به ناس من ذي بينزلوا كفرق ميدانية بيوصل عند صاحب المحل وأرشاه ومشى، هذه حالة خطيرة جداً، أو مثلاً إلى جانب وزارة التجارة والصناعة المسؤولون في المحافظات عليهم مسؤولية، المسؤولون في المحافظات يتحركوا، يتحركوا هم كذلك، يتأكدوا، عندما تجد هناك فوارق في الأسعار من محل إلى محل، من متجر إلى متجر، من بقالة إلى بقالة، ذا معه سعر، وذا معه سعر ثاني، ليش؟ المسألة فيها لعبة، فيها لعبة، لا بدَّ من التعاون من الجميع، على الكل أن يقوموا بواجبهم في محاربة التلعب بالأسعار، والاحتكار أيضاً؛ لأن الاحتكار عامل من عوامل ارتفاع الأسعار محلياً على مستوى أكبر، المواطنون يجب أن يكون هناك تنسيق معهم، المجتمع يسهم في محاربة التلعب بالأسعار، تكون العلاقة قوية ما بين المجتمع والمسؤولين في الدولة، المسؤولين في الدولة لا يواصلوا الروتين السابق، الذي يجعل المسؤول بعيداً عن المجتمع، لا علاقة له بالمجتمع، لا تواصل بينه وبين المجتمع، ليندمجوا مع المجتمع، لينزلوا إلى المجتمع، ليكونوا بين الناس، ليتواجدوا، ليسمعوا، ليعرفوا عن قرب، ثم ليعملوا عن قرب، هذه مسؤولية عليهم أمام الله “سبحانه وتعالى”، وآليات التنسيق والتواصل تكون نشطة، تكون قوية، والإعلام من جانبٍ ثالث، وليكن دور الإعلام دوراً إيجابياً، دوراً يساهم في معالجة المشكلة، وليس دوراً يستغل المشكلة ليجعل منها عنصر إثارة للدفع نحو الفوضى، بل ليجعل من نشاطه نشاطاً إسهامياً في معالجة المشكلة، وليس في التلعب بالمشكلة، والتلعب بآلام الناس، وجروح الناس، وأوجاع الناس، وهموم الناس، لا.
فإذا كان هناك تنسيق ما بين الإعلام، ما بين المسؤولين، ما بين المجتمع، فسيكون هناك تصدٍ قوي لأي تلعب بالأسعار، ولأي احتكار، وهذا سيسهم في الحد من المعاناة، ومن معاناة الفقراء، من معاناة ذوي الدخل المحدود والمحتاجين، هذا جزءٌ من الالتزامات والمسؤوليات التي ينبغي العناية بها في شهر رمضان.
والتجار من جانبهم ليتقوا الله، ليتقوا الله؛ لأن البعض منهم أيضاً يستغل شهر رمضان موسماً ليرفع الأسعار، بلغنا أنَّ هناك مباردة من بعض التجار لإعلان التخفيض في شهر رمضان، تخفيض الأسعار، وتقديم مبادرات في هذا الجانب، هذا شيءٌ رائعٌ جداً، هذه لفتة إنسانية وأخلاقية، هذا الذي ينبغي أن يكون، عندما يبادر الكثير من التجار لتقديم تخفيضات بمناسبة شهر رمضان، أكرم بهذه النفوس الخيِّرة، بهذه اللفتة الإنسانية، بهذا التوجه الذي ينبغي أن يكون توجهاً إيمانياً، هذا شيء عظيم، وهذا ما نأمله- إن شاء الله- من كل من فيهم خير من التجار، عسى الله يبارك يجي تجار يجي فيهم خير ويجي هم كثير يلتفتوا إلى المواطنين، يقدموا تخفيضات للمواطنين، يكون هذا دافع إيماني، مبادرة شخصية، اهتمام وجد في ذلك بأمل القرب من الله “سبحانه وتعالى”، والحصول على البركات والأجر والخير؛ لأن الله يعوض الإنسان، يعطيه بالإحسان إحسانا، يعطيه بالإحسان إحسانا، هذا مما ينبغي أن نلحظه في شهر المواساة، في شهر المواساة يا يمن الإيمان، يا يمن الإيمان.
ثم عندما يكون الاهتمام شاملاً عند كل إنسانٍ منا، حتى من لا يقدر إلَّا أن يقدم شربة الماء العذب، أو التميرات، أو قطعة من قرص، أو كم ما تيسر، كم ما استطاع الإنسان، يسهم، يسهم في مساعدة الفقراء والمحتاجين، تخفيف كذلك، ((ومن خفف فيه عن مملوكه))، التخفيف دائرة واسعة ما هو فقط عن المملوك.
((فهو شهرٌ أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره عتقٌ من النار))، هذا ما يركز عليه الإنسان المؤمن، هو يسعى لأن يحظى برحمة الله، هذا هدف رئيسي للإنسان المؤمن، أن ينال مغفرة الله، وهو يأخذ بالأسباب، أسباب الرحمة، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}[الأعراف: من الآية156]، يسعى لنيل المغفرة، يسعى ويسعى ويسعى للعتق من النار، الإنسان المؤمن مؤمنٌ بالآخرة، موقنٌ باليوم الآخر، بالجنة والنار، بالعذاب والثواب، عنده حرص على نجاة نفسه، ونجاة أسرته، {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم: من الآية6].
في شهر رمضان تفتَّح أبواب الرحمة بشكلٍ كبير، الإنسان يأخذ بالأسباب، يغتنم الفرصة، امتيازات كبيرة يقدِّمها الله، تسهيلات كبيرة، وأجور مضاعفة، وفتح للمجال يهيئ الإنسان إلى أن يصل ممن تكتب لهم المغفرة والرحمة، وممن يكتب لهم العتق من النار، والفوز برضوان الله، والجنة، والسعادة الأبدية، كيف لا يسعى الإنسان لذلك! هذه مسألة مهمة، الإنسان يجب أن يحرص على ذلك.
فيما يتعلق بواقعنا العام كشعبٍ يمني ننتمي للإيمان، الإيمان لنا هوية، وانتماء، وشرف، وسام الشرف الكبير الذي أصبح عنواناً رئيسياً لنا: ((الإيمان يمان))، هذا الإيمان سيتجسد في كل واقع حياتنا بإذن الله، بتوفيق الله، بمعونة الله، في صلاتنا، في صيامنا، في فعل الخير، في الإحسان، في الجهاد، في التضحية، في الصبر في كل مقامات وميادين العمل، في التصدي للعدوان، في التصدي للعدوان الذي هو جزءٌ أساساً هذا التصدي للعدوان هو ما نعبر عنه بالجهاد، الجهاد هو هكذا: نتصدى لمجرمين، طغاة، متوحشين، يرتكبون أبشع الجرائم بحق شعبنا، يحاصرونه، يجوِّعون شعباً بأكمله، يستهدفون يمن الإيمان بغير حقٍ، بغير حقٍ أبداً، بلا مشروعيةٍ أبداً، كلما يفعلونه هو إجرام، ووحشية، وطغيان.
دشَّنا العام الثامن من التصدي للعدوان- بتوفيق الله “سبحانه وتعالى”- بضربةٍ كبيرةٍ جداً، وصل صداها في كل العالم، عملية كسر الحصار الثالثة، إلى جدة، إلى ذلك المخزون النفطي الهائل، الذي يجمعونه هناك، في الوقت الذي يعذِّبون شعبنا في الحصول على شيءٍ حتى من غازه، حتى من بتروله، حتى مما يشتريه، يمنعونك، لا يصل إليك البترول إلا بشق الأنفس، وبندرة وغلاء، هم الآن أمام فرصة- بعد الفرصة التي أعطاهم الأخ الرئيس المشاط، والهدنة التي أعلنها- هم أمام فرصة إذا فوتوها؛ فسيندمون، سيندمون إذا فوتوا هذه الفرصة.
نحن على كل حال لن نألوا جهداً في أن نعمل كل ما بوسعنا في التصدي للحصار والعدوان، لن نقبل أبداً باستمرار الحصار، لن نقبل أبداً، سنعمل كل ما بوسعنا، ونستعين بالله “سبحانه وتعالى” في ذلك، ولذلك ليس أمامهم مجال أبداً في أن يهدؤوا، أو أن يسلموا الضربات، أو أن يسلموا المشكلة التي وقعوا فيها، هم وقعوا في ورطة منذ بداية عدوانهم وإلى اليوم، لا مخرج لهم من هذه الورطة، إلَّا برفع الحصار، والتوقف عن العدوان، وإنهاء الاحتلال، سنتصدى لحصارهم بصبرنا، باستعانتنا بالله “سبحانه وتعالى” في استهدافنا لهم بكل ما نستطيع حتى يتوقفوا عن ذلك، وفي نهاية المطاف نحن على ثقةٍ بنصر الله “سبحانه وتعالى”، {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق: من الآية7]، العاقبة للمتقين، لن يبقى هذا الحصار دائماً، لن تبقى معاناة شعبنا دائماً، إن وعد الله حق، الله وعد بالنصر، وعد بالعاقبة للمتقين، وعد الصابرين في مقام أدائهم لمسؤولياتهم بأنه معهم، وبأنه ينصرهم، فنحن على ثقةٍ بنصره.
على كل حال نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا.
من ضمن ما نستقبل به هذا الشهر الكريم المبارك، مثل ما نسعى لتنظيف الأنفس، لتنظيف المشاعر، لتنظيف الوجدان، للطهارة والتزكية والتقوى، نسعى للعناية بأسبوع النظافة ما قبل شهر رمضان، ننظف الشوارع، الساحات، الأحياء، ننظف البيوت، هذا شيء مهم، النظافة مظهر حضاري وإيماني، مظهر حضاري وإيماني، لا يليق بنا أن تكون مدننا من أوسخ المدن، أن تكون قرانا مليئة بالقمائم، النظافة تحتاج إلى وعي عام، اهتمام بدءاً من المنازل، من البيوت، حتى في طريقة إخراج القمامة، تجهيز القمامة، هناك فوضى في هذا الموضوع، وقلة- عند البعض طبعاً- قلة دين، وقلة خير، وقلة نظافة، وقلة نظافة، على كلٍّ نأمل- إن شاء الله- أن تكون هناك حملة كبيرة للنظافة، أنا أشكر الإخوة من عمال النظافة الموجودين، كلنا يجب أن نساهم في النظافة في هذه الأيام في استقبال شهر رمضان المبارك، والإخوة المسؤولين يجدوا في المتابعة والاهتمام، ولا يكتفوا يكونوا ينزلوا يتصوروا، لا يكتفوا بالصور، ينزل يتصور في الشارع ويطرق، يهتموا، ويساهموا، ويتابعوا.
نسأل الله أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره إنه سميع الدعاء، وأن يبلِّغنا شهره الكريم بالخير، والعافية، والنصر، والهداية، والتوفيق، والتقوى، أن يصلح شأننا، ويفرِّج همنا، وأن يعيننا بعونه، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
رعاكم الله، حفظكم الله، مبروكين