نص خطاب الرئيس اليمني بمناسبة العيد الـ54 للاستقلال، الـ30 من نوفمبر المجيد.
وجّه رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، مساء اليوم الاثنين، خطابا إلى الشعب اليمني بمناسبة العيد الـ54 للاستقلال، الـ30 من نوفمبر المجيد.
وتوجّه الرئيس المشاط بالتهنئة لقائد الثورة، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، والشعب اليمني بهذه المناسبة، لافتا إلى أن هذه الذكرى المجيدة تحُل واليمن يتعرّض للعام السابع على التوالي لعدوان بغيض يشنّه أعداء الثلاثين من نوفمبر، الأمر الذي يضع الجميع أمام مسؤوليات جسام تجاه هذا اليوم التاريخي.
وأكد أن هذه المناسبة تتزامن مع الكثير من الانتصارات المتسارعة لأبطال القوات المسلّحة والأمن، حاثا الجميع على المزيد من التكاتف والتعاون، ورفد الجبهات، والحفاظ على المكتسبات، وفتح الباب واسعا أمام المصالحات الداخلية، والترحيب الدائم بالعائدين، ونبذ كل أسباب الفرقة والكراهية، ورص الصفوف في مواجهة مختلف التحدّيات.
وأشار إلى الحملات التضليلية المعادية، التي تقودها واشنطن، وتشارك فيها بريطانيا وفرنسا ودول أخرى، لتشويه موقف صنعاء من السلام، بهدف تضليل الرأي العام الغربي والعالمي، والتغطية على حقيقة مواقفهم المعيقة للسلام، متخذين من المعارك الدائرة على مشارف مدينة مأرب شماعة لأكاذيبهم.
كما أكد الرئيس المشاط عدم صحة ما يشيعه الخطاب الإعلامي والسياسي لهذه الدول. وقال: “نذكّر بأننا حرِصنا منذ بداية الحرب على أن تبقى مأرب في منأى عن الصراع، وقدمنا الكثير من المبادرات والتنازلات في سبيل تحقيق هذه الغاية، وآخرها مبادرة السيد القائد التي قدّمها عبر الأشقاء في عُمان، ولكنهم أبوا ورفضوا كل محاولاتنا للحلول السلمية، وصنعوا من مأرب قاعدة عسكرية للقوات الأجنبية، ووكرا للتنظيمات الظلامية، ومنطلقا للعمليات العسكرية والأمنية”.
فيما يلي نص الخطاب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله عن صحابته الأخيار المنتجبين، وبعد:
بمناسبة الذكرى الوطنية المجيدة لطرد آخر جندي من جنود الاستعمار البريطاني من أرض الباسمة عدن، أتوجّه بعظيم التهاني والتبريكات إلى شعبنا اليمني العزيز، وإلى قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله، والتهاني موصولة أيضا لزملائي في المجلس السياسي الأعلى، وللإخوة الكرام في حكومة الإنقاذ الوطني، ولكافة العلماء والمشايخ والأعيان، وعموم النخب والوجاهات، وكل الشرفاء من أبناء وبنات الجمهورية اليمنية في الداخل والخارج.
أيها الأخوة والأخوات
تطل علينا هذه الذكرى المجيدة وبلادنا للعام السابع على التوالي تتعرض لعدوان بغيض، يشنه أعداء الثلاثين من نوفمبر، الأمر الذي يضعنا أمام مسؤوليات جسام تجاه هذا اليوم التاريخي الكبير والمتميز.
إن هذا اليوم -كما هو معروف- يشير إلى احتفاء الشعب اليمني العظيم بنضالاته التي أثمرت حرية واستقلالا في العام 1967، ليصبح منذ ذلك العام عيد الاستقلال، ويوم الابتهاج اليماني برحيل آخر جندي من جنود الاستعمار البريطاني، لكن المؤسف أن أعداء هذا اليوم – بما هم عليه من الحقد والتآمر والمطامع المشبوهة – عادوا مرة أخرى ليسرقوا من الباسمة عدن بهجتها وابتسامتها من جديد، وهذه العودة المشؤومة للاحتلال الأجنبي إنما تكشف لنا حجم الطعنة الغادرة التي غرستها – الأدوات الارتزاقية الرخيصة – في خاصرة التاريخ النضالي للآباء والأجداد.
لذلك لم تعد الألعاب النارية، ولا الأغاني الوطنية، ولا القصائد والخطب العصماء وسيلة جيدة للتعبير عن احتفاء الإنسان اليمني بهذا اليوم المجيد، ولا كافية للنهوض باستحقاقات الثلاثين من نوفمبر ما لم يقترن كل ذلك بالجهاد والجبهات.
أيها الإخوة والأخوات
إن التعبير الحقيقي عن الاحتفاء بهذا العيد الوطني والتاريخي هو اليوم يكمن فقط في ما يظهره شعبنا اليمني من صمود وصبر، ومن إباء وبذل وعطاء، وفي ما يجترحه أبناؤه في الجيش واللجان الشعبية من بطولات وتضحيات ضمن المشروع الوطني القرآني التحرري لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيد.
إن جبهات التصدّي لهذا العدوان في جميع المجالات هي وحدها الطريق المتاح حتى الآن لإعادة الصلة والوصل بين الأجداد والأحفاد، وهي وحدها اليوم من يعيد الاعتبار للرابع عشر من أكتوبر والثلاثين من نوفمبر.
ومما لا شك فيه ولا ريب أن الموقف الوطني المناهض للعدوان والاحتلال الأجنبي يضعنا على الدوام في حالة انسجام دائم مع استحقاقات هذا اليوم المجيد، ومع هويتنا وقيمنا وأخلاقنا، ومع ضمائرنا ومسؤولياتنا تجاه الأرض والشعب والتاريخ، وفي هذا لا شك ذروة الشرف والفخر والاعتزاز، وبهكذا مواقف نصبح في وضعية تهون معها الصعاب والمعاناة. ذلك بأن توفيق الله وهدايته إلى الوقوف في موقف الحق هو دائما نعمة من الله، يجب أن نشكرها بالمزيد من الثبات والعمل والمثابرة ومضاعفة الجهود، وصولا إلى الفوز برضا الله قبل كل شيء، والى صناعة المستقبل الكريم لبلدنا وشعبنا، على النقيض تماما من أولئك الذين باعوا أنفسهم للشيطان، وتخندقوا في خندق الباطل والعدوان والحصار ضد بلدهم وشعبهم، وشاركت بنادقهم بنادق الغازي المعتدي والمحتل الأجنبي، فخسروا رضوان الله أولاً، وباؤوا بسخطه وغضبه ثانياً، وفوق ذلك جلبوا لأنفسهم العار، وحصدوا الخزي والهوان، وفقدوا الثقة والاحترام حتى لدى أولادهم ونسائهم، ويكفيهم خزيا أنهم اليوم لا يستطيعون مشاركتكم الاحتفال بهذه الذكرى دون أن يتحولوا إلى مادة للسخرية والازدراء.
أيها الشعب اليمني الكريم
إن يوم الثلاثين من نوفمبر يقدّم نفسه اليوم كعلامة فارقة بيننا وبين خصومنا، ويظهر لكل فريق امتداده الطبيعي، ونسخته الأصلية في تجارب التاريخ، وهو لا شك يضع الجميع وبشكل مسبق في صورة المآلات والنتائج النهائية للمواقف والمشاريع في كل مظاهر ومحاور الصراع القائم، ويسكب في كل أذن وقلب بأن الحق دامغ، والباطل زاهق، والمحتل لا محالة راحل، وأن المجد كل المجد لمن ينحاز إلى الحق مع شعبه ووطنه، والخزي والعار لمن يخون الوطن والشعب، وللجميع أن يقف في هذا اليوم بقدر من التأمل، ويستحضر في المشهد صورة المحتل البريطاني وهو يشد الرحال بنفس ذليلة وأيد مرتعشة، والى جانبه صورة مرتزقته وأدواته وهم يستجدونه ويتوسلونه – دون جدوى – بأن يتيح لهم مقاعد في طائرات الإخلاء وسفن الهروب، وفي اللحظة نفسها يمكننا أن نستحضر بفخر صورة الأحرار والثوار وهم يحتفلون بانتزاع حريتهم واستقلال بلدهم، وتلك سنن التاريخ الإنساني في كل زمان ومكان.
أيها الإخوة والأخوات
إن من المهم في هذه المناسبة أن نعرب عن اعتزازنا ببلدنا وشعبنا وأن نعتصم بهويتنا وتاريخنا، ونذكي في قرارة أنفسنا ثقافة السيادة والاستقلال، وأن نحولها باستمرار إلى عمل وأمل، وإلى سلوك وموقف، وفي هذا السياق أود الإشادة بهذا الوعي العظيم والمتعاظم الذي يملأ ربوع الوطن بشكل عام، وينتشر كالضوء في نفوس أهلنا الكرام على أرضنا المحتلة بشكل خاص. وإنه لشرف عظيم أنني اليوم أتحدث إليكم وصنعاء تستقبل يوميا وأسبوعيا العشرات والمئات من إخوتنا وأبنائنا الذين صححوا مواقفهم، وصوبوا وجهة بنادقهم في الاتجاه الصحيح مع وطنهم وشعبهم وعاصمتهم، إضافة إلى ما يأتينا من داخل معسكرات المرتزقة أنفسهم من مؤشرات ومبشرات تبعث على التفاؤل، في دلالة تجعلنا على يقين بأن اليمن لن يكون أبدا إلا حرا أبيا كما أراد له الله، لا كما يريد له الخارج.
وفي ما تبقى من هذه الكلمة الموجزة، أود أن أؤكد على بعض النقاط بشكل سريع:
أولا- تتزامن مع هذا المناسبة الكثير من الانتصارات المتسارعة لأبطالنا البواسل في القوات المسلحة والأمن، وفي هذا السياق أبارك لشعبنا المظلوم هذه الانتصارات والمواقف المشرفة، وأحيي كل رفاق السلاح جيشا ولجانا ومتطوعين، وأحث الجميع على المزيد من التكاتف والتعاون ورفد الجبهات، والحفاظ على المكتسبات، وفتح الباب واسعا أمام المصالحات الداخلية، والترحيب الدائم بالعائدين، والحرص على إعادة الاعتبار لإخائنا الداخلي بالمزيد من التسامح والتصالح والتعايش، ونبذ كل أسباب الفرقة والكراهية، ورص الصفوف في مواجهة مختلف التحديات والاستعداد لمواجهة التصعيد بالتصعيد، ومواصلة النضال والجهاد بوتيرة أعلى حتى التحرير الشامل والكامل – بإذن الله.
ثانيا – تنتشر حملات تضليلية معادية قوامها تشويه مواقفنا من السلام تحديدا، وهذه الحملات تقودها واشنطن، وتشاركها في ذلك بريطانيا وفرنسا ودول أخرى بهدف تضليل الرأي العام الغربي والعالمي، والتغطية على حقيقة مواقفهم المعيقة للسلام، متخذين من المعارك الدائرة على مشارف مدينة مأرب شماعة لأكاذيبهم، ويعمدون إلى تثوير وتضخيم مخاوف الجوار المعتدي، للدفع به مجددا في إطالة أمد الحرب، بهدف تجميع نقاط ضغط لابتزازه واستنزافه، وتعقيد الحلول على نحو أكبر، وفي هذا السياق نؤكد عدم صحة ما يشيعه الخطاب الإعلامي والسياسي لهذه الدول، ونذكر بأننا حرصنا منذ بداية الحرب على أن تبقى مأرب في منأى عن الصراع، وقدمنا الكثير من المبادرات والتنازلات في سبيل تحقيق هذه الغاية، وآخرها مبادرة السيد القائد التي قدمها عبر الأشقاء في عُمان، ولكنهم أبوا ورفضوا كل محاولاتنا للحلول السلمية، وصنعوا من مأرب قاعدة عسكرية للقوات الأجنبية ووكرا للتنظيمات الظلامية، ومنطلقا للعمليات العسكرية والأمنية، ومكنوا تلك التنظيمات الإرهابية الإجرامية من اضطهاد المسافرين والمقيمين في مأرب، والعبث بثروات الشعب، حتى صارت المحافظة مصدر تهديد لأمن ومصالح الشعب اليمني ككل، وبالتالي لم يكن تحركنا باتجاه مأرب عملا ترفيا ولا فائضا عن الحاجة، ولا بهدف التحدي والمكابرة وإنما كان ضرورة وطنية وأمنية وإنسانية، ونؤكد للعالم أجمع بأن مأرب بمديرياتها الأربعة عشر عادت عمليا إلى حضن الوطن، ولم يتبق سوى أقل من مديريتين، ونوضح بأنه لا أساس ولا صحة لكل ما يثار من مخاوف حول دخول مأرب، لا بل نعتبر دخول مأرب خطوة إيجابية تصب في مصلحة السلم والأمن لليمن والمحيط بشكل عام، ويمكن لكل القلقين النظر إلى هذه المسألة على هذا الأساس، مؤكدين استعدادنا لوقف كافة أعمالنا العسكرية الدفاعية فور توقف العدوان، ورفع الحصار، والالتزام العملي بإنهاء الاحتلال ومعالجة تداعيات الحرب.
ثالثا- ندين ونشجب الأسلوب الأمريكي العدائي، وكذلك الصمت الأممي تجاه جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المستمرة ضد شعبنا اليمني العزيز، وندعو المجتمع الدولي إلى تغيير سياساته العدائية تجاه صنعاء ووقف أساليب الاصطفاف العدواني، باعتبارها سياسات وأساليب لا تنسجم مع بناء الثقة، ولا مع مقتضيات الحلول السياسية، ولا تساعد أبدا على تحقيق السلام، ونرى وننصح العالم بشكل عام والجوار المعتدي بشكل خاص، إلى المزيد من الواقعية والمراجعة واستشراف عواقب التصعيد ومخاطر الحسابات الخاطئة والتصورات المغلوطة تجاه صنعاء، والمبادرة، بدلا عن ذلك إلى محاولة الإصغاء لما لدى صنعاء من نوايا خيرة، ومواقف محقة، ورؤى موضوعية ومنصفة كفيلة بتحقيق السلام وضمان المصالح المشروعة للجميع.