نص كلمة السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي في اليوم الوطني للصمود
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
اليوم هو اليوم الوطني للصمود، ونحن على مشارف العام السادس بعد انقضاء خمس سنوات شهدت أعنف حربٍ على وجه المعمورة، وأشرس عدوانٍ على وجه الدنيا، استهدف شعبنا اليمني المسلم العزيز بإشرافٍ أمريكي، وبتنفيذٍ سعوديٍ، ضمن تحالفٍ واسع شمل عدداً من الأنظمة والجيوش، وشمل كذلك مجاميع من الخونة والعملاء وأشكالهم من المجرمين.
وقابل هذا العدوان صمودٌ عظيمٌ وأسطوريٌ، وثباتٌ لا مثيل له في تاريخ شعبنا اليمني العزيز. وفي هذه المناسبة نتوجه أولاً بالحمد والشكر لله -سبحانه وتعالى- مولانا العظيم {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال: من الآية40]، الذي أمدَّنا بنصره، وأعاننا ووفَّقنا، وسددنا، وأيَّدنا بالرغم من حجم هذا العدوان، وبالرغم من حجم الخذلان الكبير في داخل أمتنا الإسلامية وفي الساحة العالمية.
كما نتوجه ثانياً بالإشادة والتقدير لأبناء شعبنا العزيز، كل الأحرار، وكل الأبطال، وكل الشرفاء، وكل الأوفياء، الذين وقفوا الموقف الحق ضد هذا العدوان، وترجموا موقفهم بالعمل والعطاء والتضحية، وفي مقدِّمتهم رجال الميدان، الذين كان لهم الإسهام الأكبر، والعطاء الأعظم في التصدي لهذا العدوان، عندما تحرَّكوا إلى كل الجبهات للتصدي للهجمة الهادفة إلى احتلال هذا البلد، واستعباد هذا الشعب، ومنهم من نالوا الشهادة في سبيل الله -سبحانه وتعالى- فكانوا بذلك في ذروة العطاء، ومنتهى العطاء، عندما قدَّموا أرواحهم وأنفسهم في سبيل الله وهم في مقام التصدي لهذا العدوان، ومنهم من أصيبوا بالجراحات، والبعض إلى درجة الإعاقة، ولا زالوا صابرين على ما يعانونه من ألم الجراحات، وتعب الإعاقات، فكان عطاؤهم في المستوى الثاني بعد عطاء الشهداء، ومنهم أيضاً من يعانون من الأسر، في كل ما هناك من معاناة، من معاملة ظالمة وقاسية ولا إنسانية من تحالف العدوان، ومن الخونة الذين يقاتلون في صفه، وهؤلاء إسهامهم كبير، وعطاؤهم عظيم، وبصبرهم، وبثباتهم، وتمسكهم بقضيتهم العادلة، قدَّموا أروع الأمثلة في القناعة بالموقف، في الصدق بالموقف، في الثبات على الموقف.
ومن خلفهم أسرهم الصابرة، والمعانية، والمضحية، والمحتسبة عند الله لكل عطائها ولكل معاناتها، ومن هؤلاء رجال الميدان الذين لا يزالون مرابطين في كل الجبهات، يقاتلون في الليل وفي النهار، يتصدون للزحوف وللعمليات العسكرية من جانب العدوان بكل ما يمتلكه العدوان لإنجاح تلك العمليات من إمكانات عسكرية، وبكل ما يرتكبه من جرائم، وهم بتوفيق الله -سبحانه وتعالى- وبتأييده وبمعونته صابرون، ثابتون، مرابطون، مضحون، مع كل المعاناة التي يعانون منها في الظروف العسكرية، في ظروف العيش، في ظروف المناخ، في ظروف البيئة، بمختلف أشكال المعاناة، إلَّا أنَّ ذلك لم يؤثِّر على صمودهم، وعلى صبرهم، على ثباتهم، على مرابطتهم، إضافةً إلى ما ينفِّذونه هم من عمليات عسكرية ميدانية مهمة وواسعة، يتقدَّمون فيها معتمدين على الله، وواثقين به، بكل شجاعة، بكل استبسال، بكل إقدام، بكل جرأة، ويحققون الانتصارات تلو الانتصارات، هؤلاء جميعاً لهم التحية، ولأسرهم التحية، ونبارك لهم ما وفَّقهم الله له، وما تجلى من خلالهم هم من صمودٍ عظيم، ومن ثباتٍ عظيم، ومن قيمٍ عظيمة جسَّدوها هم في الواقع العملي.
كما نتوجه أيضاً بالإشادة والتقدير لكل أبناء شعبنا العزيز بمختلف فئاتهم ومكوناتهم، التي تتحرك في الواقع العملي في كل مسارات العمل للتكامل في كل تلك المجالات، وفي كل تلك الجهود المتظافرة، بما يحقق ثمرةً عظيمةً، ونتيجةً مهمة، هي: دحر هذا العدوان، والتصدي له، والحفاظ على بلدنا ليكون حراً مستقلاً، ودفع الشر عن شعبنا اليمني المسلم العزيز.
عندما نتحدث عن صمود شعبنا، والصمود قيمة إنسانية وأخلاقية عظيمة، نقيس هذا الصمود بحجم هذا العدوان بكل ما يمتلكه، مجموعة من الدول الظالمة، من الأنظمة المتسلِّطة، من الحكام الجائرين والمتسلِّطين، تحت إشرافٍ أمريكي، وبتنسيقٍ مع إسرائيل، وتعاونٍ مع إسرائيل، وتحالفٍ مع إسرائيل، تتعاون وتتظافر جهودها لاستهداف هذا الشعب اليمني المسلم بغير حق، وبعدوانٍ لا مثيل له، سُخَّرت فيه أحدث الإمكانيات والقدرات العسكرية، وأكثرها فتكاً وتدميراً، وبدأ هذا العدوان من قبل خمس سنوات لتكون معركته، وليكون استهدافه لهذا الشعب، ولتكون أهدافه العملياتية في هذا البلد، شاهدةً على وحشيته، وعلى إجراميته، وعلى أنه لا مشروعية له، وعلى سوء أهدافه.
منذ أول لحظة بدأ فيها هذا العدوان، استهدف في هذا البلد كل المقدرات والإمكانات ذات الطابع الخدمي والإنساني، فاتجه بقنابله، بصواريخه، بغاراته، بضرباته لاستهداف هذا المجتمع اليمني المظلوم في كل مجالات حياته: استهدف المساجد، ودمَّر العدد الكبير منها، استهدف المدارس، ودمَّر المئات من المدارس، استهدف الجامعات، استهدف الأسواق، استهدف المنازل والمناطق السكنية، استهدف الجسور والطرقات، استهدف الموانئ البحرية والمطارات… استهدف كلما له علاقة بخدمة الناس، وسعى أيضاً لفرض حظرٍ اقتصاديٍ شديد، واستهدف حتى المعالم الأثرية، وحتى المقابر، وحتى ما لا يدور في ذهن أحد التفكير بأنه سيكون هدفاً لتحالف العدوان لاستهدافه بالغارات الجوية، حتى الحقول الزراعية، حتى المتاجر، وحتى كذلك مخازن الأغذية، استهدف الكثير والكثير مما تحدثت عنه الحكومة في إحصائياتها في المؤتمرات الصحفية، وقدمت عرضاً تفصيلياً بالأرقام لما استهدفه تحالف العدوان.
فهذه الهجمة الوحشية والإجرامية بكل ما فيها من ممارسات، وبكل ما فيها من جرائم- كما قلنا- شاهدة على وحشية هذا العدوان، وعلى سوء أهدافه، حتى أنه كسب برصيده الإجرامي الهائل، وبممارساته الإجرامية الوحشية أسوأ صيتٍ في كل الدنيا، وهذا بات معروفاً، بات معروفاً لدى الجميع.
هذا العدوان بهذه الوحشية، بهذا الإجرام، بهذا الاستهداف الشامل، وبأهدافه الرامية إلى السيطرة التامة على بلدانا، وأن يسلب منا كشعبٍ يمني حريتنا واستقلالنا وكرامتنا، وأن يسيطر كعدوانٍ خارجي علينا سيطرةً تامة، ويتحكم بنا في كل شؤوننا، في مقدِّمة أهدافه التي وراءها أيضاً الكثير من الأطماع والأحقاد، ويدخل في ذلك الكثير من التفاصيل.
اليوم بعد كل هذه المدة الزمنية الطويلة، وبعد كل ذلك الرصيد الإجرامي الوحشي الشنيع، والذي أوصلهم إلى أسوأ صيتٍ في كل الدنيا، بعد كل ذلك، بعد تكشُّف ووضوح الأهداف التي تدل بكل وضوح على أنه يريد الاحتلال لبلدنا، وكشف ذلك ممارساته أيضاً في المناطق المحتلة، وأسلوبه في إدارة شؤون تلك المناطق كمحتل بكل ما تعنيه الكلمة، نحن شاهدنا أيضاً في الآونة الأخيرة صراخ الخونة من أبناء بلدنا في مختلف المحافظات المحتلة، وبمختلف مكونات الخونة واتجاهاتهم المختلفة، وهم يعترفون بألسنتهم بكل وضوح على أنَّ الوضعية التي هم فيها هي وضعية احتلال، وأنه يتحكم بهم، يمنع من يريد منعه من الدخول إلى تلك المحافظة أو تلك، يتحكم في الداخل والخارج، يتحكم بكل التفاصيل، فالحالة هي حالة احتلال وسيطرة وأطماع بكل ما تعنيه الكلمة.
ولذلك كان من الطبيعي أمام كل هذا العدوان، بكل تلك الممارسات الإجرامية، بتلك الأهداف المشؤومة، أن يتحرك الأحرار والشرفاء والأوفياء في بلدنا ومن أبناء شعبنا (يمن الإيمان والحكمة) للتصدي لهذا العدوان، وأن يقدِّموا التضحيات الكبيرة، وأن يبذلوا كل جهدٍ، وأن يقدموا كل غالٍ ونفيس في التصدي لهذا العدوان، منطلقات صمود هذا الشعب، ومنطلقات عطاء الأوفياء والأحرار في هذا البلد، هي منطلقات إيمانية وأخلاقية، إنَّه يمن الإيمان، الإيمان الذي نتربى فيه على العزة، على الحرية، على الكرامة، الذي نتربى فيه على المبادئ العظيمة، فلا نقبل بالإذعان لغير الله، والخنوع لغير الله، والاستسلام لغير الله -سبحانه وتعالى- لا نقبل بأن نكون عبيداً إلَّا لربنا وهو الله -سبحانه وتعالى-.
العدو منذ اللحظة الأولى راهن على جرائمه الوحشية، على هجمته الكبيرة وإمكاناته الهائلة، على ما يتمتع به من غطاء سياسي ودولي ودعم واسع، وكان يؤمِّل أنه سيحسم معركته سريعاً في غضون أسابيع أو في غضون أشهر، كانت المدة المحتملة عنده في حدها الأدنى لأسبوعين، وفي حدها الأقصى لشهرين، كما بلغنا ذلك معلومات مؤكَّدة ومن مصادر موثوقة، وتفاجئ بمستوى الصمود؛ لأنه كان مطلعاً وعارفاً بالظروف التي يعاني منها شعبنا العزيز، كانت تقديراته بحسب إمكاناته من جانب وقدراته، وبحسب ظروف شعبنا اليمني من جانبٍ آخر، كان تحالف العدوان يؤمل أن يحسم معركته سريعاً، بعد فشله في ذلك، راهن على الزمن، وعلى تراكم جرائمه الوحشية، وعلى مخططاته ومؤامراته التي تنوَّعت وتعددت بهدف إضعاف ثبات شعبنا، وكسر إرادته وروحه المعنوية، وتحطيم الروحية المعنوية لهذا الشعب، من مثل: تحريك الفتن الداخلية، وكان هناك مجموعة من الفتن الداخلية التي تحرَّك تحالف العدوان عليها؛ ليستغلها في إضعاف شعبنا من الداخل، من مثل: فتنة ديسمبر، ومن مثل: فتنة كشر، والفتنة في ذمار في عتمة وأمثالها، ولكن فشلت كل تلك الفتن والمؤامرات بفضل الله -سبحانه وتعالى- بمعونته، بتأييده، وبالوعي الكبير لشعبنا العزيز، وبالموقف الحازم، والموقف الصارم، والموقف الجاد والحاسم للأحرار في هذا البلد من مختلف فئات ومكونات هذا الشعب.
ثم مع تراكم الجرائم والمعاناة، وفرض الحصار الشديد، وتكثيف الهجمة الإعلامية، والهجمة ذات الطابع الثقافي والفكري على شعبنا اليمني المسلم العزيز، وتحريك خلايا الطابور الخامس من المنافقين والذين في قلوبهم مرض، بهدف التأثير السلبي على أبناء شعبنا للتخذيل، والتثبيط، وضرب الروح المعنوية، والتأثير على المواقف، والتشويش على الرؤية الواضحة تجاه هذا العدوان، لكنَّ كل تلك الجهود باءت بالفشل، واستمر شعبنا في صموده، وفي ثباته، في اعتماده على الله -سبحانه وتعالى- في توكله على الله -سبحانه وتعالى- كل أنواع المؤامرات التي عمل عليها تحالف العدوان واستهدف بها شعبنا العزيز، كل تلك المؤامرات فشلت، وسقطت، وأخفق تحالف العدوان في تحقيق أهدافه، حقق جزءاً منها في احتلال بعضٍ من المناطق، ولكنَّ هذا إنجازٌ محدود، وغير مضمون، لا يستطيع الحفاظ عليه، ولا التمسُّك به مع بقاء شعبنا في ثباته، وصموده، وموقفه الجاد، وتوكله على الله -سبحانه وتعالى-.
والحالة الراهنة التي وصل إليها تحالف العدوان- وبالإجماع- هي حالة فشل، وأنهم وصلوا إلى مأزق حقيقي، وإلى فشلٍ واضح، هذا أمرٌ مجمعٌ عليه، ويعترفون به، ويعترف به الخونة من أبناء بلدنا، ويعترف به العالم، تحالف العدوان تكبَّد الكثير والكثير من الخسائر في كل المجالات: على المستوى العسكري، على المستوى الاقتصادي… على كل المستويات، واعترف حتى بهزائمه على المستوى الإعلامي، في كل مسارٍ من المسارات، في كل جبهةٍ من الجبهات: السياسية والإعلامية، والعسكرية، والاقتصادية، أخفق إلى حدٍ كبير، وفشل فشلاً ذريعاً، وتكبَّد الخسائر الكبيرة.
ولذلك عندما نأتي إلى ثمرة هذا الصمود، وجدوائية هذا الصمود، نجد أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قد منَّ علينا كشعبٍ يمني بمعونته العظيمة، وتأييده الكبير، وتوفيقه الكبير، هذا الصمود الذي كان ضمن مسارٍ تصاعدي منذ بداية العدوان وإلى اليوم وبوضوح، وحقق أهدافاً مهمة، ونتائج عظيمة، أولها: التماسك، التماسك، كان العدوان يسعى ويهدف إلى أن يوصلنا إلى الانهيار التام في وضعنا الداخلي، أن تنهار كل مؤسسات الدولة، أن ينهار في واقعنا الشعبي كل البنية الشعبية المتلاحمة، أن يوصلنا إلى تفككٍ تام، المكونات السياسية، والمكونات الاجتماعية، أن يوصلنا إلى الانهيار التام؛ بما يساعده في نهاية المطاف على السيطرة التامة، وكانت كل عملياته العسكرية، وكل أنشطته المتنوعة، كل وسائله العملية، كل مؤامراته التي تحرَّك بها، واشتغل عليها لتحقيق هذا الهدف: أن يصل بنا إلى الانهيار التام في مؤسسات الدولة، في واقعنا الاقتصادي، كان يريد لنا انهياراً تاماً في وضعنا الاقتصادي، كذلك في وضعنا وواقعنا المجتمعي، في تماسكنا الداخلي، ولكنه فشل، في البداية بحمد الله وأول نتائج هذا الصمود، وثمرات هذا الثبات، كان هو التماسك، تماسك مؤسسات الدولة، تماسك المجتمع في بنيته الداخلية، تماسك المكونات الجادة والصادقة في تعاونها وفي موقفها ضد هذا العدوان، وكذلك تماسك المجتمع كمجتمع، وهذه نعمة كبيرة، نعمة كبيرة؛ لأن العدو عمل عملاً كبيراً، ليس بالقليل ما فعله في سبيل أن يصل بنا إلى الانهيار التام، وبقي لنا حتى على المستوى الاقتصادي، بقي لنا من التماسك ما ساعدنا على هذا الثبات، وعلى هذا الصمود، وعلى هذه الاستمرارية، وهذه نعمةٌ عظيمةٌ من الله -سبحانه وتعالى-.
استمر الدعم للجبهات، في كل هذه الخمس السنوات لم يتوقف الدعم والمساندة الشعبية من أبناء مجتمعنا للجبهات، الرجال استمروا بالذهاب إلى الجبهات، التحشيد والرفد من الأبطال والشرفاء والأحرار، النزول الميداني للرجال إلى الجبهات استمر في كل هذه الخمس السنوات، مع ما مررنا به من منعطفات حسَّاسة وخطرة جدًّا، ومن عمليات كبيرة أعدَّ لها تحالف العدوان لتحقق أهدافاً خطيرة، يسعى من خلالها إلى الاختراق إلى مناطق مهمة، أو إلى إسقاط محافظات مهمة، أو لتحقيق إنجازات نوعية، فكان يفشل، أولاً: بثبات المرابطين، وثانياً: بالدعم المستمر الذي كان يترافق مع كل منعطفٍ حسَّاسٍ وخطر، فاستمر الدعم للجبهات بالرجال، واستمرت القوافل من عطاء أبناء هذا الشعب، سيما الذين تحلو بالمسؤولية من أبناء هذا البلد، فقدموا من كل ما يمتلكونه، حتى من الأسر الفقيرة التي كانت تقدِّم كل ما تستطيع أن تقدِّمه لدعم الجبهات، والقوافل في كل هذه السنوات لم تتوقف، وكانت مواكبة، ولا زالت مواكبة، وتشهد على عطاء أبناء هذا الشعب؛ لأنه عطاء من ظروف صعبة، ومن ظروف اقتصادية معروفة، من معاناة حقيقية، فاستمر العطاء، واستمر الدعم للجبهات.
في جانبٍ آخر: استمر البناء والتطوير للقدرات العسكرية، وبوتيرة تعتبر بحسب ظروفنا التي نعيشها ونعاني منها معجزةً، لولا معونة الله -سبحانه وتعالى- لولا تأييد الله وتوفيقه، لولا العزم، والإصرار، والتصميم، والجد، والاجتهاد، والصبر بكل ما تعنيه الكلمة.
اليوم بفضل الله -سبحانه وتعالى- باتت عندنا كشعبٍ يمني قدرات عسكرية متطوِّرة ومتنوعة، اليوم باتت الصناعات العسكرية تنتج مختلف أنواع الأسلحة، قد تكون كمية الإنتاج محدودة بسبب الظروف الاقتصادية التي نعاني منها، لكنَّ الإنتاج العسكري اليوم ينتج مختلف أنواع الأسلحة، من الكلاشنكوف الذي بات يصنَّع محلياً، إلى الصواريخ البالستية، وإلى الطائرات المسيَّرة، والحمد لله رب العالمين بمختلف أنواع الأسلحة: الصاروخية، والمدفعية، والرشاشة، وإلى القنَّاصات، وسلاح الآر بي جي… بمختلف أنواع الأسلحة، وكثير من أنواع القذائف باتت تصنَّع محلياً، في ظل ظروف اقتصادية، وحصار شديد، وحصار خانق، مع كل ذلك بفضل الله -سبحانه وتعالى- هناك عملية إنتاج مستمرة، وتزداد توسعاً وتطوراً يوماً بعد يوم على مستوى الكم، وعلى مستوى الكيف.
على مستوى الضربات والعمليات النوعية والميدانية: هناك إحصائيات للضربات النوعية وللعمليات الميدانية، والتي شملت المئات من الضربات النوعية، والآلاف من العمليات الميدانية خلال هذه الأعوام الخمسة المنصرمة، وهذا- كما قلنا- ضمن مسار تصاعدي، فيما كان تحالف العدوان يراهن على طول الزمن على الاستنزاف الكبير، على استمراريته في الحصار، على استمراريته في الضغط الكبير، على أنه سيستنزفنا في القدرات، على أنه سيضعفنا كشعبٍ يمني، على أنه سيكسر إرادتنا، على أنه سيضرب ويحطم الروح المعنوية لنا كشعبٍ يمني، لكنه فشل.
في المقابل هناك مسار تصاعدي، القدرات نحو ما هو أفضل وأقوى، ونحو ما هو أبعد مدىً، وأكثر فتكاً، وأكثر دقةً، العمليات العسكرية كذلك كانت ضمن مسار تصاعدي، على مستوى العمليات الهجومية التي هي حتى في عام 2019 كذلك كانت على مستوى أكثر من كل الأعوام الماضية، وكذلك في الأشهر الأولى لعام 2020، كانت كذلك بأعداد أكبر، وبإنجازات ميدانية أكبر، وعرضت عمليات ميدانية كبيرة وواسعة، من مثل: عملية نصرٌ من الله، من مثل: عملية البنيان المرصوص، من مثل: عملية فأمكن منهم، عمليات كبيرة وواسعة، وحققت بفضل الله -سبحانه وتعالى- وبنصره، وبتأييده، وبعونه إنجازات كبيرة وواسعة، ونتائج مهمة.
فهذا المسار التصاعدي الذي أوصلنا اليوم إلى موقع متقدِّم في القدرات العسكرية، في التماسك الداخلي، في الضربات النوعية، في العمليات الميدانية الواسعة، وأوصلنا إلى وضعٍ إيجابي على مستوى التماسك الاقتصادي، على مستوى مسارات بناء مؤسسات الدولة، على مستوى تعزيز الأخّوة في الداخل، والتكافل الاجتماعي في الداخل، على مستوى تحسين كل مسارات العمل، على مستوى تعزيز حالة الأمن والاستقرار في الداخل، والجهود الكبيرة والناجحة للأجهزة الأمنية في تثيبت هذا الاستقرار، وتحقيق هذا الاستقرار في الداخل، مع أنها تواجه حرباً شرسة، وهي في الوقت الذي تواجه هذه الحرب الشرسة ذات الطابع الأمني، التي سعى العدو من خلالها لتفكيك الجبهة الداخلية من الداخل، وسعى من خلالها إلى كثيرٍ من الأعمال التخريبية والإجرامية، وفشل بفضل الله -سبحانه وتعالى- وبجهود الأجهزة الأمنية التي تقوم بواجبها في التصدي لهذا النوع من العدوان، وتسهم في نفس الوقت في كل جبهات القتال.
الأجهزة الأمنية ومنها وزارة الداخلية لها مشاركات مباشرة: على مستوى المرابطة في الجبهات، وعلى مستوى المشاركة في العمليات الميدانية، وهي في نفس الوقت حاضرة في كل المناطق التي هي في إطار بلدنا خارج إطار الاحتلال، حاضرة باهتماماتها الأمنية، بحفاظها على الأمن والاستقرار، وتحقق نتائج مهمة، وإنجازات كبيرة في هذا السياق.
فهذا المسار التصاعدي أوصلنا إلى مربع أو إلى موقع مهم جدًّا، موقع الانتصارات موقع تثبيت معادلات، وفرض توازن الردع، وهذا موقع متقدِّم جدًّا في المعركة، من الظروف التي كان البلد فيها في بداية العدوان يعاني معاناة كبيرة، وبدأت كل المسارات من نقطة الصفر، مسار بناء القدرات العسكرية بدأ من نقطة الصفر، مسار ترتيب الوضع العسكري وبناء التشكيلات العسكرية بعد أن شهدت المؤسسة العسكرية في البلد ما يشبه حالة الانهيار التام؛ لظروف معروفة من السابق، ومشاكل كثيرة من السابق، الوضع الأمني… كل شيءٍ في البلد في بداية العدوان وفي كل مجال: على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى العسكري كانا على شفى الانهيار، وكانت الوضعية- بحد ذاتها- مطمعة للعدو؛ لأنه سيصل إلى تحقيق أهدافه سريعاً، وأنه يرى الظروف الداخلية لبلدنا في كل المجالات مهيأة، وغير جاهزة لمواجهة عدوان بهذا الحجم، بهذا المستوى الهائل، بتلك الإمكانيات الهائلة، بذلك الدعم الدولي والغطاء الدولي الواسع، مع ما عاناه شعبنا من الخذلان، المجتمع الدولي كان مسانداً لهذا العدوان، مختلف الدول إن أطلقت مواقف، تطلق مواقف معينة ومحدودة في معظم المراحل الماضية، ولكنها عملياً كانت تقف إلى جانب هذا العدوان بأشكال متنوعة ومتعددة: الدعم السياسي في مجلس الأمن والأمم المتحدة، البيع للسلاح، مؤخراً لا بأس هناك مراجعة للمواقف في بعضٍ من الدول، وهذه المراجعة هي نتيجة لما يشاهدونه من صمود وتماسك هذا الشعب، ومن قراءة لمآلات ومسارات الأحداث ونتائجها وعواقبها، جعلت البعض اليوم يراجع حساباته، وجعلت البعض من الدول تراجع أيضاً مواقفها، وتحاول أن تحتفظ لها بخيوط من التواصل، وأن تمهد لنفسها فيما إذا فشل هذا العدوان أن تقدِّم نفسها بصورة مختلفة، وأنه كان لها مواقف إيجابية ولو بمستوىً معين، بمستوى تصريحات معينة، أو توقيف في الآونة الأخيرة لبيع السلاح… أو نحو ذلك، هذا الصمود العظيم مثمر، هذه النتائج نتائج عظيمة، نحن نحمد الله ونشكره عليها، وهذه الثمرة لكل ذلك العطاء، لكل تلك التضحيات من خيرة أبناء شعبنا، من خيرة رجاله، هذه التضحيات وهذا العناء في نهاية المطاف أثمر هذه الثمرة المهمة.
اليوم باتت الصواريخ البالستية، وباتت كذلك الطائرات المسيَّرة في مداها البعيد، وفي دقتها في الاستهداف والإصابة، وفي ما تمتلكه من قدرة تدميرية، في مستوى أن ثبَّتت توازن الردع ما بيننا وبين تحالف العدوان، وهذا ما لم يكن يتوقعه أحد، تحالف العدوان لم يكن حتى يخطر ببال قادته أنَّ النتائج ستصل إلى هذا المستوى.
واليوم أمامنا دروس مهمة جدًّا من هذه الخمس السنوات، عندما نرى فيها حجم هذا العدوان، وما ارتكبه من جرائم، وما كان يمتلكه من إمكانات وقدرات، ومستوى ما اشتغل عليه من مؤامرات وخطط متنوعة، وما اشتغل فيه من مسارات، وما اشتغل فيه أيضاً من مخططات تستهدفنا في كل المجالات، ثم نرى إخفاقه وفشله المعترف به في كل العالم، والذي أصبح هو التقييم السائد لدى كل الأطراف في الدنيا، يصنفونه بأنه عدوان فاشل، ثم نرى في واقعنا الداخلي هذا التماسك، وهذا الثبات، وهذا المسار التصاعدي في التماسك في تحقيق الانتصارات الكبيرة، نقول: هناك دروس مهمة جدًّا، وأول من ينبغي عليه الاستفادة من هذه الدروس هو تحالف العدوان، بكل ما وصل إليه هو من فشل وإخفاق في عدوانه، ومن خسائر كبيرة جدًّا.
لو يأتي تقييم لواقع دول تحالف العدوان، في مقدِّمتهم النظام السعودي، ماذا كان عليه حاله وواقعه ما قبل العدوان؟ وما هو عليه واقعه اليوم في كل المجالات؟
في المجال الاقتصادي: وهو يعتمد على إمكانياته الاقتصادية اعتماداً رئيسياً، هو يعترف والتقييم من كل الناس في الدنيا، كل من لديهم اهتمام بالوضع الاقتصادي، ودراسات اقتصادية، وركَّزوا على واقع دول تحالف العدوان في وضعها الاقتصادي، الكل يقيِّم بأنَّ هناك خسائر كبيرة، وتراجعاً اقتصادياً كبيراً في واقع النظام السعودي، وخططه الطموحة التي كان يؤمل منها أن يصل إلى مستوى الاستغناء عن الاعتماد على النفط فشلت بكل ما تعنيه الكلمة، والحالة الاقتصادية في الواقع الداخلي للمملكة العربية السعودية هي حالة أزمة اقتصادية، والحالة التي يعاني منها النظام الإماراتي، والوضع الاقتصادي في الإمارات هو وضع أزمة بكل ما تعنيه الكلمة، من كان يتصور أنَّ السعودية والإمارات بإمكاناتها الاقتصادية الهائلة، بمداخيلها الضخمة، كانت ستصل إلى مستوى الأزمة، والتي بات يعاني منها الشعب في كلٍّ من البلدين، يعاني منها معاناة كبيرة، والحالة في التراجع الاقتصادي هي حالة مستمرة، حالة مستمرة لديهم.
على المستوى السياسي: هناك أزمة في المملكة العربية السعودية، أزمة في النظام السعودي على مستوى الأسرة، واعتقالات لكبار الأمراء، واستهداف للبعض منهم، وهناك أيضاً ملاحقات للبعض حتى في خارج المملكة العربية السعودية، وهناك ملاحقات في داخل الجيش السعودي، في داخل الأجهزة الأمنية للنظام السعودي، هناك أزمة في النظام السعودي بكل ما تعنيه الكلمة، وحالة انعدام الثقة، وحالة الاستهداف، وحالة الخوف والتفكك، والمشاكل الداخلية باتت معروفة اليوم.
أما على المستوى العسكري: فمن المعروف فشلهم وإخفاقهم الكبير، وهم بشكلٍ رئيسي يعتمدون على الحماية الأمريكية، في الوقت الذي يسخر منهم الأمريكي، يقدِّم لهم الحماية في مقابل ابتزاز مالي كبير جدًّا، واستغلال فظيع جدًّا، مع سخرية واستهزاء وتحقير في كل منابره الإعلامية، في مواقفه السياسية، في مناسباته الانتخابية، كذلك واقع النظام الإماراتي، هو معروف اليوم ما يعانونه على المستوى الاقتصادي، ما يعانيه أولئك على مستوى النظام السعودي والإماراتي من سمعة سيئة جدًّا في كل الدنيا.
للأسف بلغ بهم الحال أن يقدِّموا أسوأ صورة في الذهنية العامة للإنسانية عن الوحشية والإجرام، متفوِّقين بذلك حتى على إسرائيل، على الكيان الصهيوني، وأُرِيدَ لهم ذلك، أمريكا وإسرائيل ترغب في ذلك: أن تقدَّم أنظمة عربية محسوبة على أنها من هذه الأمة، لتكون في الصورة والذهنية العامة للمجتمع البشري أنها الأكثر وحشيةً وإجراماً وسوءاً، بدلاً عن إسرائيل، هذا أمرٌ يخطط له، كما فعلوا مع التكفيريين، أن يقدِّموا أيضاً صورة بشعة وإجرامية وشنيعة جدًّا تشوه الإسلام والمسلمين؛ لترتسم في الذهنية العامة لدى شعوب الأرض وأمم الدنيا أنَّ الأكثر إجراماً، والأكثر وحشيةً وتخلفاً، وابتعاداً عن القيم الإنسانية الفطرية، أنظمة وجماعات تحسب على الأمة الإسلامية. وهذا أمرٌ يؤسفنا، يؤسفنا جدًّا، ولكن ماذا نفعل؟.
أهم درس لتحالف العدوان بمختلف أنظمته: أنه لا جدوى من الاستمرار في هذا العدوان، مهما فعلتم بعد كل الذي قد فعلتم منذ بداية العدوان وإلى اليوم، وعلى مدى خمس سنوات، بعد كل الذي قد فعلتم وارتكبتم من الجرائم، بعد فشل كل تلك المؤامرات والمخططات في كل المجالات، ما الذي يبقى بعد؟ بعد كلما قد تكبدتم من الخسائر، ما الذي يجديكم؟ ما الذي ينفعكم من الاستمرار؟ ما الذي تكسبونه من الاستمرار في هذا العدوان؟ استمراركم في هذا العدوان بعد خمس سنوات فعلتم فيها كل الذي تستطيعون فعله، لن يوصلكم إلى أهدافكم المشؤومة أبداً، أَلَا تجدون أنَّ مسار صمود شعبنا في كل أشكاله، في كل تجلياته، في كل مجالاته: عسكرياً، وفي غير المسار العسكري، هو إلى تصاعد، كلما استمر عدوانكم؛ كلما كان وضعنا أقوى، كلما كان تماسكنا أقوى، كلما كان مسارنا التصاعدي في تحقيق الإنجازات والانتصارات أقوى، وأكبر، وأوسع، وأعظم، أَلَا تأخذون العبرة من هذا؟ أَلَا تستفيدون الدرس المهم، أنكم إنما تجنون المزيد من الفشل والفشل كلما استمر عدوانكم؟ في كلما قد مضى، وفي الوضع الراهن الدرس الكافي، والعبرة الكافية لكم إن كنتم تفهمون، إن كنتم تعلمون، إن كنتم تعقلون، ولكن مشكلتكم هنا: مشكلتكم أنكم لا تعقلون ولا تفهمون.
وأيضاً لا مبرر لكم في الاستمرار، الاستمرار لن يوصلكم إلى أهدافكم في السيطرة التامة على هذا البلد، في الاستعباد لهذا الشعب؛ لأن هناك المَنَعَة الإيمانية والأخلاقية والمبدئية والإنسانية لأبناء هذا البلد، إذا كان هناك حفنة من الخونة والعملاء الذين ارتموا في أحضانكم، والذين عبَّدوا أنفسهم لكم، وباعوا أنفسهم منكم، فإنهم لا شيء أمام الملايين من أبناء هذا الشعب من رجاله ونسائه، الذين يحملون الهوية الإيمانية بكل ما فيها من مبادئ، وقيم، وأخلاق صنعت هذا الصمود، وصنعت هذا الثبات، الذين يعتمدون كلياً على الله -سبحانه وتعالى- ويثقون به، ويتوكلون عليه، وبذلك يحظون بتأييده ومعونته ونصره، هناك منعة، هناك تأييد إلهي ومعونة من الله -سبحانه وتعالى- وقضية عادلة، وموقف حق يتمسك به شعبنا اليمني، ووعي بخطورة التفريط، بخطورة التقصير، بخطورة تمكينكم من تحقيق أهدافكم المشؤومة، الملايين من أبناء هذا الشعب يعون جيداً- وقد شاهدوا ما يحدث في المناطق المحتلة- يعون جيداً ماذا سيترتب على تمكنكم من احتلال هذا البلد، من السيطرة على هذا الشعب بكله، من كوارث، ونكبات، ومآسٍ، وويلات، وخسائر رهيبة على المستوى الأخلاقي والمعنوي والإيماني والمادي، على مستوى المستقبل لهذا البلد.
المسألة مصيرية بالنسبة لنا كشعبٍ يمني، مسألة لا يمكن التفريط بها، ولا المساومة عليها، لا، هناك استعداد تام لتقديم التضحيات مهما بلغت، وللاستمرار في الثبات مهما كان حجم ثمن هذا الثبات؛ لأن الكلفة الهائلة والكبيرة جدًّا للتفريط وللاستسلام لا يمكن أبداً القبول بها؛ لأن الذي يمكن أن نخسره إذا- والعياذ بالله- كان الخيار هو الاستسلام، الذي سيخسره شعبنا هو الحرية، هو الاستقلال، هو الكرامة، هو العزة، هو القيم الإيمانية، هو الهوية الإيمانية، هو المستقبل؛ ولذلك لا يمكن أبداً القبول بذلك، لا يمكن أن يكون هذا هو الخيار لشعبٍ ورد عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- أنه قال فيه بأنه: (الإيمان يمان، والحكمة يمانية).
فلا مبرر لكم، لا جدوى لكم من الاستمرار في هذا العدوان على هذا الشعب، لن تصلوا إلى أهدافكم أبداً أبداً أبداً بإذن الله -سبحانه وتعالى- ولا مبرر لكم، لستم بحاجة إلى الاستمرار في هذا العدوان؛ لأنه ليس صحيحاً أنَّ هذا الشعب يشكِّل خطراً على أمن أحدٍ في محيطه العربي والإسلامي، الأحرار في هذا البلد الذين يهتفون بالموت لأمريكا وإسرائيل، شرفاء هذا البلد، وأخياره، وأحراره، الذين لهم موقف مبدئي تجاه قضايا أمتنا الإسلامية، هم ينطلقون في موقفهم هذا من منطلقات إيمانية ومبدئية، وموقف طبيعي جدًّالهم، ولكنهم على مستوى محيطهم العربي والإسلامي لا يشكِّلون خطراً على أحد، ولا تهديداً لأحد، الذي يريده شعبنا هو الاستقلال، هو الحرية، هل تستكثرون عليه ذلك؟! هل تعتبرون هذه بالنسبة لكم طامة وكارثة؟! هل هذا أمرٌ لا تستطيعون تحمله؟! فهذه مشكلة خطيرة عندكم، أنتم بحاجة إلى أن تسعوا للتشافي منها، للعلاج منها، أنتم بحاجة إلى إعادة النظر في طبيعة تفكيركم، في طبيعة نظرتكم إلى الآخرين، حتى في طبيعة نظرتكم إلى هذا الشعب؛ لأن هذا الشعب العزيز هو جديرٌ بالحرية والاستقلال، وأهلٌ لذلك.
من يفكِّر في أن يجعل من هذا الشعب بكله مجرد أداةٍ تحت سيطرته، وأن يجعل من هذا البلد بكله بلداً محتلاً، هو واهم، هو حالم، هو يعتمد في نظرته السرابية على الخيال، غير الممكن التطبيق في الواقع، هذا شعبٌ كبير وشعبٌ عظيم، شعبٌ له أصالة، له تاريخ، له هوية، شعبٌ عُرِف بلده على مدى التاريخ بأنه مقبرة الغزاة؛ ولذلك الاستقلال والحرية عندنا جزءٌ أساسيٌ من ديننا ومن إيماننا، هو فينا روحٌ نحمله، هو جزءٌ في تكويننا الذاتي والنفسي والمعنوي لا يمكن التفريط به.
فأي بلد، أي نظام، أي متسلط، أي طاغية في هذه الدنيا، يستكثر علينا أن نكون بلداً حراً مستقلاً، لا نفوذ لأي طرف أجنبي عليه، ولا يتحكم به أي طرف هنا أو هناك في هذه الدنيا، ويسعى إلى أن يروِّضنا على الاستسلام، وعلى الخنوع، وعلى الاحتلال؛ فهو فاشل وخائب، ولن يصل إلى تحقيق أهدافه، كل من يفكِّر هذا التفكير، ولا مبرر لأحد.
النظام السعودي إذا كان يفكِّر بأن جواره لبلدنا يمنحه هذا الأمر، ويجعل منه حقاً له، وكما يقول البعض بأنه ينظر إلى اليمن كحديقة خلفية، أنا قلت مراراً وتكراراً: أنه ينظر إلى اليمن نظرة سوداوية وسليبة جدًّا عليه أن يغيِّرها، ويريد لهذا البلد أن يكون مكباً للنفايات، وليس حديقةً خلفية، يريد لنا أن نكون بلداً ضعيفاً مقسَّماً محطماً، لا كيان له، لا حرية له، لا استقلال له، ويرى أنه بذلك سيطمئن، ما الذي يخيفه من هذا الشعب؟! ما الذي يقلقه من اليمن ومن أبناء اليمن حتى يفكر هذا التفكير العدواني السلبي السيء، والذي جعله يتعامل تعاملاً سيئاً ولا يحترم حق الجوار؟.
شعبنا اليمني هو شعب الإيمان والحكمة، المفترض من كل الآخرين في محيطه العربي والإسلامي أن ينظروا إليه هذه النظرة الإيجابية، شعبٌ يتمتع بالمبادئ الإيمانية، والقيم الإيمانية، والأخلاق الحميدة، يتمتع بمكارم الأخلاق، لن يمثِّل خطراً وسوءاً على محيطه العربي والإسلامي، هو يحمل إرادة الخير لكل أبناء أمته، ولذلك فمن يسعى لإذلال هذا الشعب، وإخضاع هذا الشعب، واستعباد هذا الشعب، والسيطرة على هذا البلد، فهو يسعى للخيال، للأوهام، للسراب، ولا يمكنه تحقيق هذا الهدف بأيِّ حالٍ من الأحوال، طالما كان هذا الشعب معتمداً على الله وهو كذلك، وواثقاً بالله وهو كذلك، ومتوكلاً على الله وهو كذلك، ويحمل الهوية الإيمانية وهو كذلك، فلا مبرر للاستمرار في هذا العدوان، والنتائج سلبية، وتزداد سوءاً على تحالف العدوان، وهذا ملحوظ.
أيضاً بالنسبة لنا كشعبٍ يمني، وبالذات أبناء هذا البلد الأحرار والشرفاء الذين يبذلون كل جهدهم في التصدي للعدوان، هناك دروس مهمة، عشنا هذه المظلومية، وهذه المعاناة، ومواجهة هذا التحدي من بدايته وإلى اليوم، في كل منعطفاته، في كل مراحله الحسَّاسة والخطرة والكبيرة، وتفاصيلها كثيرة في كل المجالات، المؤامرات التي سقطت مؤامرة تلو مؤامرة، وعشنا هذه التفاصيل لا داعي للحديث عنها.
أهم درسٍ هو أننا عشنا ثمرة التوكل على الله، والاعتماد عليه، والثقة به -سبحانه وتعالى- وهذا درسٌ مهم استراتيجي، وإنساني، وإيماني، ومعنوي، أهم عاملٍ في الصمود هو الروح المعنوية، وهذه الروح المعنوية إنما تحققت لنا بمعونة الله -سبحانه وتعالى- بتوكلنا على الله، برهاننا عليه -سبحانه وتعالى-.
لم يكن البعض من أبناء هذا البلد الذين كان لديهم نقص في الروح المعنوية، في الروح الإيمانية، ولم يكونوا يحسبون حساب التوكل على الله، والاعتماد عليه، لم يكونوا يتوقعون أبداً أنه بالإمكان الصمود في مواجهة هذا العدوان بإمكاناته الهائلة، ومن واقع الظروف الصعبة التي نعيشها كشعب يمني، كان البعض يعتبر الصمود مستحيلاً، ويعتبر التماسك ثم الانتصار أبعد من المستحيل، ولكن هذا يعود إلى انعدام الحالة الإيمانية لديهم، إلى انعدام الثقة بالله -سبحانه وتعالى- عندهم، إلى انعدام التوكل على الله -سبحانه وتعالى- ضمن مفاهيمهم.
أمَّا أبناء هذا الشعب الأحرار والشرفاء والأعزاء، الذين يحملون الروح الإيمانية العالية، فكانوا مطمئنين إلى أنَّ ثمرة التوكل على الله -سبحانه وتعالى- ستكون هي النصر، وأنَّ وعد الله لن يختلف أبداً، إنَّه- جلَّ شأنه- قدَّم الوعود المهمة لمن يعتمدون عليه، ويثقون به، ويتمسَّكون به في موقفهم العادل، في موقفهم الحق، هو – جلَّ شأنه- القائل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: من الآية3]، هو -جلَّ شأنه- القائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: من الآية40].
من ينطلق معتمداً على الله -سبحانه وتعالى- واثقاً به، في الموقف الحق، متمسكاً بقضيته العادلة؛ يحظى من الله بالنصر، يحظى من الله بالعون، يحظى من الله بالتأييد، وهذه عبرة مهمة، وهذا درسٌ مهمٌ للغاية، نعتمد عليه في مواجهة كل التحديات مهما بلغت، ومهما كان مستواها، ومهما كان حجمها؛ لأن الله أكبر من كل ذلك، وأعظم من كل ذلك.
أيضاً رأينا من ثمار هذا النصر ونتائجه المشرّفة النتائج البنَّاءة، أنه ليس فقط كان واقعنا واقع التماسك؛ إنما واقع البناء، والمثال البارز جدًّا في هذا الجانب: هو بناء القدرات العسكرية، واليوم عندما نتحرك ونتجه الاتجاه نفسه في بناء القدرات العسكرية في بقية المجالات، ومنها: الجانب الاقتصادي، نثق ونتيقن أنَّ الله -سبحانه وتعالى- سيمنُّ علينا بالتوفيق وبالتأييد وبالعون، ويحقق لنا بفضله وكرمه النتائج المهمة جدًّا التي تجعلنا أيضاً في مسار تصاعدي، عندما نلتفت إلى واقعنا رأينا ثمرة العمل الجاد، وثمرة ونتائج التضحية، وثمرة ونتائج الصبر، الانتصارات التي تحققت، والانجازات التي تحققت، والقدرات العسكرية والإمكانات التي وصلنا إليها بفضل الله -سبحانه وتعالى- هي نتاجٌ لمعونة الله مع ذلك العمل، مع ذلك الجهد، مع ذلك الصبر، مع ذلك العطاء، مع تلك التضحية، وهذا ما يجب أن نواصله، لا بدَّ من العمل، لا بدَّ من التحلي بالمسؤولية، لو كنا مظلومين كيفما كنا، ولو بلغ حجم المظلومية إلى أي مستوى من دون أن نتحلى بالمسؤولية، من دون أن نبذل الجهد، من دون أن نعمل، من دون أن نسعى بكل ما نستطيع، من دون أن نعمل ما علينا أن نعمله، لم تكن مظلوميتنا تكفي لأن تتحقق لنا هذه الانتصارات، وأن نصمد هذا الصمود، وأن نتمكن من هذا الثبات، وأن نتمكن من هذا التماسك، لكي ننتصر، ولكي تثبت، ولكي تتماسك، ولكي تكون في موقع القوة في مواجهة التحديات، لا يكفيك أن تكون مظلوماً، بل لا بدَّ من أن تتحلى بالمسؤولية، لا بدَّ من أن تعمل، من أن تسعى، من أن تبذل الجهد، وفي كل ذلك تكون معتمداً على الله، ومتوكلاً عليه؛ لأن التوكل على الله بوعي، بفهمٍ صحيحٍ لمفهوم التوكل، هو التوكل الذي يُبنَى عليه عمل، يُبنَى عليه سعي، تبذل فيه جهود عملية، ولذلك ثمرة التوكل على الله مع العمل الجاد، مع التحلي بالمسؤولية، مع التضحية، مع الصبر على كل المعاناة، نتيجتها مهمة وبنَّاءة، وتحوِّل التحديات والمخاطر إلى فرص حقيقية نخرج منها بقوةٍ أكبر، وببناء لواقعنا على كل المستويات وفي كل المجالات.
ولذلك نصل إلى نقطة مهمة، وهي متطلبات المرحلة، وصلنا اليوم إلى موقع متقدِّم في مواجهة هذه التحديات، والتصدي لهذه الأخطار، والمواجهة لهذا العدوان، واليوم من هذا الموقع الذي وصلنا إليه ما الذي يلزمنا؟ لا بدَّ من الاستمرار في هذه النقاط والمسارات الإيجابية، أن نستمر في توكلنا على الله -سبحانه وتعالى- وفي توجهنا العملي باهتمامٍ أكبر، وبالسعي إلى إحراز النصر في هذه المعركة، إلى تحقيق أهدافنا في إفشال هذا العدوان بشكلٍ نهائي، وتحقيق الحرية الكاملة والاستقلال التام لبلدنا، وبالاعتماد على الله – سبحانه وتعالى- الاستمرار في كل مسارات العمل، على المستوى الرسمي في بناء مؤسسات الدولة، في العمل على خدمة هذا الشعب، في أن يكون هناك تعاون بكل ما تعنيه الكلمة ما بين الجهات الرسمية في مؤسسات الدولة، وما بين أبناء هذا الشعب، في مشاريع عمل تعاونية يتعاون فيها الجانب الرسمي مع الجانب الشعبي لتحقيق منجزات في كل المجالات: في الجانب الخدمي، في جانب البناء الاقتصادي، وهو في مقدِّمة ما يهمنا: العناية بالجانب الاقتصادي، السعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، العمل على الارتقاء بالمنتج المحلي والوطني؛ ليحل محل ما نستورده من الخارج، وفي المقدِّمة في الزراعة.
بلدنا- بحمد الله -سبحانه وتعالى– بلد زراعي، ويمكننا إنتاج مختلف المحاصيل الزراعية المتنوعة من القمح، إلى مختلف المحاصيل الزراعية، وبيئتنا بيئة متنوعة على مستوى الجبال، على مستوى المناطق الشرقية، على مستوى الساحل والمناطق التهامية، وهذا يساعد على التكامل في الإنتاج للمحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها، وتوفير ما يحتاجه الناس، من أين نحصل على غذائنا؟ من أين نحصل على قوتنا؟ من المحاصيل الزراعية، ومن واجب التجار وبالتعاون من الجانب الرسمي، وبالتعاون مع الفلاحين والمزارعين، مع أبناء هذا الشعب، السعي الجاد لتحريك رؤوس الأموال لصالح دعم إنتاج الإنتاج الزراعي والمحلي، بدلاً من الذهاب لشراء المحاصيل الزراعية من الخارج، يتوجه الاهتمام لشرائها من الداخل، والعناية بتسويقها، العناية بتحسين الإنتاج، العناية بتوفير الإنتاج، وهذا ممكن، هناك خطط مهمة، يبقى أن تنفذ بالشكل المطلوب من الجانب الرسمي فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وفيما يتعلق بتطوير الإنتاج المحلي، يبقى أن تنفذ هذه الخطط بتعاون وتظافر للجهود ما بين مؤسسات الدولة وما بين أبناء الشعب، هذا التعاون، وهذا التكاتف، وهذا التظافر للجهود، هو الذي سيوصلنا إلى النتيجة المطلوبة مع الاعتماد على الله -سبحانه وتعالى-.
وطبعاً نحن بحاجة إلى الاهتمام في كل مسارات العمل، الجانب الرسمي يبقى لديه أن يهتم على كل المستويات وفي كل المجالات: في مجال التعليم وإصلاح قطاع التعليم، وتطوير مجال التعليم، إصلاح التعليم سيساعد بشكلٍ مؤكَّد إلى تطوير البلاد في كل أمورها، وإلى النتائج المرجوة في كل المجالات.
عندما نتحرك في كل مسارات العمل: على المستوى الاقتصادي، على مستوى المجال التعليمي… على مستوى بقية مجالات العمل، في كل ما يساعدنا على الصمود والتماسك في مواجهة هذا العدوان، والوصول إلى النصر التام بإذن الله -سبحانه وتعالى- عندما نتحرك في كل مسارات العمل هذه، علينا أن نستشعر جميعاً ما يساعدنا على الانطلاقة الجادة، ما يمثِّل دافعاً وحافزاً مهماً جدًّا في الجدية والاهتمام والعمل، في مقدِّمة ذلك: الاستحضار المستمر للجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان بحقنا، أن نعيش في ذهنيتنا دائماً الإدراك والوعي بالمخاطر الكبيرة لهذا العدوان، وما يسعى إليه من احتلالٍ تام لبلدنا، وسيطرة كاملة على شعبنا، هذه مسألة يجب أن تكون حاضرة بشكلٍ مستمر؛ حتى نتحرك في كل مجالات العمل ونحن نستشعر الخطورة ومستوى التحدي، ونحمل بالتالي الحافز والدافع اللازم للعمل الجاد، ولاستشعار المسؤولية، وللاهتمام بشكلٍ كبير، إذا غاب عن ذهننا ما يفعله العدوان بنا، وما يريده بعدوانه علينا، سنتحرك بروح باردة، بتحركٍ بطيء وفاتر وضعيف؛ أمَّا عند استشعار المسؤولية، وإدراك هذه التحديات، واستشعار هذه المخاطر، هذا يمثِّل حافزاً مهماً جدًّا للعمل الجاد، والتحرك بالشكل المطلوب في كل المجالات.
من المهم أيضاً في المرحلة الراهنة وللمستقبل: العناية أكثر بالتكافل الاجتماعي، وبعيداً عن الرهان على المنظمات، هناك اهتمام لا بأس به، وهناك تكافل اجتماعي في واقعنا الداخلي، وتعاون من الميسورين والأغنياء مع الفقراء، ولكن مستوى هذا التكافل وهذا التعاون لا يصل إلى مستوى المعاناة، وإلى ما يتطلبه الواقع، إلى مستوى الظروف التي يعانيها الفقراء من أبناء هذا البلد، هناك نوعٌ من الاتكال إلى ما تقدِّمه المنظَّمات، وما تقدِّمه المنظَّمات شيءٌ محدود لا يصل إلى مستوى الحاجة، وفي نفس الوقت محكوم بسياسات، ومعرَّض في أي مرحلة من المراحل للتوقف، فلذلك لا ينبغي الاعتماد عليه، من المهم جدًّاالعناية بتطوير آليات التكافل، والعناية بمستوى العطاء، والاهتمام في المقدمة بإخراج الزكاة بشكلٍ كامل، أنا على يقين وعلى ثقة أنَّ الزكاة لوحدها إذا أخرجت بشكلٍ كاملٍ وتام من كل من عليهم هذا الحق، ستفي بالغرض، مع أنه لا بدَّ أيضاً من الاهتمام مع الزكاة بالإنفاق، بالعطاء، بالصدقة، ولكني على يقين وثقة بأنَّ الزكاة إذا أخرجت بشكلٍ تام ستعالج هذه المشكلة، وستسد هذه الحاجة، وستغطي هذه الحاجة بالشكل الملائم والمطلوب، ستعالج هذا البؤس الذي يعاني منه الفقراء، والذي أدَّى بالكثير إلى حالات التسول منهم، ستعالج هذه المشكلة وبشكلٍ بنَّاء؛ لأن هيئة الزكاة لها أيضاً مشاريع عملية للتمكين الاقتصادي، وتسعى أيضاً ليس فقط إلى سد الحاجة، ليس فقط إلى توفير الطعام، أو الغذاء، أو الملبس، أو بعضٍ من الاحتياجات التي تساعد على توفير مأوى مؤقت للمحتاجين والمعوزين والفقراء؛ وإنما لديها برامج للتمكين الاقتصادي، ومعالجة مشكلة الفقر لدى هؤلاء، ومساعدتهم للعودة إلى الإنتاج، للعودة إلى العمل، للعودة إلى ما يساعدهم على توفير احتياجاتهم، لينالوا الحياة الكريمة والعيش الكريم، وهذا من أهم ما يركِّز عليه الإسلام في برامجه، في توجيهاته، في إرشاداته، المسؤولية بالدرجة الأولى على كبار المكلفين، تبلغ نسبة زكاتهم إلى نسبة جيدة، يمكن أن تساهم بشكل كبير في معالجة مشكلة الفقراء والمعوزين والنازحين، ولكن مع ذلك أيضاً البركة في كل ما يجمع من كل من عليهم هذا الحق، سيساهم بكل يقين وبكل تأكيد على معالجة هذه المشكلة، إلى الدرجة التي يمكن أن نستغني فيها بشكلٍ تام عمَّا تقدِّمه المنظَّمات، والذي- كما قلت- هو معرَّض للخطر، كما أنَّ طريقة المنظَّمات طريقة سلبية؛ لأنها تعوِّد من تقدِّم لهم هذه المعونات على القعود، قليلٌ جدًّا من مشاريعها التي هي مشاريع تبني الفقراء، تساعد الفقراء على الإنتاج، تساعدهم على العمل، تساعدهم على توفير احتياجاتهم بطريقة عملية وإنتاجية، وأكثر شيء تكتفي بتقديم غذاء يساعد الفقير على أن يأكل وأن يبقى مجمداً في مكانه، فإذا أوقفوا ما يقدِّمونه؛ يمثِّل هذا مشكلةً كبيرةً عليه.
الزكاة ركنٌ من أركان الإسلام، هي فريضة من أعظم فرائض الله، وهي التزامٌ إيمانيٌ ودينيٌ، الإخلال به يهدم إيمان الإنسان، إذا الإنسان يفرِّط في إخراج الزكاة، إمَّا لا يخرجها، أو يخرج جزءاً منها ويأكل الجزء الآخر، لا تقبل منه صلاة، لا يقبل منه أي عمل صالح، هذا ما أكَّد عليه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وما أكَّدت عليه النصوص القرآنية، القرآن الكريم كم فيه من أوامر (وَآتُوا الزَّكَاةَ)، (وَآتُوا الزَّكَاةَ)، بل إنه يقرنها مع الأمر بإقامة الصلاة:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، كما يهدد {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[فصلت: 6-7]، (لا تقبل صلاةٌ إلَّا بزكاة) هذا ما روي عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- فالذي يخل بهذا الركن وهذا الفرض، إمَّا بأن يأكل جزءاً منه، أو أن لا يخرجه بكله، أو أن يصرفه في غير مستحقه، فهو يخل بإيمانه، يضرب عمله الصالح ضربةً قاضية، تسبب له مشكلةً مع الله -سبحانه وتعالى- يأكل ما جعله الله حقاً للفقراء والمساكين والمحتاجين، وما حدد له مصارف معينة، هو حقٌ لهم أنت تأكله عليهم، فالعناية بإخراج الزكاة والاهتمام بصرفها في مصارفها سيمثل حلاً مهماً في عملية التكافل الاجتماعي بكلما يترتب عليه من نتائج إيجابية، مساعدة الفقراء هؤلاء على الصمود والثبات، دفع الكثير من المفاسد: مفاسد السرقة، النهب، المفاسد على المستوى الأخلاقي… مفاسد كبيرة، من النتائج الإيجابية: تعزيز حالة الإخاء والتماسك الاجتماعي، والترابط الاجتماعي، والأخوّة بين أبناء هذا البلد (بين الفقير وبين الغني).
لا يجوز أبداً أن تتحول النظرة الإيجابية من فقراء هذا البلد نحو المنظَّمات، فيرون فيهم فقط الأمل، ويرون فيهم فقط المعيل والمغيث والمعين، ويرون أبناء هذا الشعب من الأغنياء والميسورين يتنكَّرون لهم، ويتجاهلون لهم، بالتأكيد سيكون لهذا آثار سلبية على مستوى حالة الأخوة والتعاون.
أيضاً هناك أشكال أخرى من التعاون مع الفقراء: العناية باليد العاملة، بالتشغيل، بالمساعدة في العملية الإنتاجية، التعاون أيضاً مع الجمعيات الخيرية المحلية التي تصب اهتماماتها في الداخل لصالح الفقراء، العناية بشكل مباشر ضمن مشاريع عمل تساعد هؤلاء على العناية بأمورهم وظروفهم، هذا من الأمور المهمة التي تحتاج إلى التفاتة أكبر في المرحلة القادمة وفي الوقت الراهن.
من النقاط التي ينبغي التركيز عليها أيضاً: العناية بالسلم الاجتماعي، والعمل على حلِّ المشاكل ما بين قبيلة وأخرى: مشاكل ثأر، مشاكل نزاعات على أراضي، مشاكل أخرى تؤثِّر سلباً على مستوى الصمود والتماسك، تؤثِّر سلباً على التفاعل مع الوضع الراهن في دعم الجبهات، في التصدي للعدوان، تشغل البعض عن القضايا الكبرى، فينشغل بتلك المشاكل الجزئية، والبعض منها حتى هامشية وتافهة، لا تستحق الانشغال بها، والبعض منها يمكن حلها بالأخوة والتفاهم والتصالح، أو عبر القضاء، والبعض منها يمكن تأجيلها إلى ما بعد نهاية العدوان، هي تؤثِّر بشكلٍ مباشر، والبعض منها يوظَّف ويستغل من تحالف العدوان، هذه من الأمور المهمة التي ينبغي التركيز عليها، وندخل إلى بنود الختام لهذه الكلمة:
أولاً: أدعو تحالف العدوان لوقف عدوانه، ولرفع الحصار بشكلٍ واضحٍ وقرارٍ صريح، وبشكلٍ عملي، وليس مجرد إطلاق تصريحات محتملة مع الاستمرار في الغارات، مع الاستمرار في الحصار، مع الاستمرار في احتلال هذا البلد، لا بدَّ من موقفٍ واضح في وقف هذا العدوان، وتطبيق عملي، والتزام فعلي بوقف هذا العدوان، ورفع هذا الحصار، وليس هناك- كما قلت- ما يبرر استمرار هذا العدوان، هذا عدوان ظالم، وعدوان وحشي، وعدوان بغير حق.
كما أنصح الخونة من أبناء هذا البلد إلى الاستجابة لجهود اللجنة الوطنية للمصالحة، والتي تبذل مشكورةً جهوداً كبيرة لعودة البعض منهم إلى حضن الوطن، وللتصالح الداخلي مع البقية.
الوضع الذي يعيشه الخونة هو وضع كارثي، وخسارتهم محققة بكل ما تعنيه الكلمة، تحالف العدوان يذلهم، يسيء إليهم، يقهرهم، يستعبدهم، والوضعية التي هم فيها وضعية ليست محترمة، وليس فيها ما يدعوهم إلى التشبث بها والتمسك بها، المصلحة لهم أن يعودوا إلى حضن الوطن، وأن يتصالحوا مع أبناء شعبهم.
الحالة التي يعيشونها هي حالة إذلال وإهانة، البعض منهم يصبح باسم مسؤول كبير، ثم يمنعونه حتى من العودة إلى المحافظة التي أصبحت محتلة: إما إلى عدن، إما إلى حضرموت، إما إلى مأرب، حالة من الإذلال والاستهداف والقتل والسجن، وكل الممارسات التي هي ممارسات إذلال وقهر هي قائمة وموجودة في واقعهم من جانب تحالف العدوان، هم يعيشون في ظل تحالف العدوان مسلوبي الإرادة، مسلوبي القرار، مسلوبي الحرية، مصادري الكرامة، وهذا يمثِّل خسارةً كبيرةً فيما هم عليه، يدفعون بهم إلى الموت، إلى الهلاك، إلى القتل، لماذا؟ في سبيل ماذا؟ في سبيل أن يتمكن السعودي أو الإماراتي من السيطرة على هذه المحافظة أو تلك، تحت إشرافٍ أمريكي وتحالف مع إسرائيل، هل هذا شيء يستحق منكم أن تخسروا كل شيءٍ في مقابله: أن تخسروا حياتكم، أن تخسروا كرامتكم وحريتكم، أن تسيؤوا إلى أبناء شعبكم، إلى أهلكم، إلى أسركم، إلى قبائلكم؟ لا والله، أنتم في خسارة محققة، مع ما يفعله بكم تحالف العدوان من إذلال، وقهر، وإهانة، وممارسات مسيئةجدًّا ومذلة.
أتى الكارثة والطامة عليكم وباء كورونا، مما يخفيه اليوم الخونة، ويخفيه تحالف العدوان: هو انتشار وباء كورونا بين أوساط الخونة في عددٍ من الجبهات والمحاور، نحن بحسب مصادرنا ومعلوماتنا التي أتت من عدة محاور عسكرية، ومنها محور ميدي، تؤكِّد لنا انتشار وباء كورونا بأعداد مخيفة، هذا الوباء إضافة إلى القتل في المعارك الخاسرة التي هي فقط وفقط لتمكين الأجنبي من احتلال البلد كارثة عليكم، كارثة بما تعنيه الكلمة عليكم، أنتم في خسارة محققة، وأكبر خسارة هي خسارتكم، عودوا إلى رشدكم، عودوا إلى صوابكم، راجعوا حساباتكم، فكِّروا جيداً في الوضعية التي أنتم عليها، وطبعاً لا نرغب بعودة من أصيبوا بهذا الفيروس حالياً وهم في حالة الإصابة إلى داخل البلاد؛ حتى لا ينشروا هذا الوباء، ولكن ليحذر الباقون، المتواجدون في المحاور العسكرية في ظل العدوان لمناصرة العدوان، وأيضاً من يفكر بالذهاب إليهم ليكن على حذر.
ثانياً: نشيد بالمواقف المشرفة والإنسانية والأخلاقية لكل المناصرين لشعبنا والمتضامنين مع مظلوميتنا، والذين يقفون إلى جانبنا في محنتنا، وفي مقدِّمتهم الجمهورية الإسلامية في إيران، التي لها أوضح وأصدق موقف في دعم قضيتنا، وفي التضامن معنا كشعبٍ يمنيٍ مظلوم، بالرغم مما تعاني منه الجمهورية الإسلامية في إيران من حصارٍ جائر، ومن استهداف بكل أشكال الاستهداف، ولكنها تقف المواقف المبدئية والإيجابية لصالح الشعوب المستضعفة، وإلى جانب المظلومين من أبناء الأمة الإسلامية.
وأيضاً نشيد بالموقف الإيجابي والمشرف والمتضامن والمتعاون والمناصر لحزب الله في لبنان، للأحرار في العراق وسوريا، المتضامنين معنا من بقية شعوب العالم.
ثالثاً: نؤكِّد على ثبات موقفنا المبدئي في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مظلوميته، وإدانتنا لكل أشكال التآمر عليه، ومن ضمن ذلك مساعي التطبيع والعلاقات والولاء من جانب بعض الأنظمة العربية، وفي هذا السياق نعبِّر عن استنكارنا الشديد لما تقوم به السلطات السعودية والنظام السعودي من اختطاف لأعضاء في حركة حماس ومحاكمتهم، ونعلن في هذا السياق وتضامناً مع شعبنا الفلسطيني استعدادنا التام للإفراج عن أحد الطيارين الأسرى لدينا، مع أربعةٍ من ضباط وجنود المعتدي السعودي من أسراه لدينا، في مقابل الإفراج عن المختطفين من حركة حماس والمعتقلين الفلسطينيين، وتخلية سبيلهم، طبعاً من أهم الأسرى لدينا، من أهم أسرى المعتدي السعودي لدينا هم الطيارين الأسيرين، نحن مستعدين أن نقدِّم أحد الطيارين مع أربعة من ضباط وجنود المعتدي السعودي الأسرى لدينا، في مقابل أن يفرج النظام السعودي عن المعتقلين والمختطفين الفلسطينيين المظلومين، الذين يحاكمهم بتهمة أنهم يدعمون جهة إرهابية، ويقصد بذلك المجاهدين في فلسطين، هذا تضامناً مع شعبنا الفلسطيني.
رابعاً: في ملف الأسرى نؤكِّد جهوزيتنا التامة لإنجاز عمليات التبادل وفق الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، والتي دأب تحالف العدوان على التنصل عنها في كل مرة، كل مرة اتفاق ثم يتنصل عنه بدون مبرر، بدون مسوغ، إلَّا أنه لا يمتلك ذرة من الإنسانية ولا حتى تجاه الأسرى الذين هم من جنوده، من ضباطه، من المحسوبين عليه.
وأخيراً: أقول لشعبنا العزيز، أقول لكل الأمة: قادمون في العام السادس معتمدين على الله، متوكلين عليه، بمفاجئات لم تكن في حسبان تحالف العدوان، وبقدرات عسكرية متطوِّرة بإذن الله تعالى، وبانتصاراتٍ عظيمة إن شاء الله، طالما استمر هذا العدوان والحصار، في نفس الوقت مستعدون لخيار السلم، لخيار وقف الحرب، إذا اتجه تحالف العدوان بقرار جاد والتزام عملي لوقف العدوان والحصار.
أؤكِّد لشعبنا العزيز أنَّ يثق بنصر الله وبالفرج، وأنَّ لكل هذه الشدائد نهاية، وأنَّ للصبر والعمل والتضحية والعطاء والتقوى عاقبة حميدة، وعاقبة سعيدة، وعاقبة عظيمة يحددها الله -سبحانه وتعالى- من إليه وحده يرجع الأمر كله، ترجع الأمور، كما قال -جلَّ شأنه-: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج: من الآية41]، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}، {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}[الشورى: من الآية53]، كما قال -جلَّ شأنه-: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف: من الآية128].
نسأل الله تعالى بفضله وكرمه أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛